ليلةِ النّصْفِ مِن شعبانَ - السنة والبدعة

محمد البدر
1438/08/16 - 2017/05/12 01:28AM
[align=justify]الخطبة الأولى :
أمَّا بعد : قَالَ تَعَالَى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [الأنعام:159].
عِبَادَ اللهِ: احْذَرُوا من البدَعَ صغيرَها وكبيرَها فهي تؤدِّي إلى تفريقِ الأمّةِ وتشتيتِها، وقد نَهى اللهُ تعالى عَنْ ذلك قَالَ تَعَالَى :﴿ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران:105]. وإنَّ انْشغالَ المرْءِ ببِدْعَتِهِ عما هو مشروعٌ يؤدّي إلى هدْمِ السّنةِ حتى تموتَ السُّنَنُ وتحيا البِدَعُ - والعياذ بالله -. وإنَّ فيما جاءَ في كتابِ الله تعالى أو صَحَّ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الشريعةِ لَكِفايةٌ وهدايةٌ لِمَنْ هداهُ الله إليهما واسْتَغْنَى بِهِما عَنْ غيرِهما كما قَالَ تَعَالَى :﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس:57]، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم ما مات إلا وقد أكملَ اللهُ به الدينَ وأتمَّ علينا به النعمةَ كما قَالَ تَعَالَى :﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً﴾ [المائدة: من الآية3].
عِبَادَ اللهِ: ومما ينبغي التنبيهُ عليه في منتصفِ هذا الشهرِ:
أمورٌ أحدَثَها الناسُ في هذا الشهر:
منها: اعتقادُ بعضِهم أنَّ ليلةَ النصفِ مِنْ شعبانَ هي المعنِيَّةُ قَالَ تَعَالَى :﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ [الدخان:4]، فيقدَّرُ فيها الآجالُ والأرزاقُ؛ وهذا خطأ. ولكنَّ المقصودَ بالآية: هي ليلةُ القدْر، لا ليلةَ النصفِ مِنْ شعبان .
ومنها :تخصيصُ بعضِ الناس ليلةَ النصفِ مِن شعبان بالصلاةِ وقيامِ الليل دونَ سائرِ الأيام، وإحياءُ تلك الليلةِ بالذِّكْرِ والدعاءِ؛ فهذا بدعةٌ في الدين ضَلالةٌ لم يفعلْها النبيُّ صلى الله عليه وسلم ولا أصحابُه، وهذا مردودٌ على صاحِبِهِ لا يَقْبَلُهُ اللهُ عز وجل للحديث الصحيح: ((مَنْ أحْدَثَ في أمْرِنا هذا ما لَيْسَ مِنْه فهُوَ رَدٌّ)متفق عليه. أما حديث: (إذا كانَ ليلةُ النصْفِ مِنْ شعبانَ فقُومُوا ليْلَها وصُومُوا نَهارَها)[ضعيف الجامع: 652]، فحديث باطل مكذوب على النبيِّ صلى الله عليه وسلم لم يَقُلْهُ؛ فلا يحلُّ العملُ به .
ومنها :صُنعُ الأطعمةِ في ليلةِ النصفِ وتوزيعُها على الفقراءِ بِزَعْمِ أنَّ لها مَزِيَّةً على غيرِها أو أنَّ فيها أجرًا كبيرًا أو نحو ذلك؛ فهذا مِمّا لا أصلَ له فيكون هذا مِنَ البِدَعِ التي قال عنها النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (كلُّ بِدْعَةٍ ضلالة) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
ومنها :الاحتفالُ بهذه الليلةِ والتوسيعُ على الأهلِ في المطعمِ والمشرَبِ والملبَسِ ونحوِ ذلك وتخصيصُ تلك الليلةِ فقط دونَ سائرِ الأيامِ والليالي لاعتقاد فضلِها ومَزِيّتِها على غيرها؛ وهذا مما لم يأتِ في الشرعِ الحنيفِ فعلُهُ ولا اسْتَحَبَّهُ أحدٌ مِنَ الصحابةِ رضي الله عنهم ولا التابعونَ رحمهم الله ومَا لَمْ يَكُنْ يومئذٍ ديناً؛ فلا يَكونُ اليومَ دينًا.
عِبَادَ اللهِ: ورَدَ فِي ليلةِ النّصْفِ مِن شعبانَ مِن طُرُقٍ كثيرةٍ أحاديثُ صحَّحَها بعض أهلُ العِلمِ. فمِنْها: عنْ معاذٍ بنِ جبلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يطَّلعُ اللهُ إلى جميع ِخلقِهِ ليلةَ النصْفِ مِن شعبانَ، فَيَغْفِرُ لِجَميعِ خَلْقِهِ إلا لِمُشْرِكٍ أوْ مُشاحِنٍ) رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
وَعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:يَطْلُعُ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَيُمْهِلُ الْكَافِرِينَ، وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدْعُوهُ. رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
فهذه الأحاديث - عِبَادَ اللهِ - فيها إثباتُ مغفرةِ الله تعالى فِي ليلةِ النصفِ مِن شعبانَ لِعبادِهِ إلا لِمُشْرِكٍ بأيِّ نَوْعٍ مِن أنْواعِ الشِّرْكِ ولِمُشاحِنٍ بينه وبين أخيه هجران وقطيعة.
أقول قولي هذا ...

الخطبة الثانية :
عِبَادَ اللهِ: يَنْبَغي لكلٍّ مِنّا أنْ يَقِفَ مع نفسِهِ ويُحاسِبَ نفسَهُ فَلَعَلّهُ أنْ يَكونَ قدِ ابتُلِيَ بِشَيْءٍ مِن الشرْكِ سَواءً صَغُرَ أمْ كَبُرَ، ولْيَتَدارَكْ نَفْسَه بالتوبةِ إلى الله عز وجل مِنْه إنْ كان قَدْ وَقَعَ منهُ شَيْءٌ مِنَ الشرْكِ. ولا تَقُلْ إني بَرِئٌ مِنْ هذه الشّرْكِيّاتِ ولا يوجدُ عِندِي شيءٌ مِنْها،فَلَسْتَ أكثَرَ تَوْحِيداً مِن نَبِيِّ اللهِ إبراهيمَ عليه الصلاةُ والسلامُ خليلِ الرّحمنِ فقدْ خافَ عَلَى نَفْسِهِ وبَنِيهِ الشِّرْكَ باللهِ وعِبَادَةَ الأصْنامِ فدعا ربِّهِ أنْ يُنَجِّيَهُ وَبَنِيهِ مِن هذا البَلاءِ العظيمِ وَهَذَا الشّرِّ الْمُسْتَطِيرِ الذِي وَقَعَ فِيهِ كثيرٌ مِنَ الناسِ في هَذا الزمانِ ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله. قَالَ تَعَالَى :﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ﴾ [ابراهيم: 35-36]. الا وصلوا عباد الله ..
[/align]
المشاهدات 724 | التعليقات 0