لا تلهك سوق الدنيا عن سوق الآخرة

الشيخ السيد مراد سلامة
1440/08/04 - 2019/04/09 16:26PM

Smiley face

لا تلهك سوق الدنيا عن سوق الآخرة
للشيخ
السيد مراد سلامة

الخطبة

أما بعد: إخوة الإيمان

أسواق الدنيا وما أدارك ما أسواق الدنيا الشيطان يرفع رايته وينصبها فيها انتصارا وإعلانا منه على أنه لم يخسر معركة الأسواق ‘ففيها تجد الكذب، والغش ،والاختلاط، والسرقة ،إلا من رحم ربك راجت فيها بضاعته    

عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَكُونَنَّ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ السُّوقَ وَلَا آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا فَإِنَّهَا مَعْرَكَةُ الشَّيْطَانِ وَبِهَا يَنْصُبُ رَايَتَهُ»([1]).

قال القرطبي: ففي هذه الأحاديث ما يدل على كراهة دخول الأسواق، ومحل هذه الكراهة لمن لم يكن له حاجة في السوق من بيع وشراء أو حسبة أو زيارة ونحو ذلك من المقاصد. اهـ.

قال تعالى واصفًا الرسل عليهم الصلاة والسلام: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ} [الفرقان:20]. أي: يبتغون من فضل الله فيها بالتجارة والشراء ونحو ذلك. وكان الصحابة يتاجرون ويحترفون في الأسواق، وكان ابن عمر وأبو هريرة يدخلان إلى السوق أيام العشر يكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما. فالمقصود أن دخول السوق لحاجة لا كراهة فيه، أما لغير حاجة فيكره لأن الداخل إليها لا يسلم من رؤية منكر أو سماعه. والله أعلم.

الأسواق أبغض البلاد إلى الله

واعلموا أيها الأحباب أن أحب البلاد إلى رب العباد المساجد حيث الراكع والساجد وأبغض البلاد الأسواق لما فيها من سخط ولغط فقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أحبّ البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها.

قال النووي رحمه الله: "لأنها محل الغش، والخداع، والربا، والأيمان الكاذبة، وإخلاف الوعد، والإعراض عن ذكر الله، وغير ذلك مما في معناه، والمساجد محل نزول الرحمة، والأسواق ضدها" انتهى باختصار. ([2])

وقال ميثمٌ -رجلٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم -: (بَلَغَنِي أَنَّ المَلَكَ يَغْدُو بِرَايَتِهِ مَعَ أَوَّلِ مَنْ يَغْدُو إِلى المَسْجِدِ، فَلاَ يَزَالُ بِهَا مَعَهُ حَتَّى يَرْجِعَ، فَيَدْخُلَ بِهَا مَنْزِلَهُ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَغْدُو بِرَايَتِهِ مَعَ أَوَّلِ مَنْ يَغْدُو إِلى السُّوقِ) ([3]).

قال ابن بطال رحمه الله:"هذا إنما خرج على الأغلب؛ لأن المساجد يذكر فيه اسم الله تعالى، والأسواق قد غلب عليها اللغط واللهو والاشتغال بجمع المال، والكَلَب على الدنيا من الوجه المباح وغيره، وأما إذا ذُكر الله في السوق فهو من أفضل الأعمال" انتهى.([4])

وقال القرطبي رحمه الله: "في هذه الأحاديث ما يدل على كراهة دخول الأسواق، لا سيما في هذه الأزمان التي يخالط فيها الرجال النسوان، وهكذا قال علماؤنا، لما كثر الباطل في الأسواق وظهرت فيها المناكر : كره دخولها لأرباب الفضل والمقتدى بهم في الدين ، تنزيها لهم عن البقاع التي يعصى الله فيها ، فحق على من ابتلاه الله بالسوق أن يخطر بباله أنه قد دخل محل الشيطان ومحل جنوده ، وأنه إن أقام هناك هلك ، ومن كانت هذه حاله اقتصر منه على قدر ضرورته ، وتحرز من سوء عاقبته وبليته" انتهى .([5])

أسواق الأخرة

إخوة الإسلام أسواق الأخرة تلك هي البحار الزاخرة بالأرباح وبالنجاح وبالفلاح الربح فيها مضمون والتجارة فيها لن تبور الداخل إليها كسبان والمتجول فالتجارة فيها مع الغني الحميد مع الرزاق المجيد

تاجر مع الله: فإنه وحده الذي يشتريك بأغلى الأثمان: قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} سورة التوبة (111)

تاجر مع الله: فانه يعطيك الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [الأنعام: 160]

تاجر مع الله: فإنه يشترى منك التمرة بجبل من الجنة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ، وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ»([6])

تاجر مع الله: فإنه اشترى شربة ماء لكلب بالجنة عن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا، فَسَقَتْهُ، فَغُفِرَ لَهَا بِهِ([7])

تاجر مع الله: فإنه يحب كلمات لسانك ودمعة عينك وقطرة دمك وأثر رجلك على الأرض

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَفَعَهُ قَالَ : لاَ يَدْخُلُ النَّارَ عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ وَلاَ يَجْتَمِعُ دُخَانُ جَهَنَّمَ وَغُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللهِ فِي مَنْخِرَيْ عَبْدٍ ، أَوْ قَدَمِ مُسْلِمٍ.([8])

تاجر مع الله: فانه يناديك في الثلث الأخير من كل ليلة لتتاجر معه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ حَتَّى يَذْهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ، ثُمَّ يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ؟، حَتَّى يَنْشَقَّ الْفَجْرُ "([9])

ثمنكم الجنة: أيها المسلم في تلك الأسواق جنة عالية قطوفها دانية قال محمد بن على بن أبى طالب: إن الله قد جعل لأنفسكم ثمنا وهو الجنة فلا ترتضوا لأنفسكم ثمنا غيرها

إخوة الإسلام كما أن لأسواق الدنيا أزمنة وأمكنة فكذلك لأسواق الأخرة أزمنة وأمكنة فيها توجد البضائع وفيها يربح المؤمنون الأرباح الكبيرة الوفيرة 

أول هذه الأسواق المساجد التي هي أحب البقاع إلى الله تعالى

ورواد تلك المساجد هم تجارها يتاجرون مع الله سبحانه و تعالى اسمعوا أيها الآباء عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْمَسَاجِدُ سُوقٌ مِنْ أَسْوَاقِ الْآخِرَةِ، مَنْ دَخَلَهَا كَانَ ضَيْفَ اللَّهِ، قِرَاهُ الْمَغْفِرَةُ، وَتَحِيَّتُهُ الْكَرَامَةُ، فَعَلَيْكُمْ بِالرِّتَاعِ» ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الرِّتَاعُ؟ قَالَ: «الدُّعَاءُ وَالرَّغْبَةُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»([10])

يمشون نحو بيوت الله إذ سمعوا (الله أكبر) في شوق وفي جـذل
أرواحهم خشعت لله في أدب قلوبهم من جـلال الله في وجــل
نجواهم ربنا جئـناك طـائعة نفوسنا ، وعصينـا خـادع الأمـل
إذا سجى الليل قاموه وأعينهم من خشية الله مثل الجـائد الهطـل
هم الرّجـال فلا يلهيهم لعب عن الصّلاة ولا أكـذوبة الكســل

ماذا ترجو من المشي إلى الصلاة في المسجد: أيها المصلي هنيئا لك تلك الخطوات، هنيئا لك رفع الدرجات، هنيئا لك محو السيئات، هنيئا لك ما اعد لك من جزاء

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟"، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط"؛([11])

ماذا ترجو من إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام: ما أربحها من أسواق ترفع قدر روادها وتمنحهم شهادة ضمان لدخول جنة الرحمن ما اربحها من تجارة مكسبها يراءيان من النار و من النفاق

عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَن صلّى لله أَربعين يومًا في جماعةٍ، يُدرِكُ التكبيُرةَ الأُولى، كُتِبَ له بَراءتان: بَراءةٌ من النَّارِ، وبراءةٌ من النِّفاقِ" ([12]).

التجارة الرابحة

سوق الأعمال الصَّالحة أفضل سوقٍ تزوَّد منها المرء ولكنَّ الكثيرين لاهين عن دخول هذه السُّوق بل تراهم منصرفين دائمًا إلى تلك السُّوق الزَّائفة (سوق التِّجارة الزَّائفة) فترى النَّاس مشغولين ببضائع التِّجارة الفانية، والكلُّ يحلم بالرِّبح الزَّائل.

ولو فكر العاقل لعلم أنَّ من الحزم أن يكون من المبادرين إلى سوق التِّجارة الرِّابحة.

قال الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: 29، 30]

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم-قَالَ « مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ في بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ تَعَالَى يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ».([13])

وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِىِّ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَنَحْنُ فِى الصُّفَّةِ فَقَالَ « أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ إِلَى بُطْحَانَ أَوِ الْعَقِيقِ فَيَأْخُذَ نَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ زَهْرَاوَيْنِ بِغَيْرِ إِثْمٍ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلاَ قَطْعِ رَحِمٍ ». قَالُوا كُلُّنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « فَلأَنْ يَغْدُوَ أَحَدُكُمْ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَتَعَلَّمَ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ وَإِنْ ثَلاَثٌ فَثَلاَثٌ مِثْلُ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الإِبِلِ »([14])

من أسوق الأخرة ذكر الله

عَنْ أَبِي بَحْرِيَّةَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ»؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: «ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى» قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: «مَا شَيْءٌ أَنْجَى مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ» ،([15])

المعنى ألا أنبئكم بما هو خير لكم من بذل أموالكم ونفوسكم قالوا وماذا قال (ذكر الله) لأن جمع العبادات من الإنفاق ومقاتلة العدو وغيرهما ومسائل ووسائط يتقرب بها إلى الله والذكر هو المقصود الأعظم وأجمع العلماء على جواز الذكر بالقلب واللسان للمحدث والجنب والحائض والنفسا وكذلك التسبيح والتحميد والتهليل قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام هذا الحديث يدل على أن الثواب لا يترتب على قدر النصب في جميع العبادات بل قد يأجر الله تعالى على قليل الأعمال أكثر مما يأجر على كثيرها ([16])

أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين... اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان ولك الحمد أن جعلتنا من أمة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام....

أما بعد:

من أسواق الأخرة الإنفاق

ونذكر مثالا من أفعال الصحابة الذين، نصر الله هذا الدين على أيديهم. عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ: إِنَّ لِفُلَانٍ نَخْلَةً، وَأَنَا أُقِيمُ حَائِطِي بِهَا، فَأْمُرْهُ أَنْ يُعْطِيَنِي حَتَّى أُقِيمَ حَائِطِي بِهَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَعْطِهَا إِيَّاهُ بِنَخْلَةٍ فِي الْجَنَّةِ " فَأَبَى، فَأَتَاهُ أَبُو الدَّحْدَاحِ فَقَالَ: بِعْنِي نَخْلَتَكَ بِحَائِطِي. فَفَعَلَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدِ ابْتَعْتُ النَّخْلَةَ بِحَائِطِي. قَالَ: " فَاجْعَلْهَا لَهُ، فَقَدْ أَعْطَيْتُكَهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَمْ مِنْ عَذْقٍ رَدَاحٍ لِأَبِي الدَّحْدَاحِ فِي الْجَنَّةِ " قَالَهَا مِرَارًا. قَالَ: فَأَتَى امْرَأَتَهُ فَقَالَ: يَا أُمَّ الدَّحْدَاحِ اخْرُجِي مِنَ الْحَائِطِ، فَإِنِّي قَدْ بِعْتُهُ بِنَخْلَةٍ فِي الْجَنَّةِ. فَقَالَتْ: رَبِحَ الْبَيْعُ. أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا ([17])

(الْعِذْقُ هُنَا بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ الْغُصْنُ مِنَ النَّخْلَةِ).

 وكذاك الأعرابي الذي سمع قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّة) فقال: كلام من هذا؟ فقيل له: هو كلام الله. فقال: بيع والله مربح، لا نقيله ولا نستقيله، فذهب إلى الغزو فاستشهد.

عثمان بن عفان والتجارة الرابحة في سوق الأخرة

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قحط المطر على عهد أبي بكر الصديق، فاجتمع الناس إلى أبي بكر فقالوا: السماء لم تمطر، والأرض لم تنبت, والناس في شدة شديدة، فقال أبو بكر: انصرفوا واصبروا، فإنكم لا تمسون حتى يفرج الله الكريم عنكم، قال: فما لبثنا أن جاء أجراء عثمان من الشام، فجاءته مائة راحلة بُرًّا -أو قال طعاما- فاجتمع الناس إلى باب عثمان، فقرعوا عليه الباب، فخرج إليهم عثمان في ملأ من الناس، فقال: ما تشاءون؟ قالوا: الزمان قد قحط؛ السماء لا تمطر، والأرض لا تنبت، والناس في شدة شديدة، وقد بلغنا أن عندك طعاما، فبعنا حتى نوسع على فقراء المسلمين، فقال عثمان: حبًّا وكرامة، ادخلوا فاشتروا.

فدخل التجار، فإذا الطعام موضوع في دار عثمان، فقال: يا معشر التجار كم تربحونني على شرائي من الشام؟ قالوا: للعشرة اثنا عشر، قال عثمان: قد زادني، قالوا: للعشرة خمسة عشر، قال عثمان: قد زادني، قال التجار: يا أبا عمرو، ما بقي بالمدينة تجار غيرنا، فمن زادك؟ قال: زادني الله -تبارك وتعالى- بكل درهم عشرة، أعندكم زيادة؟ قالوا: اللهم لا، قال: فإني أشهد الله أني قد جعلت هذا الطعام صدقة على فقراء المسلمين.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: فرأيت من ليلتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وهو على برذون أبلق (الذي فيه سواد وبياض) عليه حُلَّة من نور، في رجليه نعلان من نور، وبيده قصبة من نور، وهو مستعجل، فقلت: يا رسول الله، قد اشتد شوقي إليك وإلى كلامك فأين تبادر؟ قال: "يا ابن عباس، إن عثمان قد تصدق بصدقة، وإن الله قد قبلها منه وزوَّجه عروسا في الجنة، وقد دعينا إلى عرسه" ([18]).

وأخيرا لا تلهك أسواق الدنيا الفانية عن أسواق الأخرة الباقية فبضاعة الأخرة الأن متوفرة وسيأتي عليك زمان لا تستطيع أن تدخل أسواق الأخرة

فيا عجباً من معرض عن حياته     وعن حظه العالى ويلهو ويلعب
ولو علم المحروم أي بضاعة     أضاع لأمسى قلبه يتلهب
فإن كان لا يدري فتلك مصيبة    وإن كان يدري فالمصيبة أصعب

بادر قبل أن تُبَادَر! عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا يَنْتَظِرُ أَحَدُكُمْ إِلَّا غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا، أَوِ الدَّجَّالَ وَالدَّجَّالُ شَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوِ السَّاعَةَ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ» ([19])

الدعاء ........................

[1] - أخرجه : مسلم 7/86 (2346) (112) .

[2] -"شرح مسلم" (5/171) .

[3] - رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (5/183) وقال ابن حجر: "موقوف صحيح السند" انتهى. "الإصابة" (3/496) ، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب"

[4] -"شرح صحيح البخاري" (6/249) .

[5] -"الجامع لأحكام القرآن" (13/16).

[6] - أخرجه أحمد (2/331 ، 8363) ، والبخاري (2/511 ، رقم 1344) ، ومسلم (2/702 ، رقم 1014) .

[7] - أخرجه البخاري في: 60 كتاب الأنبياء: 54 باب حدثنا أبو اليمان

[8] - أخرجه الحاكم (2/92 ، رقم 2431) ، والبيهقي في شعب الإيمان (4/16 ، رقم 4235)

[9] - أحمد (3/34 ، رقم 11313) وعبد بن حميد (ص 272 ، رقم 861) ، ومسلم (1/523 ، رقم 758)

[10] - أخرجه الخطيب (9/208) . وأخرجه أيضًا : الديلمى (4/216 ، رقم 6653) ، والذهبي في الميزان (3/77 ، ترجمة 280 سليمان بن إسرائيل الجحدرى أبو عبد الله) .

[11] - أحمد (2/235، رقم 7208)، ومسلم (1/219، رقم 251) ،

[12] - أخرجه الترمذي (2/7، رقم 241) وحسَّنه الألباني صحيح الترغيب والترهيب (1/ 291)

[13] - أخرجه أبو داود (2/71 رقم 1455) .

[14] - أخرجه أبو داود (2/71 ، رقم 1456) ، والطبراني (17/290 ، رقم 799) ، وابن حبان (1/321 ، رقم 115)

[15] - أخرجه : ابن ماجه (3790) ، والترمذي (3377) ، والحاكم 1/496 .

[16] - السراج المنير شرح الجامع الصغير في حديث البشير النذير (2/ 220)

[17] - أخرجه ابن حبان (7159) ، والطبراني 22/ (763) ، والحاكم 2/20، وعنه البيهقي في "الشعب" (3451)

[18] - الرقة والبكاء لابن قدامة، ص190, الخلفاء الراشدون لحسن أبوب، ص191. شهيد الدار لأحمد الخروف، ص21.

[19] - أخرجه ابن المبارك فى الزهد (1/3 ، رقم 7) ، والترمذي (4/552 ، رقم 2306) ، والحاكم (4/356 ، رقم 7906)

المرفقات

تلهك-سوق-الدنيا-عن-سوق-الآخرة

تلهك-سوق-الدنيا-عن-سوق-الآخرة

المشاهدات 4274 | التعليقات 0