ليالي الرجاء (2)
الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل
الحَمْدُ لِلَّهِ العَفُوِّ الغَفُورِ، الكَرِيمِ الشَّكُورِ؛ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ، وَيَسْتُرُ العُيُوبَ، وَيُضَاعِفُ الحَسَنَاتِ، وَيَرْفَعُ الدَّرَجَاتِ، نَحْمَدُهُ عَلَى مَا أَعْطَى مِنَ الخَيْرَاتِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا شَرَعَ مِنْ أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ، وَمَا كَتَبَ فِيهَا مِنَ الأُجُورِ وَالحَسَنَاتِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ؛ لَهُ فِي هَذِهِ اللَّيَالِي المُبَارَكَةِ هِبَاتٌ وَعَطَايَا؛ فَيَا لَهْفَ قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ عَلَيْهَا، وَيَا خَسَارَةَ مَنْ حُرِمَهَا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ أَشَدَّ النَّاسِ خَوْفًا مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَأَعْظَمَهُمْ رَجَاءً فِيهِ، وَكَانَ يُرَبِّي أَصْحَابَهُ عَلَى الخَوْفِ وَالرَّجَاءِ؛ فَيَضَعُ الخَوْفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَيَضَعُ الرَّجَاءَ فِي مَوْضِعِهِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاغْتَنِمُوا مَا بَقِيَ مِنَ الشَّهْرِ الكَرِيمِ، وَأَكْثِرُوا فِي خِتَامِهِ مِنَ الاسْتِغْفَارِ، وَأَلِحُّوا عَلَى اللهِ تَعَالَى بِقَبُولِ الأَعْمَالِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ تَعَالَى كَمَا شَرَعَ الصِّيَامَ لِحُصُولِ التَّقْوَى، فَإِنَّهُ يَتَقَبَّلُ عَمَلَ مَنِ اتَّقَى؛ /font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ[/font][/color][font=traditional arabic {المائدة:27}.
أَيُّهَا النَّاسُ: فِي هَذِهِ اللَّيَالِي المُبَارَكَةِ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ الكَرِيمِ يَعْظُمُ رَجَاءُ المُؤْمِنِينَ فِي رَبِّهِمْ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فَيَخْلُو بِهِ العَاكِفُونَ، وَيُلِحُّ عَلَيْهِ الدَّاعُونَ، وَتَتَعَلَّقُ بِهِ القُلُوبُ وَحْدَهُ دُونَ سِوَاهُ، لاَ تَسْكُنُ فِيهَا مَسَاجِدُ المُسْلِمِينَ مِنَ الدَّوِيِّ بِالقُرْآنِ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ وَآخِرِهِ، وَلاَ تَمَلُّ الجِبَاهُ مِنْ طُولِ السُّجُودِ، وَلاَ تَشْتَكِي الأَقْدَامُ طُولَ القُنُوتِ؛ فَالرَّغْبَةُ فِي اللهِ تَعَالَى عَظِيمَةٌ، وَالرَّجَاءُ فِيهِ سُبْحَانَهُ كَبِيرٌ، حَتَّى إِذَا كَانَ الهَزِيعُ الأَخِيرُ مِنَ اللَّيْلِ عَظُمَتِ الرَّغْبَةُ وَالرَّجَاءُ فِيهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَتَمْتَمَتِ الشِّفَاهُ بِدَعَوَاتٍ مُبَارَكَاتٍ تَتَيَقَّنُ القُلُوبُ قَبُولَهَا؛ لِأَنَّهَا دَعَوَاتٌ تُرْفَعُ لِلْجَوَادِ الكَرِيمِ مِنْ نُفُوسٍ تُظْهِرُ الافْتِقَارَ وَالحَاجَةَ لِلْعَلِيِّ الكَبِيرِ، سَبَقَهَا قُرُبَاتٌ صَالِحَةٌ تُمَهِّدُ لِلْقَبُولِ؛ /font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]إِلَيۡهِ يَصۡعَدُ ٱلۡكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلۡعَمَلُ ٱلصَّٰلِحُ يَرۡفَعُهُۥۚ[/font][/color][font=traditional arabic {فاطر:10}، فَيَا للهِ العَظِيمِ! مَا أَجْمَلَ هَذِهِ اللَّيَالِي المُبَارَكَاتِ! وَمَا أَعْظَمَ لَذَّةَ المُنَاجَاةِ فِي الصَّلَوَاتِ! وَمَا أَطْيَبَ الاسْتِغْفَارَ فِي الأَسْحَارِ! أَدَامَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْنَا هَذِهِ النِّعَمَ بِالثَّبَاتِ عَلَى دِينِهِ، وَمَعْرِفَةِ حَقِّهِ، وَالإِعَانَةِ عَلَى ذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ.
إِنَّ الرَّجَاءَ -يَا عِبَادَ الرَّحْمَنِ- مَوْجُودٌ عِنْدَ كُلِّ الأُمَمِ، وَفِي كُلِّ المَذَاهِبِ وَالدِّيَانَاتِ المُحَرَّفَةِ وَالمُبَدَّلَةِ وَالمُخْتَرَعَةِ، لَكِنَّهُ رَجَاءٌ لاَ يَنْفَعُ أَصْحَابَهُ؛ لِأَنَّهُ وُضِعَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَبُذِلَ لِمَنْ لاَ يَسْتَحِقُهُ فَالرَّاجِي مُتَعَلِّقٌ بِالأَوْهَامِ وَالأَمَانِي، وَنَحْنُ -يَا عِبَادَ اللهِ- قَدْ وَهَبَنَا اللهُ تَعَالَى الرَّجَاءَ الحَقِيقِيَّ النَّافِعَ، الَّذِي يَنْفَعُنَا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَهُوَ الرَّجَاءُ بِهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي كُلِّ أُمُورِنَا الدُّنْيَوِيَّةِ وَالأُخْرَوِيَّةِ.
إِنَّ الرَّجَاءَ فِي اللهِ تَعَالَى هُوَ عَمَلُ المُرْسَلِينَ، لاَ يَجِدُونَ قُنُوطًا فِي قُلُوبِهِمْ، وَلاَ يَعْرِفُ اليَأْسُ طَرِيقَهُمْ؛ لِعِلْمِهِمْ بِاللهِ تَعَالَى، وَيَقِينِهِمْ بِقُدْرَتِهِ سُبْحَانَهُ وَرَحْمَتِهِ وَكَرِمِهِ، فَلاَ يُعْجِزُهُ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ، وَلاَ يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ، وَخَزائِنُهُ مَلْأَى، فَلاَ مَحَلَّ لِلْقُنُوطِ وَاليَأْسِ.
بُشِّرَ الخَلِيلُ -عَلَيْهِ السَّلامُ- بِإِسْحَاقَ عَلَى كِبَرٍ فِي سِنِّهِ، وَعُقْمٍ فِي زَوْجِهِ، فَاسْتَبْعَدَ ذَلِكَ لِبُعْدِهِ؛ /font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]قَالَ أَبَشَّرۡتُمُونِي عَلَىٰٓ أَن مَّسَّنِيَ ٱلۡكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ[/font][/color][font=traditional arabic {الحجر:54}، فَقَالَ لَهُ المَلائِكَةُ -عَلَيْهِمُ السَّلامُ-: /font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs] بَشَّرۡنَٰكَ بِٱلۡحَقِّ فَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡقَٰنِطِينَ[/font][/color][font=traditional arabic {الحجر:55}، فَنَفَى الخَلِيلُ -عَلَيْهِ السَّلامُ- بِاسْتِفْهَامِ إِنْكَارٍ أَنْ يَكُونَ قَانِطًا؛ [قَالَ وَمَن يَقۡنَطُ مِن رَّحۡمَةِ
رَبِّهِۦٓ إِلَّا ٱلضَّآلُّونَ] {الحجر:56}.
فَمَنْ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى حَاجَةٌ -وَلاَ نَنْفَكُّ وَنَحْنُ عَبِيدُهُ عَنِ الحَاجَةِ إِلَيْهِ تَعَالَى فِي كُلِّ لَحْظَةٍ- فَلْيَدْعُ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ بِقَلْبٍ مُوقِنٍ رَاجٍ، لاَ يَشُكُّ فِي أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُعْطِيهِ مَا سَأَلَ.
قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالى-: مَنْ ذَهَبَ يُقَنِّطُ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى، أَوْ يُقَنِّطُ نَفْسَهُ فَقَدْ أَخْطَأَ، ثُمَّ نَزَعَ بِهَذِهِ الآيَةِ: /font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]وَمَن يَقۡنَطُ مِن رَّحۡمَةِ رَبِّهِۦٓ إِلَّا ٱلضَّآلُّونَ[/font][/color][font=traditional arabic [الحجر: 56].
وَتَكَرَّرَ هَذَا الحَالُ مَعَ نَبِيِّ اللهِ زَكَرِيَّا -عَلَيْهِ السَّلامُ- فَدَعَا رَبَّهُ دُعَاءَ الرَّاجِي يَطْلُبُ الوَلَدَ، وَقَدْ وَهَنَ مِنْهُ العَظْمُ، وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا، لَكِنَّهُ لاَ يَزَالُ يَرْجُو قَدِيرًا كَرِيمًا؛ /font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُۥۖ قَالَ رَبِّ هَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّة[/font][/color][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ٗ[/font][/color][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs] طَيِّبَةًۖ إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ[/font][/color][font=traditional arabic {آل عمران:38}، فَكَانَتْ إِجَابَةُ اللهِ تَعَالَى لَهُ أَسْرَعَ مِنْ مُفَارَقَتِهِ لِمِحْرَابِ صَلاتِهِ، وَمَحَلِّ دَعَوَاتِهِ؛ إِذْ جَاءَ التَّعْقِيبُ الفَوْرِيُّ عَلَى دَعْوَتِهِ؛ /font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]فَنَادَتۡهُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَهُوَ قَآئِمٞ يُصَلِّي فِي ٱلۡمِحۡرَابِ أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحۡيَىٰ[/font][/color][font=traditional arabic {آل عمران:39}.
فَمَا أَسْرَعَ اسْتِجَابَةَ اللهِ تَعَالَى لَهُ، وَهُنَا وَفِي مِثْلِ هَذَا المَقَامِ تَقَعُ المُعْجِزَاتُ وَالكَرَامَاتُ؛ لِعَظِيمِ أَمْرِ الدُّعَاءِ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، لَقَدْ تَلاشَتِ الأَسْبَابُ الاعْتِيَادِيَّةُ، وَتَجَلَّتِ القُدْرَةُ الرَّبَّانِيَّةُ، وَاسْتُجِيبَتِ الدَّعْوَةُ المُبَارَكَةُ، وَوَقَعَتِ الكَرَامَةُ بِالوَلِدِ الصَّالِحِ، فَهَلْ يَقْنُطُ عَبْدٌ يَسْأَلُ الكَرِيمَ حَاجَةً وَهُوَ يَقْرَأُ خَبَرَ إِبْرَاهِيمَ وَزَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلامُ؟!
وَمَنْ خَافَ عَدُوًّا يَطْلُبُهُ، أَوْ أَمْرًا يُقْلِقُهُ؛ فَلْيَنْطَرِحْ عَلَى بَابِ اللهِ تَعَالَى قَانِتًا دَاعِيًا؛ وَلْيَتَذَكَّرْ رَجَاءَ الخَلِيلِ -عَلَيْهِ السَّلامُ- فِي رَبِّه -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- حِينَ أَضْرَمَ قَوْمُهُ النَّارَ لِطَرْحِهِ فِيهَا بَعْدَ أَنْ كَسَرَ أَصْنَامَهُمْ، فَمَا زَادَ عَلَى قَوْلِهِ: (حَسْبُنُا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ)، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى لِلنَّارِ: /font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]يَٰنَارُ كُونِي بَرۡد[/font][/color][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ٗ[/font][/color][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ[/font][/color][font=traditional arabic {الأنبياء:69}، مُعْجِزَاتٌ بَاهِرَةٌ، وَكَرَامَاتٌ عَجِيبَةٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى لِأَهْلِ الرَّجَاءِ، فَأَيْنَ الرَّاجُونَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ سِوَى اللهِ تَعَالَى؟!
وَمُوسَى -عَلَيْهِ السَّلامُ- وَالمُؤْمِنُونَ مَعَهُ طُورِدُوا مِنْ فِرْعَوْنَ وَجُنْدِهِ حَتَّى كَانَ البَحْرُ أَمَامَهُمْ، وَالعَدُوُّ وَرَاءَهُمْ؛ /font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]فَلَمَّا تَرَٰٓءَا ٱلۡجَمۡعَانِ قَالَ أَصۡحَٰبُ مُوسَىٰٓ إِنَّا لَمُدۡرَكُونَ[/font][/color][font=traditional arabic {الشعراء:61} وَلَكِنَّ رَجَاءَ الأَنْبِيَاءِ -عَلَيْهِمُ السَّلامُ- لَيْسَ كَرَجَاءِ غَيْرِهِمْ، وَثِقَتَهُمْ بِاللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لاَ تُزَعْزِعُهَا المَوَاقِفُ مَهْمَا عَظُمَتْ، وَلاَ تَمِيدُ بِهَا الخُطُوبُ وَإِنْ اشْتَدَّتْ، قَالَ مُوسَى مُعْلِنًا رَجَاءَهُ فِي اللهِ تَعَالَى، وَثِقَتَهُ بِهِ فِي هَذَا المَوْقِفِ العَصِيبِ؛ [كَلَّآۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهۡدِينِ ِ] {الشعراء:62}، فَخَلَقَ اللهُ تَعَالَى فِي البَحْرِ طَرِيقًا يَبَسًا بِضَرْبَةِ عَصَا، فِي مُعْجِزَةٍ رَبَّانِيَّةٍ تَخْرِقُ الأُمُورَ الاعْتِيَادِيَّةَ، وَلاَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ إِلاَّ مَنْ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا قَالَ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ.
إِنَّ عِبَادَ اللهِ الصَّالِحِينَ يَرْجُونَ فِي هَذِهِ اللَّيَالِي رَحْمَةَ اللهِ تَعَالَى وَمَغْفِرَتَهُ، وَقَدْ أَخَذُوا بِأَسْبَابِهَا، وَعَمِلُوا بِأَعْمَالِهَا، فِي لَيَالٍ هِيَ أَرْجَى اللَّيَالِي، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: /font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتۡلُونَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ يَرۡجُونَ تِجَٰرَةٗ لَّن تَبُورَ[/font][/color][font=traditional arabic {فاطر:29}، وَهَذِهِ الأَعْمَالُ كُلُّهَا تَتَجَسَّدُ فِي هَذِهِ اللَّيَالِي المُبَارَكَةِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهَا؛ فَهُمْ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ تَعَالَى، وَيَقُومُونَ بِهِ فِي تَرَاوِيحِهِمْ، وَقَدْ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَحَافَظُوا عَلَيْهَا، وَأَيْدِيهِمْ نَدِيَّةٌ بِالإِنْفَاقِ وَالإِحْسَانِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ سِرًّا وَجَهْرًا، وَقَدْ أَخْبَرَ اللهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ يَرْجُونَ بِأَفْعَالِهِمْ هَذِهِ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ، /font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]لِيُوَفِّيَهُمۡ أُجُورَهُمۡ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ غَفُورٞ شَكُورٞ[/font][/color][font=traditional arabic {فاطر:30}.
فَبِاللهِ عَلَيْكُمْ أَلاَ يَعْظُمُ رَجَاءُ العِبَادِ فِي اللهِ تَعَالَى وَقَدْ قَامُوا بِهَذِهِ الأَعْمَالِ فِي تِلْكَ اللَّيَالِي كَمَا لَمْ يَقُومُوا بِهَا فِي غَيْرِهَا؟!
أَلاَ يَعْظُمُ رَجَاؤُهُمْ فِي رَبِّهِمْ سُبْحَانَهُ وَهُمْ حِينَ يَنْزِلُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فِي ثُلُثِ اللَّيْلِ الآخِرِ قَانِتُونَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ تَعَالَى وَيَسْتَمِعُونَ إِلَى آيَاتِهِ، وَيَخْشَعُوْنَ عَنْدَ مَوَاعِظِهِ، وَيُلِحُّونَ فِي دُعَاءِ اللهِ تَعَالَى وَسُؤَالِهِ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ هَذِهِ اللَّيَالِي هِيَ لَيَالِي الرَّجَاءِ، فَمَتَى تَكُونُ؟!
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-:« الكَبَائِرُ: الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ، وَالْقَنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللهِ»؛ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ.
فَاعْمَلُوا صَالِحًا -عِبَادَ اللهِ- وَأَنْتُمْ تَرْجُونَ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْكُمْ، وَأَلِحُّوا عَلَيْهِ فِي الدُّعَاءِ وَأَنْتُمْ تَرْجُونَهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ، وَتُوبُوا إِلَيْهِ وَأَنْتُمْ تَرْجُونَهُ أَنْ يَقْبَلَ تَوْبَتَكُمْ.
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: /font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]أَمَّنۡ هُوَ قَٰنِتٌ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ سَاجِدٗا وَقَآئِمٗا يَحۡذَرُ ٱلۡأٓخِرَةَ وَيَرۡجُواْ رَحۡمَةَ رَبِّهِۦۗ قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ[/font][/color][font=traditional arabic {الزُّمر:9}.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَأَحْسِنُوا خِتَامَ شَهْرِكُمْ بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ /font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]وَمَن يَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَا يَخَافُ ظُلۡم[/font][/color][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ٗ[/font][/color][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ا وَلَا هَضۡم[/font][/color][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ٗ[/font][/color][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ا[/font][/color][font=traditional arabic {طه: 112}.
أَيُّهَا النَّاسُ: شَرَعَ اللهُ تَعَالَى لَكُمْ فِي خِتَامِ صَوْمِكُمْ إِخْرَاجَ زَكَاةِ الفِطْرِ عَنْ أَبْدَانِكُمْ، وَتَرْقِيعًا لِمَا تَخْرَّقَ مِنْ صِيَامِكُمْ؛ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ:«فَرَضَ رَسُولُ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَكَاةَ الفِطْرِ طُهْرَةً لِلْصَائِمِ مِنَ اللَّغْوِ والرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ»؛ رَوَاهُ أَبو دَاوُدَ.
وَهِيَ فَرِيضَةٌ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَال:«فَرَضَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاةِ»؛ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ قَالَ نَافِعٌ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-:«فَكَانَ ابْنُ عَمَرَ يُعْطِي عَنِ الصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ حَتَى إِنْ كَانَ يُعْطِي عَنْ بَنِيَّ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- يُعْطِيهَا الَّذِينَ يَقْبَلُونَهَا، وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ».
وَاحْذَرُوا عِبَادَ اللهِ مُنْكِرَاتِ العِيدِ؛ فَلَيْسَ مِنْ شُكْرِ اللهِ تَعَالَى عَلَى نِعْمَةِ إِدْرَاكِ رَمَضَانَ وَالتَّوْفِيقِ لِصِيَامِهِ وَقِيَامِهِ أَنْ يَقْلِبَ العِبَادُ يَوْمَ العِيدِ إِلَى يَوْمِ مَعْصِيَةٍ وَكُفْرٍ لِلنِّعَمِ وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ:/font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]وَلِتُكۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ[/font][/color][font=traditional arabic {البقرة:185}.
وَأَتْبِعُوا رَمَضَانَ بِصِيَامِ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ، فَمَنْ صَامَهَا مَعَ رَمَضَانَ كَانَ كَمَنْ صَامَ الدَّهْرَ كُلَّهُ؛ كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ.
المشاهدات 4045 | التعليقات 7
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاكم الله خيرا وكتب أجركم وجعلها في موازين حسناتكم
ولو يرفق ملف وورد الخطبه مع الموضوع
فلعه يكون انفع
جزاك الله خيرا ونفع بك
أحسن الله إليك ، وزادك من واسع فضله .
جزاك الله خير ونفع الله بك
الإخوة المشايخ الأفاضل: الشمراني وشبيب القحطاني وأبو عمر الشهراني ومحمد شراحيلي وحسام الجبرين وعبد العزيز الدلبحي..
شكر الله تعالى لكم مروركم وتعليقكم واستجاب دعواتكم وأعطاكم مثلها وضعفها اللهم آمين..
وبالنسبة لتحميل الخطبة في وورد أحيانا لا يتيسر ذلك وكم مرة جربت وما قبل الموقع أو أني ما عرفت مع أني فيما سبق فعلت ذلك وقبل الرفع..والغالب أني لا أنشر خطبة هنا إلا وحاولت إرفاق ملفات وورد بها..
الشمراني الشمراني
تعديل التعليق