لا تحقرن من المعروف شيئًا
إبراهيم بن سلطان العريفان
الحمدُ للهِ الَّذي وَسِعَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَيْءٍ، وسَبَقَتْ رَحْمَتُهُ غَضَبَهُ، نَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ ونَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيْهِ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
فَأُوصِيكُمْ عِبَادَ اللهِ وَنَفْسِيَ الْمُقَصِّرَةَ أَوَّلًا بِتَقْوَى اللهِ، فَإِنَّهَا وَصِيَّةُ اللهِ لِلْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى ]وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ[.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ .. حَدِيثُنَا الْيَوْمَ عَنْ مَشْهَدٍ عَجِيبٍ، عَنْ قِصَّةٍ تُعَلِّمُنَا مَعْنَى الرَّحْمَةِ، وَتَفْتَحُ لَنَا أَبْوَابَ الأَمَلِ فِي عَفْوِ اللهِ.
عَنْ امْرَأَةٍ أَسَاءَتْ كَثِيرًا، وَلَكِنَّهَا فَعَلَتْ خَيْرًا صَغِيرًا فِي نَظَرِ النَّاسِ، لَكِنَّهُ عَظِيمًا فِي مِيزَانِ اللهِ.
قَالَ النَّبِيِّ ﷺ: "بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ قَدْ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَنَزَعَتْ خُفَّهَا، فَأَسْقَتْهُ، فَغُفِرَ لَهَا بِهِ".
تَأَمَّلُوا مَعِي يَا عِبَادَ اللهِ: امْرَأَةٌ عُرِفَتْ بِالْمَعْصِيَةِ، وَوُصِفَتْ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّهَا "بَغِيٌّ"، وَمَعَ ذَلِكَ لَمَّا تَحَرَّكَتِ الرَّحْمَةُ فِي قَلْبِهَا، وَلَمَّا رَأَتْ كَلْبًا يَكَادُ يَمُوتُ عَطَشًا، لَمْ تَحْتَقِرْ فِعْلًا فِيهِ إِنْقَاذُ نَفْسٍ، وَلَوْ كَانَتْ نَفْسَ كَلْبٍ. فَنَزَلَتْ إِلَى الْبِئْرِ، وَسَقَتِ الْكَلْبَ، بِيَدِهَا، بِخُفِّهَا، لَا تَنْتَظِرُ شُكْرًا وَلَا جَزَاءً، فَغَفَرَ اللهُ لَهَا.
مَا أَعْظَمَ رَحْمَةَ اللهِ!!
وَمَا أَوْسَعَ مَغْفِرَتَهُ!!
وَمَا أَرْحَمَ هَذَا الدِّينَ الَّذِي يَجْعَلُ الرَّحْمَةَ بِالْحَيَوَانِ سَبَبًا فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ.
عِبَادَ اللهِ .. إِنَّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ دُرُوسًا جَلِيلَةً..
أَوَّلًا: لَا تَحْتَقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ كَانَ سَقْيَ مَاءٍ لِحَيَوَانٍ عَطْشَانَ. قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: "اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ".
ثَانِيًا: الرَّحْمَةُ صِفَةُ الْمُؤْمِنِ، وَهِيَ مِفْتَاحٌ لِرَحْمَةِ اللهِ، فَقَدْ قَالَ ﷺ: "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ".
ثَالِثًا: هَذِهِ الْمَرْأَةُ كَانَتْ مُذْنِبَةً، وَلَكِنَّهَا لَمْ تُحْرَمْ مِنْ مَغْفِرَةِ اللهِ، فَبِعَمَلٍ وَاحِدٍ مُخْلِصٍ، غَفَرَ اللهُ لَهَا. فَكَيْفَ بِمَنْ تَابَ وَأَنَابَ، وَأَكْثَرَ مِنَ الطَّاعَاتِ!!
فَيَا مَنْ أَثْقَلَتْكَ الذُّنُوبُ، وَيَا مَنْ أَرْهَقَتْكَ الْمَعَاصِي، لَا تَيْأَسْ! بَابُ التَّوْبَةِ مَفْتُوحٌ، وَرَحْمَةُ اللهِ وَاسِعَةٌ، وَعَفْوُهُ أَقْرَبُ إِلَيْكَ مِمَّا تَظُنُّ، فَبَادِرْ قَبْلَ فَوَاتِ الْأَوَانِ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ وَنَتُوبُ إِلَيْكَ، فَاغْفِرْ لِنَا ذَنْبَنَا كُلَّهُ، دِقَّهُ وَجِلَّهُ، وَعَمْدَهُ وَخَطَأَهُ، وَسِرَّهُ وَعَلَانِيَتَهُ، أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
فَانْظُرُوا رَحِمَكُمُ اللهُ .. إِلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي ذَنْبُهَا عَظِيمٌ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ سَقْيَهَا لِكَلْبٍ عَطْشَانٍ كَانَ سَبَبًا لِمَغْفِرَةِ اللهِ لَهَا.
فَكَيْفَ بِمَنْ سَقَى إِنْسَانًا؟ كَيْفَ بِمَنْ جَعَلَ سُبُلَ الْمَاءِ فِي الطُّرُقَاتِ؟ كَيْفَ بِمَنْ وَزَّعَ الْمِيَاهَ فِي الْمِسَاجِدِ!!
يَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ .. الماءُ هِبَةُ اللهِ، وَسَقْيُهُ مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ: "فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ" وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حِينَ سُئِلَ: أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "سَقْيُ الْمَاءِ".
لَا تَسْتَهِينُوا بِفِعْلِ الْخَيْرِ، وَلَا تَحْقِرُوا صَدَقَةَ الْمَاءِ، فَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ، وَأَسْرَعِهَا فِي جَلْبِ مَغْفِرَةِ اللهِ وَرِضَاهُ، هُوَ طُهْرٌ لِلذُّنُوبِ، وَبَابٌ إِلَى رَحْمَةِ الرَّحِيمِ.
سَقْيُ الْمَاءِ: يَطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَيَرْفَعُ الدَّرَجَاتِ، وَيَجْلِبُ دُعَاءَ الْمَلَائِكَةِ، وَيُثَبِّتُ الْقَدَمَ يَوْمَ الزَّحْمَةِ.
يَا عِبَادَ اللهِ، هٰذَا الْجَامِعُ وَغَيْرُهُ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَحْتَاجُ إِلَى تَوْفِيرِ مِيَاهِ الشُّرْبِ لِرُوَّادِهِ، خُصُوصًا وَنَحْنُ مُقْبِلُونَ عَلَى أَيَّامٍ حَارَّةٍ صَيْفِيَّةٍ، يَشْتَدُّ فِيهَا الْعَطَشُ، وَيَعْظُمُ فِيهَا الْأَجْرُ. فَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْمُسَاهَمَةِ، فَلْيَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ فِي هٰذَا الْخَيْرِ، فَإِنَّ سَقْيَ الْمَاءِ مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ، وَفِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ، وَارْزُقْنَا قُلُوبًا رَحِيمَةً، وَأَعْمَالًا صَالِحَةً، وَمَغْفِرَةً تَعُمُّ ذُنُوبَنَا. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا، وَارْحَمْنَا، وَتُبْ عَلَيْنَا، وَاجْعَلْ خَيْرَ أَعْمَالِنَا خَوَاتِيمَهَا.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ قُلُوبَنَا، وَأَقْوَالَنَا، وَأَعْمَالَنَا، وَاجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ.
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
المرفقات
1744295401_لا تحقرن من المعروف شيئًا.pdf
1744295410_لا تحقرن من المعروف شيئًا.docx