ليلة 27- زكات الفطر- العيد
عبدالله منوخ العازمي
الخطبة الأولى
الحمد لله العظيم المنَّان، أحمدُه وما أقضِي بالحمد حقًّا، وأشكرُه ولم يزَل للشكر مُستحقًّا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، المالك للرقاب كلِّها رِقًّا،
وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُه ورسوله أشرف الخلائق خُلُقًا وخَلقًا، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين حازُوا الفضائلَ سبقًا، وسلَّم تسليمًا يدوم ويبقَى.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
أيها المسلمون:
هذا رمضان قد دنا رحيلُه، وأزِف تحويلُه؛ فهنيئًا لمن زكَت فيه نفسُه، ورقَّ فيه قلبُه، وتهذَّبَت فيه أخلاقُه، وعظُمت للخير فيه رغبتُه.
هنيئًا لمن كان رمضان عنوانَ توبته، وساعةَ إيابه وعودتِه، ولحظة رجوعه واستقامته ..
هنيئًا لمن غُفرت فيه زلَّتُه، وأُقيلت فيه عثرتُه، ومُحِيَت عنه خطيئتُه، وعفا عنه العفوُّ الكريمُ، وصفَحَ عنه الغفورُ الرحيم.
هنيئًا لمن حقَّق جائزتَه ونالَ غنيمتَه، فأُعتِقَت رقبتُه، وفُكَّ أسرُه، وفازَ بالجنة وزُحزِح عن النار ..
ويا ضيعَةَ من قطعَه غافلاً ساهيًا، وطواهُ عاصيًا لاهيًا، وبدَّده مُتكاسِلًا متثاقلًا متشاغلًا.
يا من أغوَته نفسُه، وألهَاهُ شيطانُه، وضيَّعَه قُرناؤه: هذا شهر رمضانَ قد قارَبَ الزوال، وأذِن بساعة الانتقال؛
فاستدرِك ما بقِيَ منه قبل تمامه، وتيقَّظ بالإنابة قبل ختامه، وبادِر بالتوبة قبل انصِرامه.
فكم مُتأهِّبٍ لفِطره صار مرتهنًا في قبره! وكم من أعدَّ طيبًا لعيده جُعل في تلحِيده!
وكم من خاطَ ثيابًا لتزيينه صارت لتكفينه! وكم من لا يصوم بعده سِواه.
يا من قُمتم وصُمتم! بُشراكم رحمةٌ ورِضوان، وعِتقٌ وغفران؛ فربُّكم رحيمٌ كريمٌ جوادٌ عظيمٌ، لا يُضيعُ أجرَ من أحسن عملًا.
فأحسِنوا به الظنَّ، واحمَدُوه على بلوغ الختام، وسَلُوه قبولَ الصيام والقيام.
وراقِبُوه بأداء حقوقه، واستقيموا على عبادته، واستمرُّوا على طاعته؛ فشهرُكم قد ودَّعَ وحانَ الفراق، فشهرُكم قد ودَّعَ وحانَ الفراق.
فيا شهر البركة غيرَ مودَّعٍ سنودِّعُك، وغير مقليٍّ سنُفارِقُك .. ولا ندري أتعود علينا؟ أم تخترِمُنا المنونُ فلا تعودُ علينا؟!
عباد الله :
يقول أبي بن كعب رضي الله عنه في ليلة القدر : ( والله إني لأعلمها ،
وأكثر علمي هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها ،
هي ليلة’ سبعٍ وعشرين ) رواه مسلم
فاجتهدوا عباد الله .
قال الحسن البصري رحمه الله
لرجل حضر جنازة
أتراه لو رجع إلى الدنيا لعمل صالحاً ؟ فقال نعم ، قال : فإن لم يكن هو فكن أنت . ايه المؤمنون
ومن لطيف حكمة الله - عز وجل - وتمام رحمته، وكمال علمه وجميل عفوه وإحسانه:
أن شرعَ زكاة الفطر عند تمام عدَّة الصيام؛ طُهرةً للصائم من الرَّفَث واللَّغو والمآثِم، وجبرًا لما نقَصَ من صومه، وطُعمةً للمساكين،
ومُواساةً للفقراء، ومعونةً لذوي الحاجات، وشُكرًا لله على بلوغ ختامِ الشهر الكريم.
فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "فرضَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاةَ الفطر؛ طُهرةً للصائم من اللَّغو والرَّفَث، وطُعمةً للمساكين.
من أدَّاها قبل الصلاة فهي زكاةٌ مقبولةٌ، ومن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقةٌ من الصدقات"؛ أخرجه أبو داود وابن ماجه.
وتلزمُ الإنسانَ عن نفسه وعن كل من تجِبُ عليه نفقتُه، ومِقدارُها عن كل شخص صاعٌ من بُرٍّ أو شعيرٍ،
أو تمرٍ أو زبيبٍ، أو أقِط، أو مما يقتاتُه الناس؛ كالأرز والدُّخلِ والذرة.
فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "فرضَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاةَ الفِطر صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من شعيرٍ، على العبدِ والحُرِّ، والذكَر والأنثى،
والصغير والكبير من المسلمين، وأمر أن تُؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة"؛ متفق عليه.
ومن أراد صاعًا وافيًا وكيلًا ضافيًا فليجعَله ثلاثة كيلو، ويُستحبُّ إخراجها عن الجنين وهو الحمل؛
لفعل عثمان - رضي الله عنه - ولا يجب، ومن أخرجها نقودًا أو قيمة أو كسوة لم تجزئه في أصح قولي العلماء؛ لعُدُولِه عن المنصوص عليه في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ويبدأ وقتها من غروب شمس آخر يومٍ من رمضان، وينتهي بصلاة العيد، ويجوزُ إخراجُها قبل ذلك بيومٍ أو يومين،
والأفضلُ أن تُخرَج يوم العيد قبل أن يخرُجَ إلى صلاة العيد - إن أمكنَه ذلك -، ومن أخَّرها عن وقتها عامدًا أثِمَ وعليه التوبة وإخراجُها فورًا، وإن كان ناسيًا فلا إثمَ عليه ويُخرِجُها متى ذَكَر.
وتُعطَى فقراء المسلمين في بلد مُخرِجِها، ويجوز نقلُها إلى فقراء بلدٍ أخرى أهلها أشدُّ حاجة، ولا تُدفَع لكافر، ولا حرجَ في إعطاء الفقير الواحد فِطرَتَين أو أكثر، وليس لزكاة الفطر دعاءٌ مُعيَّن أو ذكرٌ مُعيَّن يُقالُ عليها.
فطِيبُوا بها نفسًا، وأخرِجُوها كاملةً غير منقوصة، واختارُوا أطيَبَها وأنفَعَها للفقراء.
ويُشرعُ التكبير ليلةَ عيد الفطر وصباح يومها إلى انتهاء خطبة العيد؛ تعظيمًا لله - سبحانه وتعالى -، وشُكرًا له على هدايته وتوفيقه، قال - جل وعلا -: وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة: 185].
قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "حقٌّ على المسلمين إذا رأَوا هلال شوال أن يُكبِّروا".
فاجهَروا بالتكبير من غُروب الشمس ليلة العيد إلى صلاةِ العيد في مساجِدِكم وأسواقكم، ومنازِلكم وطُرقِكم، مُسافِرين كنتم أو مُقيمين، وأظهِرُوا هذه الشعيرة العظيمة،
ولتُكبِّر النساءُ سرًّا، وليَقصُر أهلُ الغفلة عن آلات الطَّرَب والموسيقى والأغاني المحرمة الماجنة، ولا يُكدِّروا هذه الأوقات الشريفة بمزامِر الشياطين وكلامِ الفاسقين.
أقولُ ما تسمعون وأستغفِرُ الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفِرُوه إنه كان للأوابين غفورًا.
الخطبة الثانية
الحمد لله الهادِي من استَهداه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدنَا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وخليلُه ومُرتضَاه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه ومن استنَّ بسُنَّته واهتدَى بهُداه.
أما بعد:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ .
أيها المسلمون:
صلاةُ العيد من أعلام الدين الظاهرة وشعائره العظيمة، فاخرُجُوا إليها مُتطهِّرين مُتجمِّلين مُتزيِّنين لابِسِين أحسنَ ثيابكم،
ويخرُجُ النساء إلى صلاة العيد حتى الحُيَّض، يشهَدن بركةَ ذلك اليوم وطُهرتَه والخيرَ ودعوة المسلمين، ويخرُجن مُتستِّراتٍ مُحتشِماتٍ،
غيرَ مُتطيِّباتٍ ولا مُتبرِّجات، ولا يلبَسنَ ثوبَ فتنةٍ ولا زينةٍ.
قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا تمنعوا إماءَ الله مساجدَ الله، وليَخرُجن تَفِلاتٍ» - يعني: غير مُتطيِّبات -؛ أخرجه أبو داود.
ويُسنُّ لمن فاتَته صلاةُ العيد أو بعضُها قضاؤها على صفتها، ويُسنُّ الأكل يوم الفِطرِ قبل الخروج لصلاة العيد؛ فعن أنسٍ - رضي الله عنه -
قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يغدُو يوم الفطر حتى يأكل تمرات، ويأكُلُهنَّ وِترًا"؛ أخرجه البخاري.
وصلُّوا وسلِّموا على أحمدَ الهادي شفيعِ الورَى طُرًّا؛ فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللهم عن الآلِ والصحابة أجمعين، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بفضلِك يا كريم.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمُشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مُطمئنًّا، وسائر بلاد المسلمين.
اللهم وفِّق إمامَنا ووليَّ أمرنا لما تحبُّ وترضى، وخُذ بناصِيته للبرِّ والتقوى، ووفِّق جميعَ وُلاة أمور المسلمين لتحكيم شرعِك، واتباعِ سُنَّةِ نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -.
اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، وارحم موتانا، وفُكَّ أسرانا، وانصُرنا على من عادانا.
اللهم كُن للمُستضعَفين من المسلمين يا أرحم الراحمين.
اللهم انصُر إخواننا في فلسطين على اليهود الغاصبين، والصهاينة الغادرين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزونَك يا رب العالمين.
اللهم اجعل دعاءَنا مسموعًا، ونداءَنا مرفوعًا يا كريمُ يا عظيمُ يا رحيمُ.
المرفقات
1620335685_ليلة 27-زكات الفط -العيد.doc
1620335910_ليلة 27-زكات الفط -العيد.doc