لمحات مؤثرة من من فقد النبي صلى الله عليه وسلم لأحبابه وصبره في معاشه

محمد بن مسلم
1442/01/15 - 2020/09/03 07:12AM

الحمد لله, الحمد لله, أتم النعمة على الأمة, وأكمل لها دينها, وآت الحكمة أهلها, وتمم بمحمد مكار الأخلاق كلَها, وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له, شهادة نستظل بظلها ونحيا ونموت عليها, ونلقى الله بها, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, دعى وكل نواحي الأرض مغبرة مجدبة, فإذا الغبراء خضراء, بشر الأمة وأنذرها ودلها, صلوات الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه, صلاة دائمة إلى يوم تضع كل ذات حمل حملها.

أما بعد:(يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون).

معاشر المؤمنين:

رفع الله ذكره )ورفعنا لكوأقسم الله بحياته )لعمركوزكاه في نون )وإنك(.

صلى عليه بارئ العباد.........ما أمطرت سحب وسال واد

لقد سطرت لنا مدونات السيرة النبوية أروع المواقف والأحداث في صبر نبينا في حياته وفقد أحبابه, دعونا نعيش معها لحظات لنعرف عظمة هذا النبي  فقد كان صلى الله عليه وسلم سيد الصابرين

منذ ولادته عاش مرارة ولوعة اليتم في أعلى مراتبه, مات أبوه الحر في المدينة, والحمل في آمنة الأمينة, ثم توفيت أمه وقد تعلق بها قلبُه, فعظم يتمه, فأمه ماتت لست سنواتٍ من عمره ويالِ موت الأمهات.

كفله جده وظمه ورق عليه وقدمه على بنيه مستشعرا ألم يتمه أبويه, وبعد عامين توفي جده, وفي أشد اليتم زاد مجده, توفي جده وهو يناهز الثامنة من عمره, وقد عهد به إلى أبي طالب عمه. فعمه الشقيق ضمه إليه, وكان فوق كل أحد إليه, لزمه ولم يفارقه لثلاث وأربعين, يحوطه ويذود عنه, ويغضب له وينصره, ويتجرع الحصار والآلام نصرة له.

ومات عمه وزوجه الكريم.........واعتصم النبي بالله العظيم وبعد وفات عمه بأيام, فجع بزوجه ورفيق دربه, أول من آمن به وواساه, وصدقه وخفف عنه.أنها حمالة الحب لا حمالة الحطب, خديجة ذات العز والشرف, والدر لا يخرج إلا من صدف, فسمي ذاك العام بعام الحزن, جمعت عليه مصيبتان عظميان, إذ فقد السند الداخلي والخارجي, لاكنه لم يفقد صبره.  مات ابنه إبراهيم بين يديه, وعمره سنتان, فكان ينظر إليه وعيناه تذرفان, بدموع كالجمان, وفي ثبات ثهلان, قال في غاية البيانإن العين تدمع, والقلب يحزن, ولا نقول إلا ما يرضي ربنا, وإنا بفراقك يا إبراهيم محزونون.

يخرج النبي إلى بدر وابنته رقية مريضة, وزينب بمكة تعيش غربة قاسية, وبينا هو ببدر قد نصره الله ماتت رقية, ماتت ووالدها بعيد عنها, ماتت قبل أن ترى نصر والدها وتطمئن على سلامته, وسوي التراب على رقية قبل وصوله, وخيم الحزن على بيت النبوة, ليت شعري كيف استقبله أحبابه في المدينة؟ أيهنئونه بنصر الله أم يعزونه في رقية؟ ليت شعري كيف حاله لما التقت عيناه بعيني أم كلوثوم وفاطمة؟ يال الله لرسول الله, لخليل الله, لم تصف له الحياة. الحزن والمعاناة جزء من حياته, لاكنه قد قرر فقال): (أشد الناس بلاء الأنبياء, يبتلى المرء على قدر دينه. (صبر على فقد رقية وخفف عن زوجها عثمان بقوله: )لك أجر من شهد بدرا وسهمه).( وبأم كلثوم زوجّه, لينال لقب ذي النورين رضي الله عنه وأرضاه. وتهاجر زينب مروعّة, ويردها صلى الله عليه وسلم إلى زوجها أبي العاص بعد إسلامه, فيلتأم شمل الأسرة, وتعود الحياة إلى بين زينب هادئة, ولكن مشيئة الله نافذة, لم يمضي سوى زمن يسير حتى اشتد عليها المرض, لتلقى الله في العام الذي ردت فيه لزوجها, فخيم الحزن على النبي, وامتلأت عينه بالدموع, وحزن التابع للمتبوع, ووقف صابرا يتابع غسلها ويقول): (إذا فرغتن فآذنني). (فلما فرغن ألقى إليهن إزاره, وأمر بجعله مما يلي جسدها, قائلا: (أشعرنها إياه وابدأن بميامنها). ثم صلى عليها واحتسبها, ثم وافت المنية أختها أم كلثوم, في السنة التاسة للهجرة, فتتابع الحزن عليه صلى الله عليه وسلم بوفاتها بعد إخوتها ووقف الأب الحزين على باب الحجرة التي تغسل فيها, يناول الغاسلات الكفن ثوبا ثوبا, ثم صلى عليها, وفي ثرى البقيع وسدها, وذرف الدمع عليها.

وليس الذي يجري من العين ماؤها. وَلَكِنَّهَا نَفْسٌ تَذُوب وَتَقْطُرُ

وفي مشهد آخر من السيرة العظيمة ,وقف الحبيب على القتلى بعد معركة أحد ففاضت عيناه, وسالت دموعه على لحيته, وعظم حزنه حين وجد عمه حمزة ببطن واد قناة, وقد مثل المشركون به, جدعوا أنفه, وبقروا بطنه, ولاكوا كبده. أصيب المسلمون به جميعا هناك........... وقد أصيب به الرسول
فلم يكن منظر أوجع لقلبه منه, بكى وأبكى من حوله وقال": لولى أن تجد صفية في نفسها لتركته حتى يحشره الله من بطون السباع وحواصل الطير, لن أصاب بمثله أبدا, ما وقفتُ موقفا أغيظ إلي من هذا.
ومر النبي صلى الله عليه وسلم بعدها بدار بني عبد الأشهل فسمع بكاء النساء على قتلاهم, فذرفت عيناه أخرى وقال: لكن حمزة لا بواكي له.
وتتوالى عليه الإبتلاءات والمواجع, والمصاب والفواجع, فلا تزيده إلا صبرا وثباتا, مستعصما بالله جل جلاله, في كل عاصفة وقصف رعود. إنه صبر من أنزل عليه: )فصبر صبرا جميلا

صلى عليه ربنا وسلما.. والآل والأصحاب أنجم السما.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِهَدْي سَيِّدِ المُرْسَلِينَ.اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه الغفور الريحم

 

 

الحَمْدُ للهِ وَكَفَى، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى عَبْدِهِ المُصْطَفَى، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اجْتَبَى، أَمَّا بَعْدُ، فَيَا إِخْوَةَ الإِيمَانِ:

لقد صبر صلى الله عليه وسلم على الجوع والفقر والحاجة صبرا بلغ فيه الغاية, وتجاوز النهاية, وأنطق بالإفصاح والكناية. كان على يقين بأن الدنيا وما فيها وإن عظم في الأعين القاصرة هين حقير, فإنها السجن لمن آمنوا والجنة الفيحا لمن قد كفر. يمر عليه الهلال والهلال والهلال, ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقد في بيته نار, يظل أياما وليالي متتابعة طاويا وأهله لا يجدون عشاء, بل يظل اليوم يلتوي من شدة الجوع, ولا يجد من الدَّقَلِ (أي التمر الردئ] ما يملأ به بطنه, وأكل مع صحبه ورق السمر حتى قرحت أشداقه.
خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ - أَوْ لَيْلَةٍ - فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ: «مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ؟» قَالَا: الْجُوعُ يَا رَسُولَ اللهِ،، قَالَ: «وَأَنَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا, وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّه ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَمَا لِه وَلَا لِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبِطُ بِلَالٍ, وناولته فاطمة كسرة خبز فقالهذا أول طعام أكله أبوك منذ ثلاث

وبعد إخوتي: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم!
شمائله اغتذت جنات عدن وللإنسان فيها ما تمنى, منقولة محفوظة, كاملة غير منقوصة, وهي حجة على الخلق بالبيان العملي الحي مع البيان النظري, فهو الصابر المحتسب في كل حال{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } [الأحزاب: 21]

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ  عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ, اللهم إنا نشهد بأننا نحبك ونحب نبيك r ، فاللهم ارزقنا اتباعه ، والتأسي به ، والاقتداء بهديه .. الله لا تحرمنا شفاعته يوم العرض عليك، اللهم اجعلنا من زُمرته، واجعلنا من أنصار دينه ، الداعين إلى سنته ، المتسكين بشرعه .اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا وأجعل الجنة هي دارنا وقرارنا...اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واخذل الشرك والمشركين، الله انصر دينك وكتابك وسنة  نبيك وعبادك المؤمنين. اللهم فرِّج هم المهمومين من المسلمين، ونفِّس كرب المكروبين، واقضِ الدين عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم لا تحرمنا خير ما عندك بشر ما عندنا ياذا الجلال والإكرام، اللهم إنا خلقٌ من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك ياحي ياقيوم. اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وخذ بنصيته للبر والتقوىربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار، سبحان ربنا رب العزة عما يصفون وسلامٌ على المرسلين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

(أصل الخطبة اختصار وانتقاء من محاضرة الجادي المدوف في صبر النبي الرؤوف للشيخ علي القرني)

 

 

 

 

 

 

المشاهدات 1680 | التعليقات 1

للرفع