ليلة النصف من شعبان

طلال شنيف الصبحي
1437/08/12 - 2016/05/19 22:46PM
ليلة النصف من شعبان 13 / 8 / 1437 ه
إن الحمد لله نحمده ونستعينه،ونستغفره ونستهديه،ونؤمن به ونتوكل عليه،ونثني عليه الخير كله،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا،من يهده الله فلا مضل له،ومن يضلل فلا هادي له،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد محمداً عبده ورسوله،صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد،فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل: (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) عباد الله: حديثنا اليوم عن ليلة انقسم الناس فيها إلى قسمين, فريق غلا, وآخر جفى, إنها ليلة النصف من شعبان. غلا فيها فريق فجعلوها الليلة المباركة التي يفرق فيها كل أمر حكيم, وهذا خلاف ما نص عليه ربنا عز وجل في محكم التنزيل إذ يقول جلا وعلا في مطلع سورة الدخان: حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم فبين جلا وعلا أن الكتاب المبين أنزل في ليلة مباركة, وهذه الليلة المباركة هي التي يفرق فيها كل أمر حكيم, وهي ليلة القدر كما قال جلا وعلا: إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر .فمن اعتقد ذلك فقد خالف صريح القرآن وغلى أيما غلو. ومن غلوهم تخصيص نهارها بصيام وليلها بقيام وعبادة, وما ورد في ذلك كما يقول أهل العلم إما حديث ضعيف, أو موضوع مختلق لا يثبت عن النبي صلوات ربي وسلامه عليه. ومن غلوهم أيضًا صلاتهم مائة ركعة في كل ركعة يقرأون قل هو الله أحد إحدى عشرة مرة, وزعموا أنها تقضي حوائج الناس, والحديث موضوع كما يقول أهل العلم. والعجيب في ذلك يا عباد الله أن هؤلاء لا يحرصون على السنن الصحيحة التي بينها النبي وحث عليها , كصلاة الليل وصلاة الوتر وصلاة الضحى والسنن الرواتب وصيام الاثنين والخميس وثلاثة أيام من كل شهر ويوم عاشوراء والست من شوال وعشر من ذي الحجة , لا يحرصون على هذه السنن كحرصهم على البدع المنكرة التي لم تثبت في الشرع , كصلاة الألفية وصلاة الرغائب وإحياء ليلة النصف من شعبان وليلة الإسراء والمعراج والاحتفال بالمولد النبوي. يتعبون أنفسهم بلا فائدة , ولو أنهم حرصوا على السنة وعلى الوارد فقط عن الرسول  لكان خيرا لهم . إذا غلا فريق في هذه الليلة ( ليلة النصف من شعبان ) وجعلوا فيها من المزايا والقربات والطاعات ما لم يأذن به الله عز وجل. وفريق آخر لما رأى ما لم يثبت فيها, جعلها ليلة عادية كغيرها من الليالي, وجعلها ليلة لا مزية فيها. والصواب يا عباد الله والعلم عند الله, أن ليلة النصف من شعبان ثبت في فضلها حديثان ثابتان عن النبي  . الحديث الأول: حديث أبي ثعلبة أخرجه الطبراني وغيره عن النبي  أنه قال : ((إذا كانت ليلة النصف من شعبان اطلع الله إلى جميع خلقه فيغفر للمؤمنين ويملي للكافرين, ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه)).صححه الألباني في صحيح الجامع. والحديث الثاني: حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه وهو عند ابن حبان في صحيحه يقول :((يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن)) فهذان الحديثان الثابتان بين فيهما النبي أن ليلة النصف من شعبان يغفر الله عز وجل للمؤمنين, ويطلع عليهم إلا المشرك أو المشاحن, فمن أراد أن يفوز بهذا الأجر العظيم وهذا الفضل العظيم, فما عليه إلا أن يحقق هذين الشرطين, لست مطالبًا أيها العبد المؤمن في هذه الليلة لا بقيام ولا صيام فضلاً عن عمرة أو عبادة مخصوصة ونحو ذلك إلا من كانت له عادة, كأن يصوم الاثنين والخميس والثلاثة الأيام البيض ووافق ذلك ليلة النصف من شعبان فإنه يصومها أو كان معتادا على قيام الليل فإنه يقوم هذه الليلة ولا يخصها عن غيرها بالقيام والصيام , عبد الله: كل ما أنت مطالب به في ليلة النصف من شعبان, أن تحقق التوحيد وأن تنقي قلبك من الشرك وشوائبه وتتعاهد ذلك باستمرار والشرك يا عباد الله أمره عظيم فأنبياء الله ورسله يخافون على أنفسهم من الوقوع فيه, فمن دعاء الخليل عليه الصلاة والسلام كما واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ,وكان من دعائه :((اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم)) .فالشرك ينبغي على العبد أن يخافه ويحذره, كيف وقد أوحى الله إلى كل نبي وإلى كل رسول حكمه في هذا الأمر المنكر العظيم ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين , فإذا كان الخطاب موجهًا لإمام الأنبياء والمرسلين ولسيد الموحدين صلوات ربي وسلامه عليه, فكيف لا يخاف الشرك من كان دونه من المؤمنين. ولو ذهبت تقلب ناظريك في أحوال المسلمين في العالم الإسلامي لوجدت الشرك الصراح في توحيد الله عز وجل في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وأسمائه وصفاته, فدعاء الأموات وسؤالهم تفريج الكربات والاستعانة والاستغاثة بهم وهم لا يملكون لأنفسهم ولا ضرا فكيف ينفعون غيرهم من البشر, والطواف حول القبور,وكذلك الذبح للأولياء والسادة, وهذا والله مما يقدح في العقيدة وينافي التوحيد الخالص, فاالنبي أخبرنا أن الله يغفر لجميع خلقه في هذه الليلة دون سؤال منهم ودون طلب إلا لمشرك أو مشاحن. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما) أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية: عباد الله: وأما الشحناء وما أدراكم ما الشحناء؟ شرها عظيم, ووبالها يعم ولا يخص, ألم يخرج نبينا صلوات الله وسلامه عليه ذات يوم بخبر ليلة القدر, فتلاحى أي تخاصم وتشاجر رجلان فرفع خبرها ونبأها, رفعت تلك البركة عن الأمة إلى قيام الساعة بسبب ملاحاة رجلين وخصومة اثنين من الصحابة, فما ظنكم بما يقع في أيامنا هذه من خصومات ومشاحنات, لا أقول مشاحنات بين المسلمين, بل والله بين الأشقاء, بل بين الابن وأبيه, والأخ وأخيه, مشاحنات ومرافعات وقضايا. هذا يشتكي أباه, وهذا يشتكي ابنه, وهؤلاء إخوة وأبناء عمومه, لم يسلم أحدهم على الأخر مدة عشر سنوات, نسأل الله السلامة والعافية, أين هؤلاء جميعًا من هذا الحديث ((يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن)) ومن حديث مسلم الثابت عنه ((تفتح أبواب الجنة يوم الخميس ويوم الاثنين فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا إلا رجلاً بينه وبين أخيه شحناء, يقال أنظروا هذين حتى يصطلحا, انظروا هذين حتى يصطلحا)) ومن الحديث الصحيح (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث فمن هجر أخاه فوق ثلاث فمات دخل النار) .فاتق الله يا عبد الله وتفقد قلبك وراجع توحيدك, ونق قلبك نحو إخوانك لا تبيتين الليلة وبينك وبين مسلم خصومة أو شحناء عسى الله عز وجل أن يغفر لنا ذنوبنا جميعًا, هذا وصلوا وسلموا
المرفقات

ليلة النصف من شعبان.docx

ليلة النصف من شعبان.docx

المشاهدات 1506 | التعليقات 0