لم يلد ولم يولد
سليمان السلامة
بسم الله الرحمن الرحيم
الجامع القديم بمحافظة البدائع
10/6/1440هـ
لم يلد و لم يولد
إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره.....
أما بعد
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا.
أيها المؤمنون : سوره من القران الكريم أظن أن كل من في المسجد الآن يحفظها بل لا يكاد يوجد مسلم إلا وهو يحفظها ، و قد لا يمر عليه يوم إلا وقد قرأها ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ))
فربنا متفرد بالربوبية والألوهية ،ما اتخذ صاحبة ولا ولدا، لم يلد و لم يولد ،وقد تعددت الآيات القرآنية التي تؤكد وتقرر نفي الولد عن الله وتنزيهه سبحانه و بحمده قال الله تعالى :( قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)
و قال تعالى: (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا )
و قال تعالى : (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ)
عباد الله : من أيقن بعظمة الله وقيوميته وكماله وغناه لا يمكن أن ينسب لله ولدا؛ ولذا قال مؤمنوا الجن:( وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا أي: تعالت عظمته وتقدست أسماؤه - مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا )
فما أحلم الله و أصبر الله على كفر الكافرين و شرك المشركين ، روى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قَالَ اللَّهُ: «كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَزَعَمَ أَنِّي لاَ أَقْدِرُ أَنْ أُعِيدَهُ كَمَا كَانَ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ، فَقَوْلُهُ لِي وَلَدٌ، فَسُبْحَانِي أَنْ أَتَّخِذَ صَاحِبَةً أَوْ وَلَدًا»
وفي الصحيحين قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا أَحَدَ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى يَسْمَعُهُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِنَّهُ يُشْرَكُ بِهِ، وَيُجْعَلُ لَهُ الْوَلَدُ، ثُمَّ هُوَ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ»،
عباد الله : ادّعاء أن لله ولدا ليست دعوى كانت في قرون سابقة و انتهت ، بل هي موجودة ما وجد الكافرون و المشركون ، فمشركو العرب زعموا أن الملائكة بنات الله ،وقالت اليهود عزير ابن الله ،وقالت النصارى المسيح ابن الله، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا .
وقد يكون في زماننا أبرز من يظهر دعوى أن لله ولدا هم النصاري، وخاصة عند قيامهم بطقوسهم و إجراء حركة التثليث حال دخولهم للملاعب الرياضية أو احراز أحدهم هدفا او أثناء مزاولة لعبة إلكترونية فكلما حقق اللاعب نصرا أو هدفا قام بحركة التثليث، و مع تكرار مشاهدة هذا المشهد كرّات ومرّات، عبر ألعاب و مباريات، قد يقلد مقلد جاهل، وقد لا يستعظم المشاهد حركة التثليث ولا يستهجنها و لا ينكرها قلبه ، و هذا وأيم الله أمر خطير إذ إن من معنى حركة التثليث نسبة الولد لله و أن الله ثالث ثلاثة.
يا مسلمون: يكاد أن ينتفض الكون كله حينما يقال إن لله ولدا، كاد الكون أن يخرب و يحل به الدمار لما قال الكافرون إن الله اتخذ ولدا.
استمعوا ، تأملوا ، تدبروا ، هذه الآية قال الله تعالى : (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا )
(لقد جئتم شيئا إدّا) قولا عظيما فضيعا منكرا شنيعا شديدا ، و من شناعة و فضاعة نسبة الولد للرحمن تتأثر السماوات الصلاب ، و الأرضون الشداد ، و الجبال الرواسي، تكاد السماوات تتشقق وتسقط عليهم، وتنشق الأرض تتصدع و تتفطر ،وتخر الجبال هدا تندك و تكون ترابا.
و ما تأثر هذه الأجرام العظام إلا إعظاما للرب و اجلالا؛ لأنهن مخلوقات و مؤسّسات على توحيد الله جل جلاله ، قال محمد بن كعب :(كاد أعداء الله أن يقيموا علينا الساعة) وقال البيضاوي في تفسيره :( والمعنى: أن هول هذه الكلمة وعظمها بحيث لو تصورت بصورة محسوسة لم تتحملها هذه الأجرام العظام وتفتت من شدتها، أو أن فظاعتها مجلبة لغضب الله بحيث لولا حلمه لخرب العالم وبدد قوائمه غضباً على من تفوه بها).
و قال ابن عباس في قَوْلِهِ تعالى ذكره: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} قَالَ: إِنَّ الشِّرْكَ فَزِعَتْ مِنْهُ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْجِبَالُ، وَجَمِيعُ الْخَلَائِقِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ، فَكَادَتْ أَنْ تَزُولَ مِنْهُ لِعَظَمَةِ اللَّهِ).
بارك الله لي ولكم في القران والسنة ونفعنا بمافيهما من آيات وحكمة
قلت ما سمعتموه، وأستغفر الله فاستغفروه.
2
الحمدلله لم يلد و لم يولد و الصلاة و السلام على إمام الموحدين نبينا محمد أما بعد
فإن نسبة الولد إلى الله من أعظم الكفر والشرك ،ومن أعظم المحرمات و الذنوب الموبقات ، قال الله تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )
فمهما زين الكافرون طقوسهم وروجوا لها ، فهم كافرون ، ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين.
يا موحدون: من أجل النعم أن نعيش موحدين لله وأن نموت على التوحيد ، نعمة وأي نعمة؟ إنها تستحق الحمد، ولذا حمد ربنا نفسه و أثنى عليها ومجدها بانتفاء الولد و الشريك والولي له فقال تعالى ذكره (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا)
فاحمدوا الله يا موحدون يا مؤمنون ،احمدوا الله على أن عرفنا أنه لم يتخذ ولدا ، احمدوا الله المنزه عن كل نقص ، احمدوا الله المنزه عن الولد و الوالد ،احمدوا الله لما له من كمال ومجد وغنى وعز، وأعظم الحمد على الهداية
للتوحيد أن نعظم الله ،ونعظم شرع الله، و نخضع لشرع الله ،و نعبد الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. (وكبره تكبيرا) أي عظمه و أجله عما يقول الظالمون المعتدون علوا كبيرا .
المرفقات
لم-يلد-ولم-يولد
لم-يلد-ولم-يولد