لا يُلقي لها بالا

HAMZAH HAMZAH
1442/04/11 - 2020/11/26 19:12PM

" لا يُلقي لها بالا "

صون اللسان وانتقاء الكلمات

د . حمزة آل فتحي .

الحمدُ لله جمَّلنا باللسان ، وأكرمنا بحُسن اللفظِ والبيان، وجعل طيبَه مفتاحَ الجنان، كما أن سيئَه سبيلُ إلى النيران { ألم نجعل له عينين ولسانًا وشفتين }.

نحمدُه على النعم الجليلة ، ونشكرُه على الآلاء الجزيلة ..

أشهدُ أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرا ...

أما بعد : 

معاشرَ المسلمين:

يَشدُّكَ حديثٌ نبوي، وتوجيهٌ ديني رائع ، فلا تملكُ إلا التوقفَ عنده، والتأمل ، والتعظيم..!

تعظيمُ قائله، وتعظيمُ الآلة التي تنفرطُ ولا تبالي..!

وتعظيمُ المثوى الذي تؤولُ إليه تلك الكلمات ...!

فإن كان الكلامُ حَسنا رفعتك درجات، وإن كانَ سيئًا ، أنزلتك دركات..

وكائن ترى مِن صامتٍ لك مُعجِب.. زيادتُه أو نقصُه في التكلمِ!

‏لسانُ الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤادُه.. فلم يبقَ إلا صورةُ اللحم والدمِ !

جاء في الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ }.

فهذا اللسانُ إما أن يُعليك ويُغليك، وإما أن يُنزلَك ويخزيك.!

فأرعِ السمعَ ، ودققِ النظر في قوله" لا يلقي لها بالا "..!

فهنالك كلماتٌ منطوقةٌ في حياتنا الاجتماعية والثقافية لا نلقي لها بالًا ، ونرفعُ لها الرايات، ونشد لها العزمات، وإذا هي في النهاية مما يُسخطُ الربَّ تبارك وتعالى... وقد تُنزلُنا في البليات ، أو تُوردُنا الشقاوات ..!!

روي عن الصديق رضي الله عنه، أنه كان يشدُّ لسانه ويقول متألمًا:" هذا الذي أوردني الموارد ".

وخذْ في ذلك مثلا : في باب التوحيد والعقيدة : 

كقولنا : لولا فلانٌ ما نجونا، والأصح : لولا اللهُ ثم فلان..

وقولُ بعض الناس : ما شاء اللهُ وشاء فلان، والصحيح : ما شاء الله ثم شاء فلان ..

وقولُهم : في المصائب والتأسف على فوات أشياء: لو فعلتُ كذا ، لما كان كذا ، والمؤمنُ يقول : قدّرَ الله وما شاء فعل، فإن "لو " تفتحُ عملَ الشيطان...!

وقول : عليكَ وجهُ الله ، أن تفعل كذا..!

وقولُ بعضِ الجهال : لعن اللهُ اليوم أو الساعة التي عرفتك فيها، وكلُ ملعوناتِ الدهر والزمان لا يجوز لحديث :" يؤذيني ابنُ آدمَ يسب الدهر، وأنا الدهر بيدي الأمر ".

ومنها : قولُ : مطرنا بنوء كذا وكذا، جاعلا للأنواء والكواكب سببا في ذلك ..!

ومنها : قول : وشاءت الأقدار ، وشاءت الظروف ، والصوابُ : وشاء اللهُ وحده، لأن القدر من علم الله وإرادته .

ومنها : فلانٌ شكله غلط- وافتكرنا الله- ورزق الهُبل على المجانين..! ومن عبث الأقدار، أو حمقها أو غدرها...!

وأشباهها من العبارات الاعتراضية، على خِلقة الله أو أمره وتدبيره ... فكيف لمؤمن أن يتلفظ بها..؟!

وقولُهم : ساعةٌ لقلبك وساعة لربك، أو الحلف بالله كاذبا ، والاستهزاء بشيء من الشعائر ، أو يسميها قشورا، وهذه توصل إلى الكفر والغياذُ بالله..!

وقد لا يلقي لها بالا، ويفعلها مقلدًا جهالا، أو إعلاميين ليس لهم دراية...!

فاتقوا اللهَ إخوة الإسلام، وراقبوا ربكم في ألسنتكم ، واذكروا حصائدها، ومصائرها ، وعواقبها { وهل يَكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم إلا حصائدُ ألسنتهم }...؟!

فكن من أهل البال والمآل، وألقِ بالا لكلامك، ودقق في ألفاظك ، ولا تجارِ الخائضين، أو تساير المتساهلين...

وفي حديث آخر في صحيح البخاري قال عليه الصلاة والسلام : " إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا ، يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ ".

اللهم إنا نعوذ من شر ألسنتنا ، وشر كلماتنا ، وشر ألفاظنا...

أقولُ قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم....

——-

الحمدُ لله حمدا كثيرًا طيبا مباركا فيه، وصلّى اللهُ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...

أما بعد

إخواني الفضلاء :

أيضًا ثمة كلماتٌ في حياتنا لا نُلقي لها بالا، ولا نهتم لها اهتماما ، ولا نفكر في عاقبتها ...!

ومن ذلك : الحلفُ بالله دائما ، وعدم الوفاء بذلك ، وتراكم الكفارات وعدم أدائها .

ومنها : قولُ عليَّ الحرام، وعلي الطلاق، فيُخربُ بيته ولا يشعر ، ويستمر في التحريم للمباحات ولا يتعظ بما يقول ...! 

وكلما جلس مع إنسان قال : علي الطلاق بالثلاث، أن الأمرَ كذا وكذا ..!!

فلماذا تلوكُ الألسنة هذه الألفاظ الخطرة، ولِمَ تُحرِّمون ما أحل اللهُ لكم تبتغون مرضاةَ الآخرين..؟!

لنتقِ اللهَ عبادَ الله، ولنحفظْ ألسنتَنا ، ولنحاسبها على الدوام ، فكم أتلفَ اللسان من بشر، وكم أهلكَ من فضلاء..؟!

نقلَ بعضُهم عن الإمامِ ابن سيرين رحمه الله ، أنه ذكر رجلاً فقال : ذلك الرجل الأسود .. يريد أن يُعرّفه .. ثم قال : أستغفرُ الله ، إني أُراني قد اغتبته...!

 وعن عبدالله بن وهب رحمه الله قال : " نذرتُ أني كلما اغتبت إنساناً أن أصوم يوماً فأجهدني - يعني تعبت – فكنت أغتاب وأصوم ، وأغتاب وأصوم .. فنويت أني كلما اغتبت إنساناً ، أن أتصدقَ بدرهم،  فمِن حُب الدراهم ، تركتُ الغيبة "..!

فاحفظوا - يا مسلمون -عقائدَكم وأخلاقَكم وبيوتَكم ، بتحسين ألفاظِكم، وتوقوا سيئها ورديئها ..{ ما يلفظُ من قول إلا لديه رقيبٌ عتيد } سورة ق .

اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمد كما ...

المشاهدات 1337 | التعليقات 0