ماذا بعد الحج
محسن الشامي
1436/12/18 - 2015/10/01 18:09PM
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأشهد أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إمامُ المتقين وقائدُ الغر المحجلين وحجة الله على خلقه أجمعين صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين أَمَّا بَعدُ عباد الله اتقوا الله، فإن تقواه أفضلُ زاد وأحسنُ عاقبةٍ في معاد، واعلموا أن الدنيا مِضْمَارُ سِباق سبق قومٌ ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا فرحم الله عبدًا نظر فتفكر، وتفكر فاعتبر، وأبصر فصبر ولا يصبر على الحق إلا من عرف فضله ورجا عاقبته (إِنَّ الْعَـاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) إخوة الايمان مَرَّت بِالمُسلِمِينَ أَيَّامٌ عَظِيمَةٌ مِن أَيَّامِ اللهِ وَعَاشُوا مَوسمًا كَرِيمًا مِن مَوَاسِمِ الآخِرَةِ فَنِعمَ الأَيَّامُ تِلكَ الأَيَّامُ وَنِعمَ المَوسِمُ ذَلِكَ المَوسِم إِنَّ تِلكَ الأَيَّامَ وما فيها من عِبَادَاتِ جَلِيلَةِ وَأَعمَالِ نَّبِيلَةِ إِنَّمَا هِيَ مَحَطَّاتٌ إِيمَانِيَّةٌ وَمَوَاقِفُ رَوحَانِيَّةٌ يستَلهِمُ مِنهَا العبادُ دُرُوسًا في العُبُودِيَّةِ نعم انْتَهَى موسم الحجِّ وانْقضت قبله خيرُ أيامِ العَامِ وفي ذلك عِبَرٌ وخَبَرٌ فَهَلْ مِنْ معتبرٍ فتأمَّلُوا يرعاكم الله في مرورِ الأيامِ وفي تَعَاقُبِ الدُّهورِ والأَعْوامِ فَمَا أَنْ تبدأُ سنةٌ حتى تنتهي وما يَهِلُ هلالُ شهرٍ حتى ينقضي وما أنْ تطلعُ شمسُ يومٍ حتى تَغيبَ ومَا يُولدُ من مولودٍ حتى يَكْبُرَ ويَشِيب وفي هذا عبرةٌ لنا بانْقِضَاءِ آجالِنا وانتهاءِ أعمارِنا فهل من معتبر قبل دنو الأجل{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}
أمة الاسلام لقد مَرَّتِ بنا أيام هي افضل ايام الدنيا عند الله فَمَنْ كانَ استَغلها غَنِمَ ومَنْ أهملَها وَسَوَّفَ فقد حرم خيرها وربما تَمَنَّى رجوعَها لِيَسْتَغِلَّها ولكنْ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ فمن يدري؟فَرُبَّمَا لا تعودُ إِلَّا وَقَدْ وُسِّدَ الترابَ أَوْ أصابَهُ مَرَضٌ أَوْ ابْتُلِيَ بِأَمْرٍ يَصْرفُهُ عنها قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِك)صححه الألباني ألاوَإِنَّ مَا مَرَّ بِنَا ياعباد الله مِن أَعمَالٍ وَقُرُبَاتٍ في العَشرِ وَأَيَّامِ التَّشرِيقِ لَيُؤَصِّلُ فِينَا مَا قَد نَغفَلُ عَنهُ في خِضَمِّ هَذِهِ الحَيَاةِ مِن مَهَامِّ العُبُودِيَّةِ وذلك لأنَّ للعبادة أثراً في القلبِ بِالارْتِيَاح وأثراً في النفسِ بالانْشِرَاح ونوراً في الصدرِ وضياءً في الحشرِ قال تعالى{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} فهذا وَعْدٌ صَادِقٌ مِنْ رَبٍّ كريمٍ بأَنَّ المؤمنَ الذي يعملُ الصالحاتِ سواءً كان ذكرا أو انثى أنَّ له حياةً طبيةً وعيشةً هَنِيَةً في الدنيا وأنَّ له الجزاءَ الوافرَ في الدارِ الآخرةِ , فَأَيْنَ مَنْ يَعْمَل؟ وأَيْنَ مَنْ يُقْبِل ؟فالعملُ الصالحُ لذةُ الدنيا وأُنْسُها فَهَلَّا عَرَفْنَا الطريقَ وهَلَّا أَقَبَلْنا على العملِ وجعلْناه الرفيق ؟ قالَ بعضُ السَّلَفِ : واللهِ لولا الليلُ ما أحببْتُ الحياة يعني بذلك أنَّهُ يَخْلُو بِرَبِّه فيصلي بالليلِ والناسُ نِيَامٌ فَيَأْنَسُ باللهِ ويَجِدُ طَعْمَاً للحياة {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ *فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} فَيَا مَنْ غَابَتْ عَنْهُ الأَفْرَاح وفَارَقَهُ الهناءُ وخَسِرَ الأَرْبَاح وتكالبت عليه الهموم والغموم هلم إلى العملِ الصالحِ الذي يقربك من خالقك ومولاك
يَاخادمَ الجسمِ كَمْ تَسْعَى لِرَاحَتِهِ * أَتْعَبْتَ نَفْسَكَ فِيْمَا فِيهِ خُسْرَانُ
أَقْبِلْ على النفسِ واسْتَكْمِلْ فَضَائِلَها * فَأَنْتَ بِالرُوحِ لَابِالجِسْمِ إِنْسَانُ
معاشر المسلمين:لقد رأيتم في الأيام الماضية هؤلاءِ الحَجِيجِ الذينَ جاءُوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيق جَاءُوا مِنْ أقطارِ الدنيا وأطرافِ الأَرْض جَاءُوا مُلَبِّينَ مُكَبْرِينَ إِنَّهم أَتَوْا لهذهِ الدِّيارِ وقدْ بَذَلُوا الغاليَ والنَّفِيس جاءُوا بِقلوبٍ يَمْلَؤُها الشَّوْق وَعيونٍ اغْرَوْرَقَتْ بِالدموعِ جاءَ الواحدُ منهم وربما ضَيْقَ على نفسهِ وأهلهِ شُهورا ودُهُورَاً لِيُوَفِرَ أُجْرَةَ المَجِيءِ إِلى هَهُنا فَلِماذا كلُّ هذا ؟ ومَا الذي حَمَلَهُم على ما يَفْعلونَ ومَنِ الذي دَعاَهم لِمَا يَعْمَلُون ؟إِنَّهُ الله إِنَّها الاستجابة لأمرالجبار جل جلاله{ وَأَذِّنْ في النَّاسِ بِالحَجِّ يَأتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ } فَيَا مَنْ ابْتَعَدَّتَ عَنِ الله وَيَا من أَسْرَفَتَ أَنْقِذْ نَفْسَكَ وَأَطِعْ رَبَّكَ وَكن من عباد الله الذين أقْبِلُوا عَلَيْهِ وامْتَثلُوا أَمْرَهُ وَاجْتَنبوا نَهْيَهُ وطلقوا الدنيا بملذاتها وشهواتها فصدق قول القائل فيهم
إِنَّ للهِ عِبَــــــــــاداً فُـــــــطَنَــــــا * طَلَّقُوا الدُّنْيَا وخَافُوا الفِتَنَا
نَظَروا فيهَا فَلَمَّا عَلِمُوا * أَنَّهَا لَيْسَتْ لِحَيٍّ وَطَــــــــــــــــنَا
جَعَلُوها لُجَّةً واتَّخَــــــــــــذُوا * صَالِحَ الأَعمالِ فيها سُفُنا
أيها المباركون:اعْتَادَ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى الْجِدِّ فِي مَوَاسِمِ الطَّاعَاتِ ثُمَّ الدَّعَةِ والْخُمُولِ بَعْدَ ذَلِكَ بَلْ رُبَّمَا خَلَطَ وَقَارَفَ بَعْضَ الْمَعَاصِي بِحُجِّةِ أَنَّهُ قَدَّمَ وَقَدَّمَ وَهَذَا أَمْرٌ لا يَنْبَغِي بَل الْمُؤْمِنُ لا يَزَالُ مُسْتَمِرَاً فِي طَاعِةِ ربه حَتَّى يأتيه الموت فالله عزوجل أمر نبيه صلى الله عليه وسلم باستمرارية العمل حتى يدنو الأجل فقال تعالى مخاطباً نبيه {واعبد ربك حتى بأتيك اليقين}فليعلم المسلم أن مواسم الخير هي تحوّل كامل لواقع حياته من حياة الغفلة والإعراض عن الله إلى حياة الاستقامة والإقبال على الله وإن من إضلال الشيطان وخداع النفس الأمّارةُ بالسوء أن ينتكس كثير من الناس على عقبيه ويعود إلى معاصيه والأَعْمَال بِالخَوَاتِيمِ فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ إِلَّا ذِرَاعٌ, فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ كِتَابُهُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ, وَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ إِلَّا ذِرَاعٌ, فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ) مُتَّفَقٌ عَلِيْهِ !!! ولقد كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ من قول (اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ(( وهو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فاللهم ثبت قلوبنا على دينك بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ............
الحمد لله ولي الصالحين أحمده سبحانه وأشكره أن جعل الجنة دار المتقين وجعل النار مثوى الكافرين ومآل الظالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين أَمَّا بَعدُ فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى حَقَّ التَّقوَى وَاعلَمُوا أَنَّ أَيَّامَ العَشرِ بما فِيهَا مِنَ الحَجِّ وَالعَجِّ وَالثَّجِّ ، وَالسَّفَرِ وَالاجتِمَاعِ ثم الافتِرَاقِ وَالعَودَةِ ، وَالتَّضحِيَةِ بِالنَّفسِ وَالمَالِ وَالأَوقَاتِ وَالأَهلِ وَالدِّيَارِ ، وَالتَّجَرُّدِ مِنَ الزِّينَةِ وَارتِدَاءِ لِبَاسِ الإِحرَامِ المُتَوَاضِعِ إِنَّ كُلَّ أُولَئِكَ مَدرَسَةٌ بَل جَامِعَةٌ إِيمَانِيَّةٌ تَربَوِيَّةٌ ، يَجِبُ أَن يستَفِيدَ مِنهَا كل منا مَا يُصلِحُ شَأنَهَ وَيُعلِي قَدرَهَ وَيَنفَعُه في أُخرَاه وَاضِعَا نُصبَ عَينَيه أَنَّ الدُّنيَا بِكُلِّ مَا فِيهَا لا تَعدُو أَن تَكُونَ رِحلَةً كَرِحلَةِ الحَجِّ وَأَنَّ أَيَّامَهَا كَأَيَّامِ العَشرِ تُوشِكُ أَن تَنتَهِيَ عَاجِلاً ثم يَعُودَ كُلُّ عَبدٍ إِلى رَبِّهِ فَيُجَازِيَهُ بما عَمِلَهُ وَقَدَّمَهُ وَمِن ثَمَّ فَلا حَاجَةَ لِلرُّكُونِ إِلى الزَّخَارِفِ وَالانشِغَالِ بِالزِّينَةِ وَالمُلهِيَاتِ بَل يَكفِي المُؤمِنَ زَادٌ كَزَادِ الرَّاكِبِ الَّذِي خَرَجَ مِن أَهلِهِ حَاجًّا ثم عَادَ مَعَ الصَّبرِ عَلَى مَا في الدُّنيَا مِن نَقصٍ وَتَغَيُّرٍ وَتَبَدُّلِ حَالٍ إِلى أَن يَلقَى العَبدُ رَبَّهُ في دَارٍ لا نَصَبَ فِيهَا وَلا تَعَبَ اللهم أحعلنا من ساكنيها
الافاتقوا الله عباد الله واهتموا لقبول العمل فلقد مربنا موسم عظيم فيه من الأعمال الصالحة مافيه فكم من الناس يؤدي العمل ولا يأبه بقبوله وكأن عنده ضمانا من الله بالقبول فأين هؤلاء من الذين قال الله عنهم{ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ}سألت أمّنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ)أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟فقال صلى الله عليه وسلم (لا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لا يُقْبَلَ مِنْهُمْ).فاحرصوا رحمني الله وإياكم على القبول من ربكم في كل عمل تعملونه صغيرًا كان أم كبيرًا"اللَّهُمَّ أَصلِحْ لَنَا دِينَنَا اَلَّذِي هُوَ عِصمَةُ أَمرِنَا وَأَصلِحْ لَنَا دُنيَانَا الَّتي فِيهَا مَعَاشُنا وَأَصلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا اَلَّتي إِلَيهَا مَعَادُنَا وَاجعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا في كُلِّ خَيرٍ وَاجعَلِ المَوتَ رَاحَةً لَنَا مِن كُلِّ شَرٍّ اللَّهُمَّ انفَعْنَا بما عَلَّمتَنَا وَعَلِّمْنَا مَا يَنفَعُنَا وَارزُقْنَا عِلمًا يَنفَعُنَا اللَّهُمَّ آمِنَّا في دُورِنَا ، وَأَصلِحْ وُلاةَ أُمُورِنَا اللَّهُمَّ وفق ولي امرنا لما اللَّهُمَّ ارفَعْ عَنَّا الغَلا وَالوَبَا وَجَنِّبْنَا الرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَّلازِلَ وَالفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَن الا وصلوا وسلموا
أمة الاسلام لقد مَرَّتِ بنا أيام هي افضل ايام الدنيا عند الله فَمَنْ كانَ استَغلها غَنِمَ ومَنْ أهملَها وَسَوَّفَ فقد حرم خيرها وربما تَمَنَّى رجوعَها لِيَسْتَغِلَّها ولكنْ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ فمن يدري؟فَرُبَّمَا لا تعودُ إِلَّا وَقَدْ وُسِّدَ الترابَ أَوْ أصابَهُ مَرَضٌ أَوْ ابْتُلِيَ بِأَمْرٍ يَصْرفُهُ عنها قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِك)صححه الألباني ألاوَإِنَّ مَا مَرَّ بِنَا ياعباد الله مِن أَعمَالٍ وَقُرُبَاتٍ في العَشرِ وَأَيَّامِ التَّشرِيقِ لَيُؤَصِّلُ فِينَا مَا قَد نَغفَلُ عَنهُ في خِضَمِّ هَذِهِ الحَيَاةِ مِن مَهَامِّ العُبُودِيَّةِ وذلك لأنَّ للعبادة أثراً في القلبِ بِالارْتِيَاح وأثراً في النفسِ بالانْشِرَاح ونوراً في الصدرِ وضياءً في الحشرِ قال تعالى{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} فهذا وَعْدٌ صَادِقٌ مِنْ رَبٍّ كريمٍ بأَنَّ المؤمنَ الذي يعملُ الصالحاتِ سواءً كان ذكرا أو انثى أنَّ له حياةً طبيةً وعيشةً هَنِيَةً في الدنيا وأنَّ له الجزاءَ الوافرَ في الدارِ الآخرةِ , فَأَيْنَ مَنْ يَعْمَل؟ وأَيْنَ مَنْ يُقْبِل ؟فالعملُ الصالحُ لذةُ الدنيا وأُنْسُها فَهَلَّا عَرَفْنَا الطريقَ وهَلَّا أَقَبَلْنا على العملِ وجعلْناه الرفيق ؟ قالَ بعضُ السَّلَفِ : واللهِ لولا الليلُ ما أحببْتُ الحياة يعني بذلك أنَّهُ يَخْلُو بِرَبِّه فيصلي بالليلِ والناسُ نِيَامٌ فَيَأْنَسُ باللهِ ويَجِدُ طَعْمَاً للحياة {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ *فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} فَيَا مَنْ غَابَتْ عَنْهُ الأَفْرَاح وفَارَقَهُ الهناءُ وخَسِرَ الأَرْبَاح وتكالبت عليه الهموم والغموم هلم إلى العملِ الصالحِ الذي يقربك من خالقك ومولاك
يَاخادمَ الجسمِ كَمْ تَسْعَى لِرَاحَتِهِ * أَتْعَبْتَ نَفْسَكَ فِيْمَا فِيهِ خُسْرَانُ
أَقْبِلْ على النفسِ واسْتَكْمِلْ فَضَائِلَها * فَأَنْتَ بِالرُوحِ لَابِالجِسْمِ إِنْسَانُ
معاشر المسلمين:لقد رأيتم في الأيام الماضية هؤلاءِ الحَجِيجِ الذينَ جاءُوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيق جَاءُوا مِنْ أقطارِ الدنيا وأطرافِ الأَرْض جَاءُوا مُلَبِّينَ مُكَبْرِينَ إِنَّهم أَتَوْا لهذهِ الدِّيارِ وقدْ بَذَلُوا الغاليَ والنَّفِيس جاءُوا بِقلوبٍ يَمْلَؤُها الشَّوْق وَعيونٍ اغْرَوْرَقَتْ بِالدموعِ جاءَ الواحدُ منهم وربما ضَيْقَ على نفسهِ وأهلهِ شُهورا ودُهُورَاً لِيُوَفِرَ أُجْرَةَ المَجِيءِ إِلى هَهُنا فَلِماذا كلُّ هذا ؟ ومَا الذي حَمَلَهُم على ما يَفْعلونَ ومَنِ الذي دَعاَهم لِمَا يَعْمَلُون ؟إِنَّهُ الله إِنَّها الاستجابة لأمرالجبار جل جلاله{ وَأَذِّنْ في النَّاسِ بِالحَجِّ يَأتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ } فَيَا مَنْ ابْتَعَدَّتَ عَنِ الله وَيَا من أَسْرَفَتَ أَنْقِذْ نَفْسَكَ وَأَطِعْ رَبَّكَ وَكن من عباد الله الذين أقْبِلُوا عَلَيْهِ وامْتَثلُوا أَمْرَهُ وَاجْتَنبوا نَهْيَهُ وطلقوا الدنيا بملذاتها وشهواتها فصدق قول القائل فيهم
إِنَّ للهِ عِبَــــــــــاداً فُـــــــطَنَــــــا * طَلَّقُوا الدُّنْيَا وخَافُوا الفِتَنَا
نَظَروا فيهَا فَلَمَّا عَلِمُوا * أَنَّهَا لَيْسَتْ لِحَيٍّ وَطَــــــــــــــــنَا
جَعَلُوها لُجَّةً واتَّخَــــــــــــذُوا * صَالِحَ الأَعمالِ فيها سُفُنا
أيها المباركون:اعْتَادَ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى الْجِدِّ فِي مَوَاسِمِ الطَّاعَاتِ ثُمَّ الدَّعَةِ والْخُمُولِ بَعْدَ ذَلِكَ بَلْ رُبَّمَا خَلَطَ وَقَارَفَ بَعْضَ الْمَعَاصِي بِحُجِّةِ أَنَّهُ قَدَّمَ وَقَدَّمَ وَهَذَا أَمْرٌ لا يَنْبَغِي بَل الْمُؤْمِنُ لا يَزَالُ مُسْتَمِرَاً فِي طَاعِةِ ربه حَتَّى يأتيه الموت فالله عزوجل أمر نبيه صلى الله عليه وسلم باستمرارية العمل حتى يدنو الأجل فقال تعالى مخاطباً نبيه {واعبد ربك حتى بأتيك اليقين}فليعلم المسلم أن مواسم الخير هي تحوّل كامل لواقع حياته من حياة الغفلة والإعراض عن الله إلى حياة الاستقامة والإقبال على الله وإن من إضلال الشيطان وخداع النفس الأمّارةُ بالسوء أن ينتكس كثير من الناس على عقبيه ويعود إلى معاصيه والأَعْمَال بِالخَوَاتِيمِ فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ إِلَّا ذِرَاعٌ, فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ كِتَابُهُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ, وَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ إِلَّا ذِرَاعٌ, فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ) مُتَّفَقٌ عَلِيْهِ !!! ولقد كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ من قول (اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ(( وهو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فاللهم ثبت قلوبنا على دينك بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ............
الحمد لله ولي الصالحين أحمده سبحانه وأشكره أن جعل الجنة دار المتقين وجعل النار مثوى الكافرين ومآل الظالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين أَمَّا بَعدُ فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى حَقَّ التَّقوَى وَاعلَمُوا أَنَّ أَيَّامَ العَشرِ بما فِيهَا مِنَ الحَجِّ وَالعَجِّ وَالثَّجِّ ، وَالسَّفَرِ وَالاجتِمَاعِ ثم الافتِرَاقِ وَالعَودَةِ ، وَالتَّضحِيَةِ بِالنَّفسِ وَالمَالِ وَالأَوقَاتِ وَالأَهلِ وَالدِّيَارِ ، وَالتَّجَرُّدِ مِنَ الزِّينَةِ وَارتِدَاءِ لِبَاسِ الإِحرَامِ المُتَوَاضِعِ إِنَّ كُلَّ أُولَئِكَ مَدرَسَةٌ بَل جَامِعَةٌ إِيمَانِيَّةٌ تَربَوِيَّةٌ ، يَجِبُ أَن يستَفِيدَ مِنهَا كل منا مَا يُصلِحُ شَأنَهَ وَيُعلِي قَدرَهَ وَيَنفَعُه في أُخرَاه وَاضِعَا نُصبَ عَينَيه أَنَّ الدُّنيَا بِكُلِّ مَا فِيهَا لا تَعدُو أَن تَكُونَ رِحلَةً كَرِحلَةِ الحَجِّ وَأَنَّ أَيَّامَهَا كَأَيَّامِ العَشرِ تُوشِكُ أَن تَنتَهِيَ عَاجِلاً ثم يَعُودَ كُلُّ عَبدٍ إِلى رَبِّهِ فَيُجَازِيَهُ بما عَمِلَهُ وَقَدَّمَهُ وَمِن ثَمَّ فَلا حَاجَةَ لِلرُّكُونِ إِلى الزَّخَارِفِ وَالانشِغَالِ بِالزِّينَةِ وَالمُلهِيَاتِ بَل يَكفِي المُؤمِنَ زَادٌ كَزَادِ الرَّاكِبِ الَّذِي خَرَجَ مِن أَهلِهِ حَاجًّا ثم عَادَ مَعَ الصَّبرِ عَلَى مَا في الدُّنيَا مِن نَقصٍ وَتَغَيُّرٍ وَتَبَدُّلِ حَالٍ إِلى أَن يَلقَى العَبدُ رَبَّهُ في دَارٍ لا نَصَبَ فِيهَا وَلا تَعَبَ اللهم أحعلنا من ساكنيها
الافاتقوا الله عباد الله واهتموا لقبول العمل فلقد مربنا موسم عظيم فيه من الأعمال الصالحة مافيه فكم من الناس يؤدي العمل ولا يأبه بقبوله وكأن عنده ضمانا من الله بالقبول فأين هؤلاء من الذين قال الله عنهم{ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ}سألت أمّنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ)أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟فقال صلى الله عليه وسلم (لا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لا يُقْبَلَ مِنْهُمْ).فاحرصوا رحمني الله وإياكم على القبول من ربكم في كل عمل تعملونه صغيرًا كان أم كبيرًا"اللَّهُمَّ أَصلِحْ لَنَا دِينَنَا اَلَّذِي هُوَ عِصمَةُ أَمرِنَا وَأَصلِحْ لَنَا دُنيَانَا الَّتي فِيهَا مَعَاشُنا وَأَصلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا اَلَّتي إِلَيهَا مَعَادُنَا وَاجعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا في كُلِّ خَيرٍ وَاجعَلِ المَوتَ رَاحَةً لَنَا مِن كُلِّ شَرٍّ اللَّهُمَّ انفَعْنَا بما عَلَّمتَنَا وَعَلِّمْنَا مَا يَنفَعُنَا وَارزُقْنَا عِلمًا يَنفَعُنَا اللَّهُمَّ آمِنَّا في دُورِنَا ، وَأَصلِحْ وُلاةَ أُمُورِنَا اللَّهُمَّ وفق ولي امرنا لما اللَّهُمَّ ارفَعْ عَنَّا الغَلا وَالوَبَا وَجَنِّبْنَا الرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَّلازِلَ وَالفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَن الا وصلوا وسلموا
المشاهدات 2657 | التعليقات 2
خطبة ماتعة ونافعة فعلا جزى الله خيرا الشيخ محسن على كتابته ونفع الله به راجين له مزيدا من الحضور والتواجد.
أبو أسعد
جزاك الله خير الجزاء يا محسن ، خطبة نافعة ماتعة
تعديل التعليق