لا تنكروا دور الجامعة العربية ( ا ل م ت آ م ر ) تجاه قضايانا ودمائنا

أبو عبد الله الأنصاري
1433/02/15 - 2012/01/09 05:07AM
إذا كنا كعرب نزعم بأن لدينا مساحة معقولة لاختلاف الرأي وتبادل وجهات النظر فليسمح لي القارئ الكريم بأن أعلن عن نفسي بأنني ضد الكثير بل الغالبية المطلقة من شعوبنا العربية الذين ينكرون الجهود المتواصلة والدؤوبة للجامعة العربية ، بل يزعمون أنهم على يقين من أن جامعة العرب لم تزل منذ اليوم الأول لتأسيسها عديمة الفعل ، وأنها لم يكن لها أي دور حقيقي فعال في إدارة شؤون وطننا العربي وقضاياه المختلفة .
ليسمح لي أولئك بمخالفتهم في وجهة نظرهم التي أرى أنهم يجحدون بها الواقع ، ويتنكرون - من خلالها - للحقائق ، إنني أجزم – بدون أدنى تردد - بأن الفعل والأداء العربي – من خلال جامعته - لم يزل ولا يزال موجوداً وحاضراً منذ أن تأسست تلك الجامعة ، ولم ولا يزال متجسداً في كافة مواقفها ، ورغم تفاوت مستواه من قضية لأخرى إلا أنه لم يغب مطلقاً في ظل تلك الجامعة .بل تؤكد مجريات الأمور بأن الجامعة باتت تؤدي اليوم – أكثر من أي وقت مضى - دوراً ملموساً لا يمكن تجاهله ، ولا يقدم على جحده وإنكاره سوى الذين لا يقدرون - أو لا يريدون - أن يروا الأمور على ما هي عليه .
دور وأداء الجامعة العربية الذي أتحدث عنه هو دورها التآمري الكيدي الخائن الذي يتعامل مع قضايا الأمة ونوازلها الجسيمة بمرواغة رخيصة يسعى من خلالها لخدمة وتمرير مشاريع خصوم الأمة وإرادة ومخططات أعدائها ، ليجسد بذلك حالة من الارتهان المتناهي لأعداء الأمة ، إنه موت الضمير في أقبح مظاهره ، ومغادرة أدنى حد من الانتماء للأمة واستبداله بالارتماء لأعدائها .
أعتبر أن من الاستهتار بعقول الناس أن نقف بالتوصيف لما يجري تحت قبة مجلس الجامعة العربية فيما يتعلق بالشأن السوري بأنه مجرد عبث واستهتار بالدماء النازفة على مدار الساعة في طول البلاد السورية وعرضها .
نعم لا يصح أن يسمى ذلك استهتاراً ، لأن الوقوف بالممارسات الدنيئة للجامعة العربية - تجاه مأساة إخواننا في سوريا - عند ذلك التوصيف سيجعل الأمر يبدو وكأنه مجرد قصور - مهما كان شديداً - من الجامعة ، وأنه ضعف - مهما بلغ - في القيام بواجبها الإنساني والإسلامي والقومي والأخلاقي تجاه ذلك الواقع ، بينما الواقع أن الأمر وإن بدا للبعض كذلك إلا أن الحقيقة - التي لم تعد تخفى على كل متأمل بوعي لخلفيات ما يجري – أن ممارسات العرب تحت هذه القبة المتآمرة هو تواطؤ رخيص مكشوف مع النظام النصيري في سوريا ، يأتي هذا التواطؤ في إطار التنفيذ الحرفي والمباشر للأجندة الصهيونية الصليبية الصفوية التي تم التوافق عليها بين كل كل هذه الأطراف تجاه الثورة السنية في سوريا.
نعم ما يجري تحت قبة الجامعة العربية - تجاه جرائم الإبادة في سوريا - ليس استهتاراً من العرب الذين لا يملكون أن يستهتروا ولا أن يصمتوا لو أراد الغرب اتخاذ موقف إنساني أخلاقي جاد في قضية بلغت هذا الحد من المأساوية .
نعم ليس استهتاراً ولا استخفافاً - بالنزيف المستمر للدم السوري السني - لأن للاستهتار وللاستخفاف حداً يقف عنده كل ضمير إنساني حي ، ليعجز عن استمراء الصمت ، وتستيقظ عنده المشاعر والأخلاق رغماً عنه مهما كان موغلا في غفلته ولامبالاته ، وموقف العرب في جامعتهم ليس عبثا ، لأن للعبث سقفاً ينتهي إليه حينما يخرج الأمر عن المألوف ويغدو سيلاً متدفقاً من الدماء المهدرة على مدار اللحظة ليشكل كارثة كونية بكل مقاييس البشر .
جامعة العرب أصبحت هي الأداة المبتذلة والمستخدمة لأعدائنا - المتربصين بنا - في فرض إراداتهم وتنفيذ مؤامراتهم ، خصومنا اليوم يقتلوننا بأبناء جلدتنا ، ويستبيحون حرماتنا بغطاء من الناطقين بألستنا .
من الواضح جداً أن الغرب حسم موقفه تجاه الملف السوري ، فهو يجزم - ابتداءاً- أن ليس له أي مصلحة في زوال نظام الطائفة الموغل في عمالته وتنفيذ أجندته ، كما أنه زوال هذا النظام ليس من مصلحة الربيبة إسرائيل التي حظيت بالطمأنينة التامة في جواره بل بخدمته لأجندتها في المنطقة رغم احتلالها لجزء منه وعربدتها في أرضه وسمائه ، بل يعتبر زوال هذا النظام الطائفي العميل خسارة محققة للغرب وإسرائيل، كما أن العلاقة الإستراتيجية التي تربط الشيعة الإمامية في إيران بالشيعة النصيرية في سوريا تجعل من زوال نظام الطائفة السوري كارثة محققة للإيرانيين ، تتمثل في فقدانهم لحليف عقائدي له حجمه في معادلة توازن القوى على المستوى الإقليمي ، كما يشكل زواله انهياراً ولو جزئياً لمنظومة الطابور الخامس في الأمة المسمى - زوراً وتضليلاً - بقوى الممانعة بزعامة الدولة الفارسية ، أما إذا ترجح أن من سيخلف نظام الطائفة في حكم سوريا سيكون نظاماً سنيا فهذا يكفي لأن تقف هذه القوى الثلاث المعادية للأمة في وجه نجاح الثوار السُّنَّة في سوريا بكل ما يستطيعون ، تتنوع أساليب المرواغة الغربية تجاه هذا الملف لكنها تصب في نهاية المطاف في مخططات إفشال هذه الثورة ، ودعم محاولات الداخل والخارج للقضاء عليها .
وحقيقة الأمر – بعد ذلك - أن العرب وجامعتهم هم من أنيط بهم الدور في تنفيذ هذه المخططات التآمرية لإفشال الثورة السورية ، وفي هذه الأثناء وقع الاختيار في رعاية والإشراف ودعم تنفيذ تلك المهام التآمرية على المدللة قطر ، التي طالما سعت لتنصيف نفسها على أنها تقف في خط الممانعة للأعداء ، وحرصت على إظهار نفسها على أنها نصيرة المظلومين ضد المستكبرين ، وعملت على مخادعة الأمة وتضليل وعيها في عامة القضايا المتعلقة بها ، بينما هي اليوم أخطر دولة عربية تفتح ذراعيها لخدمة مشاريع أعداء الأمة الحاقدين عليها .
الجامعة العربية اليوم تحت رئاسة قطر لدورتها الحالية تنفذ فصول مسرحية هزلية يراد منها – خدمةً لإرادة صهيونية وصليبية وصفوية - إتاحة الفرصة الكاملة وإعطاء المزيد من الوقت لنظام الطائفة في سوريا ليتمكن من الحسم ، أو على الأقل انهاك الثوار من خلال جرائم القتل والإرهاب المستمر.
حكام قطر الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها - منذ اللحظات الأولى - في ليبيا خدمةً للأطماع والمشاريع الغربية فيها ، واستبسلوا إلى حد استخدام وتسخير المفتين التابعين لهم لخلق الغطاء الديني المطلوب الذي يجعل تدخل الصليبيين في ليبيا واجباً مقدساً وفريضة ملزمة نصرة للمظلومين وإنقاذا للمهظومين ، حكام قطر أولئك هم أنفسهم الذين يتعاملون مع المآسي وجرائم الإبادة الجماعية التي تتم يومياً في سوريا بجعجعة كاذبة دون أن يحرك فيهم كل ما يجري أي ضمير أو شعور إنساني ، لماذا استبسل القطريون إلى أقصى حد في دعم ثورة الليبيين ، وجعلوا التدخل الدولي الاستعماري الطامع في ثروات الليبيين واجباً مقدساً وفريضة ملزمة بينما لا توجد للتدخل في سوريا أدنى حاجة رغم أن ما ارتكب من الجرائم والمجازر إلى الآن بحق السوريين أعظم بكثير مما كان وقع في ليبيا يوم استنفرت قطر طاقاتها واستصدرت فتاوى علمائها ؟!!! ، ألا يوجد في سوريا – بنظر حكام قطر - مظلومون تجب نصرتهم ؟! ومهضومون يتعين إنقاذهم ؟!
قرار قطر - بشأن معاناة السوريين - ألا تتفاعل مع المأساة ، ولا تبحث عن الفتاوى ، لسبب بسيط جداً هو أن ذلك لا يتوافق وإرادة الأسياد .
بل يصل مستوى الوقاحة بحكام قطر إلى حد التصريح بإغلاق الباب أمام أي أمل في تدويل القضية السورية لإنقاذ الناس من المحرقة النصيرية ، بل والقول بأن الغرب لا ينتظر القرار العربي ليقوم بمهامه !! بينما يعلم الجميع كيف انتظر الغرب القرار الخليجي بخصوص الملف اليمني ودعمه ووقف وراءه .
الضمير العربي عموماً والقطري خصوصاً بات يتحرك ويسكن بحسب الإشارات القادمة من وراء البحار ، ولذلك خرج وزير الخارجية الإيراني عفوا القطري ليعترف بعدمية الفعل العربي الإيجابي تجاه مأساة السوريين وليقول بكل صفاقة : لو كان العرب في وضع أفضل من هذا الوضع لتمكنا من أن نفعل ما هو أفضل ، بينما استطاع – في ظل الظروف العربية السابقة الأشد صعوبة - أن يفعل - عندما أراد له الغرب - أكثر مما هو مطلوب منه في ليبيا .
حكام قطر الذين حاولوا تصوير عمالتهم وتنفيذهم لمخططات الصليبين في ليبيا بأنها غيرة على الشعب الليبي وإنقاذ له ، هم أنفسهم الذين يفقدون أدنى حد من الغيرة على السوريين ، وهم أنفسهم الذين لا يحركون ساكناً تجاه مجازر النظام النصيري في الشعب السوري ، لا أدري أي وجوه لا تستحي لهؤلاء العملاء ؟! وكيف يستطيع هؤلاء الأُجراء أن يظهروا أمام شاشات القنوات ويصدروا التزكيات وشهادات حسن السيرة والسلوك لنظام الطائفة المتوحش القاتل - على مدار اللحظة - في سوريا .
جوهر المؤامرة يكمن في عدم تمكين ثورة الغالبية السُّنية من الشعب السوري ضد النصيريين الباطنيين الشيعة ، فالسنة هم – على مر التاريخ - العدو المشترك للغرب وحلفائه ، وفي مواجهة السنة يلتقي الخصوم المتباعدون ، وإيران المرتبطة استراتيجياً بقطر تؤكد بل تراهن على الدور القطري أصالة والعربي تبعاً على إفشال الثورة السنية في قطر ، وبذلك فإن دور قطر يصب في خدمة المصالح المشتركة للصهاينة والصليبيين والصفويين .
الاثنين 9/1/2012
المشاهدات 1989 | التعليقات 0