لماذا نرضى بقضاء الله

محمود محمد الفقي
1437/12/28 - 2016/09/29 06:46AM
[font="]لماذا نرضى بقضاء الله [/font]
[font="]الحمد لله المتصرف الأوحد في الأكوان كلها، خالقها وبارئها ومدبرها من: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) [الأنبياء:23].[/font]
[font="]سبحانه حكيم عليم لا منتهي لحكمته ولا لعلمه.[/font]
[font="]سبحانه لطيف خبير لا أدق من لطفه وخبرته.[/font]
[font="]سبحانه رءوف رحيم لا حد لرأفته ولا لرحمته.[/font]
[font="]سبحانه ذو الفضل الكريم لا قيد علي فضله ولا نهاية لكرمه. [/font]

[font="]أما بعد: [/font]
[font="]فأما هذا الرجل فكان صحيحًا معافى يعمل حمالًا، رأس ماله صحته، وفجأة أصابه المرض فأقعده![/font]
[font="]وهذا كان غنيًا ثريًا اعتاد حياة الثراء، وفي يوم وليلة أصبح فقيرًا لا يجد ما يأكل![/font]
[font="]وهذا كان يحب ولده الوحيد حبًا جمًا ويحلم أن تقر به عينه يافعًا، فمات الولد![/font]
[font="]وهذه كانت تتمني أن تتزوج وتصبح زوجة وأمًا، لكنها لم تتزوج مطلقًا![/font]
[font="]وهذا كان يحب فتاة ويحلم أن يتزوجها، فتركته وتزوجت غيره![/font]
[font="]وهذا استدان ليشتري سيارة يعمل عليها ويطعم من ريعها، فانقلبت السيارة وتحطمت![/font]
[font="]وهذا أنهي تعليمه العالي ومنذ سنين يبحث عن عمل، وما زال عاطلًا لا يعمل![/font]
[font="]وهذه كانت جميلة فاتنة، فأصابها مرض جلدي ذهب جمالها![/font]
[font="]وهذه كانت تحلم بشقة واسعة وسيارة فارهة وحلي وزينة... لكنها تزوجت فقيرًا![/font]
[font="]وهذا كان سعيدًا في حياته الزوجية هانئًا راضيًا مستقرًا، فأصاب زوجته مرض فماتت![/font]
[font="]وهذا وهذه، وهذه وهذا... ألف حكاية وحكاية... والكل يتسأل: لما ولماذا؟ لما يحدث هذا؟ لما أنا بالذات؟[/font]
[font="]منهم من هو غير راض عن حاله! بل أغلب الناس غير راض مهما تقلبت به الأحوال! [/font]
[font="] صغيرٌ يطلبُ الكِبرا *** وشيخٌ ود لو صَغُرا[/font]

[font="]وخالٍ يشتهي عملًا *** وذو عملٍ به ضَجِرا[/font]

[font="]ورب المال في تعب *** وفي تعب من افتقرا[/font]

[font="]وذو الأولاد مهمومٌ *** وطالبهم قد انفطرا[/font]

[font="]ومن فقد الجمال شكي *** وقد يشكو الذي بُهِرا[/font]

[font="]ويشقى المرء منهزمًا *** ولا يرتاح منتصرا[/font]

[font="]ويبغى المجد في لهفٍ *** فإن يظفر به فترا[/font]

[font="]شكاةٌ ما لها حَكَمٌ *** سوى الخصمين إن حضرا[/font]

[font="]وإن طالبت أحدًا منهم أن يرضى بقضاء الله ويحمده عليه قال لك: «أنا راض والحمد لله»... ولكنه في داخله -إن صدق مع نفسه- غير راض.[/font]
[font="]ووالله إن الحل في الرضا، والنجاة في الرضا، والسعادة في الرضا، والفوز في الرضا، والخير كله في الرضا...[/font]
[font="]لكن قد يضعف الإيمان عند أناس، ويقل العلم عند أناس، وينتصر الشيطان على أناس، فيتساءلون في لحظة ضعف وغفلة قائلين: «لماذا نرضى بقضاء الله؟»![/font]
[font="]وجواب هذا التساؤل في النقاط التالية:[/font]

[font="]أولًا: نرضى لأن عقولنا قاصرة قد لا تدرك حكمة الله في قضائه:[/font]
[font="]إن نظرنا قصير؛ ننظر تحت أقدمنا ولا نري العواقب البعيدة، وبالمثال يتضح المقال؛ إن رأيت رجلًا يمشي علي سور الشرفة (البلاكونة) ثم قفز في الشرفة الملاصقة له، فكسر النافذة ودخل... فماذا ستقول عنه؟ لا شك ستقول: «هو لص دخل ليسرق»... لكن ماذا لو علمت أن هذه الشقة -التي كسر نافذتها- شقته هو، لكن ضاعت منه مفاتيحها، فأستأذن جاره ليقفز من شرفته...[/font]
[font="]ومثال آخر: إن رأيت رجلًا ممسكًا بقدمي طفل جاعلًا رأسه إلى أسفل، وهو يضربه علي ظهره... فبما تصفه؟! ستقول: «إنه قاسي القلب منزوع الرحمة»... لكن ماذا لو علمت أن ذلك الطفل قد ابتلع عملة معدنية فتوقفت في حلقه، وأن هذا الرجل والده وهو يحاول إخراجها قبل أن تستقر في معدته! ألم أقل لك إن نظرنا قصير قد لا يُدرك الحكمة![/font]

[font="]-وفي قصة موسى والخضر -عليهما السلام- في سورة الكهف، تجد هذا بينًا واضحًا؛ فخرق سفينة من أحسنوا إليه جرم، لكنه خرقها ليحميها من الظالم أن يغصبها! وقتل الغلام ظلم، ولكن الله علم أنه سيرهق والديه ويكفر! وبناء الجدار بلا أجر لبخلاء منعوك قد لا يقبله منطق، ولكنها مكافأة الله لوالدي الأيتام! أرأيت كيف أننا نري الظاهر ونغفل عن البواطن!![/font]
[font="]قال الله -تعالي- مقررا هذا: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة:216].[/font]

[font="]-وهلما نطبق هذه القاعدة؛ «عسي أن تكرهوا... وعسي أن تحبوا...»: [/font]
[font="]التطبيق الأول: نحن نكره الفقر ونحب الغني ولكن قد يكون الفقير أحيانًا نعمة ويكون الغني أحيانًا نقمة؛ فهذا رجل أهلكه غناه قصَّ علينا الله قصته: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) [التوبة:75-77]. [/font]
[font="]وكذا فقصة قارون الذي اطغاه ماله معروفة: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ... فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ) [القصص من76إلي82].[/font]
[font="]وفي الأثر: «إن من عبادي من لو أغنيته لفسد حاله، وإن من عبادي من لو أفقرته لفسد حاله، ولكن أُنزِّل بقدر». [/font]
[font="]إذًا قد يكون الفقر -الذي نكره- نعمة، وقد يكون الغني -الذي نحبه- نقمة: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة :216]. [/font]

[font="]التطبيق الثاني: نحن نحب العافية والصحة ونكره المرض -عافانا الله واياكم من المرض-، ولكن قد يكون الخير أحيانًا فيما نكره، رأي أبو الدرداء -رضي الله عنه- شابًا فتيًا قويًا، فسأله: أما حممت قط؟ فأجاب: لا، فقال له: «ويحك تموت بخطيئتك»! [/font]
[font="]وهذه المرأة التي كانت تصرع.. كان صبرها علي المرض سبب دخولها الجنة، فعن عطاء بن أبي رباح، قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: إني أصرع وإني أتكشف، فادع الله لي، قال: «إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك» قالت: أصبر، قالت: فإني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف فدعا لها (متفق عليه). [/font]
[font="] والمرض كفارة للذنوب فعن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ما يصيب المسلم، من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه» (البخاري) فقد يلقى المريض ربه يوم القيامة طاهرً مطهرًا مبرءًا من سيئاته قد كفَّرها الله بمرضه.[/font]

[font="]فعقل الانسان محدود عاجز قاصر قد لا يستطيع أن يدرك حكمة الله الحكيم العليم الخبير، فعلى الإنسان أن يسلم ويرضى بقضاء الله ادرك الحكمة فيه أم لم يدرك.[/font]

[font="]ثانيا: نرضى لأن الله أرحم بنا من أنفسنا بأنفسنا: [/font]
[font="]فمهما بدا من قسوة بلاء أو شدة مرض أو خشونة حادثة... فاعلم أن الرحمة المتناهية كامنة في كل قضاء وإن لم ترها عيناك، فما قضى الرحمن قضاءً إلا وفيه رحمة بالمؤمن أو عدل في الكافر. [/font]
[font="]ألا تعلم أن الله أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا؟! وأولي بنا من أنفسنا لأنفسنا؟! وأبقى لنا من أزواجنا وأولادنا وأموالنا؟! فعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قدم على النبي -صلى الله عليه وسلم- سبي، فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها تسقي، إذا وجدت صبيًا في السبي أخذته، فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أترون هذه طارحة ولدها في النار» قلنا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال: «لله أرحم بعباده من هذه بولدها» (متفق عليه).[/font]
[font="]وعن أبي هريرة قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «جعل الله الرحمة مائة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق، حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه» (متفق عليه).[/font]

[font="]-ورب متسائل يقول: كيف تكون الرحمة في حادث مروع أو موت مفاجئ...!! [/font]
[font="]ونقول -أيضًا-: بالمثال يتضح المقال: فهذا رجل ماتت أمه وهي لم تزل في شبابها، وكان يحبها جدًا، فلما ماتت قال: «لما يا رب أخذت أمي!» -والله لا يُسأل عما يفعل-، وهو لا يدري أن الرحمة عين الرحمة في موت أمه -ما دام الله قدره-، وكيف؟ نقول: أوَيدري أنه إن عاشت أمه وطال عمرها -كما يتمنى- أن تثقل عليه مؤونتها فيضيق بها! وتبتلي بمرض مقزز فيتأذى منها ويتمني هو نفسه موتها؟! أو يتغير تعاملها معه فتفضِّل عليه اخوته مثلًا فيكرهها ويعقها فيدخل النار -والعياذ بالله-، ثم هي ماتت الآن طائعة لربها مصلية فرضها، فتداركتها رحمة الله فصارت من أهل الجنة، وربما لو عاشت عصت فدخلت النار! فتكون عين الرحمة -له ولها- أن تموت يوم ماتت.[/font]
[font="]وهذا كان مشغوفًا بفتاة يريد أن يتزوجها ولكنها تزوجت غيره، فحزن وتألم علي فقدانها، وهو لا يدري فربما كانت رحمة الله ألا يتزوجها، فربما كانت جميلة ولكنها سيئة الأخلاق تؤذي أباه وأمه، أو تفتعل المشاكل مع الجيران أو الأقارب، فيعيش في هم ونكد! وربما كانت طماعة كثيرة الطلبات مسرفة، فتمتد يده إلى المال الحرام فيخسر الدنيا والاخرة بسببها!... ولو علم هذا لحمد الله ألف مرة أنه لم يتزوج بها.[/font]

[font="]ويروي لنا ابن عباس أن رجلًا كان مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، فوقصته ناقته وهو محرم، فمات، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تمسوه بطيب، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا» (متفق عليه)، فظاهر القضاء شر، لكن باطنه الفضل والرحمة؛ «فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا».[/font]

[font="]أخي مهما بدا في الظاهر قسوة القضاء، فاعلم أنه -ولا بد- فيه من كوامن الرحمة ما لا ترى، والسبب: أن فاعله هو أرحم الراحمين.[/font]

[font="]ثالثًا: نرضي لأنه لا بد من البلاء: [/font]
[font="]فهو سنة الله في خلقه: (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) [الأحزاب:62]، قال الله: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) [العنكبوت:2-3]، وقال -تعالى-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) [البقرة:155][/font]
[font="]ولعلك فهمت من الآيات، لماذا لا بد من الابتلاء ؟ ولماذا الابتلاء حتمي؟ قل لي: لو أن مدرسة تدرِّس للطلاب طول العام، لكنها لا تعقد لهم امتحان نهاية العام، بل من في الصف الأول يصعدون جميعًا إلي الصف الثاني، ومن في الثاني إلى الثالث... وهكذا، أليس هذا عبث وظلم؟! هو عبث لأنه لا فائدة من المدرسة؛ فلن يذاكر أحد مادام ناجحًا ناجحًا، وهو أيضًا ظلم لأنه يسوي من كد وتعب بمن لعب ولهي! [/font]
[font="]إذن فالعقل يقتضي -والعدل أيضًا يقتضي- أن يكون في الدنيا امتحانات يفرق فيها بين المؤمن والكافر ويعرف بها الطائع من العاصي، ويميز بواسطتها المجتهد من المقصر! [/font]
[font="]ثم إن الجنة درجات، والنار دركات، فكيف نعلم -نحن- من يستحق الجنة ممن يستأهل النار... ومن سيكون في الفردوس الأعلى من الجنة ومن دونه، ومن سيكون في الدرك الاسفل من النار ومن فوقه... كيف يكون كل هذا إلا بالاختبار والتمحيص والابتلاء؟![/font]
[font="] وإن البلاء يكون أحيانًا دليل علي رحمة الله -عز زوجل- فعن أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط» (أحمد)، وعن أبي هريرة يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من يرد الله به خيرا يصب منه» (البخاري).[/font]
[font="]فالدنيا ليست دار نعيم وجزاء بل هي دار عمل واختبار، هذي طبيعة الدنيا؛ فهل سمعت عمن عاش ومات على هذه الأرض ولم يبتل ولم يصبه سوء؟ كلا، بل لا بد من أن يمرض هو أو يموت له عزيز أو يفقد مالًا أو يُحرَم أمنية... [/font]

[font="]رابعًا: نرضى لأنه ليس أمامنا إلا الرضا: [/font]
[font="]أخي: أجبني: إن أصابك ما تكره من مرض أو مصيبة فإنك لا تملك إلا فعل شيء من اثنين؛ إما أن ترضي، وإما أن تسخط -والعياذ بالله-، فقل لي إن لم ترض فماذا تفعل؟! ماذا بيدك؟! مات ولده ولم يرض فهل يستطيع أن يعيده حيًا؟! قطعت ساقه ولم يرض فهل يستطيع أن يجعلها تنمو مرة أخري؟! حُرِق مصنعه ولم يرض، فهل يستطيع أن تخلق ثانية ما حُرِق بعينه؟![/font]
[font="] إخواتاه: ليس أمامنا إلا الرضا بقضاء الله -عز وجل- وانظر إلي الحديث السابق: «فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط»، نعم؛ إن من يسخط ولم يرض فلن يفعل إلا أن يغضب الله عليه، وفي الأثر: «يا ابن آدم خلقتك للعبادة فلا تلعب، وقسمت لك رزقك فلا تتعب، فإن رضيت بما قسمته لك أرحت قلبك وبدنك، وكنت عندي محمودًا، وإن لم ترض بما قسمته لك فوعزتي وجلالي لأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحوش في البرية ثم لا يكون لك منها إلا ما قسمته لك، وكنت عندي مذمومًا»، وفيه أيضًا: «من لم يرض بقضائي، ويصبر علي بلائي فليخرج من تحت سمائي وليلتمس ربًا سواي». [/font]
[font="]بل روى أبو هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله -تعالى- يقول: يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك، وإلا تفعل ملأت يديك شغلًا ولم أسد فقرك» (الترمذي).[/font]

[font="]خامسًا: نرضى لأنه ليس بعد الرضا إلا الخير:[/font]
[font="]واتركك مع رسول الله -صلي الله عليه وسلم- يخبرك فيقول: «يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض» (الترمذي)، وعن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «يؤتى بالشهيد يوم القيامة فينصب للحساب، ويؤتى بالمتصدق فينصب للحساب، ثم يؤتى بأهل البلاء، ولا ينصب لهم ميزان، ولا ينشر لهم ديوان فيصب عليهم الأجر صبا حتى إن أهل العافية ليتمنون في الموقف أن أجسادهم قرضت بالمقاريض من حسن ثواب الله لهم» (الطبراني بسند ضعيف)، وثالثة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «قال الله -تبارك وتعالى-: إذا ابتليت عبدي المؤمن فلم يشكني إلى عواده أطلقته من أساري، ثم أبدلته لحمًا خيرًا من لحمه، ودمًا خيرًا من دمه، ثم يستأنف العمل» (البيهقي)، ورابعة يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا سبقت للعبد من الله منزلة لم يبلغها بعمله، ابتلاه الله في جسده أو في ماله أو في ولده، ثم صبره حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له منه» (أحمد). [/font]

[font="]سادسًا: نرضى لأنه دأب الصالحين:[/font]
[font="]فكيف لا نرضى ومنابع الخير ومصادر النور ومشاعل الهداية أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعون والصالحون والمؤمنون [/font][font="]في كل مكان كان دأبهم الرضا على كل الأحوال ، فحال المؤمن الصبر والرضي، وحال غيره الجزع والسخط، فمن أيهما أنت؟! [/font]
[font="]وإليك أمثلة ونماذج لعلك تقتدي بأحدهم، فهذا عروة بن الزبير، يقول ابن القيم في عدة الصابرين: «[/font][font="]قدم عروة بن الزبير على الوليد بن عبد الملك ومعه ابنه محمد وكان من أحسن الناس وجهًا، فدخل يومًا على الوليد في ثياب وشيء وله غديرتان، وهو يضرب بيده، فقال الوليد: هكذا تكون فتيان قريش، فعانه، فخرج من عنده متوسنًا فوقع في اصطبل الدواب فلم تزل الدواب تطأه بأرجلها حتى مات.[/font]
[font="]ثم إن الآكلة وقعت في رجل عروة، فبعث إليه الوليد الأطباء فقالوا: إن لم تقطعها سرت إلى باقي الجسد فتهلك، فعزم على قطعها، فنشروها بالمنشار، فلما صار المنشار إلى القصبة وضع رأسه على الوسادة ساعة فغشى عليه، ثم أفاق والعرق يتحدر على وجهه، وهو يهلل ويكبر، فأخذها وجعل يقبلها في يده، ثم قال: أما والذى حملني عليك إنه ليعلم أني ما مشيت بك إلى حرام ولا إلى معصية ولا إلى ما لا يرضى الله، ثم أمر بها فغسلت وطيبت وكفنت في قطيفة ثم بعث بها إلى مقابر المسلمين، فلما قدم من عند الوليد المدينة تلقاه أهل بيته وأصدقاؤه يعزونه فجعل يقول: (لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا) [الكهف:62]، ولم يزد عليه...».[/font]

[font="]وهذا سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- لما قدم إلى مكة، وقد كف بصره، جعل الناس يهرعون إليه ليدعو لهم، فجعل يدعو لهم، قال عبد الله بن السائب: فأتيته وأنا غلام، فتعرفت إليه، فعرفني، فقلت: يا عم، أنت تدعو للناس فيشفيهم الله، فلو دعوت لنفسك لرد الله عليك بصرك! فتبسم، ثم قال: «يا بني، قضاه الله أحب إلي من بصري». [/font]

[font="]سابعًا: نرضي لأن البلاء علامة حب الله للعبد: [/font]
[font="]قال رسول الله صلي الله عليه وسلم «من يرد الله به خيرًا يصب منه» (البخاري)، وعنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إن أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» (أحمد).[/font]

[font="]خاتمة: [/font]
[font="]ليس معني كلامنا هذا عن الرضا والتسليم أن نترك الأخذ بالأسباب ومحاولة رفع السوء عن النفس، كلا، بل إن الأخذ بالأسباب واجب.[/font]
[font="]ولكن البلايا والمصائب قسمان: قسم لا أسباب لرفعه ولا لصرفه ولا لتحويله؛ كموت حبيب أو قطع عضو... وقسم ينفع فيه ذلك؛ كمرض ينفع فيه التداوي... فنأخذ فيه بالأسباب مع الرضا التام بقضاء الله -عز وجل-.[/font]

[font="]عافانا الله وإياكم من سوء وبلاء، ورزقنا الصبر والرضا...[/font]

المرفقات

1157.doc

1158.doc

المشاهدات 1092 | التعليقات 0