ليميز الله الخبيث من الطيب

الخطيب المفوه
1433/05/21 - 2012/04/13 07:42AM
ليميز الله الخبيث من الطيب

خطبة ألقيت في جامع أبي عبيدة بحي الشفا
ألقاها : د / سعد بن عبد العزيز الدريهم .








بسم الله الرحمن الرحيم

إنَّ الحمدَ لله ، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا . من يهده الله ؛ فلا مضلَّ له ، ومن يضللْ ؛ فلا هاديَ له ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعدُ : فإنَّ أصدق الحديث كتابُ الله ، وخيرَ الهدي هديُ محمد e، وشرَّ الأمور مُحـدثاتُها ، وكلَّ محـدثةٍ بدعــةٌ ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ ، وكلَّ ضلالةٍ في النار .
أيها الأحبة في الله ، ما كان الله سبحانه وتعالى ليذر المؤمنين على ما هم عليه من الغفلة والخديعة ؛ من قبل المريضةِ قلوبُهم من المندسين بين عداد الأمة؛ لذا جرت سنة الله في فضحهم وجعلِ المؤمنين على بصيرة منهم ؛ لئلا يغترَّ مغترٌ بهم ؛ ولئلا يكون أولئك الظلمة أمثولة يتباكى عليها الناس لو جرى عليها قلم الهلاك قبل افتضاحها ؛ فيرفعون ليتاً ويضعون ليتاً ؛ وتلك مرحلة أيها الجمع الكريم ـ كما أسلفت ـ تسبق السقوط ، ولله الحكمة البالغة، وكذلك لِتُتْبَعَ أممُ البغي لعناً كلما ذكرت ؛ فيتضاعفَ عليهم العذاب ؛ ويزدادوا من الله مقتاً ..
سرَِّح الطرف أيها المحب ، وارجع البصر مرة بعد مرة في الأمم من حولك سترى مصداق ذلك ؛ لقد كانت في الأعين تحفة ومثالاً سامقاً ؛ حتى لقد كانت فتنة، وأضحت مأرزاً للراغبين في السعادة كما زعموا ، وذلك لمن عشي بصره ؛ فلم ينظر إلا للجوانب الظاهرية ، ولم يكن على بصيرة من الخبايا ؛ لقد تغنوا بالقيم التي تحملها تلك الأمم ، ورأوا أنها كفيلةٌ بإقامة السعادة ، وأبصروا من خلال منظومة تلك الأمم عالماً سيصنع لهم الأمن والأمان لو مُكِّنَ من حكم العالم وتولي مقاليده ؛ كم كانت أحلاماً غارقة في التفاؤل وحسنِ الظن والغفلة .
لقد أبصر العالم رؤى ونظريات ، لكنها أبعدُ عن الحقيقة لو طبقت ؛ فقبل عقدين أوثلاثة كانت أمريكا جنةَ الله في الأرض ، وكانت ملاذ الخائفين وقبلتهم ؛ لقد تغنى بها من تغنى ، وألبسها من ألبسها لباس العز ، وكادوا يسبحون بحمدها ويقدسون ؛ لقد بلغت شأواً لا يوصف ، وقد عزز من ذلك قوتُها العسكرية وضخامةُ قدراتها وانتشارُها على الأرض ، لم تبرح الأيام وهذا من مكر الله بأعدائه حتى أسفرت لنا عن وجهها الكالح ، حيث أدرك العالم على اختلاف توجهاته أن هذه الأمة ما هي إلا قوة غاشمة ظالمة ، قد سخرت أجهزتها وقوتها لنصر الشر وتقويض الخير ، فلا تترك خيراً ألا وأرجفت به ، ولا شراً إلا وعززت من وجوده ، وكم لها من قدم صدق في زرع الإحن والفتن ، فلم تترك بلداً ولا أمة إلا ونالته بشرها ؛ فبالله عليكم هل ترى من باقعة لم يكن للأمريكان فيها من أثر، لقد زرعوا الشر ، وسلطوا الحكام على شعوبهم ، وإذا لم يكن الحاكم طوع أمرهم تسلطوا عليه ، وربما سلطوا عليه الشعب بفضل الترسانة الإعلامية التي يديرونها ؛ لقد كانت هذه حالها مذ خلقها الله وهذا وجهها الخفي ؛ لتأتي الأيام بكشفه وتعريته وفضحه؛ حتى لقد علمه الصغير قبل الكبير لتستبدل المحبة لهم بالكره والمقت ، ولعنها الناس ظاهراً وباطنا ؛ حتى لقد أصبحت أمريكا والشيطان في نظر المنصفين وجهان لعملة واحدة ؛ نسأل الله أن يعجل بهلاكها وإراحة البشرية منها .
وغير بعيد عن أمريكا أيها الجمع الكريم ، أوربا العجوز لقد كانت مثلَها في الشر ، ولكن كان عملها على استحياء ، لقد كانت أوربا ولا زالت تتغنى بالديمقراطية وحرية الفرد وحرية التدين ، ولقد علا ضجيجهم في ذلك ، وكادت تُصِمُّ آذاننا بذلك الهدير ، وكم عابت أممَ الأرض تحت طائلة هذا الأمر ، ولكن لو فتشنا في شأنهم خاصة في هذه الأيام لرأينا العجب؛ فأين حرية الفرد وحرية التدين عندما يُحجر على المسلمين وتُمنع نساؤهم عن لبس الحجاب وتُفرض على منتهكي المنع الغرامات ؟ وأين الحرية في التدين عندما تعلن أوربا النفير وتضرب ناقوس الخطر عندما أبصرت كثرة المسلمين وكثرة من يعتنقون الإسلام من أبنائها ؟ ولم التمييز العنصري في حق المسلمين في الديار الأوربية ؟ إن هذه المعطيات أيها الأحبة ، لتدلنا على أن السفسطة الغربية ما هي إلا مقاييس جعلت للرجل الأبيض الغربي لا لغيره ، ولجميع الأديان إلا الإسلام ، وتسلط على الحكومات والشعوب عندما تنتهكها، ولكنها بمنأى عن سلطانها ؛ فالغربي هو ذلك الرجل الرومي ذو القلنسوة الذي تراه في المسلسلات والأفلام ، ولا ترى فيه إلا الغشومة والجلافة ذلك الرجل السليط المتعطش للدماء ، وهو هو ذلك الرجل الصليبي الذي دخل بيت المقدس فأفنى من فيها من الرجال والنساء والأطفال ، تغيرت الأشكال ، ولكن تشابهت القلوب التي في الصدور ؛ نسأل الله أن يخلص الأرض من بؤر الفساد هذه ..
وقل مثل ذلك أيها المحب عن بعض دول العرب وبعض حكامها ؛ لقد ولدنا وترعرنا وبلغنا الكهولة ، وهناك من شاب فينا ، وهو يسمع الطنطنة والجعجعة حول حماية مدخرات الأمة ومقدراتها ، وحول قيمة الدم العربي ، وأما العداء لإسرائيل ومكانة القدس ؛ فهذا أمر لا يقبل المناقشة أو المساومة ، ليأتي اليوم الذي تتكشف فيه الحقائق ؛ لترى الأمة كيف أن مقدراتها ومدخراتها ما هي إلا نهب لعصابة شاذة قد خف دينها وتلاشت أحلامها ، وانتكست منها الفطر ، وأما الدم العربي فهو لا يساوي في عرفهم شيئاً ؛ ففي سبيل مجد الحاكم وحكمه ليس شيئاً لو قُتِل عشراتُ الآلاف أو نُكل بهم ، والحال هنا ظاهر ، وأما الكذبة الكبرى وهي مجابهة إسرائيل ؛ فأصبحت سامجة ؛ فمن كنا نراهم درعاً لمجابهة إسرائيل ، فهم في الحقيقة ما هم إلا حماة لإسرائيل ومدافعون عنها ، لقد تقشعت الجهالات ، وتكشَّفت الأقنعة ، وبان الأمر وظهر ، وأصبحنا على حقيقة مؤلمة مفادها : أن ما نحن فيه ما هو إلا ركام من الخِداع والكذب ، وأن الحق والعدل قد أجدب من الأرض ، لقد ضج الكون إلى ربه من هذا الركام العفن من الموبقات ؛ نسأل الله نصراً وتمكيناً للحق وأهل إنه جواد كريم
أقول قولي هذا ، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الحمد لله على إحسانه ، والشكرُ له على توفيقه وامتنانه ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه ، وأشهدُ أنّ محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين ، وسلّم تسليمًا كثيرًا .
أما بعد ُ:
فأيها الأحبة في الله ، إن حال الدول والأمم التي ذكرنا في خطبتنا الأولى ينطبق حذو القذة بالقذة على الأفراد ؛ فكم من إنسان كان يظن به الخير ، ولا يعلم عنه إلا الخير ، وكان لا يظهر إلا الخير ، وكان يوسم بالوسطية وحب السنة ، لكن لما أشرفت الفتنة بوجهها الكالح ؛ ظهرت الحقائق وتبدلت الخطابات ؛ فنصر حزبه على حساب دينه ومعتقده ، ولا بأس أن ينتقص من الدين أو الرسول وحزبه من الصحابة ما دام ذلك سيحقق له مجداً ، لقد بيع الدين مقابل مجاملات أو بحثٍ عن مكتسبات ، وأضحى من كان ينكر حتى لو لم يكن ثمة منكر ؛ يلتزم الصمت حيال ذلك الوالغ في حمى الأمة بحجة المجاملة ؛ يريد أن لا يخسر صداقته ، ولا بأس بالخسار في غيره ولو كان دين الله ، لقد تبين أصحاب المبادئ من المتلونيين ..
إننا في هذه الأزمنة أيها الأحبة في الله ، ومع هذا الانتشار الإعلامي تكشفت لنا الحقائق ؛ فلم يعد معذوراً ذلك الذي يخدع ، ومن يرد الحقيقة فسيجدها على بعد ضربات على إصبع اليد الواحدة ؛ سيجدها صوتاً وصورة ؛ فبالأمس كنا نسمع بمن يسب الرب ويسب الرسول وكذلك من يسب الصحابة ؛ وفي هذه الأيام ؛ فغدونا نسمع ونبصر ذلك ، وغدا قلب المؤمن يذوب حزناً من ذلك ، لقد ظهر النفاق وارتفعت راياته وتميزت فلم تعد خافية ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وأصبح من يفعل ذلك لا يحاكم أو ينال منه بحجة الحرية الفكرية ، وكم هم متناقضون أولئك الحمقى في ذلك؛ فعندما يسب الرئيس أو كبير القوم يتخطف ذلك الشاتم ؛ لم ذلك ؟ أليس في هذا حريةٌ فكرية ؟! تناقض مالنا إلا السكوت له ، لقد أصبحنا في زمن قال عنه النبي r : يخون فيه الأمين ، ويؤتمن الخائن ، وهذا مؤشر على الخذلان نسأل الله العافية، وهنا أقول لكم أيها الأحبة في الله ، احفظوا دينكم مع هذه الفتن المدلهمة ؛ حيث الرجل في هذا الأزمان يصبح مؤمنا ويمسي كافراً ، ويصبح كافراً ويمسي مؤمناً بسبب من فتن القول ، وبسبب من صولة المنافقين في أجهزة الإعلام المختلفة ؛ حيث يزينون للناس الباطل، ويقبحون الحق حتى تتشربه قلوب الناس فيزلوا بسببه عن دينهم ؛ نسأل الله العصمة من الفتن ما ظهر منها وما بطن .
المرفقات

ليميز الله الخبيث من الطيب.doc

ليميز الله الخبيث من الطيب.doc

المشاهدات 4285 | التعليقات 0