لا عيشَ إلا عيشُ الآخرة
سعود المغيص
1435/07/13 - 2014/05/12 07:16AM
الخطبة الأولى :
أَمّا بَعدُ عباد الله :
اتقوا الله تعالى, واعلموا أن الدنيا متاع زائل, وأن المرد إلى الله, وأن الآخرة هي دار القرار. ثبت في الصحيحين وغيرهما عن غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم, أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: ( اللهم لا عيشَ إلا عيشُ الآخرة ). فهذا توجيه نبوي كريم لأُمَّتِه, أن يزهدوا في الدنيا, وأن يعلموا أنها ليست بشيء, وأن العيش الحقيقي, هو عيش الآخرة عندما يدخل المؤمن الجنة, فيرى مالا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر. وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلا عظيما لذلك بقوله: ( مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا كَمَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ فِي الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ ). ولا شك أنه لن يَعْلَقَ بإصبَعِه إلا البلل فقط, وسوف يجف ويذهب. فكيف تَتَعلقُ أيها المؤمن بهذا البلل اليسير الذي سُرعان ما يذهب مع قِلَّتِه, وتَتْرُكُ البحرَ بأكمَلِه؟!.
إن في هذا الحديثِ فوائِدَ وعِبَرا لِمَنِ اعْتَبَر:
أولها: بيانُ حقيقةِ الدنيا وأنها ليست بشيء, فهي متاع الغرور, ولهو ولعب, ولا تزن عند الله جناح بعوضة, فكيف نتعلَّقُ بها ؟.
الثاني: بيانُ عِظَمِ شأنِ الآخرة, وأَن سَعْيَ المؤمنِ لابد وأن يكون لها, لأنها هي الباقية. وإِنَّ مِنَ السَّفَهِ أن نَهتَمَّ بالفاني, ونتْرُكَ الباقي.
الثالث: أنه ينبغي للمُعَلِّم والمُرَبِّي, وربِّ الأسرة, أن يُعلِّقوا قلوبَ مَن تحْتَ وِلايتِهم ومسؤوليتهِم بالآخرة, وأن يهتموا بذلك غايةَ الإهتمام.
الرابع: أن التعلقَ بالآخرة وبِعَيْشِها, يَحُثُّكَ على مُصاحَبَةِ الصالحين الذين يُعِينون على ذِكْرِ الله وطاعتِه.
الخامس: أن التعلق بالآخرة وَبِعَيشِها, ينهاك عن التَّوَرُّطِ في حقوق المخلوقين, سواء في الدماء أو الأعراض أو الأموال. لأنها من أعظم ما يضر العبد عندما يقف بين يدي الله, ومن أعظم ما يأكل ما جمعه من الحسنات في الدنيا.
السادس: أن التعلق بالآخرة وبعيشِها يحُثُّ على الإستكثار من الحسنات لأنها هي الإدخار الصحيح: فالتسبيح غِراسُ الجنة. ومن صلى السُّنَنَ الرواتب بَنَى اللهُ له بَيتا في الجنة. وكفالة الأيتام والسعاية على الأرامل والمساكين سبب لمرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة. وعن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنها أنهم ذبحوا شاة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما بقي منها؟ ) قالت: ما بقي منها إلا كتفها. قالِ: ( بقي كلها غير كتفها ) رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ. والمعنى: أنهم تصدقوا بها إلا كتفها فقال: بقيت لنا في الآخرة إلا كتفها.
السابع: أن التَّعَلُّقَ بالآخرة وبِعَيشِها يجعل العبد لا يتحسر على ما يرى عليه أهلُ الثراءِ ومُتْعَةِ الدنيا من نعيم, لأنه زائل ومتاع قليل, ولذلك قال تعالى: ﴿ وَلَا تَمُدَّن عَيْنَيْك إلَى مَا مَتَّعْنَا به أَزْوَاجًا منْهُمْ زَهْرَة الْحَيَاة الدُّنْيَا ﴾. بل ولا يغتر بما يرى عليه أُمَمُ الكفرِ من متاع الدنيا وانفتاحها عليهم ولهم, لأن الله جعل جنتهم في دنياهم. قال تعالى: ﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ . مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾. وهذا المتاعُ الذي ترون عليه أُمَمُ الكفرِ اليوم, ليس جديداً, بل هو معروف من القديم, فقد ثبت في الصحيحين أن عمر بن الخطِاب رضي الله عنه, قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ادعُ اللهَ فليوسِّعْ على أمتِك، فإن فارسَ والرومَ وُسِّعَ عليهِم وأُعْطُوا الدنيا، وهم لا يعبُدونَ اللهَ، وكان مُتَّكِئًا، فقال : ( أوَ في شكٍّ أنت يا ابنَ الخطَّابِ؟ أولئك قومٌ عُجِّلَت لهم طيباتهم في الحياةِ الدنيا ) . فقلتُ : يا رسولَ اللهِ استغفِرْ لي .
أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية :
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً .
أَمّا بَعدُ عباد الله :
ومن ثمراتِ تَعَلُّقِ القلبِ بالآخرة وبِعَيْشِها: انضِباطُ أمرِ الغيرة, بحيث لا يغارُ إلا على أمر الدين. ولذلك لم ينتصر النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه قط, فإذا انتُهِكَت مَحارِمُ الله, غَضِبَ لله, صلوات الله وسلامه عليه. بخلاف ما عليه أهلُ الدنيا الذين يجعلون سخطهم ورضاهم من أجل الدنيا, إن أُعْطُوا رَضُوا, وإن لم يُعْطَوا إذا هم يسخطون. إِنْ تضَرّرَت دنياهم, أقاموا الدنيا وأقعدوها. وإن رأوا ما يضر عقيدتهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم. أو يضر عبادتهم وأخلاقهم, لم يتأثروا ولم يحركوا ساكناً. وهذا من أعظم أسباب نشوب الفتن والفوضى في بلدان المسلمين اليوم, ومِن أعظَمِ أسبابِ التعاسة وحلول العقوبات من الله, ومحق البركة, ومنع القطر من السماء, وعدم استجابة الدعاء. حينما يغضبون لدنياهم, ولا يغضبون لدينهم, ولا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر.
فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى, واسعوا للآخرة, فإنها مَرَدُّكُم, ولا تُلْهِيَنَّكُم الدنيا, فإنها متاع الغرور.
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا، واجعلنا هداة مهتدين،
أَمّا بَعدُ عباد الله :
اتقوا الله تعالى, واعلموا أن الدنيا متاع زائل, وأن المرد إلى الله, وأن الآخرة هي دار القرار. ثبت في الصحيحين وغيرهما عن غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم, أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: ( اللهم لا عيشَ إلا عيشُ الآخرة ). فهذا توجيه نبوي كريم لأُمَّتِه, أن يزهدوا في الدنيا, وأن يعلموا أنها ليست بشيء, وأن العيش الحقيقي, هو عيش الآخرة عندما يدخل المؤمن الجنة, فيرى مالا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر. وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلا عظيما لذلك بقوله: ( مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا كَمَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ فِي الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ ). ولا شك أنه لن يَعْلَقَ بإصبَعِه إلا البلل فقط, وسوف يجف ويذهب. فكيف تَتَعلقُ أيها المؤمن بهذا البلل اليسير الذي سُرعان ما يذهب مع قِلَّتِه, وتَتْرُكُ البحرَ بأكمَلِه؟!.
إن في هذا الحديثِ فوائِدَ وعِبَرا لِمَنِ اعْتَبَر:
أولها: بيانُ حقيقةِ الدنيا وأنها ليست بشيء, فهي متاع الغرور, ولهو ولعب, ولا تزن عند الله جناح بعوضة, فكيف نتعلَّقُ بها ؟.
الثاني: بيانُ عِظَمِ شأنِ الآخرة, وأَن سَعْيَ المؤمنِ لابد وأن يكون لها, لأنها هي الباقية. وإِنَّ مِنَ السَّفَهِ أن نَهتَمَّ بالفاني, ونتْرُكَ الباقي.
الثالث: أنه ينبغي للمُعَلِّم والمُرَبِّي, وربِّ الأسرة, أن يُعلِّقوا قلوبَ مَن تحْتَ وِلايتِهم ومسؤوليتهِم بالآخرة, وأن يهتموا بذلك غايةَ الإهتمام.
الرابع: أن التعلقَ بالآخرة وبِعَيْشِها, يَحُثُّكَ على مُصاحَبَةِ الصالحين الذين يُعِينون على ذِكْرِ الله وطاعتِه.
الخامس: أن التعلق بالآخرة وَبِعَيشِها, ينهاك عن التَّوَرُّطِ في حقوق المخلوقين, سواء في الدماء أو الأعراض أو الأموال. لأنها من أعظم ما يضر العبد عندما يقف بين يدي الله, ومن أعظم ما يأكل ما جمعه من الحسنات في الدنيا.
السادس: أن التعلق بالآخرة وبعيشِها يحُثُّ على الإستكثار من الحسنات لأنها هي الإدخار الصحيح: فالتسبيح غِراسُ الجنة. ومن صلى السُّنَنَ الرواتب بَنَى اللهُ له بَيتا في الجنة. وكفالة الأيتام والسعاية على الأرامل والمساكين سبب لمرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة. وعن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنها أنهم ذبحوا شاة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما بقي منها؟ ) قالت: ما بقي منها إلا كتفها. قالِ: ( بقي كلها غير كتفها ) رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ. والمعنى: أنهم تصدقوا بها إلا كتفها فقال: بقيت لنا في الآخرة إلا كتفها.
السابع: أن التَّعَلُّقَ بالآخرة وبِعَيشِها يجعل العبد لا يتحسر على ما يرى عليه أهلُ الثراءِ ومُتْعَةِ الدنيا من نعيم, لأنه زائل ومتاع قليل, ولذلك قال تعالى: ﴿ وَلَا تَمُدَّن عَيْنَيْك إلَى مَا مَتَّعْنَا به أَزْوَاجًا منْهُمْ زَهْرَة الْحَيَاة الدُّنْيَا ﴾. بل ولا يغتر بما يرى عليه أُمَمُ الكفرِ من متاع الدنيا وانفتاحها عليهم ولهم, لأن الله جعل جنتهم في دنياهم. قال تعالى: ﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ . مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾. وهذا المتاعُ الذي ترون عليه أُمَمُ الكفرِ اليوم, ليس جديداً, بل هو معروف من القديم, فقد ثبت في الصحيحين أن عمر بن الخطِاب رضي الله عنه, قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ادعُ اللهَ فليوسِّعْ على أمتِك، فإن فارسَ والرومَ وُسِّعَ عليهِم وأُعْطُوا الدنيا، وهم لا يعبُدونَ اللهَ، وكان مُتَّكِئًا، فقال : ( أوَ في شكٍّ أنت يا ابنَ الخطَّابِ؟ أولئك قومٌ عُجِّلَت لهم طيباتهم في الحياةِ الدنيا ) . فقلتُ : يا رسولَ اللهِ استغفِرْ لي .
أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية :
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً .
أَمّا بَعدُ عباد الله :
ومن ثمراتِ تَعَلُّقِ القلبِ بالآخرة وبِعَيْشِها: انضِباطُ أمرِ الغيرة, بحيث لا يغارُ إلا على أمر الدين. ولذلك لم ينتصر النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه قط, فإذا انتُهِكَت مَحارِمُ الله, غَضِبَ لله, صلوات الله وسلامه عليه. بخلاف ما عليه أهلُ الدنيا الذين يجعلون سخطهم ورضاهم من أجل الدنيا, إن أُعْطُوا رَضُوا, وإن لم يُعْطَوا إذا هم يسخطون. إِنْ تضَرّرَت دنياهم, أقاموا الدنيا وأقعدوها. وإن رأوا ما يضر عقيدتهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم. أو يضر عبادتهم وأخلاقهم, لم يتأثروا ولم يحركوا ساكناً. وهذا من أعظم أسباب نشوب الفتن والفوضى في بلدان المسلمين اليوم, ومِن أعظَمِ أسبابِ التعاسة وحلول العقوبات من الله, ومحق البركة, ومنع القطر من السماء, وعدم استجابة الدعاء. حينما يغضبون لدنياهم, ولا يغضبون لدينهم, ولا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر.
فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى, واسعوا للآخرة, فإنها مَرَدُّكُم, ولا تُلْهِيَنَّكُم الدنيا, فإنها متاع الغرور.
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا، واجعلنا هداة مهتدين،
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق