لماذا نشتكي قلة البركة ؟

د.عبدالحميد المحيمد
1447/06/22 - 2025/12/13 06:19AM

 

إن الحمد للّه، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده اللّه فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ألا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،  وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله  اللَّهم صلَّ على محمدٍ وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم ، في العالمين إنك حميدٌ مجيد، اللَّهم بارك على محمدٍ وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم ، في العالمين إنك حميدٌ مجيد .

عباد اللّه ، أوصيكم ونفسي بتقوى اللّه.

" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ "

أيها الأحبة في اللَّه، كثيرٌ من الناس اليوم يشتكون ويعانون من قلَّة البركة؛ لا توجد بركةٌ في البيت، لا توجد بركةٌ في الراتب، لا توجد بركةٌ في الطعام، لا توجد بركةٌ في الأولاد، لا توجد بركةٌ في الوقت. فما هي أسباب نزع البركة من بيوتنا اليوم؟ وكيف نعالج هذه المشكلة؟

البركةُ هي النماءُ، وهي الزيادةُ، وهي الكفايةُ، فإذا فُقِدت فإنَّ وراء هذا الفقدِ أسبابًا.

النبيُّ صلى اللَّه عليه وآله وسلم عندما شكا إليه الصحابة قالوا :

يا رسولَ اللَّه، إنَّا نأكلُ ولا نشبعُ. قال: «فلعلَّكم تأكلون متفرِّقين؟» قالوا: نعم. قال: «فاجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسمَ اللَّه عليه، يُبارَكْ لكم فيه»

واليوم نجد في كثير من البيوت: الأبُ يأكل بمفرده، والابنُ يطلب من المطعم الفلاني، والبنتُ تطلب من السوبرماركت. فإذا لم تجتمع الأسرةُ عند الطعام، فمتى تجتمع؟!

البركةُ في اجتماع الأسرة على الطعام؛ فهي ليست مسألة أكلٍ وشربٍ فقط، ولكن هناك جوانب نفسية حين تجتمع هذه العائلة، ويتقدَّمهم الأب، ويذكّرهم بالتسمية، ويذكرون اسمَ اللَّه، ويتحدثون وهم يأكلون الطعام. هذا الاجتماع يُبارَك فيه: يُبارَك في الطعام، ويُبارَك في الوقت، ويُبارَك في الأخلاق، ويُبارَك في التربية.

فأوّل أسباب نزع البركة إذًا هو التفرُّق والشتات، سواء كان تفرّقًا ماديًا في الأجساد، أم كان تفرّقًا في العقول والأفكار.

النبيُّ عليه الصلاة والسلام يقول: «اسْتَوُوا ولا تَختَلِفُوا؛ فتَختلِفَ قلوبُكم، وليَلِيَنِي منكم أولو الأحلامِ والنُّهى، ثمَّ الذين يلونهم، ثمَّ الذين يلونهم».

حتى في الصلاة؛ البركةُ في الصلاة حينما تُسوَّى الصفوفُ، فتجد بركةً في هذه الصلاة، وتجد خشوعًا فيها. ولكن عندما يكون كلُّ شخصٍ يلتفت يمينًا ويسارًا، أو يبتعد عن جاره حتى لا يلمسه، فهنا إذًا تُنزع البركةُ ويُنزع الخشوع.

ومن أسباب البركة الصدقُ في المعاملة، والصدقُ في القول، والصراحةُ والشفافيةُ في كسب المال. فإذا كان عندك محلٌّ تجاري، وفيه سلعٌ فيها تَلفٌ أو عيوبٌ، وأنت تبيعها بسعر السلعة الصحيحة، فأنت الآن تُمحَق منك البركة.

النبيُّ عليه الصلاة والسلام يقول: «االْبَيِّعانِ بالخِيارِ ما لَمْ يَتَفَرَّقا، فإنْ صَدَقا وبَيَّنا بُورِكَ لهما في بَيْعِهِما، وإنْ كَذَبا وكَتَما مُحِقَ بَرَكَةُ بَيْعِهِما.»

فاحرص على هذا الأمر: الصدقُ والتبيين.

واليوم يتحدثون عن الحوكمة، وهي الشفافيةُ والنزاهةُ والصدقُ في التعامل

كذلك من أسباب نزع البركة أنه لا يُذكَر اسمُ اللَّه في البيوت؛ فتجد الساعات تمرُّ في البيت بلا ذكر اللَّه.

ما أحدٌ منهم يذكر اللَّه؛ فعندما يفتحون باب الشقّة لا يقولون: «بسم اللَّه»، فيدخل الشيطان فيشاركهم المبيت.

وقُدِّم الطعامُ، فما قالوا: «بسم اللَّه»، فكيف لا يشارك الشيطانُ في الطعام؟

أولُ ما يُستهلُّ الطعامُ ينبغي أن يُقال: «بسم اللَّه». ولذلك تنبَّهوا: إذا حاول أحد الأطفال الصغار أن يمدّ يده قبل أن يقول: «بسم اللَّه»، فهذا سببٌ في أن يشارككم الشيطانُ في الطعام.

تنبَّهوا دائمًا عند تقديم الطعام، وانتظروا قليلًا حتى يهدأ بخار الطعام كما كان يفعل النبيُّ عليه الصلاة والسلام، ثم تقولون: «بسم اللَّه». فإذا قلتم: «بسم اللَّه» واجتمعتم على الطعام، بُورِكَ لكم فيه.

كذلك ينبغي على الزوجة، عندما تقدم الطعام وعندما تفتح الثلاجة وتصنع الطعام، أن تقول: «بسم اللَّه» حتى يُبارَك فيه. والبركةُ أثرُها يمتدُّ حتى في الأخلاق، وفي الطباع، وفي التربية، وفي البر بالوالدين.

ومن أسباب نزع البركة كثرةُ الموسيقى في البيت، وكشفُ العورات، وأكرمكم اللَّه تركُ دورات المياه مفتوحة.

النبيُّ عليه الصلاة والسلام أمرنا أن نُغلق الإناء عندما نريد النوم، وأن نُطفئ المصباح .

يقول النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «إِذَا اسْتَجْنَحَ اللَّيْلُ، أوْ قالَ: جُنْحُ اللَّيْلِ، فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فإنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ العِشَاءِ فَخَلُّوهُمْ، وأَغْلِقْ بَابَكَ واذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، وأَطْفِئْ مِصْبَاحَكَ واذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، وأَوْكِ سِقَاءَكَ واذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، وخَمِّرْ إنَاءَكَ واذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، ولو تَعْرُضُ عليه شيئًا.»

ومن أسباب نزع البركة قلّةُ الاستغفار وقلّةُ شكر النعم؛ فتجده عنده كلُّ هذا الخير ولا يقول: الحمد للَّه، ولا يشكر اللَّه، ودائمًا تلتفت عينه إلى ما عند جاره، وإلى ما عند من هو أعلى منه.

والشكر على النعم من أسباب زيادة البركة:

(لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) [ إبراهيم: 7 ]

وأمّا الاستغفارُ فهو مفتاحُ الخير :

(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ) [ نوح: 10-12]

أقولُ ما تسمعون، وأستغفرُ اللَّه.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

البركةُ أحيانًا تكون في الزوجة؛ فعندما تكون هذه الزوجةُ صالحةً يجد هذا الرجلُ بركةً في كل شيء. وهذه البركةُ كما قالت عائشةُ رضي اللَّه عنها عن جويريةَ بنتِ الحارث رضي اللَّه عنها، قالت: فما أعلمُ امرأةً أعظمَ بركةً منها على قومِها .

عندما تزوّج النبيُّ صلى اللَّه عليه وسلم جويريةَ وأسلمت، كان هناك مئةٌ من الأسرى من قومها في غزوة بني المصطلق. فلما أسلمت جويريةُ رضي اللَّه عنها، وجَّه النبيُّ عليه الصلاة والسلام الصحابةَ بأن يدَعوا ما عندهم من عبيدٍ وإماءٍ — أي ممّن تم استرقاقهم بسبب الأسر — فتم العفو عن مئةٍ من أهل بيت جويرية رضي اللَّه عنها، مئةٍ من أهل بيتها، كلُّهم أُعتِقت رقابهم بعد الحرب ببركة جويرية رضي اللَّه عنها التي أسلمت وتزوّجت النبيَّ عليه الصلاة والسلام.

وأيضًا من أسباب البركة كثرةُ قراءة القرآن في البيت؛ فالبيوت التي لا يُقرأ فيها القرآن، وتكثر فيها الألعاب مثل البلايستيشن، وشاشات العرض الكبيرة، ولهو دنيوي — بعضه مباح وبعضه غير مباح — من أين تأتيها البركة؟

لأنَّ من صفات المنافقين، كما قال اللَّه تعالى:( وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا)[ النساء:142]

وقال اللَّه تعالى:(وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى) [ النساء:142]

أي يؤخّرون الصلاة، وآخرَ شيءٍ يؤدّونها، وكأنهم يمنّون بها على ربّ العالمين. وما علموا أنّ اللَّه عز وجل يسجد له من في السماوات ومن في الأرض؛ فالسماءُ مملوءةٌ بمن يسجدون للَّه: ملائكةٌ ما بين ساجدٍ وراكعٍ، وما بين مسبّحٍ ومنزّهٍ للَّه.

ولكنّ الصلاةَ هي بركةٌ لك، وقراءةُ القرآن أكثرُ ما يُنمّي البركةَ في البيوت.

فنسأل اللَّه أن يبارك في بيوتنا، وأن يصلحنا، وأن يردّنا إليه ردًّا جميلًا.

اللَّهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، وكفّر سيئاتنا، وأحسن ختامنا، وتُب علينا، واشفِ مرضانا، وارحم موتانا.

اللَّهم فرّج عن إخواننا في غزّة، اللَّهم فرّج عن أهل الخيام التي هُدِمَت خيامُهم، اللَّهم ادفع عنهم الجوع والبرد، اللَّهم أنزل عليهم لطفك، اللَّهم أنزل عليهم رحمتك.

اللَّهم اسقِنا الغيثَ ولا تجعلنا من القانطين، اللَّهم اسقِ البلادَ والعباد، اللَّهم اجعلها سُقيا رحمةٍ لا سُقيا عذاب، اللَّهم اجعلها سُقيا تُحيي بها الزرع، وتدرّ بها الضرع، وتكون رحمةً لنا يا رحمن يا رحيم.

اللَّهم أغِثْنا، اللَّهم أغِثْنا، اللَّهم أغِثْنا.

وصلى اللَّه على نبينا محمد.

 

د.عبدالحميد المحيمد 

المرفقات

1765595984_لماذا نشتكي قلة البركة ؟.docx

المشاهدات 124 | التعليقات 0