لفت الأنظار للتفكر والاعتبار (1)

                              10 / 6 / 1440هـ

الحمد لله القدير الخلاّق ،  اللطيف الرزاق،شواهد قدرته وعظمته في النفس والآفاق  وأشهد أن لا إله إلا الله الحكم العدل يوم التلاق ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ذا الوجه الأنور والجبين الأزهر  صلى الله وسلم وبارك عليه ما هلّ سحاب وأمطر  أما بعد : فأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله تزودا من الباقيات الصالحات وتوبة وبُعْدا  من المحرمات فإن من بعد سنيّ الدنيا أزمانا طويلة لن نستطيع فيها التقرب لله بالعمل ،  {وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } .

عباد الرحمن : أمر ينير البصيرة ، و يغذي الإيمان ، و يزيد التعظيم ، ويذكي الأفهام ، أمر لا يحتاج سفرا كالحج ، ولا جوعا كالصوم ولا مالا كالصدقات و لا حركة كالصلاة ، مجالاته متنوعة وآفاقه واسعة ومع أهميته وكثرة ما ورد فيه إلا أن الغفلة عنه كبيرة .. إنه التفكر !

فتعالوا نتفكر في بعض مخلوقات الله التي لفت إليها أنظار العباد !

أيها الأحبة : من آيات الله العِظام: السماء {اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا   }الرعد2 وقال عز شأنه { أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ} ق 6  قبة مستوية الأرجاء، ثابتة البناء، لا ترى فيها عيبًا، ولا فروجًا، ولا خلالًا ! وفي الليل تزينها نجوم  تتلألأ من الأفق إلى الأفق في غاية الحسن والملاحة، هذه السماء العظيمة مليئة بدلائل قدرة الله وعظمته ولطفه ورحمته !

 ففيها الشمس العظيمة كثيرة المنافع ، فباقتراب خروجها ينقطع الليل ويطلع نور الفجر ، في إسفارها جمال وفي طلوعها فرحة  تراها حتى في الطيور التي لا تحلّق إلا بعد طلوعها ! ، و الشمس في حرارتها نفع لبدن الإنسان والحيوان وإنضاج للثمرات وتقوية للنباتات !     الشمس في ضيائها لهذه الآفاق الشاسعة المظلمة عبرة !  والشمس في دفئها في البرد لطف ورحمة ! والشمس في حرها في الصيف لطف وحكمة ! فكم تقتل من جراثيم وتقضي على أوبئة !  والشمس في غروبها جمال وهيبة ! {وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ . وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ }يس 37 ، 38

وبالشمس تعرف مواقيت الصلوات ؛ فعند اقتراب خروجها يبزغ نور الفجر ، وعند زوالها صلاة الظهر ، وعند مصير ظل الشيء مثله صلاة العصر وعند غروبها المغرب وعند غياب شفقها صلاة العشاء.

عباد الله : ومن آيات الله القمر ، في القمر جمال وأنس ، وفيه مضرب المثل عند إبداره ، و القمر في إهلاله ومنازله معرفة الأيام والشهور والسنين، وبه تعرف العِدَد والعقود ، والقمر ينير في الليل ولا يؤذي ، وأحلى جلسات السمر ما كان في ضوء القمر   {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ } يونس 5،6  وقال سبحانه  {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }يس40

تخيل لو أن الحياة كلها ليل  ! لتستشعر نعمة النهار  {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ }القصص71

تصور لو أن الحياة كلها نهار بلا ليل  ! لتدرك نعمة الليل  {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ }القصص72

أيها المؤمنون : ومن آيات الله الطيور ، خلقها سبحانه خلقة  تصلح للطيران، ثم سخر لها هذا الهواء اللطيف { أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } النحل79

وذلك دليل على قدرته وعلمه الواسع وعنايته الربانية بجميع مخلوقاته تبارك الله رب العالمين {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ }الملك19

ومن آيات الله التي لفت الحق إليها نظر العباد : لبن الأنعام ،  قال سبحانه {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ } النحل 66 فأي شيء في الطبيعة يقلب العلف الذي تأكله البهيمة والشراب الذي تشربه من الماء العذب والمالح لبنا خالصا سائغا للشاربين؟!

 إذا نضج الغذاء في معدته تصرّف منه دم إلى العروق ، ولبن إلى الضرع ، وبول إلى المثانة ، وروث إلى المخرج ، وكل منها لا يشوب الآخر ولا يمازجه بعد انفصاله عنه ، ولا يتغير به  فسبحان القدير الخلاّق الرزاق .

اللهم اجعلنا من أولي الألباب المتفكرين المتذكرين المتقين واستغفروا الله إنه كان غفارا

الحمد لله القائل {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ. وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ }  وصلى الله وسلم على نبيه وعلى آله وصحبه أما بعد : إخوة الإيمان : فالتفكر عبادة من أعمال القلوب الجليلة ،  وإن كان كثير من الناس يسأل ويعتني بعبادات الجوارح مع غفلة كبيرة عن أعمال القلوب والله المستعان !

معشر الكرام : مجالات التفكر كثيرة في النفس ،  وفي الكائنات الحية ، وفي المخلوقات الكونية ، وغيرها ،

بل إننا في هذا الزمن الذي تقدمت فيه الاكتشافات نجد مجالا أكثر من السابقين للتفكر والتأمل في عظمة الخالق وبديع صنعه سبحانه . 

ومن آيات الله عباد الرحمن التي جاء فيها آيات كثيرة المطر والنبات قال سبحانه {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ. يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} النحل 10 ، 11   يخرجها من الأرض بهذا الماء الواحد ، على اختلاف صنوفها وطعومها وألوانها وروائحها وأشكالها ; ولهذا قال : {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } أي : دلالة وحجة على أنه لا إله إلا الله ، كما قال تعالى {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ }النمل60

يخرج من شبر واحد حبحب شديد الحلاوة وحنظل شديد المرارة !

تأمل في التمر الحلو كيف خرج من خشب ! {  يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } الرعد 4

هذا حلو وذاك مر ، وثالث  حامض  ورابع جمع الحلاوة والحموضة ، فسبحان الخلاّق .

هذا أصفر وذاك أحمر ، وثالث أبيض ورابع أزرق وخامس  أسود {وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ }النحل13  وختاما نعوذ بالله من حال الغفلة أو مشابهة الكفار المعرضين فقد قال سبحانه ذاما  {وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ } يونس 92 وقال جل وعز {وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ } يوسف 105 ..       ثم صلوا وسلموا ....

المرفقات

الأنظار-للتفكر-والاعتبار1-1

الأنظار-للتفكر-والاعتبار1-1

المشاهدات 654 | التعليقات 0