لا يُلقي لها بالا
HAMZAH HAMZAH
" لا يُلقي لها بالا "
صون اللسان وانتقاء الكلمات
د . حمزة آل فتحي .
الحمدُ لله جمَّلنا باللسان ، وأكرمنا بحُسن اللفظِ والبيان، وجعل طيبَه مفتاحَ الجنان، كما أن سيئَه سبيلُ إلى النيران { ألم نجعل له عينين ولسانًا وشفتين }.
نحمدُه على النعم الجليلة ، ونشكرُه على الآلاء الجزيلة ..
أشهدُ أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرا ...
أما بعد :
معاشرَ المسلمين:
يَشدُّكَ حديثٌ نبوي، وتوجيهٌ ديني رائع ، فلا تملكُ إلا التوقفَ عنده، والتأمل ، والتعظيم..!
تعظيمُ قائله، وتعظيمُ الآلة التي تنفرطُ ولا تبالي..!
وتعظيمُ المثوى الذي تؤولُ إليه تلك الكلمات ...!
فإن كان الكلامُ حَسنا رفعتك درجات، وإن كانَ سيئًا ، أنزلتك دركات..
وكائن ترى مِن صامتٍ لك مُعجِب.. زيادتُه أو نقصُه في التكلمِ!
لسانُ الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤادُه.. فلم يبقَ إلا صورةُ اللحم والدمِ !
جاء في الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ }.
فهذا اللسانُ إما أن يُعليك ويُغليك، وإما أن يُنزلَك ويخزيك.!
فأرعِ السمعَ ، ودققِ النظر في قوله" لا يلقي لها بالا "..!
فهنالك كلماتٌ منطوقةٌ في حياتنا الاجتماعية والثقافية لا نلقي لها بالًا ، ونرفعُ لها الرايات، ونشد لها العزمات، وإذا هي في النهاية مما يُسخطُ الربَّ تبارك وتعالى... وقد تُنزلُنا في البليات ، أو تُوردُنا الشقاوات ..!!
روي عن الصديق رضي الله عنه، أنه كان يشدُّ لسانه ويقول متألمًا:" هذا الذي أوردني الموارد ".
وخذْ في ذلك مثلا : في باب التوحيد والعقيدة :
كقولنا : لولا فلانٌ ما نجونا، والأصح : لولا اللهُ ثم فلان..
وقولُ بعض الناس : ما شاء اللهُ وشاء فلان، والصحيح : ما شاء الله ثم شاء فلان ..
وقولُهم : في المصائب والتأسف على فوات أشياء: لو فعلتُ كذا ، لما كان كذا ، والمؤمنُ يقول : قدّرَ الله وما شاء فعل، فإن "لو " تفتحُ عملَ الشيطان...!
وقول : عليكَ وجهُ الله ، أن تفعل كذا..!
وقولُ بعضِ الجهال : لعن اللهُ اليوم أو الساعة التي عرفتك فيها، وكلُ ملعوناتِ الدهر والزمان لا يجوز لحديث :" يؤذيني ابنُ آدمَ يسب الدهر، وأنا الدهر بيدي الأمر ".
ومنها : قولُ : مطرنا بنوء كذا وكذا، جاعلا للأنواء والكواكب سببا في ذلك ..!
ومنها : قول : وشاءت الأقدار ، وشاءت الظروف ، والصوابُ : وشاء اللهُ وحده، لأن القدر من علم الله وإرادته .
ومنها : فلانٌ شكله غلط- وافتكرنا الله- ورزق الهُبل على المجانين..! ومن عبث الأقدار، أو حمقها أو غدرها...!
وأشباهها من العبارات الاعتراضية، على خِلقة الله أو أمره وتدبيره ... فكيف لمؤمن أن يتلفظ بها..؟!
وقولُهم : ساعةٌ لقلبك وساعة لربك، أو الحلف بالله كاذبا ، والاستهزاء بشيء من الشعائر ، أو يسميها قشورا، وهذه توصل إلى الكفر والغياذُ بالله..!
وقد لا يلقي لها بالا، ويفعلها مقلدًا جهالا، أو إعلاميين ليس لهم دراية...!
فاتقوا اللهَ إخوة الإسلام، وراقبوا ربكم في ألسنتكم ، واذكروا حصائدها، ومصائرها ، وعواقبها { وهل يَكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم إلا حصائدُ ألسنتهم }...؟!
فكن من أهل البال والمآل، وألقِ بالا لكلامك، ودقق في ألفاظك ، ولا تجارِ الخائضين، أو تساير المتساهلين...
وفي حديث آخر في صحيح البخاري قال عليه الصلاة والسلام : " إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا ، يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ ".
اللهم إنا نعوذ من شر ألسنتنا ، وشر كلماتنا ، وشر ألفاظنا...
أقولُ قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم....
——-
الحمدُ لله حمدا كثيرًا طيبا مباركا فيه، وصلّى اللهُ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...
أما بعد
إخواني الفضلاء :
أيضًا ثمة كلماتٌ في حياتنا لا نُلقي لها بالا، ولا نهتم لها اهتماما ، ولا نفكر في عاقبتها ...!
ومن ذلك : الحلفُ بالله دائما ، وعدم الوفاء بذلك ، وتراكم الكفارات وعدم أدائها .
ومنها : قولُ عليَّ الحرام، وعلي الطلاق، فيُخربُ بيته ولا يشعر ، ويستمر في التحريم للمباحات ولا يتعظ بما يقول ...!
وكلما جلس مع إنسان قال : علي الطلاق بالثلاث، أن الأمرَ كذا وكذا ..!!
فلماذا تلوكُ الألسنة هذه الألفاظ الخطرة، ولِمَ تُحرِّمون ما أحل اللهُ لكم تبتغون مرضاةَ الآخرين..؟!
لنتقِ اللهَ عبادَ الله، ولنحفظْ ألسنتَنا ، ولنحاسبها على الدوام ، فكم أتلفَ اللسان من بشر، وكم أهلكَ من فضلاء..؟!
نقلَ بعضُهم عن الإمامِ ابن سيرين رحمه الله ، أنه ذكر رجلاً فقال : ذلك الرجل الأسود .. يريد أن يُعرّفه .. ثم قال : أستغفرُ الله ، إني أُراني قد اغتبته...!
وعن عبدالله بن وهب رحمه الله قال : " نذرتُ أني كلما اغتبت إنساناً أن أصوم يوماً فأجهدني - يعني تعبت – فكنت أغتاب وأصوم ، وأغتاب وأصوم .. فنويت أني كلما اغتبت إنساناً ، أن أتصدقَ بدرهم، فمِن حُب الدراهم ، تركتُ الغيبة "..!
فاحفظوا - يا مسلمون -عقائدَكم وأخلاقَكم وبيوتَكم ، بتحسين ألفاظِكم، وتوقوا سيئها ورديئها ..{ ما يلفظُ من قول إلا لديه رقيبٌ عتيد } سورة ق .
اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمد كما ...