لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ
سعود المغيص
الخُطْبَةُ الأُولَى :
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أما بعد عباد الله :
اتقوا الله تعالى واعلموا أن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها قالت : " جَاءَتنِي مِسْكِينَة تَحمِل ابنَتَين لها، فَأَطْعَمْتُها ثَلاثَ تَمَرَات، فَأَعْطَت كُلَّ وَاحِدَة مِنْهُما تَمْرَة وَرَفَعتْ إِلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأكُلَها ، فَاسْتَطْعَمَتْها ابْنَتَاهَا، فَشَقَّت التَّمْرَة ، التي كانت تريد أن تَأْكُلَها ، بينهما،
تقول أم المؤمنين فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا، فَذَكَرت الذي صَنَعَتْ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: « إِنَّ الله قَدْ أَوجَبَ لَهَا بِهَا الجَنَّة، أَو أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّار".
إنها رحمة الأم التي مهما حاولنا أن نصفها سنظل عاجزين،.
إلا أن حديثنا اليوم ليس عن تلك الرحمة الفياضة, بل حديثنا عن رحمة ، هي أعظم من هذه الرحمة العظيمة، التي لولا أن الوحي جاء بها ، لما كان للعقل أن يدركها.
قَدِمَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ بِسَبْيٍ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْي تَسْعَى، إِذْ وَجَدَتْ صَبِيًّا في السَّبْي أَخَذَتْهُ فَأَلْزَقَتْهُ بِبَطْنِها، فَأَرْضَعَتْهُ، ( الصحابة ينظرون إلى هذا المشهد الذي شد انتباههم ) فَقَالَ رسُولُ اللَّه ﷺ: ( أَتُرَوْنَ هَذِهِ المَرْأَةَ طارِحَةً وَلَدَهَا في النَّارِ؟ ) قالوا : لا وَاللَّهِ، فَقَالَ: ( للَّهُ أَرْحَمُ بِعِبادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا ).
أيها المسلم : تَعرِفْ عِظمْ رحمة الله ، حين تسمع قوله صلى الله عليه وسلم : " جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مئَةَ جُزْءٍ ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وتِسْعِينَ ، وَأَنْزَلَ في الأَرْضِ جُزْءًا واحِدًا ، فَمِنْ ذَلِكَ الجُزْءِ يَتَراحمُ الخَلائِقُ، حَتَّى تَرْفَعَ الدَّابَّةُ حَافِرَهَا عَنْ ولَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ" . فكل مشاهد الرحمة التي نراها ، هي جزء من مئة جزء من رحمة الرحيم سبحانه.
فيا أيها المريض ويا أيها المكروب ؛ اعلم أن من قَدّرَ عليك ذلك ، هو أرحمُ بكَ من أمك وأَبيك ، والناس أجمعين.
ويا أيها المذنب المقصر؛ اعلم أنك تَعصي الربَّ الرحيم ، الذي يتودد إليك بالنعم ، لتعود إليه وتؤوب , وهو الغني عنك سبحانه.
أخي الحبيب : حينما تسمع قوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : ( إنَّ اللَّهَ يُدْنِي المُؤْمِنَ يوم القيامة، فَيَضَعُ عليه كَنَفَهُ ويَسْتُرُهُ، فيَقولُ: أتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ أتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فيَقولُ: نَعَمْ أيْ رَبِّ ، حتَّى إذَا قَرَّرَهُ بذُنُوبِهِ ، ورَأَى في نَفْسِهِ أنَّه هَلَكَ ، قالَ : سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ في الدُّنْيَا ، وأَنَا أغْفِرُهَا لكَ اليَومَ ، فيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وأَمَّا الكَافِرُ والمُنَافِقُونَ، فيَقولُ الأشْهَادُ : ( هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) ".
تعرف رحمة الله حين تسمع قول الله تعالى ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )
الله جل في علاه ، ينادي المسرفين من عباده ، وهو الغني عنهم وعن عبادتهم, ويدعوهم أن لا يقنطوا من رحمة الله ، ليخبرهم أنه يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم
اللهم املأ قلوبنا إيماناً برحمتك ، ويقينا بكرمك وفضلك ، يا أرحم الراحمين
أقول قولي هذا ..
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ :
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا،
أما بعد عباد الله :
استجلبوا رحمة الله ، وتذكّروا قول الله تعالى ( قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ )
استجلبوا رحمة الله ، برحمة عباده , فالراحمون يرحمهم الرحمن , وتذكروا أن الله أدخل بغي الجنة ، لكلب سقته ، رحمة به وشفقة,
استحضروا رحمة الله ، في جميع شؤونكم ، فوالله ما سكنت رحمة الله في قلبٍ إلا رضي وسَعِد
وتذكروا قول الله تعالى ( نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم )
فلا تنسيكم رحمته عذابه, ولا إنعامه عقابه .
اللهم يا رحمن يا رحيم ، أنزل علينا رحمة من عندك تغنينا عن رحمة من سواك ..
اللهم وأعزَّ الإسلام والمسلمينَ وأذلَّ الكُفرَ والكافِرينَ ودمِّر أعداءَ الدينَ واجعل هذا البلد آمنا مُطمئنَّاً وسائِر بلادِ المسلمين، وَوفِّقْ ولاتَنَا وولاةَ المسلمينَ لِما تُحِبُّ وترضى وأعنهم على البر والتقوى،
اللهم انصر جنودنا واحفظ حدُودَنا. واغفر لنا ولِوالِدينا وللمسلمينَ ياربَّ العالمينَ.
اللَّهُمَّ احْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ، وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ، وَانْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا؛ وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا؛ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ؛
(ربَّنا آتِنا في الدُّنيا حَسَنةً وفي الآخِرَةِ حَسَنةً وقِنَا عذابَ النار)
وصل الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
سُبحانَ ربِّكَ ربِّ العِزَّةِ عمَّا يصفون ، وسلامٌ على المرسلين، والحمدُ لله رب العالمين