ليلةُ القدرِ كيفَ أُدركُها؟!

راشد بن عبد الرحمن البداح
1445/09/18 - 2024/03/28 13:51PM

الحمدُ للهِ الذي أنعمَ علينا بتيسيرِ الصيامِ والقيامِ، وأشهدُ أن لا إلهَإلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ذو الجلالِ والإكرامِ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه أفضلُ من صلَى وزكَى وصامَ. صلى اللهُ وسلمَ عليه ما تعاقبتِالأيامُ، أما بعدُ:

فينبغيْ أنْ نسألَ أنفسَنا اليومَ هذا السؤالَ المهمَ: كيف أُدركُ ليلةَالقدرِ، وأفوزُ فيها بجزيلِ الأجرِ؟ كيفَ أُحصّلُ جائزةَ (غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)؟!

فيُقالُ: الأمرُ يسيرٌ على من يسرهُ اللهُ عليهِ، بأن تحافظَ على الصلواتِ المفروضاتِ أولاً، ثم تواظبَ على تراويحِ وقيامِ ليالي العشرِ،حتى تُوترَ مع إمامِك، فبهذا تكونُ محققًا لقولِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ().

فهما فَضْلانِ عظيمانِ مستقلانِ: قيامُ رمضانَ، وقيامُ ليلةِ القدرِ. قال العلماءُ: قِيَامُ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ مُوَافَقَةِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ سَبَبٌ لِغُفْرَانِ الذُّنُوبِ،وَقِيَامُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ سَبَبٌ لِلْغُفْرَانِ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ غَيْرَهَا().

{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} يا أللهُ! ما أعظمَ كرمَ اللهِ. ليلةٌتُعادلُ أكثرَ من ثلاثٍ وثمانينَ سنةً. لكنْ لنَقُمْها إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا: أيْ تَصْدِيْقًا بِالأَمْرِ، رَاجِيًا جَزِيْلَ الأَجْرِ، بِأَنْ يَقُومَهَا رَغْبَةً فِي ثَوَابِهَا،طَيِّبَةً نَفْسُهُ بِذَلِكَ، غَيْرَ مُسْتَثْقِلٍ لِقِيَامِهَا، وَلَا مُسْتَطِيلٍ لِأَيَّامِهَا().

وأهمُ من قيامِ رمضانَ المحافظةُ على الصلواتِ المكتوباتِ، فقد رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ –رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ فَقَدْ قَامَ رَمَضَانَ().

وقَالَ التَّابِعِيُّ سَعِيدُ بْنَ الْمُسَيِّبِ: مَنْ شَهِدَ الْعِشَاءَ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَقَدْ أَخَذَ بِحَظِّهِ مِنْهَا()

بلْ إنَّ فضلَ اللهِ واسعٌ، قد ينالُه غيرُ هؤلاءِ، فعنِ التابعيِ الضَّحَّاكِبْنِ مُزَاحِمٍ َأنه قيلَ له: أرأيتَ النفساءَ والحائضَ والنائمَ والمسافرَ؛ هلْ لهمْفي ليلةِ القدرِ نصيبٌ؟ قالَ: نعمْ؛ كلُ مَن تَقبَّل اللهُ عملَه سيُعطِيهِنصيبَه من ليلةِ القدرِ لا يُخيِّبُه أبداً().

فلنملأْ قلوبَنا رجاءً، ولنؤمِّلْ منْ ربٍ كريمٍ خيرًا أنه كفَّر ذنوبَنا الصغائرَالسالفةَ السابقةَ، لكنِ الشأنُ في اجتنابِ الكبائرِ والتوبةِ منها. وأرجَى آيةٍ في كتابِ اللهِ هيَ قولُ ربِنا: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}

فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدِ أَنْ يَقْنَطَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَإِنْ عَظُمَتْ ذُنُوبُهُ، وَلَا أَنْ يُقَنِّطَ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ().

قَالَ عَلِيٌّ –رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَلَا إِنَّ الْفَقِيهَ كُلَّ الْفَقِيهِ الَّذِي لَا يُقَنِّطُ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَلَا يُؤَمِّنُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللهِ، وَلَا يُرَخِّصُ لَهُمْ فِي مَعَاصِي اللهِ().

فإن زللتَ بسيئةٍ فـ"أَتْبِعِ السَّيِئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا"واستغفر ربَك وتُبْ إليه يغفرْ لكَ ولا يُبالي.

قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، وَلاَ أُبَالِي(). وقَالَ: فَمَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ أَنِّي ذُو قُدْرَةٍ عَلَى الْمَغْفِرَةِ فَاسْتَغْفَرَنِي غَفَرْتُ لَهُ وَلاَ أُبَالِي().

الحمدُ للهٍ وحدَه، والصلاةُ والسلامُ على من لا نبيَ بعدَه، وبعدُ:

أيُها الصائمُ: أتدريْ ما معنَى عدمِ القبولِ في رمضانَ؟ ‏معناهُ كأنكَتسلمْتَ ورقةَ الأسئلةِ، ومعَها ورقةُ إجابةٍ نموذجيةٍ، ومع ذلكَ رسبْتَ في الامتحانِ!

قالَ ابنُ رجبٍ: (لما كثُرتْ أسبابُ المغفرةِ في رمضانَ كانَ الذي تفوتُه المغفرةُ فيه محرومًا غايةَ الحرمانِ)(). فاللهم نسألكَ أنْ ترحمَنا ولا تحرِمَنا.

فيا مَن أدرَكَ شهرَ رمضانَ المباركَ تَدَارَكْ. وما يُدريكَ؛ لعلكَ تُلِحُ وتُلِحُ، ثم يَنظرُ اللهُ إلى قلبِكَ، فيعطيْكَ أكثرَ مما سألتَ.

فلنبادِرْ أيامَ شهرِنا، ولنتخيَّلْ أننا الآنَ صباحَ العيدِ، وليَسألْ كلُ واحدٍ منا نفسَهُ: هلْ أنا ممن غُفرَ له ما تقدمَ من ذنبهِ؟! وهل سأدرِكُ ليلةَ القدرِ؟

وأهمُ من ذلكَ كلِه: هلْ حافظتُ وسأحافظُ على كلِ صلواتِ رمضانَ وعددُهُن مئةٌ وخمسونَ صلاةً؟

فأبلِغُوا الذينَ ينامُونَ عن صلاةِ العصرِ بعدَ الدوامِ أو الدراسةِ، أو ينامونَ عن الظهرِ وقتَ الإجازةِ، أن الصلاةَ أعظمُ منْ الصومِ، وقد يُرَدُّ صيامُهمْ لتركِهِم صلاتَهمْ.

فيا نائمًا عن صلواتٍ: تَدَارَكْ. ويا مُشاهِدًا محرماتٍ: تَدَارَكْ. ويا مُفَوّتًا خَتَماتٍ: تَدَارَكْ. ويا من غَزَاهُ الشَيبُ: تَدَارَكْ. ويا من تمضِي أيامُ عمرِه: تَدَارَكْ.

قالَ رجلٌ لعمرَ -رضيَ اللهُ عنهُ-: فاتَتْني الصلاةُ الليلةَ، فقال: أدرِكْما فاتَكَ مِن ليلتِكَ في نهاركَ، فإن اللهَ (جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا)().

• فاللهُمَّ يا عظيمَ المنِّ، يا واسعَ المغفرةِ، أقبِلْ بقلوبِنا في العشرِ، ووفِقنا لقيامِ ليلةِ القدرِ.
• اللهمَ تقبلْ مِنَّا الصيامَ والقيامَ. واعفُ عن التقصيرِ والآثامِ.
• فاللهم لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، ظَلَمْنا نُفُوسَنَا وَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنَا،فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا جَمِيعًا، إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ.
• اللهمَّ أعِنَّا على ذِكْرِكَ وشُكْرِكَ وحُسْنِ عَبَادَتِكَ.
• اللَّهُمُّ اِحْفَظْنا وأهلنا وبِلَادَنَا وجنودنا بِالْأَمْنِ وَالْإيمَانِ، وبالسَّلامَةِ والإسلامِ.
• اللَّهُمَّ احْفَظْ لَنَا مَلِكَنَا ووَلِيَّ عَهْدِهِ واجزهِمْ عنا خيرَ الجزاءِ، وَارْزُقْهُم بِطَانَةً صَالِحَةً نَاصِحَةً.
• اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.

المرفقات

1711623103_‎⁨ليلة القدر كيف أدركها؟⁩.docx

1711623104_‎⁨ليلة القدر كيف أدركها؟⁩.pdf

المشاهدات 799 | التعليقات 0