ليرينّ الله ما أصنع! (خطبة مختصرة عن استقبال شهر رمضان)

عبدالله الغامدي
1446/08/29 - 2025/02/28 07:18AM

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي فرض علىٰ عباده الصيام، وجعله طُهرةً لهم من الذنوب والآثام، وأشهد ألا إله إلا الله الواحد الملك العلّام، وأن محمدًا عبده ورسوله خير من صلى وصام، وحج وطاف بالبيت الحرام، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ أما بعد أيها الإخوة الكرام:

جاء في أصحِّ كتابين بعد كتاب الله البخاري ومسلم، عن أنس بن مالك  وهو يُحدِّث عن عمِّه أنس بن النضر: أنَّ عمَّه كان ممن فاته مشهدُ بدرٍ؛ فتألَّم لذلك أشدَّ الألم، وتحسّر أعظم الحسرة، لكنَّ أنسًا -رضي الله- لم يقف عند الندم؛ لأنَّ الندم علىٰ الوقت الفائت تضييعٌ للوقت الحاضر -كما يقول ابن القيم- فحزم أنسٌ  وعزم وقرر تعويضًا عن هذا الفوات: أنَّه إذا أمدَّ اللهُ في عمره وبلَّغه مشهدًا آخر مع رسول الله، بأنَّه سيكون له شأنٌ آخر، فقال: لئن بلَّغني اللهُ مشهدًا آخر مع رسول الله ﷺ ليرينَّ اللهُ ما أصنع!! وطوى أنس خلف هذه العبارة ما سيصنعه تعظيمًا وتهويلًا له.

مضت الأيام والشهور ومضت سنةٌ كاملة بعد هذه الكلمة، حتى جاءت السنة الثالثة وأتت معها غزوة أحد، وما أدراك ما غزوة أحد!

كانت الغلبة في هذه الغزوة للمسلمين حتى نزل الرماة عن الجبل واستعجلوا الغنائم، فانقلبت الكفَّةُ للمشركين، حتى شُجَّ وجه رسول الله ﷺ وكُسرت رباعيته ودخلت حلقات المغفر في وجهه الشَّريف، بل أُشيع أن رسول الله ﷺ قد قُتل!

فمن هول الصدمة والخبر انسحب من انسحب من الصحابة 

ولكنَّ صاحبنا أنس بن النضر ظلَّ صامدًا ثابتًا وفيًا بعهده الذي عقده مع الله، فكان من أبسل الصحابة في ذلك الموقف؛ حتى عزم علىٰ أن يشقَّ صفَّ المشركين من أوله إلىٰ آخره وحده!

فاعترضه صاحبُه سعدُ بن معاذ يريد أن يُثنيه من خوفه عليه، وقال: إلىٰ أين يا أبا عمرو؟!!

فقال أنس: إلىٰ الجنة! وربِّ النضر إني لأجدُ ريح الجنَّة دون أحد، فإليك عني يا سعد!

ثم أقدم أنس واخترق صفَّ المشركين وحدَه يفلقُ هاماتهم ويجندل أبطالهم ويرديهم عن خيولهم؛ فأثخن فيهم إثخانًا عظيمًا وقتل منهم خلقًا كثيرًا، لكنَّه كان رجلًا واحدًا في النهاية فنالوا منه ما نالوه بسيوفهم ورماحهم وسهامهم حتى سقط شهيدًا.

وبعد انتهاء الغزوة وعند عملية البحث عن الجثث؛ لم يستطع الصحابة أن يصلوا ولا أن يتعرفوا على جثّة أنس بن النضر من بين القتلى أتدرون لماذا؟!

لأنَّ جسد أنس  نالته بضعٌ وثمانون ضربة طمست معالم وجهه وغيّرت معالم جسده؛ فما استطاع أن يتعرَّف عليه إلا أخته من علامة مميَّزة كانت في أصبعه! ﴿مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ.

وحتى تلتأم -أيّها الكرام- هذه القصة مع شهر رمضان الذي سيطلُّ علينا بحول الله بعد أيام ويكون لها محلٌ فيه من الإعراب: ألا تذكّرك أحداث هذه القصّة بما حصل في رمضان الماضي؟

أتذكر حينما تألمت في آخر ليلة من رمضان علىٰ تقصيرك فيه وشعورك أن الليالي فيه مرت سريعة وأنت تراقب انفراط أوراق التقويم وتتمنَّى أن توقف التاريخ ندمًا لأنك لم تقدم في رمضان ما يرضيك عن نفسك؟!

أتذكر حينما سكبت الدمع واعتصر قلبك ألمـًا لما أعلنوا عن خروج شهر رمضان ورؤية هلال شوال؟!

لعلَّك تذكّر كلَّ ذلك، ولعلّك قلت حينها بينك وبين نفسك: لئن بلَّغني الله رمضان القادم ليرينَّ اللهُ ما أصنع!

فها هي الأيام قد طُويت، والأعمار قد مُدّت، ولم يبقَ بيننا وبين رمضان إلا ساعات قلائل، فماذا سيرى اللهُ منَّا إذا بلَّغنا إياه؟!

اللهمَّ بلَّغنا رمضان ونحن في عفوٍ وعافيةٍ وإيمان، أقول هذا القول وأستغفر لي ولكم الرحيم الرحمن.

point.pngpoint.pngpoint.png

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقهِ وامتنانه، وأشهدُ ألا إله إلا الله تعظيمًا لشانه، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدهُ ورسولُه الداعي إلى رضوانه، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون﴾ أما بعد:

-أيُّها الكرام-: لم يبقَ بيننا وبين رمضان إلا ساعاتٌ قلائل؛ فلنكثر في هذه اللحظات من طلب الله أن يبلّغنا شهر رمضان المبارك، وليكن شعارنا من الآن:   "لئن بلغني الله رمضان فليرينَّ اللهُ ما أصنع!"

   ليرينَّ الله ما أصنع في كثرة التلاوة والختمات وقراءة القرآن

  ليرينَّ الله ما أصنع في المحافظة علىٰ الصلوات المفروضة وخاصة صلاتي الظهر والعصر.

  ليرينَّ الله ما أصنع في الصدقة على المساكين وإطعام الفقراء وتفطير الصائمين.

   ليرينَّ الله ما أصنع في حفظ صيامي عن المحرّمات وعن كلّ ما يخدشه مما لا يرضي الله.

    ليرينَّ الله ما أصنع في الصبر على القيام مع الإمام حتى ينصرف ليكتب الله لي قيام ليلة كاملة.

﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ

اللهم بلّغنا رمضان ونحن في عفو وعافية وإيمان

اللهم بلّغنا رمضان غير فاقدين ولا مفقودين

اللهم وأعنا فيه علىٰ الصيام والقيام وقراءة القرآن

اللهم اجعل شهر رمضان شهر عز ونصر وتمكين للإسلام والمسلمين

اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، واجعل هذا البلد آمنا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.

وآخر دعوانا: أن الحمد لله ربّ العالمين.

line.png

المشاهدات 808 | التعليقات 0