لا تغضب

سامي عيضه المالكي
1442/08/06 - 2021/03/19 01:00AM

الحَمْدُ للهِ ربِّ العَالَمِينَ، أَمَرَ عِبَادَهُ بِالتَّسَلُّحِ بِالعِلْمِ، والتَّخَلُّقِ بِخُلُقِ الحِلْمِ، والعَيْشِ فِي ظِلالِ الأَمْنِ والسِّلْمِ، أَحمَدُهُ سُبْحَانَهُ بِمَا هُوَ لَهُ أَهلٌ مِنَ الحَمْدِ، وأُثنِي عَلَيهِ، وأُومِنُ بِهِ، وأَتَوكَّلُ عَلَيه، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ الكَبِيرُ المُتَعَالُ، حَثَّنَا عَلَى حُسْنِ الأَقوَالِ والأَفعَالِ، ونَهَانَا عَنِ الغَضَبِ وسُرعَةِ الانفِعَالِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَكثَرُ النَّاسِ صَبْرًا، وأَوسَعُهمْ صَدْرًا، وأَغزَرُهمْ عِلْمًا، وأَعظَمُهمْ حِلْمًا صلى الله عليه وسلم، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَعَلَى كُلِّ مَنِ اهتَدَى بِهَدْيِهِ، وَاستَنَّ بِسُنَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، وراقبوه في السرِّ والعَلَن أيُّها المسلمون:

هناك مرض وداء خطير جدًّا منذ زمن الأنبياء وحتى الآن، هذا المرض سببٌ في تفكُّك المجتمعات، وفي زيادة حالات الطلاق، هذا المرض سبب في زرع البغضاء والشحناء بين الناس، وسبب في زيادة أعداد الأيتام، وأعداد الجرحى، يُحْدِثُ فِرَاقًا وطَلاقًا، ثُمَّ نَدَمًا وتَعَبًا، وأَلَمًا ونَصَبًا، وهو مَدْخَلٌ مِنْ مَدَاخِلِ الشَّيْطَانِ الكُبْرَى، ومَكِيدَةٌ مِنْ مَكَائِدِهِ العُظْمَى، يا ترى ما هو هذا المرض أيها المسلمون؟ إنه داء الغضب.

ولم أرَ فضلًا تمَّ إلا بشيمةٍ 
ولم أرَ عقلًا صحَّ إلا على الأدب 
ولم أرَ في الأعداءِ حين اختبرتهم 
عدوًّا لعقلِ المرءِ أعدَى مِن الغَضَب  

عَنْ سُلَيمَانَ بنِ صَرْدٍ رضي الله عنه قَالَ: استَبَّ رَجُلانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلَ أَحَدُهُما يَغْضَبُ، ويَحْمَرُّ وَجْهُهُ، وتَنتَفِخُ أودَاجُهُ؛ فَنَظَرَ إِليهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: ((إِنِّي لأَعلَمُ كَلِمَةً لَو قَالَها، لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)).

أرأيتم أيها الكرام خطر هذا المرض.

روى البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: ((لا تغضب))، فردَّد مرارًا: أوصني أوصني، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد على: ((لا تغضب)).

فهذا الرجل ردَّد السؤال، لعلَّه يسمع وصية أنفع وأبلغ، فلم يزد على قوله: ((لا تغضب)).

قال ابن القيم رحمه الله: "جمع النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ((لا تغضب)) خيري الدنيا والآخرة؛ لأن الغضب يؤول إلى التقاطع، ودلَّ أن الغضب يجمع الشرَّ كلَّه، فهو مفتاح الفتن والآثام، وبريد التفرُّق والانقسام، ويستدل به على ضعف العقل والإيمان"، فمن حافظ على هذه الوصية: ((لا تغضب))، حاز خيري الدنيا والآخرة.

نُشِر في بعض الجرائد أن عدد حالات الطلاق في إحدى المدن، في عام سابق فقط، قد بلغت أكثر من ثلاثة آلاف حالة طلاق؛ أي: بمعدل 10 حالات كل يوم تقريبًا، فبالله عليكم، هل تظنُّون أن جميع هؤلاء الأزواج قد أمضوا قرارات الطلاق بناءً على تفكير وتَرَوٍّ ونظرٍ وتأمُّلٍ، أم أن أكثرها مبنيٌّ على غضب واستعجال.

فكَمْ لِلغَضَبِ أيها الكرام مِنْ أَضْرارٍ اجتِمَاعِيَّةٍ، فَهُوَ يُدَمِّرُ مَا بَيْنَ النَّاسِ مِنْ علاقات، ويَقْطَعُ مَا بَيْنَهُم مِنْ صِلاتٍ.

والغضب منه المحمود ومِنْه المذموم؛ فالغضب المحمود ما كان في الحقِّ؛ غيرةً على دين الله أن تُنْتَهك محارِمُه، فهذا النَّوع من الغضب صفة كمال؛ فلِذا اتَّصف بها ربُّنا عزَّ وجلَّ، فهو يغضب على الكافرين به، الطَّاعنين في رسُلِه ودينه، من اليهود والنصارى والمنافقين وسائر طوائف الكفر؛ ﴿ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [الفتح: 6]؛ بل ربُّنا عزَّ وجلَّ يغضب حتَّى على الموحِّدين حينما يتجاوزون حدودَه، ويقعون في كبائر الذنوب ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 93].

أيُّها المسلمون: "وما غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه قطُّ"؛ متفق عليه (أي: لا يغضب لتقصير من حوله في حظوظ نفسه إلا إن تُنْتَهك محارم الله، فإذا انتهكت محارم الله تعالى غضب).

فأين حاله صلى الله عليه وسلم ممن يشتدُّ غضبُه ويسب ويلعن، وقد يطلِّق أُمَّ أولاده، إذا تأخَّر غداؤه أو عشاؤه، أو لو وقف بسيارته عند إشارة، وأضاءت خضراء، وتأخَّر مَنْ أمامَه بالمشي أو غير ذلك من مجريات الحياة.

فالغضب أيها الأحبة، يُغضِب الرحمن، ويُرضي الشيطان، وهو كثيرًا ما يذل الإنسان؛ لأنه يعقبه الاعتذار واللوم، وإذا اشتدَّ الغضب ربما يُنسي الإنسان نفسَه، فينتهك الحرمات، وينسف ما حصَّله من الحسنات، ويجلب على نفسه المصائب والجنايات، وكثيرٌ من الناس لا يعرف لماذا يغضب.

عن معاذ بن أنس الجهني: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: ((مَنْ كَظَمَ غَيْظًا، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ، دَعَاهُ اللهُ عَلَى رُؤُوسِ الْخَلَائِقِ، حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ الْحُورِ شَاءَ))؛ صحَّحه الألباني.

وكتب عمر بن عبدالعزيز إلى عامله: "لا تعاقب عند غضبك، وإذا غضبت على رجل فاحبسه، فإذا سكن غضبُكَ، فأخرجه، فعاقبه على قدر ذنبه، ولا تجاوز خمسة عشر سوطًا".

وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي، فَسَمِعْتُ مِنْ خَلْفِي صَوْتًا: (اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ)، فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ، فَقَالَ: ((أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ)) أَوْ ((لَمَسَّتْكَ النَّارُ)).

فإذا كان الإنسان شديد الغضب تجده مصابًا بأمراض كثيرة؛ كالسكر، والضغط، والقولون العصبي، وغيرها من الأمراض الخطيرة، كما أنه بسببه تصدر من الغاضب تصرُّفات قولية أو فعلية يندم عليها بعد ذهاب الغضب؛ فعَنْ وَائِلِ بْنِ حَجرٍ رضي الله عنه، قَالَ: "إِنِّي لَقَاعِدٌ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَ رَجُلٌ يَقُودُ آخَرَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا قَتَلَ أَخِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَقَتَلْتَهُ))، فَقَالَ: نَعَمْ قَتَلْتُهُ، قَالَ: ((كَيْفَ قَتَلْتَهُ؟))، قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَهُوَ نَخْتَبِطُ مِنْ شَجَرَةٍ، فَسَبَّنِي، فَأَغْضَبَنِي، فَضَرَبْتُهُ بِالْفَأْسِ عَلَى قَرْنِهِ، فَقَتَلْتُهُ، وَاللهِ مَا أَرَدْتُ قَتْلَهُ"، فأزهق الرجلُ روح صاحبه في لحظة غضب، وأبدى ندمه، وظهرت حسرته.

جاء غلامٌ لأبي ذرٍّ الغفاري رضي الله عنه قد كسر رِجْلَ شاةٍ له، فقال له أبو ذرٍّ: مَنْ كسر رِجْل هذه الشاة؟ قال: أنا، قال: ولمَ؟ قال: لأغيظك فتضربني، فتأثم! فقال أبو ذرٍّ: لأغيظَنَّ مَنْ حرَّضَكَ على غيظي؛ فأعتقه.

وأَسْمَعَ رجلٌ الشعبِيَّ كلامًا، وعدَّد فيه خصالًا قبيحةً - والشعبِيُّ ساكت - فلمَّا فرغ الرجلُ مِن كلامه، قالَ: واللِّهِ لأغيظنَّ مَن أمْرَكَ بِهذا: إِن كُنت صادِقًا، فغفرَ اللهُ لي، وإِن كنتَ كاذِبًا، فغفرَ اللهُ لك. قيل: يا أَبا عامر: ومَنْ أمَرَهُ بهذا؟ قال: الشيطانُ.

يَقُولُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم: ((ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ آوَاهُ اللهُ فِي كَنَفِهِ، وسَتَرَ عَلَيهِ بِرَحمَتِهِ، وأَدخَلَه فِي مَحَبَّتِه: مَنْ إِذَا أُعطِيَ شَكَرَ، وإِذَا قَدَرَ غَفَرَ، وإِذَا غَضِبَ فَتَرَ)).

فاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، واعلَمُوا أَنَّ ذَا اللُّبِّ السَّوِيِّ، والحَزْمِ القَوِيِّ مَنْ يَتَلقَّى قُوَّةَ الغَضَبِ بِالحِلْمِ فَيَصُدُّها، وشِدَّةَ انفِعَالِ نَفْسِهِ بِالحَزْمِ فَيَملِكُها.

أقُولُ قَوْلي هَذَا، وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ، إِنَّهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.

الخطبة الثانية

الحمد لله المتفرِّد بكل كمال، والشكر له، فهو المتفضل بجزيل النوال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُه ورسولُه، صاحب الخُلُق العظيم، وشريف الخلال، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه خير صحب وآل، والتابعين ومَنْ تَبِعَه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

أيها المسلمون، كما حذَّرنا النبي من صِفة الغضب، وبيَّن أنها داء مُضِرٍّ ينبغي التباعُد عن الوقوع فيه، أوضح لنا عليه الصلاة والسلام كلَّ الإيضاح علاجَ هذا الداء إذا ما وقع، ومن ذلك:

التعوُّذ بالله من الشيطان الرجيم حين وجود الغضب، فهو علاج ما أَحسَنه! يدل على الاعتصام بالله والالتجاء إليه من هذا الشيطان الرجيم، الذي يريد أن يُوقِعَ الإنسان في الردى والهلاك؛ ففي الحديث المذكور آنفًا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إني لأعلم كلمة لو قالها، لذهب عنه ما يَجِد؛ لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)).

ومن الأسباب المهدِّئة للغضب: جلوسه إن كان قائمًا، فإن ذهب عنه، وإلَّا فليضطجع؛ كما في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا غضِب أحدُكم وهو قائم، فليَجلِس، فإن ذهب عنه الغضب، وإلا فليضطجع)).

قال ابن رجب رضي الله عنه في "جامع العلوم والحِكَم": "وقد قيل: إن المعنى في هذا أن القائم متهيِّئ للانتقام، والجالس دونه في ذلك، والمضطجع أبعد عنه، فأمَره بالتباعُد عنه حالة الانتقام".

ومن الأسباب التي تُتَّخذ لدفع الغضب ومضارِّه: السكوتُ؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا غضِب أحدُكم، فليَسكُت))، قالها ثلاثًا، فهذا أيضًا دواء عظيم للغضب؛ لأن الغضبان يَصدُر منه في حالة غضبه من القول ما يَندَم عليه في حال زوال غضبه؛ كثير من السِّباب، وغيره مما يَعظُم ضررُه، فإذا سكت زال عنه هذا الشر كله.

ومن العلاجات النبوية لدفع حرارة الغضب: أن يتوضَّأ أو يَغتسِل؛ لأن الغضب جمرة في قلب كل إنسان؛ ولهذا تحمرُّ عيناه؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خُلِق من النار، وإنما تُطفأ النار بالماء؛ فإذا غضِب أحدُكم فليتوضَّأ))، وفي حديث معاوية رضي الله عنه أنه قال: سمِعْتُ رسول الله يقول: ((فإذا غضِب أحدكم فليَغتسِل)).

ومن الأمور المهمة في علاج الغضب: ذكر الله عز وجل؛ أن يتذكَّر ما مدح الله تعالى به عباده المؤمنين بقوله لما ذكر الجنة: ﴿ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133]، ثمَّ بيَّن صفاتهم، فقال: ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134]، وقال تعالى: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199].

ومن العلاج: التفكُّر في النصوص الواردة في فضل كظم الغيظ والعفو والحلم؛ جاء في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله، دلني على عمل يدخلني الجنة! قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تغضب ولك الجنة))؛ رواه الطبراني.

ومن العلاج: تخويف النفس من عقاب الله عز وجل، وهو أن يقول: قدرة الله تعالى عليَّ أعظم من قدرتي على هذا الإنسان، فلو أمضيت فيه غضبي لم آمن أن يُمضي الله تعالى غضبه عليَّ يوم القيامة.

ومن العلاج: تفكُّر الغاضب في قبح صورته؛ فلو نظر إلى صورته في مرآة حال غضبه لاستحى من قُبْح صورته واستحالة خِلْقَتِه! يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس الشديد بالصُّرَعَة؛ إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب))؛ رواه البخاري، وقد أحسن القائل: لا يُعرَفُ الحلمُ إلا ساعَةَ الغَضَبِ.

وكان ابن عون لا يغضب فإذا أغضبه الرجل التفت إليه، وقال: بارك الله فيك.

وأخيرًا؛ فإن علاج الغضب بألَّا نكثر من الغضب في غير موضعه الصحيح، وقد مرَّت بنا وصية النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرجل بقوله: ((لا تغضب))؛ ولذا تجد العاقل إذا تغيَّر حالُه من الغضب إلى الرضا، تعجب من نفسه، وقال: ليت شعري! كيف اخترت تلك الأفعال القبيحة؟ ويلحقه الندم.

وَلا خَيْرَ فِي حِلْمٍ إِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ 
بَوَادِرُ تَحْمِي صَفْوَهُ أَنْ يُكَدَّرَا 
وَلا خَيْرَ فِي جَهْلٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ 
حَلِيمٌ إِذَا مَا أَوْرَدَ الأَمْرَ أَصْدَرَا  

هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلًا عَلِيْمًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ ﴾ [الأحزاب: 56]، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى نبينا مُحَمَّدٍ.

نسأل الله تعالى أن يهدينا لأحسن الأخلاق والأقوال والأعمال، اللهم حَسِّن أخلاقَنا، وارزُقْنا العدل في الغضب والرضا، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين.

اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُوْمًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُوْمًا، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْمًا، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلًّا مِنَّا لِسَانًا صَادِقًا ذَاكِرًا، وَقَلْبًا خَاشِعًا مُنِيْبًا، وَعَمَلًا صَالِحًا زَاكِيًا، وَعِلْمًا نَافِعًا رَافِعًا، وَإِيْمَانًا رَاسِخًا ثَابِتًا، وَيَقِيْنًا صَادِقًا خَالِصًا، وَرِزْقًا حَلالًا طَيِّبًا وَاسِعًا، يَا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلامَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين، اللَّهُمَّ رَبَّنَا، احْفَظْ أَوْطَانَنَا، وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا، وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.

اللَّهُمَّ رَبَّنَا، اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ، رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً، رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا، سبحان ربك رب العزة عما يصفون.

المشاهدات 1139 | التعليقات 0