ليلة خير من الف شهر

محسن الشامي
1434/09/16 - 2013/07/24 01:32AM
الحمد لله على نعمة الإسلام والإيمان وعلى ما منً به علينا من شهر الصيام والقيام أحمده سبحانه وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أكرم هذه الأمة بليلةٍ عظيمة المقدار..وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله المصطفى المختار صلى الله عليه وعلى آله الأطهار وصحابته الأبرار والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار، وسلم تسليماً كثيراً أما بعد عباد الله اتقوا الله حق التقوى فإن تقوى الله سبيل المؤمنين وزاد الصالحين وبها النجاة والصلاح يوم الدين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) إخوة الايمان : مضت أكثر أيام شهركم وانقضت لياليه شاهدة عليكم بما عملتم وحافظة لما أودعتم، تدعون يوم القيامة (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً) فينادي ربكم سبحانه: " يَا عِبَادِيْ إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيْهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيْكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرَاً فَليَحْمَدِ اللهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُوْمَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ) هذا هو شهركم، يا أمة الاسلام وهذه هي نهاياته، فكم والله من مستقبِل له لم يستكمله!! وكم من مؤمِّل بعودٍ إليه لم يدركه!! وتلك الأيام نداولها بين الناس.فإن كان في النفوس زاجر وإن كان في القلوب واعظ، فقد بقيت من أيامه بقيةٌ، وأي بقية، إنها عَشْرُهُ الأخيرة، عشر التجليات والنفحات وإقالة العثرات واستجابة الدعوات كان يحتفي بها نبيكم محمد أيما احتفاء فإذا دخلت العشر شمر وجد وشد المئزر، هجر فراشه، أيقظ أهله، يطرق الباب على فاطمة وعلي -رضي الله عنهما- قائلاً: "ألا تقومان فتصليان"، يطرق الباب وهو يتلو: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) ، ويتجه إلى حجرات نسائه آمرًا: " أَيْقِظُوا صَوَاحِبَاتِ الْحُجَرِ ، فَرُبَّ كَاسِيَةٍ في الدُّنْيَا عَارِيَةٍ في الآخِرَةِ » رواه البخاري "وفي الصَّحِيحَينِ عَن عائشة رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَت: كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ العَشرُ شَدَّ مِئزَرَهُ وَأَحيَا لَيلَهُ وَأَيقَظَ أَهلَهُ. هَكَذَا كَانَ نَبيُّ اللهِ وَخَلِيلُهُ وَصَفوَةُ خَلقِهِ، هَكَذَا كَانَ إِمَامُ المُتَّقِينَ وَسَيِّدُ العَابِدِينَ، وهو الذي غفر لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، كان يَخلِطُ العِشرِينَ بِصَلاةٍ وَنَومٍ، فَإِذَا دَخَلَتِ العَشرُ شَمَّرَ وَشَدَّ المِئزَرَ بل كان عليه الصلاة والسلام يعتَكِف في هذه العشرِ لينقَطِع عن الدنيا ومشاغلها ويتفرَّغ لطلب ليلةِ القدر، ومِن بعده عليه الصلاة والسلام سارَت قوافلُ الصالحين المقرَّبين على ذاتِ السبيل، يقفون عند هذه العشر الغُرِّ وقفةَ جدٍّ وعزيمةٍ، يرتشفون من رحيقها، وينهلون من معينها، ويرتون من فَيض نميرها، ويعمَلون فيها ما لا يعمَلون في غيرها هكذا كانوا رحمهم الله تعظيمًا لهذه العشر الفاضلة، وهكذا كانوا اجتهادًا في العبادة وانقطاعًا لها في هذه الليالي المباركات.وحُقّ لهم ذلك؛ فإن فيها ليلةً تفضُل لياليَ الدّنيا بأسرها، ليلةً العملُ فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها مثلُ هذه الليلة، إنها الليلة التي تتنزل فيها الملائكة حتى تكون أكثر في الأرض من عدد الحصاة. إنها ليلة القدر ، ليلةُ نزول القرآن: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ) وألف شهر يا عباد الله تعدل عبادة ثلاثًا وثمانين سنَة وثلاثَة أشهُر، لااله الاالله ليلة واحدة العبادة فيها تعدل عبادة ثلاثًا وثمانين سنَة وثلاثَة أشهُر فضلٍ عظيمٍ لا يقصِّر فيه والله إلا مغبون ولا يحرَمُه إلا محروم فمن عظيم فضلها وجليل ثوابها أنّ من قامها بنية خالصة وعبودية صادقة كفّر الله عنه ما سلف من ذنوبه وخطاياه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه".إنها الليلة التي من حرم خيرها فقد حُرِم ليلةٌ.عظَّيمة أعلى الله شأنها وشرفها بإنزال الوحي المبين على سيد المرسلين وفيها يُفرق كل أمر حكيم،فهي ليلة عظيمة البركات، كثيرة الخيرات، لِما يتنزل فيها على العباد من عظيم المنح الربانية وجليل النفحات الإلهية فكيف لا نجِدُّ في طلبه فإن من صدق إيمان العبد ودلائلِ توفيق الله له أن يغتنم هذه الليالي المباركة بجلائل الأعمال الصالحة والتذلل بين يدي الله عز وجل ، والإنابة إليه أملاً في إحراز فضل ليلة القدر، ونيل بركاتها،.وقد ندب رسول الهدى أمته إلى التماس ليلة القدر في ليالي الوتر من العشر الأواخر، أو السبع البواقي من هذا الشهر الكريم، فقد روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "التمسوها في العشر الأواخر، فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبن على السبع البواقي". وفي لفظ آخر له: "فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر".وقد سألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم عما تدعو به ليلة القدر إن هي علمتها، فأرشدها أن تقول: "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني" فالله الله يا أمة محمد اهجروا لذيذ النوم وجحيم الكسل وانصبوا أقدامكم وارفعوا هممكم وادفِنوا فتوركم . وكونوا ممن قال الله فيهم: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا) ولا تنسَوا أن تأمروا بهذا أولادكم وزوجاتكم كما كان هدي الحبيب صلى الله عليه وسلم فلتغتنموا أيها المؤمنون ما هيأ لكم الحق عزَّ وجل من هذه الأزمنة الفاضلة والمواسم المباركة بالمسارعة إلى طاعة الله ومرضاته والتعرض لنفحاته وألطافه فربما أدركت العبد نفحةٌ من نفحات ربه، فارتقى بسببها إلى درجات المقربين وكان في عداد أولياء الله المتقين، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. فالمغبون من انصرف عن طاعة الله، والمحروم من حرم رحمة الله، والمأسوف عليه من فاتته فرص الشهر، وفرط في فضل العشر وخاب رجاؤه في ليلة القدر الا فاتقوا الله وإياكم والانقياد للأهواء والشهوات، وإضاعة الأوقات باللهو والباطل، مما يصدّ عن ذكر الله وطاعته، ويستجلب سخطه ومقته، فتندموا على تفريطكم عند لقاء ربكم، وهيهات هيهات حينها لا ينفع الندم بارك الله لي

الحمد لله؛ عظم شأنه ودام سلطانه، أحمده سبحانه وأشكره، عمَّ امتنانه وجزل إحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، به علا منار الإسلام وارتفع بنيانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله و أصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد اتقوا الله معاشر الصائمين واعلموا أن نبيكم صلى الله عليه وسلم كان يحرص في العشر الأواخر من رمضان على الاعتكاف وهو لزوم المسجد لطاعة الله عز وجل فاعتكف صلى الله عليه وسلم العشر الأواخر من رمضان. والمقصود بالاعتكاف أن يعتكف العبد بقلبه على ربه ويخلو به وينقطع عن الاشتغال بالخلق والاشتغال به وحده سبحانه فيصير أنسه بالله بدلاً من أنسه بالخلق فيعده بذلك لأنسه يوم الوحشة في القبور حيث لا أنس له يفرح به سواه، الا فأقبلوا على ربكم واقتدوا بنبيكم وأحيو سنته صلى الله عليه وسلم ومن لم يتيسر له اعتكاف العشر فليعتكف بعض الأيام فإن لم يتيسر له فليعتكف ليلة فمن دخل المسجد قبل المغرب وخرج بعد الفجر كتب له اعتكاف ليلة واعلموا أن للإعتكاف محظورات فعن ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: " السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَنْ لا يَعُودَ مَرِيضًا ، وَلا يَشْهَدَ جَنَازَةً ، وَلا يَمَسَّ امْرَأَةً وَلا يُبَاشِرَهَا ، وَلا يَخْرُجَ لِحَاجَةٍ إِلا لِمَا لا بُدَّ مِنْهُ ) . رواه أبو داود وصححه الألباني " وَلا يَمَسَّ امْرَأَةً وَلا يُبَاشِرَهَا " تريد بذلك الجماع . قاله الشوكاني في "نيل الأوطارالا فاتقوا الله عباد الله واغتنموا ما تبقى من أيام هذا الشهر ولياليه فأيامه ولياليه من أعظم الأيام والليالي فضلاً وأكثرها أجرًا، فكم لله فيها من عتيق من النار؟!{فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} فويحه ثم ويحه من أدرك الشهر ولم يحظ بمغفرة؟ ولم ينل رحمة؟ اللهم تقبل صيامنا وقيامنا وصالح أعمالنا
المشاهدات 1898 | التعليقات 2

بارك الله فيك ، خطبة تحفّز وتجهّز ، نسأل الله لنا ولكم التوفيق وإصابة فضل هذه الليلة المباركة .


بورك فيك شيخ أبو مزون فقد حركت المشاعر لاستنفار جميع ليالي العشر رجاء إدراك ليلة القدر وفضلها ولقد أنبت الضمير وأيقضت الآلام على ما كان منا من تقصير وتفريط في فترة ما مضى وفي عمر انقضى.
كما أود أن أقول ما الذي يحول بينك وبين أن تغير اسمك إلى خطيب بدلا من الاسم الحالي ؟!