لطف الله تعالى (1)-27-1-1438ه-إبراهيم الحقيل-الملتقى-بتصرف

محمد بن سامر
1438/01/26 - 2016/10/27 17:59PM
[align=justify]
أَمَّا بَعْدُ: فحِينَ تَتَابَعُ الْكَوَارِثُ وَالنَّكَبَاتُ، وَتَتَفَاقَمُ الْأَزَمَاتُ وَالمُشْكِلَاتُ، وَتَزْدَادُ الْأَخْطَارُ وَالمَخَاوِفُ؛ فَلَا مَلْجَأَ إِلَّا إِلَى اللهِ-تَعَالَى-، وَلَا مَفْزَعَ إِلَّا إِلَى عِبَادَتِهِ-سُبْحَانَهُ-، وَلَا سَلْوَةَ إِلَّا فِي كِتَابِهِ-عَزَّ وَجَلَّ-، وَفِي كِتَابِهِ أَسْمَاؤُهُ وَصِفَاتُهُ وَأَفْعَالُهُ الَّتِي مَنْ داومَ عَلَى مُطَالَعَتِهَا وَفَهْمِهَا امْتَلَأَ قَلْبُهُ بِالْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ، فَزَادَ تَوَكُّلُهُ، وَتَبَدَّدَتْ مَخَاوِفُهُ، فَوَاجَهَ الْأَخْطَارَ بِعَزْمٍ وَثَبَاتٍ.
وَمِنْ أَسْمَاءِ اللهِ-تَعَالَى-اللَّطِيفُ، وَمِنْ صِفَاتِهِ-سُبْحَانَهُ-لُطْفُهُ بِعِبَادِهِ، وَقَدْ كُرِّرَ ذِكْرُهُ فِي الْقُرْآنِ؛ لِيَرْكَنَ قَارِئُهُ إِلَى اللهِ-تَعَالَى-، وَيَطْمَئِنَّ لِلُطْفِهِ-سُبْحَانَهُ-، مَهْمَا عَظُمَتِ الْكُرُوبُ وَالشَّدَائِدُ، وَازْدَادَتِ الْأَخْطَارُ وَالْمَخَاوِفُ؛ ذَلِكَ أَنَّ عِلْمَ الْمُؤْمِنِ بِلُطْفِ اللهِ-تَعَالَى-بِهِ يُعِينُهُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ.
وَلُطْفُهُ-سُبْحَانَهُ-يَدُورُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ عَظِيمَيْنِ يَحْتَاجُهُمَا الْمُؤْمِنُ، وَهُمَا: أَنَّ عِلْمَهُ-سُبْحَانَهُ-دَقَّ وَلَطُفَ حَتَّى أَدْرَكَ السَّرَائِرَ وَالضَّمَائِرَ وَالْخَفَايَا، وَالْمَعْنَى الثَّانِي: أَنَّهُ يُوصِلُ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ مَصَالِحَهُمْ، وَيَدْفَعُ عَنْهُمْ مَا أَهَمَّهُمْ مِنْ أَخْطَارِهِمْ، بِطُرُقٍ لَا يَشْعُرُونَ بِهَا وَلَا يَتَوَقَّعُونَهَا، وَكَمْ فِي هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ مِنْ طُمَأْنِينَةٍ لِقُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، وَرَبْطٍ عَلَيْهَا، وَتَثْبِيتٍ لَهَا.
وَفِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ آيَاتٌ عِدَّةٌ تَدُلُّ عَلَى دِقَّةِ عِلْمِ اللهِ-تَعَالَى-، [ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ*لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ]، وقال: [وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ*أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ].
وَلَمَّا نَهَى-سُبْحَانَهُ-نِسَاءَ النَّبِيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-عَنِ الْخُضُوعِ بِالْقَوْلِ، وَتَبَرُّجِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَمَرَهُنَّ بِالْقَوْلِ الْمَعْرُوفِ خَتَمَ الْآيَاتِ بِقَوْلِهِ-سُبْحَانَهُ-: [وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا]، وَمِنْهُ قَوْلُ لُقْمَانَ الْحَكِيمِ-رحمه الله-: [يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ].
وَذَاتَ لَيْلَةٍ تَسَلَّلَ النَّبِيُّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-بِرِفْقٍ مِنْ فِرَاشِ عَائِشَةَ-رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-لِئَلَّا يُوقِظَهَا، أَرَادَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ بِأَمْرٍ مِنَ اللهِ-تَعَالَى-، فَلَحِقَتْهُ عَائِشَةُ مُتَخَفِّيَةً تَنْظُرُ مَاذا يَفْعَلُ، فَلَمَّا انْحَرَفَ رَاجِعًا رَجَعَتْ عَائِشَةُ، فَأَسْرَعَ فَأَسْرَعَتْ، فَهَرْوَلَ فَهَرْوَلَتْ، فَسَبَقَتْهُ إِلَى فِرَاشِهَا كَأَنَّهَا نَائِمَةٌ، لَكِنَّ أَنْفَاسَهَا مِنَ الْهَرْوَلَةِ عَالِيَةٌ، فَسَأَلَهَا مَا بِهَا، فَلَمْ تُخْبِرْهُ، فَقَالَ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-: "لَتُخْبِرِينِي أَوْ لَيُخْبِرَنِّي اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، فأَخْبَرَتُه وَقَالَتْ: مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللهُ".
وَأَمَّا الْمَعْنَى الثَّانِي لِلُطْفِهِ-سُبْحَانَهُ-، وَهُوَ إِيصَالُ الْمَصَالِحِ لِعِبَادِهِ بِحَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ وَلَا يَتَوَقَّعُونَ؛ فَجَاءَ فِي قِصَّةِ يُوسُفَ-عَلَيْهِ السَّلَامُ-؛ فَإِنَّهُ أُلْقِيَ فِي الْجُبِّ-البئرِ-وقدْ يُظنُ أنه هَلَكَ، ثُمَّ بِيعَ عَبْدًا وقدْ يُظنُ أنه اسْتِمْرَارُ فِي الْعُبُودِيَّةِ، وَقَضَاءُ الْعُمْرِ فِي خِدْمَةِ مَنِ اشْتَرَوْهُ، ثُمَّ اتُّهِمَ بِامْرَأَةِ الْعَزِيزِ فَسُجِنَ، وقدْ يُظنُ أنه بَقَاءٌ فِي السِّجْنِ حتى الْمَوْتِ؛ لِقُوَّةِ الْعَزِيزِ وَتَمَكُّنِهِ.
وَلَوَ نَجَا يُوسُفُ-عليهِ السلامُ-مِنْ بَعْضِهَا لَمْ يَنْجُ مِنْ جَمِيعِهَا؛ فَجُبٌّ ثُمَّ عبوديةٌ ثُمَّ سِجْنٌ، وَلَكِنَّ أَلْطَافَ اللهِ-عَزَّ وَجَلَّ-عَلَى غَيْرِ حِسَابَاتِ الْبَشَرِ؛ إِذْ جَعَلَ ابْتِلَاءَاتِ يُوسُفَ-عَلَيْهِ السَّلَامُ-هِيَ السُّلَّمَ الَّذِي يُوصِلُهُ لِلْمَجْدِ وَالْعَلْيَاءِ، وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ؛ إِذْ بِرَمْيِهِ فِي الْجُبِّ نَقَلَتْهُ الْقَافِلَةُ مِنَ مَكَانِهِ فِي الصَّحْرَاءِ إِلَى الْمَدِينَةِ الَّتِي بِهَا قَصْرُ الْمَلِكِ، وَبَيْعُهُ عبدًا رَقِيقًا أَوْصَلَهُ إِلَى بَيْتِ الْعَزِيزِ، وَفِتْنَةُ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ بِهِ أَوْصَلَتْهُ إِلَى السِّجْنِ، وَهُوَ الْعَتَبَةُ الْأَخِيرَةُ، لِيَصِلَ إِلَى الْمَلِكِ عَنْ طَرِيقِ تَعْبِيرِ رُؤْيَاهُ، بَعْدَ أَنْ عَبَّرَ لِلسَّجِينَيْنِ رُؤْيَاهُمَا، وَفِي هَذِهِ السِّلْسِلَةِ مِنَ الابْتِلَاءَاتِ الَّتِي يَكْتَنِفُهَا لُطْفُ اللهِ-تَعَالَى-وَيُحِيطُ بِهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ بَلَغَ يُوسُفُ-عَلَيْهِ السَّلَامُ-الْمَنْزِلَةَ، وَجُعِلَ عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ، وَجِيِءَ بِأَبَوَيْهِ وَإِخْوَتِهِ إِلَيْهِ، وَبَعْدَ أَنِ اسْتَعْرَضَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ مَا جَرَى عَلَيْهِ خَتَمَ ذَلِكَ بِمَا أَخْبَرَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: [إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ]، فَجَعَلَ-سُبْحَانَهُ-ابْتِلَاءَاتِ يُوسُفَ مُمَهِّدَاتٍ لِرِفْعَةِ مَنْزِلَتِهِ، وَعُلُوِّ مَكَانَتِهِ؛ وَذَلِكَ بِلُطْفِهِ-سُبْحَانَهُ-بِحَيْثُ لَمْ يَشْعُرْ يُوسُفُ بِذَلِكَ، وَلَا شَعَرَ بِهِ إِخْوَتُهُ الَّذِينَ مَكَرُوا بِهِ.
وَيَتَجَلَّى لُطْفُ اللهِ-تَعَالَى-أَيْضًا فِي رِزْقِ الْعِبَادِ، فَهُوَ-سُبْحَانَهُ-خَلَقَهُمْ وَيَرْزُقُهُمْ، وَرِزْقُهُ لِعِبَادِهِ بِمَا يَحْتَسِبُونَ وَمَا لَا يَحْتَسِبُونَ، وَبِمَا يَظُنُّونَ وَمَا لَا يَظُنُّونَ.
وَمَا لَا يَحْتَسِبُونَهُ وَلَا يَظُنُّونَهُ مِنْ رِزْقِ اللهِ-تَعَالَى-هُوَ مِنْ لُطْفِهِ-سُبْحَانَهُ-، قَدَّرَهُ لَهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ [أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ]، وقال: [اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ]، فَرِزْقُهُ-سُبْحَانَهُ-لِعِبَادِهِ مِنْ لُطْفِهِ بِهِمْ، وَهُوَ يُجْرِيهِ لَهُمْ أَيْضًا بِلُطْفِهِ-عَزَّ وَجَلَّ-.
وَلَوْ كُشِفَ الْغِطَاءُ عَنْ أَلْطَافِ رَبِّنَا-سُبْحانَهُ-بِعِبَادِهِ وَبِرِّهِ وَصُنْعِهِ لَهُمْ مِنْ حَيْثُ يَعْلَمُونَ وَمِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ لَذَابَتْ قُلُوبُهُمْ حُبًّا لَهُ، وَشَوْقًا إِلَيْهِ، وَلَخَرُّوا شُكْرًا لَهُ، وَلَكِنْ حَجَبَ الْقُلُوبَ عَنْ مُشَاهَدَةِ ذَلِكَ انْغِمَاسُها في عَالَمِ الشَّهَوَاتِ، وَالتَّعَلُّقُ بِالْأَسْبَابِ، فَصُدَّتْ عَنْ كَمَالِ نَعِيمِهَا، وَذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ.
وَحِينَ يَتَأَمَّلُ الْمُؤْمِنُ اتِّصَافَ اللهِ-تَعَالَى-بِاللُّطْفِ فَإِنَّهُ يُوقِنُ بِدِقَّةِ عِلْمِهُ-سُبْحَانَهُ-، وَإِحَاطَتِهِ بِكُلِّ شَيْءٍ صَغِيرًا كَانَ أَمْ كَبِيرًا؛ فَيَدْعُوهُ ذَلِكَ لِمُرَاقَبَتِهِ-عَزَّ وَجَلَّ-، وَمُحَاسَبَةِ نَفْسِهِ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ وَفِعْلٍ.
وَلُطْفُ اللهِ-تَعَالِى-بِالْعَبْدِ يُحِيطُ بِهِ فِي كُلِّ شُؤونِهِ وَأَحْيَانِهِ، وَيُسْعِفُهُ فِي كُلِّ مَخَاطِرِهِ، وَيُؤَمِّنُهُ مِنْ كُلِّ مَخَاوَفِهِ، وَلَوْلَا لُطْفُ اللَّطِيفِ الْخَبِيرِ لَامْتَلَأَتِ الْقُلُوبُ وَحْشَةً وَخَوْفًا وَرُعْبًا، وَلَمَا طَابَتْ بِالْحَيَاةِ عَيْشًا.
وَلُطْفُ اللهِ-تَعَالَى-عَامٌّ وَخَاصٌّ. فَالْعَامُّ يَشْمَلُ كُلَّ خَلْقِهِ مُؤْمِنِهِمْ وَكَافِرِهِمْ، بَرِّهِمْ وَفَاجِرِهِمْ؛ فَهُوَ-سُبْحَانَهُ-خَلَقَهُمْ وَيَرْزُقُهُمْ وَيَشْفِيهِمْ وَيُعَافِيهِمْ، وَيَدْفَعُ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ-سُبْحَانَهُ-رَبُّهُمْ فَهُوَ لَطِيفٌ بِهِمْ، وَلُطْفٌ خَاصٌّ بِأَهْلِ الْإِيمَانِ يُحِيطُهُمْ بِهِ، وَلَا يُقَدِّرُ لَهُمْ إِلَّا مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ وَلَوْ كَرِهُوهُ؛ لِأَنَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يُصْلِحُهُمْ، خَبِيرٌ بِمَا يَنْفَعُهُمْ، فَإِذَا أَصَابَهُمْ بِمَا يُحِبُّونَ لَطَفَ بِهِمْ فَرَزَقَهُمُ الشُّكْرَ عَلَيْهِ لِيَتَضَاعَفَ أَجْرُهُمْ، وَيُبَارِكَ لَهُمْ فِيمَا رَزَقَهُمْ، وَإِنْ أَصَابَهُمْ بِمَا يَكْرَهُونَ لَطَفَ بِهِمْ فَأَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الصَّبْرَ وَالرِّضَا لِيُوَفَّوْا أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ].
أَسْأَلُ اللهَ-تَعَالَى-أَنْ يَرْزُقَنَا وإياكم والمسلمين الْإِيمَانَ وَالْيَقِينَ، وَالرِّضَا وَالتَّسْلِيمَ، وَأَنْ يُحِيطَنَا بِلُطْفِهِ وَعَفْوِهِ فِي أُمُورِنَا كُلِّهَا، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاشْكُرُوهُ فِي النَّعْمَاءِ، وَاصْبِرُوا فِي الضَّرَّاءِ، وَلَا تَجْزَعُوا فِي الْبَلَاءِ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ [وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ].
حِينَ يُصِيبُ النَّاسَ نَقْصٌ فِي أَرْزَاقِهِمْ، وَيَتَكَالَبُ الْأَعْدَاءُ عَلَيْهِمْ بِشَتَّى مِلَلِهِمْ، وَيُحِيطُونَ بِهِمْ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِمْ، وَيُؤْذُونَهُمْ أَشَدَّ الْأَذَى، وَيُهَدِّدُونَهُمْ وَيَتَوَعَّدُونَهُمْ، وَحِينَ يَشْتَدُّ الْكَرْبُ، وَيَعْظُمُ الْخَطْبُ؛ فَإِنَّهُ لَا غِنًى لِأَهْلِ الْإِيمَانِ عَنْ مُلَاحَظَةِ لُطْفِ اللهِ-تَعَالَى-فِي كُلِّ أَمْرٍ يَقَعُ.
فَمِنْ لُطْفِ اللهِ-تَعَالَى-انْكِشَافُ الْأَعْدَاءِ وَظُهُورُهُمْ عَلَى حَقِيقَتِهِمْ، وَتَجَلِّي آيَاتِ الْقُرْآنِ فِي الْكُفَّارِ وَالمُنَافِقِينَ وَكَأَنَّهَا تَتَنَزَّلُ هَذِهِ الْأَيَّامَ، وَالْوَعْيُ بِحَقِيقَةِ الْأَعْدَاءِ هُوَ أَوَّلُ مَرَاحِلِ النَّصْرِ.
وَمِنْ لُطْفِ اللهِ-تَعَالَى-ذَهَابُ جَمِيعِ الْأَسْبَابِ الْمَادِّيَّةِ إِلَّا سَبَبَ اللهِ-تَعَالَى-، وَانْقِطَاعُ الْحِبَالِ إِلَّا حَبْلَهُ؛ فَلَا حَوْلَ لِلْعِبَادِ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِهِ-سُبْحَانَهُ-فِي مُقَابَلَةِ بَلَائِهِمْ، وَمُوَاجَهَةِ أَعْدَائِهِمْ، وَهَذَا سَبَبٌ لَطِيفٌ مِنَ اللَّطِيفِ الْخَبِيرِ يُرْجِعُ النَّاسَ لِدِينِهِمْ، وَيَزِيدُ فِي إِيمَانِهِمْ وَعِبَادَتِهِمْ.
وَفِيهَا أَنَّ اللهَ-تَعَالَى-بِلُطْفِهِ، وَخَفَاءِ تَقْدِيرِهِ عَلَى الْبَشَرِ؛ قَدْ يَسُوقُ الْأَعْدَاءَ بِمَكْرِهِمْ وَكَيْدِهِمْ إِلَى هَلَاكِهِمْ وَدَمَارِهِمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ، كَمَا قَدْ مَكَرَ سُبْحَانَهُ بِالمُكَذِّبِينَ مِنَ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ لَمَّا مَكَرُوا بِالرُّسُلِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ.
وَمَا عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ إِلَّا اللُّجُوءُ لِرَبِّهِمْ-سُبْحَانَهُ-، وَمُرَاجَعَةُ دِينِهِمْ، وَتَجْدِيدُ تَوْبَتِهِمْ، وَمُلَاحَظَةُ لُطْفِ اللهِ-تَعَالَى-فِي كُلِّ مَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ وَعَلَى أُمَّتِهِمْ، وَسَيُبَدِّلُ اللهُ-تَعَالَى-حَالَهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ، وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ.
[/align]
المرفقات

لطف الله تعالى (1)-27-1-1438ه-إبراهيم الحقيل-الملتقى-بتصرف.docx

لطف الله تعالى (1)-27-1-1438ه-إبراهيم الحقيل-الملتقى-بتصرف.docx

لطف الله تعالى (1)-27-1-1438ه-إبراهيم الحقيل-الملتقى-بتصرف.pdf

لطف الله تعالى (1)-27-1-1438ه-إبراهيم الحقيل-الملتقى-بتصرف.pdf

المشاهدات 1192 | التعليقات 0