(لا تكونوا كالذين آذوا موسى)
عبدالله يعقوب
1433/08/16 - 2012/07/06 11:43AM
خطبة: (لا تكونوا كالذين آذوا موسى)
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد ألاَّ إله إلا الله وحده لا شريك له.
وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيُه من خلقه وخليله.
صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد... فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى.
فما فاز عبد ونجا إلا بتقوى الله، وما خاب عبد وخسر إلا بمعصية الله..
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون).
أيها المؤمنون... يا من رضيتم بالله ربا.. وبالإسلام ديناً.. وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولاً.. نقف اليوم وقفات مع آية من كتاب الله تعالى.
ابتدأت الآية بنداء رباني عظيم لكم أنتم أيها المؤمنون.. (يا أيها الذين آمنوا) وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: إذا سمعت (يا أيها الذين آمنوا) فأرعها سمعك، فإنما هو خير تؤمر به، أو شر تنهى عنه.
إذن.. تهيؤا للسماع.. واصغوا بأسماعكم وقلوبكم لنداء ربكم حين قال: (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها). ينادي ربنا سبحانه وتعالى عباده المؤمنين محذراً لهم من التشبه بأقوامٍ ضلوا وانحرفوا عن سواء السبيل، وكان من أبرز صور انحرافاتهم إيذاؤهم لنبي الله موسى عليه السلام.
ولو تساءلت عمن يكون هؤلاء الذين آذوا موسى عليه السلام؟
لتعجبت أشد العَجَب، ولأصابتك الدهشةُ...
أيعقل أن الذين آذوا موسى عليه السلام هم قومه بنو إسرائيل؟ (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)
نعم.. إنهم قومه، الذين آذوه أيما إيذاء... وهو الذي كان له عليهم من الفضل ما لا يعلمه إلا الله.
لقد آذت بنو إسرائيل نبيَ الله موسى عليه السلام بأنواع متعددة من الأذى...
تعنتوا أشد العنت في ذبح البقرة. فلما شددوا.. شدد الله عليهم.
رفضوا دخولَ الأرضِ المقدسة... فحرّمها الله عليهم أربعين سنة.
رفضوا القتال مع موسى وقالوا: (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون). فضرب الله عليهم الذلة والمسكنة.
ولا تزال مخازيهم تترى حتى آذوا موسى عليه السلام في جسده، فوصفوه بأوصافٍ غير لائقة.
وبيان هذا في القصة التي أخرجها الإمام البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ رَجُلًا حَيِيًّا سِتِّيرًا لَا يُرَى مِنْ جِلْده شَيْء، اِسْتِحْيَاء مِنْهُ، فَآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل، فَقَالُوا: مَا يَتَسَتَّر هَذَا التَّسَتُّر إِلَّا مِنْ عَيْب فِي جِلْده، إِمَّا بَرَصٌ، وَإِمَّا أُدْرَةٌ، وَإِمَّا آفَةٌ، وَإِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِمَّا قَالُوا، فَخَلَا يَوْمًا وَحْده، فَخَلَعَ ثِيَابه عَلَى حَجَر، ثُمَّ اِغْتَسَلَ، فَلَمَّا فَرَغَ، أَقْبَلَ عَلَى ثِيَابه لِيَأْخُذهَا، وَإِنَّ الْحَجَر عَدَا بِثَوْبِهِ، فَأَخَذَ مُوسَى عَصَاهُ وَطَلَب الْحَجَر، فَجَعَلَ يَقُول: ثَوْبِي حَجَر.. ثَوْبِي حَجَر، حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى مَلَإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل، فَرَأَوْهُ عُرْيَانًا أَحْسَن مَا خَلَقَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَأَبْرَأهُ مِمَّا يَقُولُونَ، وَقَامَ الْحَجَر، فَأَخَذَ ثَوْبه، فَلَبِسَهُ، وَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا بِعَصَاهُ، فَوَاَللَّهِ إِنَّ بِالْحَجَرِ لَنَدَبًا مِنْ أَثَر ضَرْبه.. ثَلَاثَةً أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا، قَالَ: فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: (يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّه مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْد اللَّه وَجِيهًا).
فهذا الحديث يدل على قبح بني إسرائيل في تعاملهم مع أنبياء الله، فإذا فعلوا ذلك مع موسى عليه السلام وهو نبيهم، وله من الفضل عليهم ما لا يخفى، فكيف حالهم مع بقية أنبياء الله، عليهم من الله ما يستحقون.
عَنْ عَبْد اللَّه ابن مسعود قَالَ: قَسَمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَات يَوْم قَسْمًا، فَقَالَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار: إِنَّ هَذِهِ الْقِسْمَة مَا أُرِيد بِهَا وَجْه اللَّه، قَالَ: فَقُلْت يَا عَدُوّ اللَّه.. أَمَا لَأُخْبِرَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قُلْت، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاحْمَرَّ وَجْهه، ثُمَّ قَالَ: (رَحْمَة اللَّه عَلَى مُوسَى، فَقَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَر مِنْ هَذَا فَصَبَرَ) أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
أيها الكرام... لم يكتف بنو إسرائيل بالأذى القولي بل تجاوزوا ذلك على الفعل والسب والشتم حتى وصل أذاهم إلى قتل الأنبياء وسب رب العالمين سبحانه وتعالى.
وليس المقصودُ هنا بيان مخازيهم وأنواع أذاهم... ولكن المقصود هو أن يترك المسلم التشبه بهم. فلا يتعرضُ المسلم بالأذى لنبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم... بل يعرفُ له حقه ومنزلته كما أمر الله تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)... ومعنى (تُوَقِّرُوهُ) مِنَ التَّوْقِيرِ: وَهُوَ الِاحْتِرَامُ وَالْإِجْلَالُ وَالْإِعْظَامُ.
فلا يذكر اسمه صلى الله عليه وسلم إلا مقرونا بالصلاة والسلام عليه.
ولا تذكر سنته وهديه إلا بالرضا والقبول والتسليم والعمل.
ولا يذكر آلُ بيته إلا بالجميل، ويعرف لهم منزلتهم وحقهم. كما أمر عليه الصلاة والسلام: (أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي) قالها ثلاثاً. رواه مسلم
ولا يذكر أصحابه إلا بالترضي عنهم: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا).
ويعرف المسلم لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم سابقتهم وفضلهم وإحسانهم إلى الأمة بتبليغ دين الله ونقله نقياً صافياً.
يقول تعالى مبينا فضلهم: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ).
ويقول صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) متفق عليه.
والنصوص في فضائل الصحابة متواترة متكاثرة والمقصود أن المسلم يعرف للنبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته وأصحابه حقهم ومنزلتهم.
فلا يتعرض لهم بالتنقص كما فعلت بنو إسرائيل مع موسى.
وأخيراً ...
يجب أن نعلم أن مكانة موسى عند الله عظيمة رفيعة، لا يضره كلام من تكلم ولا اذى من طعن وتنقص.
وهكذا نبينا صلى الله عليه وسلم لا يضره من تعرض له بالنقص والطعن، بل هو حبيب الله، وخليل الله.
وهكذا صحابته الكرام وآل بيته الكرام... منزلتهم محفوظة، ومقامهم معلوم على رغم أنف من تكبر وأبى إلا الطعن فيهم..
(يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
ونفعنا بهدي سيد المرسلين
أقول ما تسمعون وأستغفر الله...
الخطبة الثانية...
فإذا عُرف منزلةُ الصحابة الكرام... فإنك تعجب أشدَ العجب حين ترى أقواماً مفتونين في دينهم، جعلوا تنقصَ الصحابة والطعنَ فيهم حديثَ مجالسهم، ومدار حواراتهم وكتاباتهم.
ونحن لا نتحدث عن الرافضة الذين أعمى الله قلوبهم وبصائرهم فوقعوا في الشيخين أبي بكر وعمر، وقالوا بتحريف القرآن. كلا.
إنما نتحدث عن أناس يدّعون أنهم من اهل السنة.. ثم تطاولوا إلى مقام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم طعناً فيهم وتنقصاً من مقامهم. وهذا هو العجب والله.
أيها الكرام... مجموعة إعلامية دأبت منذ عشرين عاماً على حرب الفضيلة ونشر الرذيلة.. وفجأة تقدم للناس في رمضان مسلسلاً عن حياة امبر المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ما الذي جرى... أتراه قد نزلت عليهم هداية من السماء؟ أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟
يأتي ممثل ما عرف الدينَ والشريعةَ والعفة في حياته... ليقوم بدور أبي بكر الصديق رضي الله عنه !
ويأتي آخر ليمثل دور عمر، وثالث دور عثمان، ورابع دور علي (رضي الله عنهم وأرضاهم)، عمرُ المعروف بغيرته على الحرمات.. يؤتي بامرأة متبرجة لتقوم بدور زوجته!
لماذا ترمي هذه المجموعة الإعلامية بكل فتاوى المجامع الفقهية وفتاوى العلماء الراسخين في العلم الذين أفتوا بتحريم تمثيل وتجسيد الصحابة رضي الله عنهم حفظاً لمقامهم ومنزلتهم... لماذا ترمي بفتاواهم عُرض الحائط؟
ألا يتق الله مالكوا هذه القنوات، ويكفوا عن التلبيس والتدليس على الناس باسم الدين والشرع.
أيها الكرام..
في الأسبوع الماضي تجرأ كاتب في صحيفة محلية وطعن في أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه، ووصفه بما لا يليق. وقال عنه إنه (أول طاغية).
معاوية بن أبي سفيان.. أعظم ملوك الإسلام.. وكاتب الوحي.. يُطعن فيه، وفي صحيفة محلية رسمية.
أين وزارة الثقافة والإعلام عن هذا الكاتب وأمثاله؟
أين الجهات الرقابية والاحتسابية عن هذا الهراء؟
إننا لا نزال نذكر وبكل مرارة.. ذاك الذي وقع طعنا وتنقصاً في مقام نبينا صلى الله عليه وسلم ثم فرَّ إلى خارج البلاد وجيء به مقيداً ذليلاً.
ولحقه آخر يأمر بالتشكيك في رب العالمين سبحانه وتعالى.
ثم لحقتهما امرأة خرقاء.. تزعم أن سماع الغناء من فلان كسماع صوت رب العالمين.
وما فتئت قوافل الملحدين والطاعنين تقذف بكل ناقص وناقصة...
يغيرون على مسلمات الشريعة وثوابتها بالطعن والثلب.. وما لم يوقف هؤلاء وأمثالهم وأضرابهم عند حدهم فلا تسل عن غربة الدين حينذاك.
إننا لا نرضى والله، ونبرأ إلى الله من هذا الانحراف الفكري العقدي، ونطالب بإحالة الكاتب والمسؤول عن الصحيفة إلى المحكمة الشرعية ليقول الشرع حكمه فيهم.
اللهم صلى على محمد...
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد ألاَّ إله إلا الله وحده لا شريك له.
وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيُه من خلقه وخليله.
صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد... فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى.
فما فاز عبد ونجا إلا بتقوى الله، وما خاب عبد وخسر إلا بمعصية الله..
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون).
أيها المؤمنون... يا من رضيتم بالله ربا.. وبالإسلام ديناً.. وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولاً.. نقف اليوم وقفات مع آية من كتاب الله تعالى.
ابتدأت الآية بنداء رباني عظيم لكم أنتم أيها المؤمنون.. (يا أيها الذين آمنوا) وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: إذا سمعت (يا أيها الذين آمنوا) فأرعها سمعك، فإنما هو خير تؤمر به، أو شر تنهى عنه.
إذن.. تهيؤا للسماع.. واصغوا بأسماعكم وقلوبكم لنداء ربكم حين قال: (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها). ينادي ربنا سبحانه وتعالى عباده المؤمنين محذراً لهم من التشبه بأقوامٍ ضلوا وانحرفوا عن سواء السبيل، وكان من أبرز صور انحرافاتهم إيذاؤهم لنبي الله موسى عليه السلام.
ولو تساءلت عمن يكون هؤلاء الذين آذوا موسى عليه السلام؟
لتعجبت أشد العَجَب، ولأصابتك الدهشةُ...
أيعقل أن الذين آذوا موسى عليه السلام هم قومه بنو إسرائيل؟ (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)
نعم.. إنهم قومه، الذين آذوه أيما إيذاء... وهو الذي كان له عليهم من الفضل ما لا يعلمه إلا الله.
لقد آذت بنو إسرائيل نبيَ الله موسى عليه السلام بأنواع متعددة من الأذى...
تعنتوا أشد العنت في ذبح البقرة. فلما شددوا.. شدد الله عليهم.
رفضوا دخولَ الأرضِ المقدسة... فحرّمها الله عليهم أربعين سنة.
رفضوا القتال مع موسى وقالوا: (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون). فضرب الله عليهم الذلة والمسكنة.
ولا تزال مخازيهم تترى حتى آذوا موسى عليه السلام في جسده، فوصفوه بأوصافٍ غير لائقة.
وبيان هذا في القصة التي أخرجها الإمام البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ رَجُلًا حَيِيًّا سِتِّيرًا لَا يُرَى مِنْ جِلْده شَيْء، اِسْتِحْيَاء مِنْهُ، فَآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل، فَقَالُوا: مَا يَتَسَتَّر هَذَا التَّسَتُّر إِلَّا مِنْ عَيْب فِي جِلْده، إِمَّا بَرَصٌ، وَإِمَّا أُدْرَةٌ، وَإِمَّا آفَةٌ، وَإِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِمَّا قَالُوا، فَخَلَا يَوْمًا وَحْده، فَخَلَعَ ثِيَابه عَلَى حَجَر، ثُمَّ اِغْتَسَلَ، فَلَمَّا فَرَغَ، أَقْبَلَ عَلَى ثِيَابه لِيَأْخُذهَا، وَإِنَّ الْحَجَر عَدَا بِثَوْبِهِ، فَأَخَذَ مُوسَى عَصَاهُ وَطَلَب الْحَجَر، فَجَعَلَ يَقُول: ثَوْبِي حَجَر.. ثَوْبِي حَجَر، حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى مَلَإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل، فَرَأَوْهُ عُرْيَانًا أَحْسَن مَا خَلَقَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَأَبْرَأهُ مِمَّا يَقُولُونَ، وَقَامَ الْحَجَر، فَأَخَذَ ثَوْبه، فَلَبِسَهُ، وَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا بِعَصَاهُ، فَوَاَللَّهِ إِنَّ بِالْحَجَرِ لَنَدَبًا مِنْ أَثَر ضَرْبه.. ثَلَاثَةً أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا، قَالَ: فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: (يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّه مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْد اللَّه وَجِيهًا).
فهذا الحديث يدل على قبح بني إسرائيل في تعاملهم مع أنبياء الله، فإذا فعلوا ذلك مع موسى عليه السلام وهو نبيهم، وله من الفضل عليهم ما لا يخفى، فكيف حالهم مع بقية أنبياء الله، عليهم من الله ما يستحقون.
عَنْ عَبْد اللَّه ابن مسعود قَالَ: قَسَمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَات يَوْم قَسْمًا، فَقَالَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار: إِنَّ هَذِهِ الْقِسْمَة مَا أُرِيد بِهَا وَجْه اللَّه، قَالَ: فَقُلْت يَا عَدُوّ اللَّه.. أَمَا لَأُخْبِرَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قُلْت، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاحْمَرَّ وَجْهه، ثُمَّ قَالَ: (رَحْمَة اللَّه عَلَى مُوسَى، فَقَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَر مِنْ هَذَا فَصَبَرَ) أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
أيها الكرام... لم يكتف بنو إسرائيل بالأذى القولي بل تجاوزوا ذلك على الفعل والسب والشتم حتى وصل أذاهم إلى قتل الأنبياء وسب رب العالمين سبحانه وتعالى.
وليس المقصودُ هنا بيان مخازيهم وأنواع أذاهم... ولكن المقصود هو أن يترك المسلم التشبه بهم. فلا يتعرضُ المسلم بالأذى لنبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم... بل يعرفُ له حقه ومنزلته كما أمر الله تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)... ومعنى (تُوَقِّرُوهُ) مِنَ التَّوْقِيرِ: وَهُوَ الِاحْتِرَامُ وَالْإِجْلَالُ وَالْإِعْظَامُ.
فلا يذكر اسمه صلى الله عليه وسلم إلا مقرونا بالصلاة والسلام عليه.
ولا تذكر سنته وهديه إلا بالرضا والقبول والتسليم والعمل.
ولا يذكر آلُ بيته إلا بالجميل، ويعرف لهم منزلتهم وحقهم. كما أمر عليه الصلاة والسلام: (أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي) قالها ثلاثاً. رواه مسلم
ولا يذكر أصحابه إلا بالترضي عنهم: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا).
ويعرف المسلم لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم سابقتهم وفضلهم وإحسانهم إلى الأمة بتبليغ دين الله ونقله نقياً صافياً.
يقول تعالى مبينا فضلهم: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ).
ويقول صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) متفق عليه.
والنصوص في فضائل الصحابة متواترة متكاثرة والمقصود أن المسلم يعرف للنبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته وأصحابه حقهم ومنزلتهم.
فلا يتعرض لهم بالتنقص كما فعلت بنو إسرائيل مع موسى.
وأخيراً ...
يجب أن نعلم أن مكانة موسى عند الله عظيمة رفيعة، لا يضره كلام من تكلم ولا اذى من طعن وتنقص.
وهكذا نبينا صلى الله عليه وسلم لا يضره من تعرض له بالنقص والطعن، بل هو حبيب الله، وخليل الله.
وهكذا صحابته الكرام وآل بيته الكرام... منزلتهم محفوظة، ومقامهم معلوم على رغم أنف من تكبر وأبى إلا الطعن فيهم..
(يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
ونفعنا بهدي سيد المرسلين
أقول ما تسمعون وأستغفر الله...
الخطبة الثانية...
فإذا عُرف منزلةُ الصحابة الكرام... فإنك تعجب أشدَ العجب حين ترى أقواماً مفتونين في دينهم، جعلوا تنقصَ الصحابة والطعنَ فيهم حديثَ مجالسهم، ومدار حواراتهم وكتاباتهم.
ونحن لا نتحدث عن الرافضة الذين أعمى الله قلوبهم وبصائرهم فوقعوا في الشيخين أبي بكر وعمر، وقالوا بتحريف القرآن. كلا.
إنما نتحدث عن أناس يدّعون أنهم من اهل السنة.. ثم تطاولوا إلى مقام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم طعناً فيهم وتنقصاً من مقامهم. وهذا هو العجب والله.
أيها الكرام... مجموعة إعلامية دأبت منذ عشرين عاماً على حرب الفضيلة ونشر الرذيلة.. وفجأة تقدم للناس في رمضان مسلسلاً عن حياة امبر المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ما الذي جرى... أتراه قد نزلت عليهم هداية من السماء؟ أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟
يأتي ممثل ما عرف الدينَ والشريعةَ والعفة في حياته... ليقوم بدور أبي بكر الصديق رضي الله عنه !
ويأتي آخر ليمثل دور عمر، وثالث دور عثمان، ورابع دور علي (رضي الله عنهم وأرضاهم)، عمرُ المعروف بغيرته على الحرمات.. يؤتي بامرأة متبرجة لتقوم بدور زوجته!
لماذا ترمي هذه المجموعة الإعلامية بكل فتاوى المجامع الفقهية وفتاوى العلماء الراسخين في العلم الذين أفتوا بتحريم تمثيل وتجسيد الصحابة رضي الله عنهم حفظاً لمقامهم ومنزلتهم... لماذا ترمي بفتاواهم عُرض الحائط؟
ألا يتق الله مالكوا هذه القنوات، ويكفوا عن التلبيس والتدليس على الناس باسم الدين والشرع.
أيها الكرام..
في الأسبوع الماضي تجرأ كاتب في صحيفة محلية وطعن في أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه، ووصفه بما لا يليق. وقال عنه إنه (أول طاغية).
معاوية بن أبي سفيان.. أعظم ملوك الإسلام.. وكاتب الوحي.. يُطعن فيه، وفي صحيفة محلية رسمية.
أين وزارة الثقافة والإعلام عن هذا الكاتب وأمثاله؟
أين الجهات الرقابية والاحتسابية عن هذا الهراء؟
إننا لا نزال نذكر وبكل مرارة.. ذاك الذي وقع طعنا وتنقصاً في مقام نبينا صلى الله عليه وسلم ثم فرَّ إلى خارج البلاد وجيء به مقيداً ذليلاً.
ولحقه آخر يأمر بالتشكيك في رب العالمين سبحانه وتعالى.
ثم لحقتهما امرأة خرقاء.. تزعم أن سماع الغناء من فلان كسماع صوت رب العالمين.
وما فتئت قوافل الملحدين والطاعنين تقذف بكل ناقص وناقصة...
يغيرون على مسلمات الشريعة وثوابتها بالطعن والثلب.. وما لم يوقف هؤلاء وأمثالهم وأضرابهم عند حدهم فلا تسل عن غربة الدين حينذاك.
إننا لا نرضى والله، ونبرأ إلى الله من هذا الانحراف الفكري العقدي، ونطالب بإحالة الكاتب والمسؤول عن الصحيفة إلى المحكمة الشرعية ليقول الشرع حكمه فيهم.
اللهم صلى على محمد...
المشاهدات 4808 | التعليقات 3
الاخ الكريم فهد مصلح
الاخ الكريم شبيب القحطاني
وجزاكما الله خيرا وبارك فيكما ونفع بعلمكما
جزاك الله خيراً على الخطبة الرائعة .. وبراعة استهلال جميلة جداً. نفع الله بك وبعلمك...
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
فقد نصحت وأجدت وأفدت
تعديل التعليق