لماذا الخوف .. والرزق من عند الله !!

الحمد لله اللطيف الذي بلطفه تنكشف الشدائد، الرءوف الذي برأفته تتواصل النعم والفوائد، وبحسن الظن به تجري الظنون على أحسن العوائد، وبالتوكل عليه يندفع كيد كل كائد، وبالقيام بأوامره ونواهيه تحتوي القلوب على أجل العلوم والفوائد، أحمده سبحانه وحمدي له من نعمه، وأشكره على قمع كل شيطان مارد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي تعرَّف إلى خلقه بصفاته وأسمائه، وتحبب إليهم بإحسانه وآلائه، ودعاهم إلى مرضاته ومغفرته، فما تقرب إليه أحد إلا ورجع بالمكاسب، ولا بعُد عنه أحد إلا رجع بالمصائب. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صاحب الآيات والمعجزات والبصائر، أرسله رحمة للعالمين، وبعثه بالحنيفية السمحة، وجعل عنده السعة والرحمة، وعند غيره الشدة والنقمة، فصلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى وآله وأصحابه المحسنين في الأعمال والمقاصد، كلما أمطرت السحائب، وأنبتت الأجادب.
إخوة الإيمان والعقيدة .. اتقوا الله ربكم حق تقواه، واخشوه حق الخشية، وعظموه أحسن تعظيم، وأجلوه أكبر إجلال، واعلموا أن من شواهد ذلك وصدقه، وعلامات زيادته وقوته، حصول هذه الأمور الثلاثة لكم:
الأمر الأول: طمأنينة قلوبكم إلى أن الرزق بيد الله وحده، وأن ما كُتب لكم منه آت، لن يضيع منه دينار ولا درهم ولا أقل ولا أكثر، ولن يتأخر عن وقته يوماً ولا ساعة ولا يتقدم، أعاش أجدادنا من غير رزق؟ لا والله، أعاش آباؤنا من غير رزق؟ لا والله، أفسنعيش بعدهم من غير رزق؟ لا والله، وهل سيعيش أهلونا وأولادنا بعدنا من غير رزق؟ لا والله. قال الله ـ عز وجل ـ مؤانساً ومطمئناً لنا ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ) ما من مخلوق يدب على وجه هذه الأرض من آدمي أو حيوان بري وبحري، يمشي أو يطير أو يسبح أو يزحف إلا على الله رزقه، لا على شرق وغرب، ولا على حاكم وتاجر، ولا على كريم وجواد، ولا على قبيلة وعشيرة، ولا على شركة ومؤسسة، ولا على والد ووالده.
وقال الله جل وعلا آمراً لنا ومرغباً في طلب الرزق منه ( فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) وقال الله عز شأنه مذكراً ومنبهاً ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ) ألا فلتهدأ النفوس، ولتبرد الأكباد، ولتطب الخواطر، ولتنتظم ولا تتعكر العقول، فإنه ما من دابة في الأرض إلا والله متكفل برزقها وقوتها وغذائها وما به عيشها، وعليه هدايتها إلى أسبابه، وإعانتها في تحصيله.
أيها الناس ... إن تذكر هذا الأمر والالتفاف إليه والتفكر فيه حيناً بعد حين، وساعة بعد ساعة، وفي الرخاء والشدة، ومع الغنى والفقر، وحال العسر واليسر، يقطع على النفس تعلقها بالمخلوقين في الرزق، ويقطع طمعها عما في أيديهم، ويكف جشعها، ويخمد حسدها، ويكسر ضراوتها على الدنيا.
الأمر الثاني ... قناعة قلوبكم بما يسَّر الله تعالى لكم من هذا الرزق، وهذا القوت، وهذا اللباس، وهذا المركب، وهذا المسكن، وهذه الوظيفة، وهذا العمل. عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافاً، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ ) فبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث العظيم أن من حصلت له هذه الأشياء الثلاثة فقد أفلح:
أولها .. أن يكون ممن هُدي إلى الإسلام في دنياه، فآمن بالله ورسوله، وصدق بالشرع وانقاد له، وعمل الصالحات، واجتنب المحرمات، وكان من المحسنين.
وثانيها .. أن يكون رزقه في دنياه كفافاً. والكفاف من الرزق هو ما يسد الحاجة، فلا يلحق صاحبه الجهد والضنك، ولا يعرضه للذل والخزي بمسألة الناس أو سرقتهم، ولا يخرجه إلى الترف والتنعم والتبسط في الدنيا، والانكباب عليها.
وأكثر من في الأرض من عرب وعجم، مسلمين وكفار، لا يخرجون عن هذا الحال، ولا ينزلون عن درجة الكفاف، وهو حال طيب نفيس مسعد لمن عقل وتدبر، وأنصف وشكر، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لآل بيته في زمنه وباقي الأزمان بأن يكونوا من أهل هذا الرزق، قال عليه الصلاة والسلام ( اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتاً ) والقوت من الرزق هو الكفاف. وقد أخذ كثير من أهل العلم من هذا الحديث: أن الكفاف في المعيشة أفضل من الفقر، وأفضل من الغنى.
وصح عن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ما طلعَتْ شمسٌ قطُّ إلَّا بُعِثَ بجنبَتَيْها ملَكان ، إنَّهما ليُسمِعانِ أهلَ الأرضِ إلَّا الثَّقلَيْنِ يا أيُّها النَّاسُ ! هلمُّوا إلى ربِّكُم ، فإنَّ ما قلَّ وكفَى خيرٌ ممَّا كثُرَ وألهَى )
وثالثها: أن يكون ممن قنعه الله تعالى بما آتاه من رزق كفاف. وهذا هو الغنى الطيب، الغنى المسعد، إنه غنى النفس، ورضاها بما قسم الله لها، وراحتها وانشراحها لما قُدَّر من عمل ومهنة، وما قدر من مسكن بأجرة أو بغير أجرة، وما قدر من ملبوس ومطعوم ومركوب. وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَة الْعَرَض، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْس ) والعَرَضُ هو: ما في الدنيا من صنوف الأموال والمراكب والملابس والمساكن وغيرها.
فالقناعة كنز .. والقناعةُ مالٌ لا ينفد
عباد الله ... إن من قنع بما هو فيه قرَّت عينه، وعفَّ واستغنى عن الخلق، وذهب عنه داء الحسد، وطمع النفس، وترك أكل الحرام، ولم يغش، ولم يرتش، ولم يسرق، ولم يدلس في البيع والشراء، ولم يخن الأمانة.
فنسأل الله أن يرزقنا بحلاله عن حرامه، وأن يرزقنا القناعة بما رزقنا ...
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين ...


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
معاشر المؤمنين .. إن الأمور الثلاثة الدالة على نقوى الله وخشيته وتعظيمه وإجلاله ... عدم خوفكم من الفقر في المستقبل، لا على النفس، ولا على الأهل والعيال، ولا على الوالدين والإخوان والأخوات، حتى ولو أرهف الاقتصاديون والسياسيون بضعف الاقتصاد، وغلاء الأسعار، وقلة الوظائف، وانخفاض الرواتب، وتزايد البطالة، وارتفاع نسبة الفقر، وفشوا المجاعات، وذلك لأن أرزاق العباد مكتوبة، ولن يعيش أحد إلا برزق يقتات منه شاء أم أبى، ولن يغادر الدنيا إلا وقد أخذ رزقه كاملاً غير منقوص. قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْماً، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِىيٌ أَوْ سَعِيدٌ )
أيها الناس ... إن كان بكم خوف فلا تخافوا من الفقر، وإن كنتم في قلق فلا تقلقوا من الفقر، ولا تخافوا ولا تخشوا إلا من الدنيا أن تبسط عليكم فتنافسوها فتلتهوا بها وتهلكوا بسببها، وقد قال الصادق المصدوق ( فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ لَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ ).
واعلموا أنكم لستم والله بأحب إلى الله عز وجل من رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا أكرم وأفضل وأعظم منزلة عنده منه، ومع ذلك فقد قبض روحه الطاهرة الكريمة إليه وهو في عيش يسير وقليل، قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : لَقَدْ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا شَبِعَ مِنْ خُبْزٍ وَزَيْتٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ. وثبت عن عروة بن الزبير أنه سمع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقول: كَانَ يَمُرُّ بِنَا هِلَالٌ وَهِلَالٌ مَا يُوقَدُ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَارٌ، قَالَ: قُلْتُ: يَا خَالَةُ فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تَعِيشُونَ؟ قَالَتْ: عَلَى الْأَسْوَدَيْنِ التَّمْرِ وَالْمَاءِ.
ثم ماذا على الإنسان من ضير؟ وماذا يلحقه من كدر؟ لو عاش بين الناس في دنياه فقيراً، وعند الله في آخرته عزيزاً سعيداً، فرحاً مسروراً، منعَّماً مكرماً، أما يسره قول النبي صلى الله عليه وسلم ( قُمْتُ عَلَى بَابِ الجَنَّةِ، فَكَانَ عَامَّةَ مَنْ دَخَلَهَا المَسَاكِينُ، وَأَصْحَابُ الجَدِّ-أي: الغنى والوجاهة - مَحْبُوسُونَ ) قول النبي صلى الله عليه وسلم ( يدخلُ الفقراءُ الجنةَ قبلَ الأغنياءِ بخمسِ مائةِ عامٍ ).
عباد الله ... اتقوا الله العلي العظيم، وتفكروا في نعمه واشكروه، واذكروا آلاءه وتحدثوا بفضله ولا تكفروه، لعل النعم تدوم، ولعلكم يوم القيامة ترحمون، قال سبحانه مبشراً لكم ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) وقال جل وعلا ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) وقال عز وجل ( وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ) فاللهم اجعلنا من الشاكرين لنعمائك، والصابرين على أقدارك وبلائك، واجعل ما أنعمت به علينا معونة لنا على الخير، وبارك لنا في أقواتنا ومساكننا ومراكبنا، وقنعنا بما رزقتنا، ولا تحرمنا خير ما عندك من الإحسان بشر ما عندنا من الإساءة والعصيان، وادفع عنا وعن المسلمين كل شر ومكره، وأصلح فساد قلوبنا، وسددنا في الأقوال والأفعال، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، وثبتنا بالقول الثابت في الحال والمآل، واغفر لنا الذنوب والأوزار. اللهم ارفع الضر عن المتضررين من المسلمين، اللهم ارفع عنهم القتل والاقتتال، وارفع عنهم الخوف والجوع، وارفع عنهم الأوبئة والأمراض، وأعذهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن. اللهم وفق ولاة أمور المسلمين إلى مراضيك، اللهم أعزهم بالقضاء على الشرك والبدع والمعاصي، اللهم ارزقهم صلاح أنفسهم وأهليهم وأعوانهم وعمالهم ورعاياهم.
عباد الله ... صلوا على النبي محمد
المشاهدات 1116 | التعليقات 0