لا تحقرنّ من المعروف شيئًا .. فرُبّما الجنّةُ ثَم !

رشيد بن ابراهيم بوعافية
1434/07/12 - 2013/05/22 05:13AM
[font="] أيها الأحباب : هذه الخطبة معروضةٌ للنّقد والتمحيص :
[/font]
[font="] ببيان الإيجابيّات والتأكيد عليها و تأصيل ذلك من علم الخطابة إن أمكن[/font]
[font="]وإن رغبتُم ببيان النقائص و المكمّلات فلا بأس ( وإلاّ فيُمكنُ تحت الإيجابية يمكن تقديم نصيحة للخطباء - وصاحب الخطبة منهم - فيما يقابل تلك الإيجابية من تقصيرٍ يقع فيه الخطباء فهنا يتم النّصح والتوجيه بشكل لا يُحرجُ أحدًا و يحقّق الهدف ويشجّع على استمرار مرآة الخطباء ) .
[/font]
[font="]وحقٌّ على كلّ من مرَّ ولم يعلّق أن لا يحرِمنا و إخواننا في الملتقى من الدُّعاء .
[/font]
[font="] على بركة الله[/font]
[font="]الحمدُ للهِ ربّ العالمين ، حمدًا كثيرًا طيّبًا مبارَكًا فيه ، كما يُحبُّ ربُّنا ويرضَى ، نحمدُهُ سبحانه حمدَ الشّاكرين الذّاكرين ،[/font][font="][font="]يسّرَ لنا سُبُلَ الرّشاد ، وشرعَ لنا شرائعَ الهُدَى ، و أنعمَ علينا بقَبُول القليل ، و أعطانا عليه الثوابَ الجزيل ، فلهُ الحمدُ سبحانه أوّلاً وآخِرًا ، ظاهرًا وباطنًا . و أشهدُ أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له ، شهادةً ينطقُ بها لساني ، ويؤمنُ بها جَناني ، و تعيشُ في سبيلها جوارِحِي و أركاني ، وأشهدُ انَّ محمَدًا عبدُهُ ورسولهُ أدَّى الأمانةَ و نصحَ وبلّغََ عن الله أتمّ البلاغ ، صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ الطيّبين الطاهرين ، وصحابته والتابعين إلى يوم الدّين . ثمّ أمّا بعد :
[/font][/font]
[font="]أيها الإخوةُ في الله : أدبٌ جليلٌ أوصى به النبيٌُّ[/font][font="] صلى الله عليه وسلم لا ينبغي للمؤمنِ تركُهُ ولا الغفلةُ عنه ، ففي صحيح الجامع ( 98 ) عن أبي جُرِيٍّ الهجيمي [font="]رضي الله عنه[/font] قال : إنا قوم من أهل البادية فعلّمْنَا شيئا ينفعنا الله به ، فقال له رسول الله [font="] صلى الله عليه وسلم[/font]:" اتق الله ولا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي وأن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط " . ومعنى هذه الوصيّةِ أنَّ العملَ بقَدْرِهِ عند الله لا بقدره في عيون النّاس ، وأنَّ المعروفَ القليلَ الصغيرَ حين يصادفُ صدقًَا في النفوسِ يبلغُ عندَ اللهِ مبلغًا عظيمًا . . [/font]
معشر المؤمنين: لا أحد تخفى عليه قصّة تلك المرأة السوداء، أمُّ مِحجَن رضي الله عنها ،كانت تقُمٌُّ وتنظّف المسجد ، امرأة سوداء ، ليس لها نسبٌ تعتزُّ به، ولا قَرابة تنتَصِر لها ، لا تملك شيئًا من زخارف الدنيا ومتاعها ؛ امراةٌ صَغُر أمرُها عند الناس، فلم تكن محطَّ أنظارِهم ، ولم يكن اسمُها تَلُوكُه الأفواه و تَتَدَاوَله الألسُن ، لكنَّ اللهَ خلَّدَ اسمَها بعد موتها أعوامًا ودهورًا ، لا لسابقتها في الإسلام ، ولا لأنها قدَّمت عملاً كبيرًا جليلاً يُذكَر فيُشكَر ، وإنما بَقِي ذكرُها، بسبب عمل صغير حقير في أعيُنِ كثيرٍ من الناس ، فعَمَلُ هذه المرأة أنَّها كانت تقمُّ المسجد ؛ تلتَقِط الخِرَقَ والقَذَى والعيدان من المسجد، ولم تكن تطلُب من أحدٍ مُقابِل عملها جزاءً ولا شُكُورًا .
كم هو صغيرٌ هذا العمل في نظَر الأعيُن، ولكنَّه عملٌ قد أهمَّ هذه المرأة السوداء حتى فرَّغت له وقتَها، واستَفرَغت لأجلِه طاقتها ، فأصبَح أمرًا مُعتادًا أنْ ترَى الأعيُنُ هذه المرأة وهي تُلاحِق ما يندُّ من الناس ، أو تلفظُهُ الريح من أذًى داخِل المسجد ، فتجمَعه في يدَيْها ، أو في خِبائها، وتَرمِيه خارِجَ المسجد ، داوَمَت المرأة على عملها الصغير ، وأحبُّ الأعمال إلى الله أدوَمُها وإنْ قلَّ ، حتى ودَّعت هذه المرأة دنياها ، وفارَقتْ حياتها ليلاً ، فبادَر بعضُ الصحابة بتَجهِيزها ، ثم الصلاة عليها ودفنوها ليلاً.


مضَتْ أيَّام وأيَّام ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرى هذه المرأة ، فسأل عنها ؛ اهتِمامًا بها ، وإكبارًا لشأنها، فأُخبِر بوَفاتها ، فقال : " أفلا كنتُم آذَنتُموني" ، فكأنَّ الناس صغَّروا أمرَها، فقال [font="]صلى الله عليه وسلم : ((دلُّوني على قَبرِها؟ ))، فدلُّوه، فوقَف على قبرِها، وصلَّى عليها، ودعا لها بالمغفرة والرَّحمات.
فانظُر كيف خُصّت هذه المرأة بصلاة رسول الله [font="]صلى الله عليه وسلم[/font]عليها في قبرِها . وقد قال [font="]صلى الله عليه وسلم[/font] : " إنَّ هذه القُبُور مملوءَةٌ ظلمَة على أهلِها، وإنَّ الله [font="]عزَّ وجل[/font] يُنوِّرُها بصَلاتِي عليهم " رواه مسلم .
وفي هذا المشهَد - عبادَ الله - رسالةٌ إلى كلِّ مؤمن يَرجُو رحمةَ ربِّه والفوزَ برضوانه : ألاَّ يحتَقِر من العمل شيئًا ؛ فرُبَّ عملٍ صغَّرَتْه الأعين، كان سببًا لرضا الرحمن، والفوز بالجنان .
أيها الإخوةُ في الله: اعلموا أنَّ جنَّةَ الرحمن تُنَالُ بنفحات الله وبقيمة العمل عند الله لا بقيمة العمل عند الناس : حدثنا أبو هريرة [font="]رضي الله عنه[/font] عن النبيِّ [font="]صلى الله عليه وسلم[/font] أنَّه قال: " بينَما رجلٌ يمشِي بطريقٍ وجَد غُصنَ شوكٍ على الطريق فأخَّرَه، فشَكَر الله له فغفَر له " متفق عليه . وحدثنا أبو هريرة أيضًا عن حبيبنا صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: " بينما كلبٌ يطيف برَكِيَّة قد كاد يقتُلُه العطَش، إذ رأَتْه بغيٌّ من بَغايا بني إسرائيل، فنزَعَتْ مُوقَها (أي: خُفَّهَا) فاستَقَتْ له به، فسقَتْه إيَّاه، فغُفِر لها به " متفق عليه .
وهذا رجلٌ من الأُمَم السابقة نبَّأنا خبرَه نبيُّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: " تلقَّت الملائكة رُوحَ رجلٍ ممَّن كان قبلَكم، فقالوا: أعمِلتَ من الخير شيئًا؟ قال: لا، قالوا: تذكَّر، قال: كنتُ أُدايِن الناسَ فآمُر فِتياني أنْ يُنظِروا المُعسِر، ويتجوَّزوا عن المُوسِر، فقال الله [font="]عزّ وجل[/font] تجوَّزوا عنه " متفق عليه . [/font]
أيها الإخوةُ في الله : بالعمل اليَسِير بُشِّر بلالُ بن رباح بالجنَّة؛ " يا بلال، حدِّثني بأرجَى عملٍ عملتَه في الإسلام؛ فإنِّي سمعتُ دَفَّ نعلَيْك بين يديَّ في الجنَّة " ، قال بلال: ما عمِلتُ عمَلاً أرجَى عندي منفعةً من أنِّي لا أتطهَّر طهورًا في ساعة ليلٍ أو نهارٍ، إلاَّ صلَّيتُ بذلك الطهور ما كتَب الله لي أنْ أصلِّي " متفق عليه . فالخير مهما قَلَّ فهو عند الله محبوب، وفي مُحكَم التنزيل نقرأ قوله تعالى : [font="]] وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[font="][[/font] ( التوبة: 121) . نسأل الله السلامة والعافية ، ونسأله التوفيق إلى ما يحب ويرضى ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم. [/font]
الخطبة الثانية :
أيها الإخوة في الله: أعمال المعروف الصغيرةُ في عين الناس كثيرةٌ جدًّا ، ومن أفضلها عملٌ لا ينتبه إليه كثيرٌ من الناس حتّى الصالحين منهم ، يظنُّونَهُ صغيرًا غيرَ ذي نفعٍ في الدنيا و الآخرة ، إنَّها الكلمة الطيّبة .
الكلمة الطيِّبة - معشر المؤمنين- سهلةُ المَنال ، عظيمة الأجرِ والنَّوال، بليغةُ الأثَر ؛ في ظاهرها واحدةٌ تنقضي بالنّطقِ بها وتنتهي ، ولكنّها في الحقيقةِ [font="]] تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا[font="][[/font] ( إبراهيم: 25) و صاحبُها لا يشعُر ! .
فبالكلمة الطيِّبة يتَّقي العبدُ نارَ الله الموقَدة ؛ قال النبيُّ[font="] صلى الله عليه وسلم[/font]: " اتَّقوا النارَ ولو بشِقِّ تمرةٍ، فمَن لم يجد فبكلمةٍ طيِّبة " ( صحيح الجامع: 5798 ). [/font]
وبالكلمة الطيِّبة يكتب الله لعَبدِه مَنازِل من الرِّضوان والجنان ، وبالكلمة الطيِّبة فُتحَت مَغالِيق القُلُوب ، وعادَ مُعرِضون تائِهُون إلى علاَّم الغُيُوب . بالكلمة الطيِّبة أسلَمَ و اهتدَى كثيرون ، فكانوا من خيار عباد الله المؤمنين .
محدِّث الشام الإمامُ البِرزالي - رحمه الله - أطلَقَ كلمةً عابرة لتلميذه الذهبي، فقال له: " إنَّ خطَّك بُنَي يُشبِه خَطَّ المحدِّثين " ! ، ففعَلتْ هذه الكلمة فِعلََها في نفْس الإمام الذهبي ، فأقبَلَ على طلَب الحديث، حتى عُدَّ إمامًا في المحدِّثين . وهكذا كلُّ كلمةٍ طيّبة . . !
أيها الإخوةُ في الله: اجعلوا شعارَكم في هذه الحياة " لا تحقرَنّ من المعروف شيئًا "
فكم تمرُّ بنا في حياتنا ، في يومنا وليلتنا ، في عملنا وطُرُقنا من أعمالٍ صالحات ، ميسورات قريبات ، نَمُرُّ بها ونحن عنها غافلون ! ، فلا تبخَلوا على أنفسكم بابتسامة صادقة ، أو هديَّة بسيطةٍ ولكنّها معبّرة ، أو رفع أذيَّة غفلَ النّاسُ عنها ، ارفعها ولا تغفل عنها ، فربَّما كانت الجنَّةُ ثَم !

لا تستَصغروا - عبادَ الله - ثواب الشَّفاعة الحسنة ، ولا قَضاء حوائجِ النّاسِ البسيطة ، فربَّما كانت الجنَّةُ ثَم ! ، لا تَزهَدوا في قُربات وطاعات ؛ من مُواسَاة مكلوم، وتعزية مُصاب، وتشييع جنازَة، وعِيادَة مريض، و إنظار مُعسِر، بل وإدخال البهجة في النُّفوس، فلا تدري ، فلعلَّ ذلك العمل وإنْ كان صغيرًا تكون به ومعه سعادَتُك ونجاتُك في أخراك ، وبقاء ذكرك في دنياك .

نسأل الله التوفيق إلى ما يحب ويرضى ، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا،وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان،واجعلنا من الراشدين.وصلى الله وسلم وبارك على محمد،وعلى آله وصحبه و التابعين . .
المشاهدات 8035 | التعليقات 5

بارك الله فيك في الحقيقة ما ذكرته فيض من غيض وإلا فسيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام وكذا صحابته الكرام ومن جاء بعدهم من العباد والزهاد الذين بقيت أسماؤهم شامة على جبين التاريخ وها هو الإمام العابد الزاهد عبد الله بن المبارك رحمه الله كما ذكر أهل السير كان يختلف إلى طرسوس وكان هناك شاب يقوم على خدمة الإمام والاعتناء بشؤونه وفي مرة من المرات جاء الإمام ابن المبارك إلى طرسوس ولم يجد الشاب وكان في ذلك النفير فلما عاد سأل عن الشاب فأخبر بأنه في السجن بسبب دين عليه فدل على الدائن فذهب إليه وسدد عن الشاب ذلك الدين وأخذ العهد من الدائن ألا يخبر بذلك وكان أن التقى الإمام ذلك الشاب وقد خرج من السجن فسأله ما الخبر فأخبره القصة وأن هناك من سدد عنه الدين وهو لا يعرفه فقال له الإمام احمد الله وما علم ذلك الشاب بأن الإمام هو من سدد عنه ذلك الدين إلا بعد وفاته رحمه الله .
أقول ما الذي حملهم على ذلك ؟ إنه وباختصار التعامل مع الله سبحانه وأظن أن هذا هو الفيصل في هذه المسألة فوالله لو كان تعاملنا مع الله لاحتسبنا كل عمل نقوم به وهنا نجد أنفسنا لا نحتقر أي عمل وأنا دائما أشبه المؤمن في هذه الدنيا كذلكم التاجر الفطن الذكي الألمعي الذي لا يضيع أي فرصة لزيادة رصيده الدنيوي ووالله سيأتي يوم يندم فيه المرء وعندها لا ينفع الندم.


تعليقكم هذا يدعّم موضوع الخطبة ، وما فعله الإمام ابن المبارك هو من عظائم الأعمال ، وحُقّ لمثل ذلك العمل أن يكونَ علامةً على الإيمان بالله و الأخوّة الصادقة ، أتمنّى أن لا تقطع عنّا تعليقاتك وخاصّةً في المسائل المتعلّقة بالخطابة ، جزاك اللهُ خيرًا ، و للدُّعابة فقط : عندما نلتقي غدًا سوف أكونُ أنا من يدفعُ ثمن الحليبِ والحلوى :mad:


تعليقكم هذا يدعّم موضوع الخطبة ، وما فعله الإمام ابن المبارك هو من عظائم الأعمال ، وحُقّ لمثل ذلك العمل أن يكونَ علامةً على الإيمان بالله و الأخوّة الصادقة ، أتمنّى أن لا تقطع عنّا تعليقاتك وخاصّةً في المسائل المتعلّقة بالخطابة ، جزاك اللهُ خيرًا ، و للدُّعابة فقط : عندما نلتقي غدًا سوف أكونُ أنا من يدفعُ ثمن الحليبِ والحلوى


خطبة مباركة ..وعرض جميل ..واسلوب متميز
زادك الله علما وتقى
لاتحرمونا من علمكم
وغدا بحول الله سأخطب بقر كبير مما ورد في خطبتكم


شكرًا جزيلاً أستاذ خالد ، أسعدني تعليقك ، و أسعدني استفادتُكَ من الخطبة فأهديتني الحسنات ، ولا بُدّ من المكافأة : اللهم بارك لأخي خالد في العلم والأهل والولد و المال ، ووفّقهُ إلى صالح الأعمال ، يا سميع يا مُجيب برحمتك وفضلك وكرمك .