ماذا بعد رمضان؟

ماذا بعد رمضان؟

ألقيت في جامع حمراء الأسد – المدينة المنورة

عبد الله بن عبد الرحمن الرحيلي

2/ شوال/ 1442

عناصر الخطبة:

1-أحوال الناس بعد رمضان.

2-الاستفادة من دروس رمضان.

3-الصبر ونصيحة للمدخنين.

4-الاستمرار على الطاعة بعد رمضان.

5-فضل صيام الست من شوال.

6-بعض أحكام صيام الست من شوال.

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين، مقلب الليل والنهار عبرة للمعتبرين، وتبصرة للموقنين.

وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، جعل الجنة دارا لأوليائه المتقين.

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى الأمين، خير عباد الله المحسنين، الذي عبد ربه حتى أتاه اليقين.

صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه والتابعين.

 

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله في سائر الأزمان والأيام، اتقوا الحي الذي لا يموت، القيوم الذي لا ينام.

اتقوا ربكم الشهيد الذي لا يغيب، اتقوا من هو بكل شيء محيط، وعلى عملكم رقيب.

{يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } [آل عمران: 102]

 

 

عباد الله..

لقد انقضى شهر رمضان بما أودعتموه من الأعمال،  فمن أحسن فيه فليسأل الله أن يتقبل عملَه، وليشكر لربه توفيقه وفضلَه، وليستقم على الخير حتى يبلغ أجلَه، ولا يكن كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا.

 

يذكر المؤمن منة الله وفضله عليه في شهر رمضان، فلله وحده المنة والفضل، في التوفيق للعبادة والهداية إليها، ولله وحده المنة والفضل، في قبولها والإثابة عليها.

 

ومن أساء وقصر في رمضان، فليعلم أن باب التوبة مفتوح، ما لم تغرغر الروح.

 

 

عباد الله.. لقد كان شهر رمضان ميدانا يتنافس فيه المتنافسون، ومدرسة ينهل من معينها الصالحون الموفقون.

 

يستعذب المؤمن من مدرسة رمضان: تحقيقَ التقوى للملك الديان؛ فيا من ترك ما أباح الله له نهار رمضان، حذار من اقتراف ما حرمه الله في كل زمان.

 

إن المؤمن المنتفع من مدرسة رمضان مراقب لربه، يعلم أنه مطلع على عمله، مدوام على خشية الله وتقواه؛ فلا يقصر في أوامر الله، ولا يراه الله حيث نهاه.

 

يتعلم المؤمن من مدرسة رمضان الصبر عن معصية الله فلا يأتيها، والصبر على طاعة الله فلا يمل من طول قيامه فيها.

 

 إن رمضان شهر الصبر، وإن الصيام صبر ومصابرة؛ لذا فاز الصائمون بباب الريان.

لقد ذهب الصابرون بعظيم الأجر والثواب (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) [الزمر: 10]

 

يعلمنا رمضان أن قبيح العادات مهما اشتد تمكنها؛ فإن المستعين بالله قادر على دفعها بأحسن منها.

 

وهاهنا نداء لمن ابتلي بشرب الدخان..

لقد تركتَ أيها المدخن التدخين غالب شهرك؛ حفاظا على صيامك وطاعة لربك، فليكن رمضان بابا لتركه بالكلية، وفرصةً للإقلاع عن هذه البلية.

 

وليكن لك أسوة حسنة، فيمن ترك التدخين بعد اعتياد سنين طويلة.

وذلك بالاستعانة بالله والتوكل عليه، والمجاهدة والصبر والمصابرة، وبذلِ الأسباب الشرعية والطبية للحد من خطر هذه الآفة، التي تهلك الصحة، وتضعف البدن، وتستنزف المال، وتثقل العبادة.

 

وتذكر.. أن من ترك شيئا لله عوَّضه الله خيرا منه ، وكما يعظم ثواب الطاعة بعظم مشقتها، فكذلك يعظم ثواب ترك المعصية إذا كان تركُها شاقا على صاحبها.

 

عباد الله..

ننهل من معين رمضان: الأخلاقَ الحسنة، ودفعَ السيئة بالحسنة، ففي حال الصيام (فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم) وفي كل وقت وحين، أُمرنا بالإعراض عن الجاهلين، (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين) [القصص: 55].

 

من غنائم رمضان لمن تفكر واعتبر: ذوقُ حلاوة الإيمان، والأنسُ بتلاوة القرآن، ونيلُ لذة التضرع والدعاء، والتقلبُ بين جناحي الخوف والرجاء.

 

إنها حلاوة تفوق كل الطعوم، ومذاق يعلو كل مذاق، حلاوة روحية قلبية!

من لم يبكِ فرحا بلذتها، فليبكِ أسفا على فقدها.

 

يعلمنا رمضانُ الجودَ والتكافلَ والإحسان، تكافلٌ يكون فيه المؤمنون كالبنيان، فيا من جاد وأنفق في شهر رمضان، ليكن البذلُ دأبَك في كل زمان.

 

وتذكر أنه (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، يقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكا تلفا).

 

ومن ذاق في رمضان حلاوة البذل والعطاء، لن يترك بعده الإحسان إلى الفقراء.

 

 عباد الله..

إن العبد المؤمن لا ينفك عن عمل من أعمال الإيمان، ولا يفارق سبيل السائرين إلى الرحيم الرحمن، فهو عبد لربه ومولاه، يداوم على عبودية ربه في سره ونجواه، في صباحه ومساه.  

يزداد منها في مواسم الخيرات؛ لكنه لا يقطعها سائر الحياة.

 

لقد حذر نبينا صلى الله عليه وسلم من ترك الطاعة بعد اعتيادها؛ فقال (يا عبدالله، لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل ، فترك قيام الليل)

وأخبر صلى الله عليه وسلم أن (أحب الأعمال إلى الله: أدومُها وإن قل).

و (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا عمل عملا أثبته).

ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : (اللهم إني أعوذ بك من الحَوْرِ بعد الكَوْر) .

فاستعيذوا بالله من الرجوع إلى المعصية بعد الطاعة، ومن العودة إلى النقص بعد الزيادة.

 

اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم إنا نعوذ بك من الضلال بعد الهدى، ومن الحَوْرِ بعد الكَوْر.

اللهم إنا نسألُك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرُّشد، ونسألُك مُوجِبات رحمتك، وعزائِم مغفرتِك، ونسألُك شُكر نعمتِك، وحُسن عبادتِك.

 

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله واهب العطايا، ومجزل النعم على البرايا، والصلاة على البشير النذير، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، ووالوا شهركم وعيدكم بالشكر والحمد والثناء، واعلموا أن ربكم عز وجل يتحبب إليكم بمواسم الخير لرفعة درجاتكم، ومن ذلك ما ندبكم إليه في شهركم هذا من صيام ستة أيام منه،  يستكمل المؤمن بصيامها أجر صيام الدهر كله:

 

قال صلى الله عليه وسلم : " من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر"

صيام الست من شوال يعوِّض نقص رمضان؛ فإن الفرائض تُجبر بالنوافل.

 

فبادروا إلى صيامها شكرا لربكم، وجبرا لنقص شهركم.

صوموها تكن علامة على قبول عملكم، وأمارةً على استدامة عبادتكم.

 

على أن تعلموا عباد الله.. أن قضاء الفريضة أبرأُ للذمة: فعلى من عليه أيام أفطرها من رمضان أن يبادر إلى قضائها، ثم يصومَ الست من شوال.

 

ولا يصح جمع قضاء رمضان مع ستِ شوالٍ بنية واحدة؛ لأن صيام الست لا يكون إلا بعد صيام رمضان كاملا.

وللمسلم أن يصومها متتالية أو متفرقة في شهر شوال، والمبادرة إلى الخيرات أفضلُ الخصال.

 

ومن البدع اتخاذُ ثامن شوالٍ عيدًا، يُصنَعُ فيه طعامٌ كطعام العيد، ويُهنَّأُ فيه بتهنئة العيد، ويُسمِّيه بعضُ العوام عيد الأبرار.

وهذا من ضروب البدع والمحدثات، التي نهى عنها خير البريات، عليه الصلاة والسلام.

 

وبعد عباد الله..  فإن معبودنا ﷻ حي لا يموت، شهيد لا يغيب.

ورب الشهور كلِّها واحد، وهو على جميع الأعمال والأقوال مطلع وشاهد.

حلت مواسم الخير أو ترحلت؛ فعبادته لا تنقطع إلا بالموت.

فكونوا عباد الله ربانيين لا رمضانيين.

واعبدوا ربكم حتى يأتيكم اليقين.

 

وصلوا وسلموا عباد الله على رسول الله.

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ، اللهم بارِك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.

اللهم أحسِن عاقبَتنا في الأمور كلِّها، وأجِرنا من خِزيِ الدنيا وعذابِ الآخرة.

اللهم إنا نعوذُ بك من زوالِ نعمتِك، وفُجاءَة نقمتِك، وتحوُّلِ عافيتِك.

اللهم انصر دينَك، وكتابَك، وسُنَّةَ نبيِّك وعبادك الصالحين.

اللهم آمنَّا في أوطانِنا، وأصلِح اللهم وُلاةَ أمورنا، اللهم وفِّق خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضَى، اللهم وفِّقه وولي عهده لهُداك، واجعل عملَهما في رِضاك،

اللهم من أرادنا وأراد بلادنا بسوءٍ أو فُرقة فرُدَّ كيدَه في نحرِهِ، واجعل تدبيرَه تدميرا عليه.

نسألُك الجنةَ وما قرَّب إليها من قولٍ وعمل، ونعوذُ بك من النار وما قرَّب إليها من قولٍ أو عمل، برحمتِك يا أرحم الراحمين.

 

 

المرفقات

1621326446_خطبة ماذا بعد رمضان.docx

1621326446_خطبة ماذا بعد رمضان.pdf

المشاهدات 752 | التعليقات 0