{لَا يَرْقُبُونَ في مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً} 5 /4 / 1445هـ

د عبدالعزيز التويجري
1445/04/04 - 2023/10/19 09:47AM

الخطبة الأولى : {لَا يَرْقُبُونَ في مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً}      5 /4 / 1445هـ

الحمد لله إيماناً بكمال الله وجلاله، ويقيناً بعلمه وحكمته، ورضا وطمأنينة بعدله ورحمته، أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبدالله ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً مزيدا ... أما بعد..

 فاتقوا الله ربكم واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون ..

      دمُ المصلين في المحرابِ ينهمرُ  **   والمستغيثون لارجعُ ولا أثرُ

      وأهلُ غـزةَ باتوا بالعـرا جثثـــا   **   دماؤهم في ثراها بعدُ تستعرُ

     يا أمةَ الحقِ إنّ الجرحَ متســعُ   **   فهل ترى من نزيفِ الجرحِ نعتبرُ

خبرٌ ربانيٌ، وحقيقةٌ تاريخيةٌ، وأحداثٌ حيةٌ، تؤكدُ أنّ أممَ الكفرِ من يهودَ ونصارى لن يتوقفوا أو يكفوا عن شنِّ الغاراتِ والحروبِ لإبادةِ المسلمين، وسيظلُ هذا شأْنهم باستهدافِ كلِ طفلٍ برئٍ أو امرأةٍ ضعيفةٍ أو جريحٍ يأن {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}.

       كلُّ العِدَا قَدْ جَنَّدوا طَاقَاتِهِــم          ضِدَّ الهُدَى والنُّورِ ضِدَّ الرِّفْعَةِ

       لا الغَربُ يَقصِد عِزَّنَا كَلا ولا          شَــــرْقُ التَحَلُّلِ إنَّــــهُ كَالحَيَّــــــــةِ

        الكُــــــلُّ يَقْصدُ ذُلَّنَا وهَوَانَنَــــا            أَفَغَيْرُ رَبِّي مُنْقِذٌ مِنْ شِدَّةِ

فواجعُ تَقْرعُ الأسماعَ، ومشاهدُ تُدمعُ العيونَ، ومجازرُ تُدمي القلوبَ، يرتكبُها دهاقنةُ الصهاينةِ ضدَ المسلمين والمستضعفين في أرضِ المقدسِ بمددٍ من أئمةِ الكفر {لَا يَرْقُبُونَ في مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ} لم يفعل غازٍ أو محتلٍ مثلما يفعلُه اليهودُ اليومَ في غزةَ والأرضَ المباركة، وليس مَن رأى كمَن سمع.. جنونٌ وأعمالُ مجانينٍ إذا ما قيست بمقياسِ العقل، وعصاباتُ مجرمين إذا ما قورنت بميزانِ العدل، وهمجيةٌ إذا عُرِضَت على معايير الإنسانية، وهي قبل ذلك وبعده عدوان صارخ وإثمٌ وبغيٌ وطغيانٌ إذا ما قيست بمقياس الدينِ والحق، ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ.

 بلغوا من الاعتداءِ منتهاه، وحققوا من الإجرامِ والطغيانِ أقصاه..دماءٌ تراق، وأرواحٌ تُحصد، ومستشفياتٌ تُباد بمرضاها وجرْحاها.

     كبلـــــوهم قتلــوهم مثَّلــــــوا         بذواتِ الخـدرِ عاثـوا باليتامـى

    ذبحوا الأشياخَ والمرضى ولم         يرحموا طفلاً ولم يُبقوه غلاما

    هدموا الدُّور استحلُّوا كلما         حــرَّم الله ولم يَرْعَوْا ذِمَامــــــا

     أين من أضلاعنـا أفئــــــدةٌ          تنصرُ المظلومَ تأبى أن يضاما

     نســـألُ اللهَ الذي يكــــــلؤنا          نصرةَ المظلــومِ شيخاً أو أيَامـى

 {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ}

   هِيَ الأيّــــَامُ والغِيــــَرُ ...   وَأَمْرُ اللَّهِ مُنْتَظَرُ

  أَتَيْأَسُ أَنْ تَرَى فَرَجًا ... فَأَيْنَ اللَّهُ وَالقَدَرُ؟

إنّ معَ العُسرِ يُسراً، وإنّ للكربِ نهايةٌ، وإنَّ الظُلْمةَ تحملُ في أحشائِها الفجرَ المنتظرَ.

وعدٌ من الله {لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ} {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا}.

اليهودُ لا يملكون أرضا، ولا يسكنون قِطرا .. في صحيح البخاري، قال أبو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي المَسْجِدِ، إذ خَرَجَ علينا النَّبِيُّ r فَقَالَ: «انْطَلِقُوا إِلَى يَهُودَ»، فَخَرَجْنَا حَتَّى جِئْنَاهُمْ، فَنَادَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ r، فَقَالَ: «أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُجْلِيَكُمْ مِنْ هَذِهِ الأَرْضِ، فَمَنْ يَجِدْ مِنْكُمْ بِمَالِهِ شَيْئًا فَلْيَبِعْهُ، وَإِلَّا فَاعْلَمُوا أَنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ»

بيتُ المقدسِ والمسجِدُ الأقصَى.. ليسَ تركةً يهودِيَّةً، ولا إِرْثاً نصرانِياً، ولا مِنْحَةً أُمَمِيَّةً.. يَهَبَهُ مَن شاءَ لِمَن شَاءَ.

المسجِدُ الأقصَى لا يتوَلّاهُ دَعِيٌّ لا يُؤْمِنُ بالله ولا باليَومِ الآخِر.. وِلايَةُ بيتِ المقدسِ لا تَكُونُ إِلا لِمَن أَخلَصَ للهِ بالتَوحِيْد. وأَخلَصَ للمُؤمِنِينِ بالوَلاءِ. 

المسجِدُ الأقصَى لا يكونُ إِلا لِمَن يَحِمِيْهِ مِن دَنَسِ الشِّرْكِ، ويُنَزهُهُ مِن رِجسِ الكُفرِ، ويُطَهِرُهُ للرُكَعِ السُّجُود {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا الله}.

فاليهودُ لا مُقامَ لهم في أرضِ المقدسِ وإن طالَ الزمنُ في أعيننا، فهِيَ مُهاجَرُ النَّبِيين الأَوَلِين، وَهِيَ أَرْضُ المَحْشَرِ والمَنْشَر، وهِيَ الأَرْضُ التي سَيَنْزِلُ فِيها عِيْسَى بنُ مَريَم عليه السلام مِنَ السَّمَاءِ قُبَيلَ قِيامِ السَّاعَة. وهِي الأَرْضُ التِي سَيُهْلِكُ اللهُ فيها المَسِيْحَ الدَّجال، "ولَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ"، {وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً}.

لا يأس يسكنُنا، فإن كبُرَ الأسى وطغى، فإنّ يقينَ قلبي أكبرُ

في منهجِ الرحمنِ أمنُ مخاوفي، وإليه في ليلِ الشدائدِ نجأرُ

وإن عرفَ التاريخُ أوساً وخزرجاً ، فلِلَّه أوسٌ قادمون وخزرجُ

إنّ مما يبعثُ الأملَ ويقوي العزائمَ: ما سطّره المسلمون في الأقطارِ والأمصارِ من التفاعلِ والتنادي للدعوةِ لنُصرةِ المسلمين والمستضعفين في غزةَ على اليهودِ المعتدين المحتلين، وأعوانِهم من النصارى المشركين، وحاشا لأمةٍ أن تتخاذلَ أو تتقاعسَ وهي تسْتيقنُ أمرَ ربها{وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ في الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ}

فلن يكون اللبْسُ والغَبَشُ في أمةٍ تُحسِنُ قراءةَ سورةَ الفاتحة، تُردد{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}.

 القرآنُ الكريمُ في الازماتِ والشدائدِ يُبينُ المصيرَ والعاقبة {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ } ويُهددُ الكافرين {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ} لا يعجزون اللهَ، فهم في قبضتهِ، وتحتَ قهرهِ وسلطانهِ {أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}.

 القرآنُ الكريمُ في المحنِ يُبَصِرُ الطريقَ ويبعثُ الأملَ ويحققُ العمل {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}

إنه القرآنُ الذي يُكسِبُ الأمةَ تميزاً يمنعها من الذوبانِ والتمييعِ والتطبيع، ويُحصنُها مما يرادُ بها، ويفرضُ العداوةَ لأعدائِها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ}

وليسَ للمسلمين والمستضعفين والٍ غيرُ الله ، ولا نصيرَ ولا ظهيرَ ينصرُهم على الأعداءِ إلا اللهُ وحدهُ، وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ. وحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.

واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربنا لغفور شكور

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ: ..   الْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى عَبْدِهِ الْمُصْطَفَى، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اجْتَبَى. أَمَّا بَعْدُ:

في الصحيحين عن عَائِشَةَ رضي الله عنهاَ، قالت: لَمَّا جَاءَ رَسُولَ اللهِ r قَتْلُ زيدِ بنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ، جَلَسَ رَسُولُ اللهِ r يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ.

ولما قُتِلَ قُرَّاءُ الصحابة، قال أنس رضي الله عنه: «فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r حَزِنَ حُزْنًا قَطُّ أَشَدَّ مِنْهُ، وقَنَتَ شَهْرًا، بَعْدَ الرُّكُوعِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنَ العَرَبِ» متفق عليه.

فحريٌ بكلِ مسلمٍ أن يتحسسَ أخبارَ إخوانهِ المسلمين المستضعفين ويحزنَ لمصابهِم، وأن يورثَ هذا الهمُّ والحزنُ دعاءً وتضرعًا ونُصْرة ..

ولما سيّرَ عمرُ الفاروقُ جيشاً لملاقاةِ الفرسَ في نهاوند، بقيادةِ النعمانِ بن مُقَرّن، وبعث معه أجلاءِ الصحابةِ، فلما سارتِ الجيوشُ وانقطعتِ الاخبارُ، جعلَ عمرُ لاينامُ إلا غفوات، وكانَ يخرج ُكلَّ غداةٍ إلى ضواحيِ المدينةِ يتحسسُ أخبارَ المسلمين وينتظرُ بشاراتِ النصرِ، فلما رأى رجلاً قادماً على فرسٍ تبِعهُ عمرُ يقولُ لهُ :ما وراءك ؟ قال: فتحَ اللهُ على المسلمين واستشهدَ الأميرُ، فقال عمرُ: إنا للهِ وإنا إليهِ راجعون ، وعرضَ عليه غنائمَ نهاوند؛ لكنَّ عمرَ لم يأْبه لكلِ هذا، بلِ اعتلى المنبرَ، ونعى إلى المسلمين النعمانَ بن مُقَرن، وبكى حتى نشج.. وقد نعى النبيُ r قبلَه على المنبرِ قوادَ المسلمين بمؤته.. هذا هو الاحساسُ بالجسدِ الواحد ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى، {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً}.

فتحسسوا أخبارَ إخوانِكم وادْعوا لهم في صلواتِكم وخلواتِكم، ولايُنْسِينّكم ما أنتم فيه من خيرٍ وعافيةٍ وأمنٍ ورغدِ عيشٍ مصابَهم،  فإن المصاب جلل، وإنّ اللهَ يبتلي بالسراءِ والضراء. {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}.

اللهم منزل الكتاب مجري السحاب هازم الأحزاب اهزم اليهود والنصارى والبوذيين وارفع البلاء والظلم والقتل عن المسلمين ، اللهم كن للمستضعفين والمضطهدين والمشردين من المسلمين عونا ونصيرا .. اللهم كف بأس الذين كفروا ..

اللهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة امورنا ...

المرفقات

1697698151_{لَا يَرْقُبُونَ في مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً}.docx

1697698214_{لَا يَرْقُبُونَ في مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً}.pdf

المشاهدات 3152 | التعليقات 0