لا ظلم للعمال والخدم

بسم الله الرحمن الرحيم

إخوة الإيمان والعقيدة .. قبل مبعث النبي ﷺ كان الناس في جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء، وكان الظلم بادياً، والطغيان سائداً، ولم يكن للخدم العمال والموالي نصيب من الرحمة والشفقة والعطف، بل يعاملون بالغلظة والجفاء والشدة، فلا يَطعَمُ إلا رديء الطعامِ إن وجد، ولا يكتسي إلا أردى اللباس إن طلب، يُلاقي صنوفَ العذابِ، ويُضربُ حتى يَبتلَ بدمعه التراب، وإن تجاوز وأخطأ، شُجت منه الناصية، أو بالسيف ضربت القافية، حتى ماتوا وهم أحياء.

وما أن أطلت بشائر النور، وهب نسيم الرسالة، وبعث نبي الرحمة، إلا واستبشر الضعفاء قبل الكبراء، وسُر الخدمُ قبل الرؤساء، فبعد الضلال المبين، والظلام الأليم، أتى الفضل الكبير، والرحمة العظيمة ]قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ[.

أيها المؤمنون .. دين الإسلام دين عظيم، لا يفرق بين صغير ولا كبير، ولا ذكر ولا أنثى، ولا رئيس ولا مرؤوس، ولا صاحب عمل ولا عامل، بل الجميع في ميزانه سواسية في المعاملة، ولذا كان العمال والخدم موتى قبل مبعث النبي ﷺ، مكرمين معززين بعد بعثته عليه الصلاة والسلام.

قال النبي ﷺ (يا أبا ذَرٍّ أعيّـرْتَهُ بأمِّه؟ إنَّك امرؤ فيكَ جاهلية، إخوانُكم خَوَلُكُم، جَعَلَهُم اللهُ تحت أيديِكم، فمن كان أخوه تحت يده، فلْيُطْعِمه مما يأكلُ، ولْيَلْبِسُه مما يَلْبَسُ، ولا تكلُفُوهم ما يَغْلِبُهم، فإنْ كَلَفْتُمُوهم فَأَعِيْنُوهُم).

تأمل تفاصيل هذا الحديث العظيم، سمى النبي ﷺ العمال والخدم بالإخوان، وأن الله عز وجل سخرهم للعمل تحت أيديكم، ثم كان التوجيه العظيم، أن يأكل مما تأكل، ويلبس مما تلبس، وأن التكليف في العمل لا يكون إلا بما يطيق، وإن كان العمل أكثر من طاقته، فأعنه عليه ولا تتركه وحده

وفي رواية أخرى قال ﷺ (ومَن لم يُلائِمْكم منهم فبِيعوهم، ولا تُعذِّبوا خَلْقَ اللهِ) وكان البيع للعبيد والإماء في زمن النبي ﷺ، أما في زمننا هذا فهو أن تعيدهم لبلادهم أو تأذن لهم بأن ينقلوا كفالتهم لغيرك، لا أن تحبسهم فلا أنت أعطيتهم حقهم، ولا أنت الذي تركتهم، وسمى النبي ﷺ حبسهم عذاباً، وظلماً كبيراً.

يقول أبو مسعود، عقبه بن عمرو: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لي بالسَّوْطِ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِن خَلْفِي (اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ) فَلَمْ أَفْهَمِ الصَّوْتَ مِنَ الغَضَبِ، قالَ: فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إذَا هو رَسولُ اللهِ ﷺ، فَإِذَا هو يقولُ (اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ) قالَ: فألْقَيْتُ السَّوْطَ مِن يَدِي من هيبته، فَقالَ (اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، أنَّ اللَّهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ علَى هذا الغُلَامِ) فَقُلتُ: لا أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا.

تأمل هذه الحادثة، وأن النبي ﷺ لم يسأل أبا مسعود عن سبب ضرب الخادم، فقد يكون تجاوز أو أخطأ في عمله، بل نهاه مباشرة وخوَّفه بالله، وذلك أنه لا يجوز ضرب الخادم ولا إيذاءه حتى ولو أخطأ في أمر، فحرمته كحرمتك، فلا يجوز لك الاعتداء عليه أبداً.

يقول أنس بن مالك t: خَدَمْتُ النبيَّ ﷺ عَشْرَ سِنِينَ، فَما قالَ لِي: أُفٍّ، ولَا: لِمَ صَنَعْتَ؟ ولَا: ألَّا صَنَعْتَ.

وتقول عائشة رضي الله عنها: ما ضَرَبَ رَسولُ اللهِ ﷺ شيئًا قَطُّ بيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا؛ إلَّا أَنْ يُجَاهِدَ في سَبيلِ اللهِ.

هذا جانب من رعاية الإسلام للخدم والعمال، وصور من حياة القدوة والأسوة العظيم الرحيم، من النبي ﷺ ]لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ[.

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر الأمة، فاستغفروه وتوبوا إليه، إن ربي رحيم ودود.

 

 

الحمد لله ...

معاشر المؤمنين .. من حكمة الله أن جعل الناس متفاوتين في أعمالهم، وسخر بعضهم لخدمة بعض ]أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ[ هم بنو آدم جميعا، هذا عامل هذا، ورفع هذا على هذا درجة، فهو يسخره بالعمل، يستعمله به. وتسخيره بالعمل لا يعني إهانته، بل حث الإسلام على إكرامه والإحسان إليه، وحذر النبي ﷺ من مغبة سوء معاملة الخدم والعمال، وأنها من الظلم الذي هو من كبائر الذنوب، فلابد للناس من وازع يردعهم، ونظام يوجههم، ووعظ يذكرهم، فكان من الأنظمة التي رسمتها الدولة – وفقها الله – وأقرتها، نظام العمل، وقد ساوت في فقراته بين المواطن وغير المواطن، ورسمت خارطة طريقه في مئتين وخمسة وأربعين مادة، كانت كفيلة بحفظ حق العامل المواطن وغير المواطن، والمحافظة على حقوقه منذ ارتباطه بالعمل وحتى خروجه منه، مروراً بالمرتبات وحفظ حقه فيها وإجازاته وساعات عمله وسفره وعودته وتغيير طبيعة عمله، بل لم تغفل جانب المرأة والظروف التي تمر بها من الحمل والولادة والرضاع وما يتعلق بها، في نظام شامل تام يبين حرص هذه البلاد على نصرة الضعيف، وحفظ حق العامل، وردع الظالم والمتسلط، ومهما كان هنالك من حالات شاذة، أو قصص واهية، فهي لا تمثل المجتمع، ولا تشكل صورته.

فاحذروا من تلك المقاطع التي تظهر سوء معاملة الكفيل لعامله، التي يقصد من ورائها تشويه صورة البلاد ومجتمعه وأهله. فلزاماً على المرء أن يتحرى المصداقية فيما يسمع وينقل، قال رسول الله ﷺ (كَفَى بالمرءِ كذِبًا أن يحدِّثَ بِكُلِّ ما سمِعَ).

وصلى الله على نبينا محمد

المرفقات

1724993024_لا ظلم للعمال في بلد الأمن.pdf

1724993031_لا ظلم للعمال في بلد الأمن.docx

المشاهدات 374 | التعليقات 0