لِنثواصِلِ الاحتِرازَ والاحتِراسَ

راشد بن عبد الرحمن البداح
1442/06/21 - 2021/02/03 10:23AM

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صلى اللهُ وسلمَ عليهِ وآلهِ وصحبهِ والتابعينَ بإحسانٍ. أَمَّا بَعْدُ: فاتقوا اللهَ {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}.

فمِنْ أَجَلِّ نِعَمِ اللَّهِ عَلَى عَبْدِهِ، وَأَجْزَلِ عَطَايَاهُ، وَأَوْفَرِ مِنَحِهِ الصِّحَّةُ وَالْعَافِيَةُ.. فَحَقِيقٌ لِمَنْ رُزِقَ حَظًّا مِنَ التَّوْفِيقِ مُرَاعَاتُهَا وَحِفْظُهَا وَحِمَايَتُهَا عَمَّا يُضَادُّهَا، وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ أنّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ([1]).

وقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} قَالَ: عَنِ الصِّحَّةِ([2]).

قال الإمامُ ابنُ القيِّم -رحمهُ اللهُ تعالىُ-: (وَأُصُولُ الطِّبِّ ثَلَاثَةٌ: الْحِمْيَةُ وَحِفْظُ الصِّحَّةِ وَاسْتِفْرَاغُ الْمَادَّةِ الْمُضِرَّةِ، وَقَدْ جَمَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِأُمَّة محمدٍ e فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ رَحْمَةً لَهُمْ، وَرَأْفَةً بِهِمْ. وَهُوَ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ.

·       فَحَمَى الْمَرِيضَ مِنَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ خَشْيَةً مِنَ الضَّرَرِ فَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}..

·       وأَبَاحَ لِلْمُسَافِرِ الْفِطْرَ فِي رَمَضَانَ حِفْظًا لِصِحَّتِهِ وَقَالَ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}

·       وَقَالَ فِي الِاسْتِفْرَاغِ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ لِلْمُحْرِمِ {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ})([3]).

 يقولُ ابنُ القيمِ: (وذاكَرْتُ مَرّةً بَعْضَ رُؤَسَاءِ الطِبِ بِمِصْرَ بِهَذا، فَقَالَ: واللهِ لو سَافَرْتُ إلى الغَرْبِ فِي مَعْرِفَةِ هَذِهِ الفَائِدَةِ لكَانَ سَفَرًا قَلِيْلاً)([4]).

وَبِالْجُمْلَةِ: فَالْحِمْيَةُ مِنْ أَنْفَعِ الْأَدْوِيَةِ قَبْلَ الدَّاءِ، فَتَمْنَعُ حُصُولَهُ، وَإِذَا حَصَلَ فَتَمْنَعُ تَزَايُدَهُ وَانْتِشَارَهُ. ومِنْ جميلِ كَلَامِ الحارثِ بنِ كَلَدَة طَبِيبِ الْعَرَبِ قولُه: «الْحِمْيَةُ رَأْسُ الدَّوَاءِ»([5]).

أيُها المصلونَ: ألا وإنَّ مِنَ الحِميةِ النافعةِ الدافعةِ –بإذنِ اللهِ- استمرارَ الأخذِ بالاحتياطاتِ الصحيةِ، فلنواصِلِ الاحترازَ والاحتراسَ، بالتباعُدِ والكِمَامةِ والسجّادةِ وتركِ المصافحةِ، ولنُفعّلْ تطبيقِ (توكلَّنا). ولنَدَعْ تَنَاقُلَ رسائلِ الواتسِ وتويترَ، ولنأخُذْ الأخبارَ مِنْ مَصَادِرِها الرسْميةِ.

وأبشِرُوا ثم أبشِرُوا، فالوباءُ زائلٌ -بإذنِ اللهِ- مع الاستكانةِ والتضرعِ لربنا، والأخذِ بالأسبابِ الحسيةِ.

ألا وإنَّ أعظمَ دافعٍ للبلاءِ التوبةُ العامةُ، والمواصلةُ أمرًا بالمعروفِ ونهيًا عنِ المنكرِ بما نستطيعُ، فهذا آمَنُ صِمَامٍ، وأنفعُ كِمَامٍ. فما نَزَلَ بلاءٌ إلا بذنبٍ، ولا رُفِعَ إلا بتوبةٍ: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}. وَلَا يَرْفَعُ الْوَبَاءَ إلّا الذِي: {يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} والذي أنزلهُ بقدرتِهِ، سيَرفعُه برحمتهِ.
الحمدُ للهِ ربِ العالمينَ والصلاةُ والسلامُ على خيرِ خلقِ اللهِ أجمعينَ، وعلى آلهِ وصحبِهِ والمُتَّبِعِينَ، أما بعدُ:

فإِنَّ أمْراً إنْ نَحْنُ التَزَمْنَاه؛ فَإِنَّ اللَّهَ وَعَدَ أَنْ يَكْشِفَ مَا نَزَلَ بِنَا: إنَّه الِاسْتِغْفَارُ إذَا رَدَّدْنَاه كثيرًا بتَضرُّع: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}.

ومَا ألْهَمَ اللهُ عَبْداً الاستِغفَارَ وهوَ يُريدُ أنْ يُعذِّبَه:

لوْ لَمْ تُرِدْ نَيْـــلَ مَا أَرْجُوْ وأطلُبُهُ   *** مِنْ جُودِ كَفَّيْكَ مَا عَلَّمْتَنِي الطَلَبَا

فَيَا مَنْ أنْهَكَهُ وَهْمُ الْمَرَضِ: أَكْثِرْ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ.

وَيَا مَنْ كبَّلَتْهُ الدُّيُونُ: أَكْثِرْ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ.

يَا مَنْ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ: الْجَأْ إلَى مَنْ هُوَ أَرْحَمُ بِكَ مِنْ أُمِّكَ: {وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوّابًا}.

·       نستغفِرُكَ اللهم ونتوبُ إليكَ.

·       (سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ عَلَى حِلْمِكَ بَعْدَ عِلْمِكَ، سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ عَلَى عَفْوِكَ بَعْدَ قُدْرَتِكَ)([6]).

·       اللهم صلِ وسلِمْ على عبدِك ورسولِك محمدٍ.

·       اللهم أعِذْنا من سيءِ الأسقامِ.

·       اللهمَ ارفعْ ما نزلَ بنا من وباءٍ وبلاءٍ، وأنزِلْ على قلوبنا سكينةً، وارزُقنا استكانةً، وإليك تضرعًا.

·       (اللهم إنا نعوذُ بكَ مِن بأسِكَ، ونقمتِكَ، وسلطانِكَ)([7]).

·       اللهم إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.

·       اللهم لا تُحْقِقْ علينا العذابَ ولا تَقطعْ بنا الأسبابَ.

·       اللهم وَلَا تَجْعَلْنَا آيِسَيْنَ، وَلَا تُهْلِكُنَا بِالسِّنِينَ.

·       اللهم لك الحمدُ على التدفئةِ والدفءِ.

·       اللهم لك الحمدُ على أن رزقتَنا عامًا توالَى بالغيثِ المِدرارِ، وبالربيعِ والنوارِ.

·       اللهم إنه لا غنى لنا عن فضلِكَ وبركتِكَ.

·       اللهم أغِثْنا، اللهم اسقِنا الغيثَ ولا تجعلنا من القانطينَ.

·       اللهم برحمتِكَ تابعْ علينا الخيراتِ، وأدرَّ لنا البركاتِ.

·       اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ كَمَا هَدَيْتَنا لِلإِسْلاَمِ، أَلاَ تَنْزِعَهُ مِنّا حَتَّى تَتَوَفَّانا وَنحنُ مُسْلِمونَ([8]).

·       اللهم اجزِ والدَينا عنا خيرَ الجزاءِ، وارحمهُما كما ربَّونا صِغارًا.

·       {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}.

·       اللهم وفقْ إمامَنا ووليَ عهدِه بتوفيقِك، اللهم ارزقُهم باطنةَ السَّدادِ والرَّشادِ.

·       اللهم احفظْ رجالَ الحدودِ والصحةِ والتعليمِ، وسدِدْهم.

·       {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}



([1]) البخاري (6412)
([2])زاد المعاد في هدي خير العباد (4/ 195)
([3])باختصار وتصرف يسير من زاد المعاد (1/ 158)
([4])إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 16)
([5])زاد المعاد (4/ 96)
([6])العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (3/ 954)
([7])مصنف ابن أبي شيبة (3/ 236)
([8]) من دعاء عبد الله بن عمر t وهو على الصفا. رواه مالك في الموطأ بالسلسلة الذهبية (1/ 372).

المرفقات

1612347766_لنواصل الاحتراز والاحتراس.docx

1612347781_لنواصل الاحتراز والاحتراس.pdf

المشاهدات 2798 | التعليقات 0