(ماذا يحدث كل صباح) (1)

محمد بن إبراهيم النعيم
1439/04/17 - 2018/01/04 21:14PM

الخطبة الأولى

يتصفح معظم الناس يوميا الصحف أو القنوات الإخبارية، يقلبوا صفحاتها لمعرفة أهم الأحداث المحلية أو العالمية، ليكونوا على اطلاع عما يجري حولهم، إنها ثقافة قد تنفع ولا تضر، فدعونا نستعرض اليوم أهم الأحداث الصباحية والمسائية لهذا اليوم.

ولكني لن أتكلم عن أحداث العالم الصباحية التي تنشرها الصحف اليومية، ففيها الغث والسمين، فلن أتحدث عن الأخبار السياسية ولا الفنية ولا الرياضية، وإنما سأتحدث عن بعض الأحداث التي لم تذكرها هذه الصحف، كما أني لن أتطرق إلى أحداث تحدث في هذا العالم المشاهد، وإنما سأذكر بعض الأحداث الصباحية التي تحدث في عالم الغيب، وقد حدثت اليوم صباح الجمعة، وستحدث هذا المساء، وستحدث غدا وبعد غد، والهدف من ذلك أن نستشعر أمر الآخرة ونهتم لها، ونستعد لها، استجابة لما رواه أنس بْنِ مَالِكٍ –رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ كَانَتْ الآخِرَةُ هَمَّهُ، جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ، جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا قُدِّرَ لَهُ) رواه الترمذي.

أكرر، فهذه الأحداث لم تنقلها لنا وسائل الإعلام، وإنما نقلها لنا الصادق المصدوق  –صلى الله عليه وسلم-، فأهم الأحداث الصباحية التي ينبغي استشعارها وتصورها لنعيش بعض أحداثها ونتفاعل معها؛ خمسة أحداث مهمة سأتطرق إلى واحد منها فقط؛ كي لا تطول الخُطبة وأرجئ الباقي في خطب قادمة بإذن الله تعالى:

(أولا) تم في هذا الصباح عرض مقاعد الموتى على أصحابها إن كانوا في الجنة أو النار:

فقد عرضت عليهم مقاعدهم ليزدادوا فرحا وسرورا أو حسرة وثبورا.

فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  –صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، يُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) متفق عليه.

هل استشعرتم ماذا يحدث لأمواتنا كل صباح وكل مساء؟ وماذا يعرض عليهم؟

الموتى ليس عندهم صباح أو مساء، ولكن تعرض عليهم مقاعدهم التي سيؤولون إليها يوم القيامة، في كل وقت صباح ومساء عند الأحياء.

ولعل الحكمة في هذا العرض للموتى، أنه زيادة تبشير لأرواح الصالحين منهم باستقرارها في الجنة على الرغم من النعيم الذي هم فيه، كما أنه زيادة تعذيب وحسرة لأرواح الطالحين مع ما هم فيه من تعذيب في قبورهم.

قال الحافظ ولي الدين رحمه الله تعالى: فيه أن الميت يُعرض عليه في قبره بالغداة والعشي مقعده من الجنة، وفي هذا تنعيم لمن هو من أهل الجنة، وتعذيب لمن هو من أهل النار بمعاينة مما أعد له وانتظاره ذلك إلى اليوم الموعود اهـ (شرح سنن النسائي للأتيوبي 20/118).

ولعل الحكمة في ذكر النبي  –صلى الله عليه وسلم- لهذه المعلومات على الأحياء، هو للاستعداد ليوم الرحيل، والاهتمام قليلا بأمر الآخرة، ولإثبات عذاب القبر ونعيمه.

انظروا إلى عموم الناس، ترونهم مشغولون في أمر دنياهم فقط، فترى البعض يخطط لمستقبله، والبعض يستعد لسفر أو تجارة، والبعض مشغول في أمر تافه، أما تلك الحفرة، فالقليل من يفكر فيها، ويخطط لها، أو يفكر ماذا يحدث لأهلها.

فلنعش قليلا بعض الأحداث التي يمر بها الموتى الآن، ولتكن قلوبنا معهم بالدعاء والاستغفار.

فقد كان أبو هريرة –رضي الله عنه- يعيش ما يحدث لأهل القبور كل صباح ومساء، فكان يقول كلما أمسى: جاء الليل وذهب النهار، وعرض آل فرعون على النار، وإذا أصبح قال: ذهب الليل وجاء النهار، وعرض آل فرعون على النار، لماذا كان يقول ذلك؟

لأنه كان يستشعر قول الله عز وجل في آل فرعون )النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ(.

 فأبو هريرة يؤمن بأن آل فرعون يعذبون في قبورهم، وأنهم يعرضون على النار كل صباح وكل مساء، إنه يدرك أهم الأحداث التي تحدث في الصباح والمساء، ويتفاعل معها، وهذه قمة الإيمان واليقين، الذي يُحيي القلوب ويهذب النفوس.

فالذي حدث هذا الصباح وعلى مستوى العالم؛ أنه عرض على الأموات مقاعدهم في الصباح الباكر إما قصورا في الجنة أو بيوتا والعياذ بالله في النار، وستعرض عليهم عند المساء.

فالمؤمن بعد موته سيعرض عليه مقعده لأول مره ثم بعد ذلك يعرض عليه بكرة وعشيا.

فأما عرض المقعد على الميت لأول مرة بعد دفنه فدليله: ما رواه الْبَرَاءُ بْن عَازِبٍ –رضي الله عنه- قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم- فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدْ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ وَكَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ فِي الأَرْضِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: (اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ)، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا ثُمَّ قَالَ: (إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مَلائِكَةٌ مِنْ السَّمَاءِ، بِيضُ الْوُجُوهِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ السَّلام، حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ، اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ، قَالَ: فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، حَتَّى يَأْخُذُوهَا فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ، وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، قَالَ: فَيَصْعَدُونَ بِهَا، فَلا يَمُرُّونَ؛ يَعْنِي بِهَا، عَلَى مَلَإٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ، إِلاَّ قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ؟ فَيَقُولُونَ: فُلانُ بْنُ فُلانٍ، بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ، وَأَعِيدُوهُ إِلَى الأَرْضِ، فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ، وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ، وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى، قَالَ: فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ، فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ، فَيَقُولانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: دِينِيَ الإِسْلامُ، فَيَقُولانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولانِ لَهُ: وَمَا عِلْمُكَ؟ فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ، فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ، فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ: أَنْ صَدَقَ عَبْدِي، فَأَفْرِشُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ، قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا، وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ، قَالَ: وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الثِّيَابِ، طَيِّبُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ، فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ، فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ، فَيَقُولُ: رَبِّ أَقِمْ السَّاعَةَ، حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي، ....) رواه أحمد.

وأما دليل عرض المقعد على الميت كل صباح ومساء بعد ذلك فدليله الحديث الذي بدأنا به موضوعنا حيث قال –صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، يُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) متفق عليه.

هل يمكن أن نتذكر كل صباح ومساء مثل هذا الحدث؟

لماذا لا نحاول أن نعيشَ بقلوبنا بعض أحداث الآخرة؟

 لقد كان النبي –صلى الله عليه وسلم-  يعيش مثل ذلك، ويربط الكثير من أمور الدنيا بالآخرة.

Z إن مثل هذه الحديث يجعلنا نستشعر ونعيش فرحة الموتى الصالحين، وهم يترقبون كل صباح وكل مساء؛ لتعرض لهم قصورهم ومنازلهم التي في الجنة، ولا نلومهم إذا قال كل واحد منهم: رب أقم الساعة، لأنه رأى ما لا عين رأت، ولا خطر على قلب بشر، رأى قصور الجنة، رأى قصوره التي وعد بها، وما أدراكم ما تلكم القصور، فهل قرأتم بعض أوصافها؟ وعرفتهم بعض مميزاتها؛ لتعيشوا فرحة الموتى الصالحين؟

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ الذي خلق الموت والحياة ليبلونا أينا أحسن عملا، وَأشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، جعل جنة الفردوس لعباده المؤمنين نزلاً، وأَشْهَدُ أَنَّ محمدا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، الذي نسخ بملّته مِللا ، وطوى بشريعته أديانا ونحلا،  صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، لا نبغي عن سنته بدلاً، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ الذين عملوا بطاعة الله، فلم يتخذوا سواها شغلا.

 أما بعد: فاتقوا الله تعالى حق التقوى، واسلكوا سُبل ربكم ذُلُلا، واعلموا أن الموتى الصالحين قد عرضت عليهم هذا الصباح قصورهم التي في الجنة، وأن الموتى الطالحين قد عرضت عليهم مقاعدهم في النار.

ومن فوائد عرض مقاعد الموتى الصالحين عليهم مرتين كل يوم، أنهم سيهتدون إليها دون عناء إذا دخلوا الجنة؛ لأنهم كانوا يرونها صباحا ومساء طوال فترة البرزخ.

فقد روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (يَخْلُصُ المؤمنون من النار، فَيُحْبَسُونَ على قنطرة بين الجنة والنار، فَيُقَصُّ لبعضهم من بعض مَظَالِمُ كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هُذِّبُوا وَنُقُّوا؛ أُذِنَ لهم في دخول الجنة، فو الذي نفس محمد بيده لأحدهم أَهْدَى بِمَنْزِلِهِ في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا) رواه البخاري.

فهو يعرفها ويعرف مكانها كما يعرف بيوته التي في الدنيا، وقد فهم علماء التفسير ذلك أيضا من قوله تبارك وتعالى في سورة محمد: }وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ{، قال ابن كثير: قال مجاهد رحمه الله تعالى: يهتدي أهلها إلى بيوتهم ومساكنهم وحيث قسم الله لهم منها لا يخطئون كأنهم ساكنوها منذ خلقوا لا يستدلون عليها أحدا اهـ.

وأما الطالحون -نعوذ بالله من حالهم- لعلنا نستشعر حسرتهم وعذابهم؛ حين تعرض عليهم مقاعدهم التي في النار، ولا نلومهم إذا قال أحدهم رب لا تقم الساعة، لأنه يعلم يقينا أن ما ينتظره من عذاب هو أشد وأبقى.

فهل عرفتم ماذا سيحدث اليوم بعد غروب الشمس؟ وهل ستترقبون ذلك؟

لذلك استشعر يا عبد الله كل صباح وكل مساء أن الكفار يعذبون وتعرض أرواحهم على النار.

وتذكر عند كل غروب شمس ماذا يحث للأموات عموما وللكفار خصوصا من عذاب، فلو فعلت ذلك لما اغتررت بكافر مهما أوتي من مال أو شهرة، فقد روى أبو أيوب الأنصاري –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- خرج بعدما غربت الشمس، فسمع صوتا فقال: (يهود تعذب في قبورها) رواه أحمد.

أيها الأخوة في الله: ما الفائدة من هذه الخطبة ومن هذا الحديث؟

إنه يدفعنا إلى الاستعداد ليوم الرحيل، والتفكير الجاد والمستمر بأحوال المقبورين، وماذا سيلاقون بعد الموت.

إنه يدفعنا إلى تصحيح مسار سلوكنا وتعاملنا، لئلا تعرض علينا مقاعد من نار.

لا ينبغي أن نكون في هذا الوقت من الغافلين حينما تعرض على أهل القبور مقاعدهم ومنازلهم، إنه حدث عظيم يحدث كل يوم لمليارات الناس الذين قضوا نحبهم، لا يفكر فيه إلا القليل، فلا ينبغي أن نكون عنده من الغافلين، لذلك شرع لنا في هذين الوقتين تحديدا الإكثار من ذكر الله تعالى وتسبيحه، قال تعالى )فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ(.

لذلك خلاصة هذا الموضوع أنك إذا أصبحت، تذكر أن الموتى ستعرض عليهم الآن مقاعدهم، فيا بشرى للصالح منهم، ويا حسرة الطالح، لذلك أكثر الدعاء لهم والصدقة عنهم والاستغفار لهم، فإنهم يحتاجون إلى كل ذلك، وغدا ستكون عندهم تتمنى هدية من قريب ودعوة من حبيب.

أيها الأخوة في الله: سؤال أطرحه: هل الذي مات مديونا محبوس في قبره، ولا يعرض عليه مقعده في الجنة؟ وما معنى محبوس بدينه؟

فقد روى سَعْد بْن الأَطْوَلِ قَالَ: مَاتَ أَخِي وَتَرَكَ ثَلاثَ مِائَةِ دِينَارٍ وَتَرَكَ وَلَدًا صِغَارًا فَأَرَدْتُ أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ أَخَاكَ مَحْبُوسٌ بِدَيْنِهِ فَاذْهَبْ فَاقْضِ عَنْهُ) رواه أحمد.

 وروى سمرة بن جندب –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: (ها هنا أَحدٌ من بني فُلانٍ؟ إن صاحبَكم محبُوسٌ ببابِ الجنّةِ بدَينٍ عليه) رواه الطيالسي.

هذا ما لم أستطع الإجابة عليه، وأدعه لك لكي تفكر في الإجابة عليه...

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم أحينا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا، اللهم ارزقنا الثبات حتى الممات، اللهم أصلح لنا ديننا اللهم احفظ علينا أمننا واستقرارنا، وأصلح ولاة أمرنا،

 1/7/1432هـ

المشاهدات 1627 | التعليقات 0