ماذا بعد الحج (خطبة قصيرة)

طلال شنيف الصبحي
1440/12/15 - 2019/08/16 00:01AM

                               ماذا بعد الحج 15 / 12 / 1440 ه

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبرحمته تندفع المكروهات، أحمد ربي على نعمته، وأشكره على طاعته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه، ومن استن بسنته، واهتدى بهديه إلى يوم القيامة. أما بعد: (يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)             

عباد الله: إننا نحمد الله على واسع فضله، وجزيل عطائه، وعظيم هباته؛ من علينا بالإسلام، وأنعم علينا بالإيمان، وأعاننا على الطاعات، ووفقنا لسلوك طريق الخيرات، فكم من طاعة -بحمد الله- قد أديت، وكم من فريضة قد قضيت، وكم من خير بذل في هذه الأيام المنصرمة، فأسأله -عز وجل- أن يتقبل منا ومن جميع المسلمين، وأن يرد الحجاج والمعتمرين إلى أهاليهم وبلدانهم سالمين غانمين.

عباد الله: انتهى موسم الحج، وانقضت قبله خير أيام العام، وفي ذلك عظة وعبرة لمن اعتبر! إن انقضاء هذا الموسم عبرة لنا بانقضاء آجالنا وانتهاء أعمارنا؛ فلنستعد للقاء الله، وموافاة ما قدمت أيدينا، ولنتأهب لمفارقة الأهل والأحباب، والبعد عن الأصدقاء والأصحاب، قال الله تعالى:(كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) عباد الله: إن العبادة لها أثر في القلب بالارتياح، وأثر في النفس بالانشراح، ونور في الصدر، وضياء في الحشر؛ قال الله تعالى:(من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) فهذا وعد صادق من رب كريم، بأن المؤمن الذي يعمل الصالحات -سواء أكان رجلا أو امرأة- له حياة طيبة، وعيشة هنيئة في الدنيا، وأن له الجزاء الوافر في الدار الآخرة، فالعمل الصالح لذة الدنيا وأنسها، قال بعض السلف: "والله لولا الليل ما أحببت الحياة". يعني بذلك: أنه يخلو بربه فيصلي بالليل والناس نيام، فيأنس بالله ويجد طعما للحياة. قال الله تعالى:(تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون * فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون) فيا من غابت عنه الأفراح، وفارقه الهناء وخسر الأرباح، تعال إلى لذة الدنيا وسعادتها! تعال إلى العمل الصالح! تعال إلى لذة العبادة وحلاوة الإيمان وذلك بالقرب من الله والعمل في مرضاته وتقواه.

تأملوا يا عباد الله شيئا من عظمة الله تتجلى في أيامنا المنصرمة، فهؤلاء الحجاج الذين جاؤوا من كل فج عميق، جاؤوا من أقطار الدنيا وأطراف الأرض، جاؤوا ملبين مكبرين: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك،لا شريك لك! فوالله! لو دعاهم ملك أو وزير أو غني أو أمير، لما جاؤوا بمثل هذه الأعداد وبمثل هذا الإقبال، وبمثل هذه التضحية. إنهم أتوا لهذه الديار وقد بذلوا الغالي والنفيس، جاؤوا بقلوب يملؤها الشوق، وعيون اغرورقت بالدموع، جاء الواحد منهم وربما قد باع أثاث بيته وترك أولاده يفترشون الأرض، أو ربما ضيق على نفسه وأهله شهورا ودهورا ليوفر أجرة المجيء إلى ههنا، فلماذا كل هذا؟!وما الذي حملهم على ما يفعلون؟!ومن الذي دعاهم لما يعملون؟! الجواب: إنه الله جل جلاله وتقدست أسمائه! قال الله تعالى:(وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق)  فيا من ابتعدت عن الله، ويا من هرب من مولاه، ويا من أسرفت: أنقذ نفسك، وأطع ربك، وأقبل على الله مولاك, فالله يفرح بتوبة العبد ويجازي على القليل كثيرا وعلى اليسير عظيما, أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم) بارك الله لي ولكم

الخطبة الثانية:

عباد الله: ماذا بعد موسم الحج؟! اعتاد بعض الناس على الجد في مواسم الطاعات ثم الدعة والخمول بعد ذلك، بل ربما خلط وقارف بعض المعاصي, وهذا أمر لا ينبغي، بل المؤمن لا يزال مستمرا في طاعة الله، حتى يكون الجنة منتهاه، ثم إن الأعمال بالخواتيم، واستمع لهذا الحديث: عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فوالذي لا إله غيره، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخلها". متفق عليه. وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكثر أن يقول: "اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك".

الله أكبـر غــافـــرُ الـــزلاتِ* داعي الحجيج إلى ثرى عــــرفاتِ/

اللهُ أكبر فــاستــجب ياربنا * ولتمحُ عنا سالف الــعــثـــراتِ

 وأغفر لحجاج أتــوا شــعــثاً فقد* ناجوك يارحمنُ بالـزفـــراتِ/

اللهُ أكبر أنت أرحـــمُ راحـــمٍ * فأقبل كريماً صالحَ الـدعـــواتِ

وأجعلهُ حجاً صالحاً مُــتقـبلاً * وألطف بنا في الحشرِ والعرصاتِ.  هذا وصلوا وسلموا

المرفقات

بعد-الحج-3-2

بعد-الحج-3-2

المشاهدات 1170 | التعليقات 0