لماذا تأخر النصر ؟
الخطيب المفوه
1433/06/06 - 2012/04/27 07:23AM
لماذا تأخر النصر ؟
ألقاها : د / سعد بن عبد العزيز الدريهم .
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعدُ : فإنَّ أصدق الحديث كتابُ الله ، وخيرَ الهدي هديُ محمد e، وشرَّ الأمور مُحـدثاتُها ، وكلَّ محـدثةٍ بدعــةٌ ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ ، وكلَّ ضلالةٍ في النار .
أيها الأحبة في الله ، من يخالطِ الناس فلربما رأى منهم ميلاً في الفعل أو نشازاً في القول ، وهذا الخطل نتاج الجهل أو اليأس الذي خالط النفوس وجعلها تأخذ بركابه ، ومن الأقوال التي سمعتها وقرأتها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي قولهم : لنا أشهر ونحن ندعوا الله ولا أثر للإجابة ! والحق يقال : إنك عندما تسمع تلك الكلمات تنال من نفسك ؛ وتجعلك تلبس لَبُوس اليأس والقنوط ، وإن كنت ذا علم ويقين فإنك تعود لمدخراتك منه ، وحينها تدرك أن النصر يتأخر لمنظومة من الأسباب ، وكلها عندما تتدبرها تعلم علم اليقين أن الله لا يرد دعاء عباده ، وأن في الأمة من لو أقسم على الله لأبره ، ولكنها الحكمة الإلهية ، التي تريد للأمة عندما تنتصر تعرف قيمة النصر ومكانته فلا تفرط فيه ..
وقبل الخوض في أسباب تأخر النصر أيها الجمع الكريم ، لا بد من وقفة متفائلة نبدد فيها غيوم اليأس والقنوط والانهزامية التي لحقت بجموع الأمة ، وجعلت منها خائرة القوى مرتكسة في حمأة المثبطات ، فلو تفكرنا في حال الأمة ومنذ عهد نبيها محمد r لوجدناها سلسلة من الانتصارات ، ولوجدناها أمة باسطة النفوذ على الأرض تحسب لها أمم الأرض كل حساب، ولم تصب بالغثائية إلا في هذا القرن أو بعضٍ منه ، وها هي تعاود النهوض بعد كبوتها ؛ فهل تغلِب سنونَ الهزيمة والضعف قرون العز والنصر والتمكين ؟ لا يستقيم هذا في نفوس ذوي العقول الرواجح ! إلا من كان ذا نفس مريضة وذا مقاصد سيئة ، ولا هدفَ له إلا الإيضاعُ في النفوس المسلمة المتطلعة للمستقبل بعيون النصر والتمكين ، وهم كثير في مواقع التأثير لا كثرهم الله ولا بارك لهم في جهد ..
ولا بد أن يدرك أهل الحق واليقين أن المعركة بين أهل الدين الحقِّ وأهل الباطل دائرة إلى يوم القيامة ، لن تتوقف ولا ينبغي لها أن تتوقف ؛ فالباطل لا يريد لأهل الحق العلو ؛ لذا فهو يقمعهم ، وحينها لا بد لأهل الحق من مقاومة العدوان والرد عليه ومناجزته حتى يردوه خائباً ذليلاً ؛ ففي البداية يتولى الله الدفاع عن أوليائه وحمايتَهم من الباطل وقوى الطغيان ) إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِيْنَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُوْرٍ ( ، وذلك من منطلق محبته سبحانه لأوليائه المؤمنين ، وكرههِ لأعدائه الكفرة الخونة ، ولكن لا بد للأمة حينذاك من أخذ الاستعداد بالعَدَدِ والعُدَّةِ وبكل ما استطاعوا من قوة لتلك المعركة ، وهم إن أخذوا بذلك فنصرُ الله يتنزل عليهم عزيزاً ) أُذِنَ لِلَّذِيْنَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ(.
وخلال المعركة الحامية الوطيس بين أحباب الله المؤمنين وأعداء الله الكافرين ، سيلحظ أهل الإيمان أن العدوَّ الكافر ، لا يرقبُ فيهم إلاً ولا ذمة ، وسيجعل من المسلمين ومقدساتهم حمى مستباحاً ، وسيرى الفريق المؤمن من الأعداء الكفرة ما تترفع البهائم والكواسر عنه في عراكها ؛ إجرام وجبروت وانحطاط في الخصومة لا حد له ، وفي فضائح الجيوش الغربية والأمريكي خير شاهد ، وفي طغيان البعثيين العلويين في سورياً شاهد آخر ، لا يكاد يسلم منهم بشر ولا مدر ، حتى بيوتُ الله ممن يدعي الإسلام أضحت هدفاً ؛ والله المستعان ، ولكن رغم ذلك الإرجاف ؛ فالنصر من الله القوي العزيز لعباده الموحدين ) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَولاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعُ وَصَلَواتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (.
قد يتأخر النصر أيها الأحبة في الله ، عن عباد الله الموحدين الناصرين له، لكنه آت لا محالة ، فتأخُّره لكي تستيقظ الأمة جمعاء على فداحة الخطب وعظم المصاب ، ولكي يدركوا حقيقة العدو ؛ لأن جموع الأمة تتفاوت يقظة لحقيقة المعركة ؛ فمن الجموع من يتنبه سريعاً ، ومنهم من لا يدرك ذلك إلا متأخراً ؛ فلو جاء النصر خاطفاً سريعاً لم تقف الأمة أو أغلبُ جموعها على عظم النصر وعظم التضحيات التي بذلت ، وبذا تخسر الأمة ثمرة النصر وهي تلك العزة التي تسكن نفوس أفرادها .
كما أن النصر يتأخر أيها الجمع الكريم ، لأن النصر السريع الخاطف ، والذي يأتي دون تضحيات كبرى ولأيٍ ومشقة ، لا يمكن للأمة أن تحتفظ به طويلاً ؛ ولأن القوى التي نالته لم تحتشد للدفاع عنه ، كما قيل : ما جاء سهلاً ذهب سهلاً ؛ فالمعاناة في الحصول على الشيء كفيلة بصيانته والاحتفاظ به .
والنصر قد يتأخر ؛ لكي تجرب الأمة ما في جعبتها من وسائل وإمكانات، وعندما تدرك أن الوسائل مهما بلغت لا تجلب النصر تدرك أن النصر إنما هو من عند الله ؛ فتردُّ كلَّ نصر وكلَّ عزة اكتسبته إلى ربها المتعالي سبحانه ، وهذا ولا ريب خير لها من انتصارها الذي حققته ؛ لأنها هنا حققت العبودية الحقة لله وهذه غاية الوجود ، كما أن الأمة التي تستكن العبودية بين جنباتها ؛ حقيقة بصياغة العالم ، وجديرة بإقامة أروع الحضارات وأرقاها ، وبالتالي تجلب السعادة للكون وهذه غاية الوجود الدنيوي ..
هذا وللحديث صلة أكملها في الخطبة الثانية إن شاء الله .
أقول قولي هذا ، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الحمد لله على إحسانه ، والشكرُ له على توفيقه وامتنانه ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه ، وأشهدُ أنّ محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين ، وسلّم تسليمًا كثيرًا .
أما بعد ُ: فالنصر العزيز أيها الجمع الكريم ، هو بغية النفوس المؤمنة ، وهو رجاؤها من الله العزيز سبحانه ؛ فهو يترجم بعد نزولة حقيقةَ الأمة وقربَها وبعدَها عن ربها ؛ فالنصر يقرر القرب والهزيمةُ تقرر البعد ، ولا يمكن لهذه الأمة المحمدية أن تخسر المعركة مهما كانت قوة العدو ، ولكنها ربما خسرت جولة من جولاتها ، وهذا يندرج تحت بند تأخر النصر . وقد عرضنا في الخطبة الأولى لبعض من أسباب تأخر النصر ، وهنا نلوي على البقية الباقية من الأسباب ..
فقد يتأخر النصر أيها الأحبة ، لتتعزز صلة الأمة بربها ؛ فالأمة في حال الكرب تُلِظُّ بربها ، وكلما طالت المعاناة واستحكم الكرب كلما كانت قريبة من ربها دعاء وبذلاً وبحثاً عن الفضائل ، وتحرياً لكل خير ، وحتى تترسم خلق الأنبياء والرسل في تصرفاتها ؛ حتى إذا تحقق النصر وحكمت الجموع حرصت على تحقيق العدل الذي تربت عليه أيام محنتها .
وقد يبطئ النصر حتى تكون الغاية من القتال رفع راية الدين لا رياء ولا سمعة ولا وطنية ، ولا حميةً ولا قومية ؛ بل خالصاً لله سبحانه ، وقد سئل رسول الله r : الرجل يقاتل حمية والرجل يقاتل شجاعة والرجل يقاتل ليرى مكانه ؛ فأيُّها في سبيل الله ؟ فقال النبي r « من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله » .
وقد يتأخر النصر أيها الجمع الكريم ، لكي تتبين حقيقة العدو وينكشفَ زيفه ؛ فلو هُزم ولم تنكشف تلك الزيوف ؛ لربما تعاطفت معه القلوب والنفوس ، وفي هذا مكنةٌ لعودته ؛ لكن إذا انكشف زيفه وبطل بريقه قُضِي عليه قضاء مبرماً من الوجود ومن القلوب ، وعندها يلحق به اللعن والمقت في الدنيا قبل الآخرة .
وقد يتأخر النصر والتمكين للحق ؛ لأن بين جموع الأمة معارضين للحق من علمانيين وليبراليين ومنافقين ، ولا يريدون للحق أن يحكم ، فلو تحقق النصر سريعاً لربما صادر أولئك المعارضون الانتصار ، وجعلوه من مكتسباتهم ، لكن في التأخر انقماع لحججهم وإضعاف لفلولهم ذات الرؤى الخائرة المتمسكة بأسباب الحياة التائهة ، وفي هذا خير للإسلام والمسلمين ، وختاماً أيها الجمع ما النصر من عند الله العزيز حكيم ، فانصروا الله في أنفسكم وفي بيوتكم وفي دياركم يتحقق لكم النصر عزيزاً على قوى الكفر والشر في العالم ) إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ (.
المرفقات
لماذا تأخر النصر ؟.doc
لماذا تأخر النصر ؟.doc