ماذا بقي من رمضان

1433/09/21 - 2012/08/09 01:29AM
الخطبة الأولى :
أمّا بَعد:عباد الله:شرُفت هذه الأمّةُ بشهرٍ تتطهَّر فيه النفوس من العصيان والآثام ومن مساوئ الأفعال والخصال، يشغَل المسلِمون فيه أوقاتَهم بالطّاعة وتِلاوة القرآن، ينزِّه الصيامُ نفوسَهم، ويهذِّب القِيامُ أخلاقَهم، ويُلين القرآن قلوبَهم، يتسَابقون في ليالِيه بالفَضائل، ويتنافسون في أيّامه بالجود، وفي عَشرِه الأواخر تزكو الأعمال وتُنال الآمَال، تقولُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا :كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ العَشْر أحْيَا اللَّيْلَ ، وَأيْقَظَ أهْلَهُ ، وَشَدَّ المِئْزَرَ .متفقٌ عَلَيْهِ وكان عَليه الصلاة والسّلام يضاعِف أعماله الصّالحةَ في شهرِ رمضان، ويخصّ العشرَ مِنها بالمضاعفةِ، تقول عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَجْتَهِدُ في رَمَضَانَ مَا لاَ يَجْتَهِدُ في غَيْرِهِ ، وَفِي العَشْرِ الأوَاخِرِ مِنْهُ مَا لا يَجْتَهِدُ في غَيْرِهِ . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
إنَّها سوقٌ يتنافَس فيها المشمِّرون، وامتِحانٌ تبتَلَى فيها الهِمَم.
عباد الله : ومما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يحرص عليه في هذه العشر الاعتكاف في المسجد تفرغاً لعبادة ربه وتحرياً لليلة القدر ، فالاعتكاف في رمضان سنة فعلية فعلها النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حياته ، واعتكف أزواجه من بعده ، وحكى أهل العلم الإجماع على أنه مسنون، وينبغي أن يكون الاعتكاف على الوجه المشروع وهو أن يلزم مسجداً لطاعة الله سبحانه بحيث يتفرغ من أعمال الدنيا إلى طاعة الله ، والصحيح أن الاعتكاف يبدأ من غروب شمس يوم 20، قال العلاَّمة العثيمين :جمهور أهل العلم على أن ابتداء الاعتكاف من ليلة إحدى وعشرين لا من فجر إحدى وعشرين ،وقال وأما نية الاعتكاف فهي من أول الليل،لأن العشر الأواخر تبتدىء من غروب الشمس يوم عشرين" اهـ
وأما خروجه :فإنه يخرج إذا غربت الشمس من آخر يوم من أيام رمضان.
ويكثر فيه من أنواع القربات والنوافل والطاعات من صلاة وقرآن وطلب علم وذكر، فلا يبيع ولا يشتري ولا يخرج من المسجد إلا لما لابد له منه،ولا يتبع جنازة ولا يعود مريضا.
وينبغي للمعتكف ترك الحديث في أمور الدنيا وإقامة المسابقات وإحضار المسجلات والاستماع إلى الأناشيد، والإكثار من الاتصال بالهواتف المحمولة لغير حاجة نسأل الله لنا ولهم الهداية .
ولا بأس بالحديث المباح أحياناً، أو لتنشط للعبادة ولو كان في مدارسة القرآن وتفسيره أو العلم فهو أفضل، وهناك أحكام أخرى للاعتكاف ينبغي التفقه فيها قبل الدخول فيه .
عباد الله : وفي العَشرِ الأواخرِ ليلةٌ مباركةٌ هِيَ تاجُ ليالي الدّهر، كثيرةُ البرَكاتِ، عَزِيزَة السّاعَات، القَليلُ مِنَ العمَلِ فيها كَثيرٌ، والكثيرُ منها مُضَاعَف { لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ } [القدر:3]، ينزِل مِنَ السّماءِ خَلقٌ عَظيم لشُهودِ تلكَ اللّيلةِ، { تَنزلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ } [القدر:4]، القَائمُ في ليلَتِها بالتّعبُّد مغفورٌ له ذنبُه، يقول المصطَفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )) متفقٌ عَلَيْهِ . فيها تُفتَح الأبوابُ ويسمَع الخطاب، يصِل فيهَا الرّبّ ويقطَع، يعطي ويمنَع، يخفِض ويرفَع، فعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: قُلْتُ : يَا رَسُولُ اللَّهِ ، أرَأيْتَ إنْ عَلِمْتُ أيُّ لَيلَةٍ لَيْلَةُ القَدْرِ مَا أقُولُ فِيهَا ؟ قَالَ : (( قُولِي : اللَّهُمَّ إنَّكَ عَفُوٌ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنّي )) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
عباد الله:أفضل الصلاةِ بعد الفريضةِ صَلاة الليل، ولم يكنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ يدَعُ قيامَ اللّيل في سفرٍ أو حضَر، وكان يصلّيهِ قائمًا وقاعدًا حتّى تتفطّر قدَماه. وسارَ رَكبُ الصحابة المبارك على هديِ ربِّهم في ذلك، قال عزّ وجلّ:{إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ} [المزمل:20]،وقال سبحانه في وصفِ الصحابة: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ }[الفتح:29].
والقيامُ للهِ في الظُّلَم من أعمَال أهل الإيمان، {كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ }[الذاريات:17]. وصَلاةُ اللّيل أعظم ما يُرجَى وأزكَى ما يُقدَّم، وهي مِن أسبابِ دُخولِ الجِنان، يقولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ: « أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلاَمَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِسَلاَمٍ » رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. ولَيالي رَمضانَ مبَشَّرٌ من قامَها بغُفرانِ الذّنوبِ، قال عليه الصلاة والسلام:« مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيماناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ » متفقٌ عَلَيْهِ .
أقول قولي هذا ، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أمّا بعد:عباد الله:الدّعاءُ حَبلٌ ممدود بين السّماء والأرض، وهو المغنَمُ بلا عَناءٍ ومِن أنفعِ الأدوِيَة للدَّاء،{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}[النمل:62]في كلِّ ليلةٍ ساعةُ إجابةٍ، الأبوابُ فيها تفتَّح، والكَريم فيها يمنَح، فسَل فيها ما شِئتَ، فخزائِن الله ملأَى، والمعطِي كريم، وأيقِن بالإجابةِ فالربُّ قديرٌ، وبُثَّ إليه شكواك فإنّه الرّحيم، يقول النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ: « إِنَّ فِى اللَّيْلِ لَسَاعَةً لاَ يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ » رَوَاهُ مُسْلِمٌ . ونَسَماتُ آخِرِ اللّيل مظِنّة إجابَةِ الدّعوات، قيل لِرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:أيُّ الدُّعاءِ أَسْمَعُ ؟قَالَ:«جَوْفَ اللَّيْلِ الآخِرِ ،وَدُبُرَ الصَّلَواتِ المَكْتُوباتِ»رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحسنهُ الأَلبَانيُّ.والعبدُ مفتقرٌ إلى محوِ أدران خطاياه والانكسار بين يدَي اللهِ والافتقارِ إليه.
وإذا قرب العبد من ربِّه لطَفَ الله به، وساق إليه الإحسانَ من حيثُ لا يشعُر، وعصمَه من الشرِّ من حيث لا يحتَسِب.
اللّهمّ صلّ وسلّم على نبيّنا محمّد، وارض اللّهمّ عن خلفائه الراشدين...

المشاهدات 2171 | التعليقات 2

جزاك الله خير

خطبة موفقة ومناسبة

أسأل الله أن لا يحرمك أجرها


جزاك الله خيرا