لا تصحبنا ناقة ملعونة

يحيى بن علي الضامري
1441/07/04 - 2020/02/28 10:16AM

لا تصحبنا ناقة ملعونة

التاريخ

الخطيب

الجامع

المنطقة

27/جمادى الآخرة/1441هـ

يحيى الضامري

جامع النور ( الشمباشي)

حريب- مأرب

 

الخطبة الأولى:

عباد الله: يتقلب المرء في آلاء ونعمٍ لا تعد ولا تحصى، ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا ﴾[النحل18]، وإن مما امتن به الله به على عباده من الآلاء والنعم ماذكره في معرض امتنانه على الإنسان فقال: ﴿ ألم نجعل له عينين، ولساناً وشفتين ﴾[البلد 8-9] ، فمن نعمه العظيمة، وآلائه الجسيمة؛ هذا اللسان الناطق، الذي يعرب الناس به عن بغيتهم، ويقضون به حاجتهم، ويذكرون به خالقهم، فباللسان وبكمال العقل ميزهم الله عن البهائم والعجماوات.

وهذا اللسان إنْ لم يُحفظ ويُصان ويُضبط أكبَّ صاحبه على وجهه في نار جهنم، أَكبَّه في نارٍ تلظَّى، نارٍ شديدة الهَول، كثيرةِ النَّكال، بعيدةِ القَعْر، بشعَةِ المنظر، فقد ثبت عن معاذ بن جبل ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ:  ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ )) [رواه الترمذي وصححه الألباني].

عباد الله: إنَّ مَن أطلق لسانه وأهمله؛ سلك به الشيطان كل طريق، بل أن جوارح الإنسانِ كلَّهَا مرتبطةٌ باللسان في الاستقامة والاعوجاج، روى الإمام الترمذي وحسنه الألباني عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَفَعَهُ قَالَ: (( إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ؛ فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا!! فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ، فَإِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا، وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا)).

وثبت عن سفيان بن عبد الله الثَّقفي ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ، فَأَخَذَ صلى الله عليه وسلم بِلِسَانِ نَفْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: "هَذَا " )) [ رواه الترمذي ].

 

ألا فالخوفَ الخوف، والفزعَ الفزع، والنجاةَ النجاة، مِن هذا اللسان، قبل ساعة السِّياق، وبُلوغ الروح التراقي، قبل أنْ يُقال: أينَ المفر؟ يوم يَفِر المرء مِن أعزِّ الناس عليه، وأقربِهم إليه، وأشفقِهم لديه، وأكرمِهم عنده، وأجلِّهم وأحبِّهم وأرفعِّهم.

دعونا ننتقل وإياكم من هاهنا إلى هناك إلى مشهد عظيم، وموقف جسيم، إلى حيث النبي صلوات ربي وسلامه عليه في بعض أسفاره، والصحابة من حوله.. والركب يسير.. يسمعون كلامه، ويقتفون أثره، ويأتمرون بأمره، وينتهون بنهيه،  ومع الركب رجال ونساء، ومن النساء امرأة من الأنصار عَلَى نَاقَةٍ لها.. وعلى الناقة متاع وحمولة، فسارت الناقة في طريق ضيق.. فضجرت الناقة وهاجت، فغضبت المرأة الأنصارية من الناقة "فلعنتها" .

المرأة الأنصارية المؤمنة لعنت الناقة.. البهيمة العجماء..

النبي يسمع، والصحابة يشاهدون، يرقبون المشهد، ويسجلون تفاصيله، فسمعها سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم وقال: ((خذوا ما عليها -يعني ما على الناقة- من الركاب والمتاع، ودعوها فإنها ملعونة )) قَالَ عمْرانُ بن الحُصَيْنِ راوي الحديث: (فَكَأنِّي أَرَاهَا الآنَ تَمْشِي في النَّاسِ مَا يَعْرِضُ لَهَا أحَدٌ) [رواه مسلم].

 

مثل ذات الحادثة ذكرها صحابي جليل اسمه أَبو بَرْزَةَ نَضْلَةَ بْنِ عُبَيْدٍ الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: "بَيْنَمَا جَارِيَةٌ عَلَى نَاقَةٍ عَلَيْهَا بَعْضُ مَتَاعِ القَوْمِ.. إِذْ بَصُرَتْ بِالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وَتَضَايَقَ بِهِمُ الجَبَلُ فَقَالَتْ: حَلْ، اللَّهُمَّ الْعَنْهَا.. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (( لاَ تُصَاحِبْنَا نَاقَةٌ عَلَيْهَا لَعْنَةٌ)).

أقول: أحبتي في الله: إذا كانت ناقة لُعِنَت خلَّى رسولُ اللهِ سبيلَها؛ وقال: (( لاَ تُصَاحِبْنَا نَاقَةٌ عَلَيْهَا لَعْنَةٌ))، فكيف بالوالد يلعن الولد؟! وكيف بالوالدة تلعن البنت؟! وكيف بأبناء يلعنون آبائهم وأمهاتهم؟! والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((لَعَنَ اللهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيهِ)) [ رواه مسلم وغيره]. . وكيف بالمؤمن يلعن المؤمن.. والرسول يقول: ((لَعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ)) [ متفق عليه ].

معاشر المسلمين: للسان آفات، وأعظم آفات اللسان خطرا، وأبلغها أثرا، وأفتكها ضررا، وأحدها شررا:  هذه الزلة اللسانية التي لم يبال في التفوه بها الكبير والصغير، والرجل والمرأة، في البيوت والأسوق، وفي الطرقات وأماكن الاجتماع، وفي الجد والهزل: هذه الخطيئة والجريرة الكبيرة: التلاعن بلعنة الله، والعياذ بالله تعالى.

إن دين الإسلام – عباد الله - هو دين الفضيلة.. ودين الأدب.. ودين الخلق الرفيع.. إنه دين العظمة.. كيف لا؟!  ونبي العظمة C يقول: (( لَيْسَ المُؤْمِنُ بالطَّعَّانِ، وَلاَ اللَّعَّانِ، وَلاَ الفَاحِشِ، وَلاَ البَذِيِّ))[ رواه مسلم].

 كم يسمع السامع من يلعن نفسه، أو زوجته، أو ولده، أو دابته، ومركوبه، بل لم يسلم من ذلك الأرض التي يمشي عليها، والريح التي تمر به، والزمان والعيش الذي قسم له.

 وهذا إثم لعمر الله صار ديدناً وعادة لدى بعض الناس، حتى نطقت به الألسنة بدون خجل، واستمرأته الأسماع من غير نكير، وجهل الناطق، أو تجاهل عظم ذنب هذا اللفظ النابي الجارح، وشدة خطره وعقوبته.

 عباد الله، إن اللعن يعني الطرد والإبعاد عن رحمة الرحيم الرحمن، فمن قال لإنسان: اللهم العن فلاناً، فمعناه: اللهم اطرده من رحمتك، وأبعده عن قربك ورضوانك. عياذًا بالله؛ ولهذا جعل لعن الإنسان المعين كبيرة من كبائر الذنوب التي لا تكفر إلا بالتوبة النصوح، وإصلاح الخلل.

 قال بعض العلماء: حتى ولو كان الإنسان كافراً؛ فإنه لا يجوز لعنه بعينه مادام حياً؛ فلعله أن يسلم ويهتدي إلى دين الحق.

عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الآخرة من الفجر يقول: (( اللهم العن فلاناً وفلاناً وفلاناً )) بعد ما يقول: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، فأنزل الله: ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ﴾ إلى قوله ﴿ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ﴾ [ رواه البخاري والآية من آل عمران 128 ].

 وعند أحمد في مسنده: كان يدعو على أربعة، قال: فأنزل الله: ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ﴾ قال: وهداهم الله للإسلام [ رواه أحمد وغيره وصححه الألباني].

 وعن أبى هريرة قال: قيل: يا رسول الله ادع على المشركين قال: (إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة) [ رواه مسلم ].

 يأتي هذا المنع - عباد الله - لبيان أن عرض الإنسان مصون، وحقه محفوظ، وكرامته محترمة، وحال الإنسان وتقلبات قلبه بيد علام الغيوب. فالمسلم أعظم الناس حقاً أن يصان عرضه، ويسلم جانبه من السب والثلب، والطعن واللعن. فلعنه معصية، وذنب وبيل، وتعدٍّ ظلوم؛ إذ كيف يُطرد من رحمة الله من هو أقرب الناس إليه، أو يدعى عليه بالهلاك والأرض وأهلها في حاجة إلى بقائه؟!.

 لهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ولعن المؤمن كقتله ) [ رواه مسلم].

 فانظروا - عباد الله - إلى هذه العصمة، وإلى عظم التعدي عليها، فالقاتل يقطع المقتول عن منافع الدنيا، واللاعن للبريء يريد أن يقطع من لعنه عن رحمة الله في الدنيا والآخرة.

 وكم سمعنا ورأينا من يلعن أولي الطاعة والصلاح؛ من أئمة المسلمين وعلمائهم وتأملوا معي : لعن رجل ديكاً فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (لا تلعنه؛ فإنه يدعو إلى الصلاة) [ رواه أحمد والطبراني، وهو حسن.]

وتأملوا معي - يا عباد الله - في قوله عليه الصلاة والسلام:( لا تلعنه؛ فإنه يدعو إلى الصلاة): هذا فيه بيان أن من فيه نفع للخلق لا ينبغي لعنه، فماذا يقال عن أولئك الذين يتعرضون للعلماء بالسب والطعن واللعن وتأليب الرأي العام ضدهم، وهم حراس دين الله في الليل والنهار؟!. وربما يكون اللاعن من أكبر عصاة بني آدم لله!!  قال أبو الدرداء رضي الله عنه: "ما لعن أحد الأرض إلا قالت الأرض: لعن الله أعصانا لله".

معشر المسلمين، هناك من الناس صنف لم يكتفوا بلعن كل ذي روح. بل تعدوا إلى لعن ما يسمعونه أو يرونه مما خلق الله في الكون من الريح والهواء والمطر ونحو ذلك. وهذه المخلوقات لا فعل لها وإنما هي مأمورة من قِبَلِ الله تعالى.

 فعن ابن عباس أن رجلا لعن الريح، وفي رواية: إن رجلاً نازعته الريح رداءه على عهد النبي صلى الله عليه و سلم فلعنها، فقال النبي صلى الله عليه و سلم: (لا تلعنها؛ فإنها مأمورة، وإنه من لعن شيئاً ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه) [رواه أبو داود والترمذي، وهو صحيح ].

 نسأل الله أن يحفظ ألستنا من الكذب واللعن والغيبة والنميمة.

بارك الله لي ولكم...

 

 

الخطبة الثانية:

إن المتأمل في آفات اللسان يجدها آفات عظيمة؛ نشأ عليها الصغير، ودرج عليها الكبير، وتساهل بها الكثير.

آفات عظيمة تَوَلَدَتَ منها الأحقاد، وثارت بها الضغائن، وهاجت بسببها رياح العداوة والبغضاء.

ولمَّا أدركَ الصالحونَ الوجِلون، أهل القلوبِ الخاشعة، المُنكسِرة اللَّينة، والعقول الحيَّة المُتبصِّرة خطرَ اللسان، رأيتَ مِن أحوالهم عَجبًا، وسمعتَ عنهم ما يَزيدُكَ مِن الله رَهبًا، وعرفتَ أنَّكَ مُفرِّطٌ مُتساهِل مُغترّ، فثبت عن ابن مسعود ــ رضي الله عنه ــ: (( أَنَّهُ ارْتَقَى الصَّفَا فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، فَقَالَ: يَا لِسَانُ، قُلْ خَيْرًا تَغْنَمْ، وَاسْكُتْ عَنْ شَرٍّ تَسْلَمْ، مِنْ قَبْلِ أَنْ تَنْدَمَ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَكْثَرُ خَطَايَا ابنِ آدَمَ فِي لِسَانِهِ)) [رواه الطبراني وصححه الألباني].

وثبت أنَّ عمرَ بنَ الخطاب ــ رضي الله عنه ــ دخل على صِّدِّيق الأمة أبي بكر وهو يَجْبِذُ لسانَه، فقال له: (( مَهْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ هَذَا أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ )) [رواه المنذري والهيثمي وصححه الألباني]. يعني: أوقعني في المهالِك.

وثبت عن عبد الله ــ رضي الله عنه ــ أنه قال: (( وَاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ شَيْءٌ أَحْوَجُ إِلَى طُولِ سِجْنٍ مِنْ لِسَانٍ )) [رواه المنذري والهيثمي وصححه الألباني].

وقيل لبكر بن عبد الله المُزَنِيّ ــ رحمه الله ــ: (( إِنَّك تُطيِلُ الصَّمْتَّ، فَقَالَ: إِنَّ لِسانِيَ سَبُعٌ إِنْ تركتُه أكلني )) [أدب المجالسة - لابن عبد البر 1/78].

وأجَلَّ مِن هذا كلهِ وأبيّن للمؤمن ما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ)) [متفق عليه].

وقال بعضهم: (( رأيت مالكًا صامتًا لا يتكلم، ولا يلتفت يمينًا ولا شمالًا، إلَّا أنْ يُكلِّمه إنسان فيسمع منه، ثم يُجيبه بشيء يسير، فقيل له في ذلك، فقال: وهل يَكُبُّ الناسَ في جهنم إلَّا هذا؟ وأشار إلى لسان )) [تدريب المدارك 1/90].

لا إله إلا الله، أَمَا طرقَ أسماع أهل اللَّعن، أَمَا قرأت عيونُ اللَّعانين، أَمَا أفزَع قلوب مَن يلعن أخاه المسلم، ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأن اللَّعن واللّعانين ولعن المسلم مِن أحاديث عديدة وشديدة؟

أَمَا كفاهم أنَّه صلى الله عليه وسلم قد نفى أنْ يكون اللَّعن مِن صفات المؤمن وخِلاله، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِطَعَّانٍ، وَلَا بِلَعَّانٍ، وَلَا الْفَاحِشِ الْبَذِيءِ )) [أخرجه الترمذي وصححه العلامة أحمد شاكر].

أمَا أيقضهم أنَّ اللَّعان يُبعد نفسه عن مرتبة عظيمة وجليلة، وهي مرتبة الصِّديقِيَّة، فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ( لَا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُونَ لَعَّانًا) [رواه مسلم].

أَمَا رَدَعَهم أنَّ سِباب إخوانهم في الدِّين فسوق، فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ( سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ ( [متفق عليه]، أفيرضى عاقل بأنْ يَدخل نفسه في الفسوق؟

أَمَا أيقظهم أنَّ لعن المسلم لأخيه المسلم مِن أسباب حرمان النفس أنْ تكون مِن الشفعاء والشهداء عند الله يوم القيامة، فقد صحَّ:  (أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ بَعَثَ إِلَى أُمِّ الدَّرْدَاءِ بِأَنْجَادٍ مِنْ عِنْدِهِ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ ذَاتَ لَيْلَةٍ قَامَ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنَ اللَّيْلِ فَدَعَا خَادِمَهُ، فَكَأَنَّهُ أَبْطَأَ عَلَيْهِ، فَلَعَنَهُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَتْ لَهُ أُمُّ الدَّرْدَاءِ: سَمِعْتُكَ اللَّيْلَةَ، لَعَنْتَ خَادِمَكَ حِينَ دَعَوْتَهُ، فَقَالَتْ: سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) [رواه مسلم].

أمَّا ردَّهم وأوقفهم عن لعنهم لإخوانهم المسلمين أنِّ اللَّعنة تُغلق دونها أبواب السماء وأبواب الأرض، فإنْ لم تجد الملعون يستحقها رجعَت إلى قائلها، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: )) إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا لَعَنَ شَيْئًا صَعِدَتِ اللَّعْنَةُ إِلَى السَّمَاءِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ دُونَهَا، ثُمَّ تَهْبِطُ إِلَى الْأَرْضِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُهَا دُونَهَا، ثُمَّ تَأْخُذُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَإِذَا لَمْ تَجِدْ مَسَاغًا رَجَعَتْ إِلَى الَّذِي لُعِنَ، فَإِنْ كَانَ لِذَلِكَ أَهْلًا وَإِلَّا رَجَعَتْ إِلَى قَائِلِهَا)) [رواه أبو داود وحسنه الألباني].

أمَّا زجَرَهم وأخافهم مِن لعن إخوانهم المسلمين موقف الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ مِن خطيئة اللَّعن، فقد ثبت عن سلَمة بن الأكوع ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( كُنَّا إِذَا رَأَيْنَا الرَّجُلَ يَلْعَنُ أَخَاهُ، رَأَيْنَا أَنَّهُ قَدْ أَتَى بَابًا مِنَ الْكَبَائِرِ( ) [رواه الطبراني وصححه الألباني].

وليحذر أكثر من يحذر النساء، فقد خصهن النبي صلى الله عليه وسلم بالخطاب فقال: (( يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ ، تَصَدَّقْنَ وَأَكْثِرْنَ الِاسْتِغْفَارَ ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ جَزْلَةٌ : وَمَا لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ ؟ قَالَ : تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ)) [رواه مسلم وغيره]

ألا فاتقوا الله ربَّكم واهجروا سيئة اللَّعن، ولا تورِّطوا أنفسكم فتكونوا مِن اللَّعانين الآثمين والمحرومين مِن الخير بسبب لعنهم، واستمرارهم عليه، وإكثارهم مِنه، وتساهلهم فيه، وقد حذَّر ربُّكم مِن مخالفة شرعه وتهدَّد فقال سبحانه: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾  [النور63].

صلوا وسلموا

المشاهدات 1410 | التعليقات 0