لماذا يخافون من القرآن ؟

شايع بن محمد الغبيشي
1444/07/11 - 2023/02/02 00:10AM

                                         لماذا يخافون من القرآن ؟

إنّ الحمدَ لله نَحْمَدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُه ونعوذ بالله من شرور أنفسينا وسيئات أعمالنا، من يهدِ اللهُ فلا مضل له ومن يضلل فلا هاديَ له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبدُهُ ورسُولُهُ ــ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا.

أما بعدُ : فاتقوا الله عبادَ الله حق التقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

إخوة الإيمان: خوف ووجل، ذعرٌ يسيطر على قلوبهم وأفئدتهم، أقض مضاجعهم فهبوا لحربه وحجبه عن الناس، واستفرغوا في ذلك طاقتهم وبذلوا وسعهم، وأنّا لهم ذلك فقد وصل إلى أسماع وقلوب الكثيرين فبعث فيها الحياة والنور والهدى، فهو روح الحياة ونعيم القلوب، ودواء الأدواء، جن جنونهم وخارت قواهم، فما هو؟ ومنهم؟ ولماذا يخافون منه؟

للإجابة على هذه التساؤلات تأملوا هذه القصة «... خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا قِبَلَ الحَبَشَةِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ، وَهُوَ سَيِّدُ القَارَةِ، فرده وقال له: َأَنَا لَكَ جَارٌ، فَارْجِعْ فَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبِلاَدِكَ، فَارْتَحَلَ ابْنُ الدَّغِنَةِ، فَرَجَعَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، فَطَافَ فِي أَشْرَافِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لاَ يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلاَ يُخْرَجُ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يُكْسِبُ المَعْدُومَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الكَلَّ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ، فَأَنْفَذَتْ قُرَيْشٌ جِوَارَ ابْنِ الدَّغِنَةِ، وَآمَنُوا أَبَا بَكْرٍ، وَقَالُوا لِابْنِ الدَّغِنَةِ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ، فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَلْيُصَلِّ، وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ، وَلاَ يُؤْذِينَا بِذَلِكَ، وَلاَ يَسْتَعْلِنْ بِهِ، فَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، قَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَةِ لِأَبِي بَكْرٍ، فَطَفِقَ أَبُو بَكْرٍ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَلاَ يَسْتَعْلِنُ بِالصَّلاَةِ، وَلاَ القِرَاءَةِ فِي غَيْرِ دَارِهِ، ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ وَبَرَزَ، فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ، وَيَقْرَأُ القُرْآنَ، فَيَتَقَصَّفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ المُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ، يَعْجَبُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً، لاَ يَمْلِكُ دَمْعَهُ حِينَ يَقْرَأُ القُرْآنَ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ المُشْرِكِينَ »رواه البخاري

لعل الإجابة قد اتضحت، أما هو فالقرآن، وأما هم فالكفار والمنافقون، وأما سبب خوفهم وذعرهم فلأنه يحرر العقول من الجهل والخرافة، والقلوب من الضلال والزيغ، والنفس من الضنك والشقاء، وتلك أدواء الكفر والكفار، فإن الذي يعيش في ظلام يسعد بالنور ويهرع إلى فرحاً مسروراً، ومن يعاني الأدواء يفرح بالدواء الذي يخفف عنه وطأة ذلك الداء، تأمل حالهم نساء المشركين وأبنائهم عند سامع القرآن " فَيَتَقَصَّفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ المُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ، يَعْجَبُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ " هكذا اجتذبهم القرآن إليه، ولذلك قالها الكفار صريحة " وَلاَ يَسْتَعْلِنْ بِهِ، فَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا "بل كان  كفار قريش أنفسهم يتوافدون كل ليلة لسماع تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم ثم يتعاهدون ألا يعودوا فيعودون حتى أنهم ليلة سجد النبي صلى الله عليه وسلم فسجدوا معه فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّجْمِ وَسَجَدَ مَعَهُ المُسْلِمُونَ وَالمُشْرِكُونَ وَالجِنُّ وَالإِنْسُ» رواه البخاري

لذا فهم يخافون من القرآن، لأنه يجتث بنيان كفرهم وشركهم وجاهليتهم من قواعده، يستأصل شأفته، ولذلك فهم يشنون عليه حرباً لا هوادة فيها، ويجهدون في إلصاق التهم به وبأهله، والحيلولة بين الناس وبينه قال تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}([1])  " ومفهوم كلامهم، أنهم إن لم يلغوا فيه، بل استمعوا إليه، وألقوا أذهانهم، أنهم لا يغلبون". ([2])  ولذلك اجتهدوا ليصدوا الناس عنه ولكن أنّا لكفٍ أن تحجب ضوء الشمس، هذه شهادة الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ لما جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ ، فرجع إلى قومه يعلنها صريحة " ...َوَاللَّهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي يَقُولُ حَلَاوَةً ، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةً ، وَإِنَّهُ لَمُثْمِرٌ أَعْلَاهُ مُغْدِقٌ أَسْفَلُهُ ، وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَمَا يُعْلَى وَإِنَّهُ لَيَحْطِمُ مَا تَحْتَهُ " صححه الحاكم ووافقه الذهبي. ([3])

لماذا يخافون من القرآن؟  لأنه ينفذ إلى القلوب التي تقبل عليه فيبسط عليها سلطانه فلا تملك إلا أن تخشع لكلام ربها وتذعن له فتؤمن به دون تردد، تأمل هذه القصة عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي المَغْرِبِ بِالطُّورِ، فَلَمَّا بَلَغَ هَذِهِ الآيَةَ: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (37)}([4]) " قَالَ: كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ" رواه البخاري

عجيب هذا القرآن تأمل ماذا فعل بالجن عند سماعه: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2)}([5])  وقالوا عنه: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا، يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ، فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا}([6])

ويصور القرآن حالهم عند سماعهم لتلاوة النبي صلى الله عليه وسلم: {وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} هذا هو تأثير القرآن وهذه جاذبيته وهذه سطوته الجن فكيف بسطوته على قلوب البشر، لذا فهم يخافون منه.

لماذا يخافون منه؟ لأنه يتسلل إلى القلوب قساوسة ورهبان النصارى فانقادوا له فما بالك بغيرهم: { وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ }([7]) يا الله يسمعونه فتخشع قلوبهم وترق وتدمع عيونهم من شدة التأثر به، إنه يقودهم إلى الإيمان والهدى ولذلك حق للأعداء يخافوا منه.

ماذا فعل القرآن في نجاشي الحبشة رضي الله عنه؟ لما قرأ جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه مطلع سورة مريم بكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته وبكت أساقفته حتى اخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم ثم قال النجاشي إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة...) رواه أحمد وصححه الألباني

الخطبة الثانية:

 الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:

عباد الله لماذا يخافون من القرآن؟ لأنه يحبط كل مخططاتهم لحرب إسلامنا والسعي لتدميره، بل يغزو الكفر وأهل في عقر داره ولو خلي بينه وبين الناس لأقتادهم إليه طائعين مذعنين في حب ورغبة، لذلك فهم يخافون منه.

لقد أدرك أعداء الدين منذ نزوله إلى يومنا هذا ذلك الأثر الذي يحدثه القرآن في القلوب فبالغوا في حربه والحيلولة بينه وبين الناس وصدق الله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ }([8]) إنهم يخافون من القرآن ويدركون أثره في إحباط كل مخططاتهم ولذلك نوعوا أساليب حربه: مرة  بالزعم أن متناقض وأنه كذب مفترى، ومرة بتشويه صورة الإسلام والمسلمين وصفه وصفهم بالإرهاب وتوظيف الآلة الإعلامية لذلك باستغلال الأخطاء التي يقع فيها بعض المسلمين، ومرة بالتحريض على امتهان القرآن وحرقه وتمزيقه لإذكاء الكراهية له في قلوب الناس، ومرة من خلال تسويق السلوك الغربي المنحرف وإغراق المجتمع الإسلامي بالثقافة الغربية وإشغالهم باللهو والغفلة والانحلال والمجون لإبعادهم عن القرآن وإشغالهم عنه.

ومع كل هذا الحقد الدفين ها هو القرآن يغزو الغرب النصراني في عقر داره ويقتاد القلوب إلى الله، فالكثير منهم يدخل في الإسلام بمجرد سماع القرآن.

عباد الله متى نعود إلى كتاب ربنا جل وعلا وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم لنسعد في الدنيا وننال المجد والعزة والسؤدد.

كيف حالنا مع القرآن هل أقبلنا على تلوته؟ هل ربينا أنفسنا وأهلينا عليه؟

إن مهمة أهل الإسلام أن يعودوا إلى كتاب ربهم إلى حفظه إلى سماعه إلى تدبره إلى العمل به وإلى معرفة هدي نبيهم صلى الله عليه وسلم والتأسي به وعندها ستفرح بهم الدنيا كل الدنيا، إن من أعظم الأدوار التي ينبغي إن نوليها اهتمامنا إن نربي الأجيال منذ نعومة أظفارهم على كتاب الله على محبته وتدبره والعمل به

إن مهمة أهل الإسلام أن يبشروا الدنيا كل الدنيا بالقرآن، مهمتهم أن يستفرغوا جهودهم وطاقاتهم لدلالة القلوب المتعطشة إلى النجاة من الضنك والشقاء على القرآن، الذي لا نجاة لهم من بؤسهم إلا به، فهل يعي أهل الإسلام مهمتهم والدور المناط بهم؟ اللهم اجعل القران العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا 

 



([1]) [فصلت: 26]
([2]) تيسير الكريم الرحمن (ص: 748)
([3]) وصححه الألباني في صحيح السيرة والوادعي في صحيح أسباب النزول.
([4]) [الطور: 35 - 37]
([5]) [الجن:1، 2]
([6]) [الجن: 2]
([7]) [المائدة: 83]
([8]) [فصلت: 26]

 

المرفقات

1675285823_لماذا يخافون من القرآن؟.pdf

المشاهدات 659 | التعليقات 0