(لكي لا تزول النّعم), ووقفة مع الحالة الحرجة التي تمر بها المملكة. 28/12/1437

أحمد بن ناصر الطيار
1437/12/29 - 2016/09/30 00:58AM
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلم تسليما كثيراً.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، فتقوى الله غايةُ المطالب والْمُنى, وإليها يسعى ألو الألْباب والنهى.
معاشر المسلمين, خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ, فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما، وقد خرجوا في ساعةٍ لا يخرج الناس في العادة في مثلها, كأوقاتِ الظهيرةِ في الصيفِ الحار.
فَقَالَ لهما مُتعجِّبًا: «مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ؟», قَالَا: الْجُوعُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «وَأَنَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، أَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا».
صلواتُ الله وسلامُه على خليلِه وصفوتِه مِن خلقه, ورضي الله عن صاحبيه ونائبيه وحبيبيه, لم يجدوا ما يسدّ جوعهم ولا بتمرات, فيخرجون لعلهم يتَلَهَّون عن الجوع بالمشي والحركة.
لم يخرجوا لِيُمارسوا رياضة المشي طلبًا لتخفيف الوزن, ولا لهضم الطعام الذي آذاهم كثرتُه ودَسَمُه, كما هو حال الكثير منّا, وهم والله قادرون أنْ يأكلوا ألذّ الطعام وأشهاه, فالقصة هذه كانت بعد غزوة خيبر, التي أدرّ الله للمسلمين الخيرات والأموال, ولكنهم أنفقوها في سبيل الله, لم يكونوا جماعين منَّاعين, كحال الكثير من المسلمين.
فقال لها: «قُومُوا»، فَقَامُوا مَعَهُ، فَأَتَى رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ فَإِذَا هُوَ لَيْسَ فِي بَيْتِهِ، فَلَمَّا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ فرحت وقَالَتْ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا.
ففرحوا واستبشروا أن يسوق الله لهم ما يسدّ جوعهم.
فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيْنَ فُلَانٌ؟» يعني زوجَها.
قَالَتْ: ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا مِنَ الْمَاءِ، فبينما هم ينتظرونه إِذْ جَاءَ زوجُها الْأَنْصَارِيُّ، فَنَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ فرحًا مسرورًا ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ, مَا أَحَدٌ الْيَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيَافًا مِنِّي.
وحُقّ له أن يفرح بهؤلاء الأضياف, وهل هناك أضيافٌ أكرمُ وأشرفُ منهم؟
وقد رأى الأنصاريُّ أثر الجوع على وجوههم, فَانْطَلَقَ مُسرعًا فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ، فَقَالَ: كُلُوا مِنْ هَذِهِ، حتى يُسكنوا بها جوعهم.
ثم خرج وقد أَخَذَ معه سكينًا، فَفَطِنَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا يريد فعلَه فقال له: «إِيَّاكَ وَالْحَلُوبَ»، وهي الشاة ذَاتُ اللَّبَنِ.
فانطلق مسرعًا فأحضر أطيب الغنم عنده, فَذَبَحَها لَهُمْ، فَأَكَلُوا مِنَ الشَّاةِ وَمِنْ ذَلِكَ الْعِذْقِ وَشَرِبُوا، فحمدوا الله على أن أشبعهم بعد شدة الجوع, وأغناهم بعد شدّة الحاجة, فَلَمَّا أَنْ شَبِعُوا وَرَوُوا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الْجُوعُ، ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هَذَا النَّعِيمُ ".
كم في هذا الحديث الصحيحِ من الدروس والعبر, ولْنقف على بعضِها:
فمن ذلك: أنّ نبيّنا صلى الله عليه وسلم وأصحابَه كانوا يجوعون ويشبعون, ويغتنون ويفتقرون, وهم قادرون على ألا يجوعوا ولا يفتقروا, ولكنْ لم تكن الدنيا أكبر همّهم, ولا غاية قصدهم.
وقد علموا أنَّ الجوعَ له فوائدُ لا تُحصى, ومنْ فوائدِه حفظُ الصحة, فما أضر بالناس مثلُ الشبعِ الدائم, والأكلِ الكثير, وإدخالِ الطعام على الطعام.
ويكفي الجوعُ فضيلةً, أنّ الجائعَ لا يترفع عن أيّ طعامٍ يُقدّم إليه, ويجد له حلاوةً ولذةً لا يجدها صاحب النعمة, وقد قيل لبعض الحكماء: أيّ الطعام أطيب؟ قال: الجوع أعلم.
وكان يقال: نعم الإدام الجوع، ما ألقيتَ إليه قَبِلَه.
وَمن فوائد الحديث: جواز مُخاطبةِ الأجنبية وسماعِ صوتها عند الحاجة, فهذه المرأة قالت لهم: مَرْحَبًا وَأَهْلًا.

وفيه أن الإنسانّ سيسألُه الله تعالى عن هذه النعم التي يتقلب بها, والخيراتِ التي يتنعم بها, والأمن الذي يعيش تحت كنفه, والعافية التي لولاها لكره الحياةَ وسَئِمَها.

وفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الشِّبَعِ أحيانًا, وَمَا جَاءَ فِي كَرَاهَةِ الشِّبَعِ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُقَسِّي الْقَلْبَ, ويُمرض البدن, ويُورث البلادة, وَيُنْسِي أَمْرَ الْمُحْتَاجِينَ.

وفيه استحبابُ إِظْهَارِ الْبِشْرِ وَالْفَرَحِ بِالضَّيْفِ فِي وَجْهِهِ, وَحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ يَسْمَعُ عَلَى حُصُولِ هَذِهِ النِّعْمَةِ, وَالثَّنَاءِ عَلَى ضَيْفِهِ إِنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ فِتْنَةً.
ومن أعظم العبر من هذا القصة العظيمة: أنَّ الإنسان كلما كان نعيمُه وتبسُّطه من الدنيا قليلا, قل وهان عليه الحساب يوم القيامة.

فلا تجزع إذا قلّ راتبك, أو غلت الأسعار, أو نقّصت الدولة من مرتبك, فقد يكون ذلك خيرًا لك في دينك ودنياك, حيث تمسك عن بعض التبذير والإسراف الذي كان ديدنك من قبل, فيخفُّ عليك الحساب يوم القيامة.

وقد تكون سببًا في تنظيم مالك ومصروفك, وقد يُكَفِّر به عن ذنوبك, فإنه من المصائب التي يُؤجر عليه المؤمن إذا صبر ورضي.

ولنحذر من التسخط والجزع على حُطام الدنيا, فالأموات في قبورهم, نادمون على الدنيا التي أفنوا أعمارهم في جمعها, فما بالنا نحن الأحياء, نقتتل على ما ندم عليه أهل القبور؟

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول ما تسمعون, وأستغفر الله لي ولكم من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه, إنه هو الغفور الرحيم.


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه والتابعين, وسلَّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين..
أما بعد: إخوة الإيمان: إنّ دولنا رعاها اللهُ تمرّ في حالةٍ حرجة, حيث تقف وحدها أمام المشروع الصفوي, ومرّ عليها أكثرُ من عامٍ وهي تُحارب الحوثيَّ والخائنَ وأعوانَهم, وهذه الحرب تُكلِّف مبالغَ لا تخطر على بال, وتَسْتَنْزِفُ طاقاتٍ وعتادًا وأرواحًا ومُقدّراتٍ كثيرة.
وقد اضطرت الدولة لاتخاذ قراراتٍ تدعم اقتصادها, وتُعوّض خسائِرَها.
وهذه القرارات الحكيمة, جاءت للحد من تميّز الكثير من الوزراء والمسؤولين, الذين يأخذون أموالا كبيرة وضخمة, في مقابل أداءٍ ضعيفٍ أو أقلَّ من الاستحقاقات التي يأخذونها.

والدولة مُحارَبَةٌ من الكثير من الدول, كالصفويةِ والنصرانيةِ والصهيونية, وهاهي الدولة التي تربطنا معها علاقاتٍ وطيدةً مِن عقود طويلة, تنقلب ضدنا, وتَبْتَزُّ دولتنا بقوانينَ جائرةٍ, لينْهبوا أمولنا الْمُودعةَ والْمُستثمَرَةَ عندهم.
فهل يليق بنا أن نكون صفًّا مع الأعداء ضد بلدنا؟ هل يليق بنا أنْ نكون مع ولاةِ أمرنا في الرخا, ونَتَنَكَّر لهم في الشدة والبلاء؟
واحذر يا من تتسخط وتسب ولاة أمرك, أنْ تكون ممن قال فيهم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثَلاَثَةٌ لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ - وذكر منهم-: "وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لاَ يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا، فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا سَخِطَ".

وهنا وقفة مع أولئك السفهاءِ الْمُجاهرين بالإسراف والتبذير, الذين جرى ذكرهم في خطبة سابقة, وقد ذُكر فيها: أنّ انتشار ظاهرة الإسراف مُؤذنٌ بعقوبةٍ من الله تعالى, فمن سنته أنه يَعُمُّ بالعقاب إذا كثرتِ الْمعاصي, كما قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَن سأله: أَفَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الخُبْثُ». متفق عليه
فوالله لربما كانوا هم وغيرُهم من المجاهرين بالمعاصي والفسق, سببًا في بعض ما نمرّ به هذه الأيام.
فلْنتق الله ولْنُراجع أنفسنا وديننا, فإننا خرجنا على الدنيا ونحن في أمْنٍ ونعيمٍ ورغدِ عيش, لم نعرف معنى الخوف والجوع لأننا لم نُجرب ذلك.
لم نعرف معنى الضيم ومراراةَ الظلم, لأننا لم نر من ولاةِ أمرنا ما رآه الكثير من الشعوب, من الظلم والجور وتحكيم القوانين الوضعية.
فلْنحمد الهن على النعم التي خصّنا الهخ بها, ولْنحذر من الجزع والتَّسخط فإنه ماحقٌ للخير والنعم.

اللهم يا من فضلتنا على العالمين, وأمّنتنا من بين الخائفين, وعزّيتنا بعد أن كنا في الأذلين, نسألك أنْ تُديم علينا نعمك, وتُسبغ علينا من آلائك.
الله احفظ لهذه البلاد أمنها ورخاءها, وعزها ودينها وولاةَ أمرها, إنك جواد كريم.
المشاهدات 1563 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا