لا تجعل رمضان هذا كغيره-27-8-1437ه-هلال الهاجري-الملتقى-بتصرف

محمد بن سامر
1437/08/27 - 2016/06/03 03:19AM
[align=justify]أما بعد: فعن أبي أمامة-رضي الله عنه-قال: أَنْشَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- غَزْوًا، فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ لِي بِالشَّهَادَةِ، قَالَ: "اللَّهُمَّ سَلِّمْهُمْ وَغَنِّمْهُمْ"، فَغَزَوْنَا فَسَلِمْنَا وَغَنِمْنَا، ثُمَّ أَنْشَأَ غَزْوًا آخَرَ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ لِي بِالشَّهَادَةِ، قَالَ: "اللَّهُمَّ سَلِّمْهُمْ وَغَنِّمْهُمْ"، فَغَزَوْنَا فَسَلِمْنَا وَغَنِمْنَا، ثُمَّ أَنْشَأَ غَزْوًا آخَرَ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَيْتُكَ تَتْرَى ثَلاَثًا-ثلاثَ مراتٍ متتاليةٍ-، أَسْأَلُكَ أَنْ تَدْعُوَ اللَّهَ لِي بِالشَّهَادَةِ، فَقُلْتَ: "اللَّهُمَّ سَلِّمْهُمْ وَغَنِّمْهُمْ"، فَغَزَوْنَا فَسَلِمْنَا وَغَنِمْنَا، فَمُرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَمْرٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهِ, قَالَ: "عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لاَ مِثْلَ لَهُ", قَالَ الراوي: وَكَانَ أَبُو أُمَامَةَ لاَ يَكَادُ يُرَى فِي بَيْتِهِ الدُّخَانُ بِالنَّهَارِ-صيامٌ لا يوقدونَ النارَ-، فَإِذَا رُئِيَ الدُّخَانُ بِالنَّهَارِ عَرَفُوا أَنَّ ضَيْفاً اعْتَرَاهُمْ-زارهم-مِمَّا كَانَ يَصُومُ هُوَ وَأَهْلُهُ.
ما أعظمَها من وصيةٍ من محبٍ ومشفقٍ، وعالمٍ بما يحبُه اللهُ-تعالى-ويرضاه من الأعمالِ الصالحةِ، فرضيَ اللهُ عن أبي أمامةَ، وجزاه خيرًا، كيفَ استفادَ من هذه الوصيةِ العظيمةِ فعمِلَ بها وبلَّغَها حتى وصلت إلينا بعد آلافِ السنينَ.
مَنْ منا جلسَ مع نفسِه في آخرِ يومٍ من رمضانَ الماضي، فبدأَ يسألُ نفسَه ماذا قَدَّمَ فيه؟، وبدأَ يتذكرُ عندما أقبلَ شهرُ رمضانَ، كيف كانَ إصرارُه على استغلالِ كلِّ ساعةٍ من ساعاتِه وكلِّ لحظةٍ من لحظاتِه، فلما جاءَ الشهرُ امتلأتِ المساجدُ في أولِه، حتى لا تكادُ أن تدركَ الصفَ الأولَ في الجماعةِ لو تأخرتَ قليلًا، القرآنُ يُتلى في البيوتِ والمساجدِ كثيرًا، الناسُ يتسابقُونَ إلى إطعامِ الطعامِ على حبِه مسكينًا ويتيمًا وفقيرًا، ثُمَّ ماذا كانَ؟
تلاشى هذا وضعفَ قليلاً قليلًا، حتى إذا جاء آخرُ الشهرِ، وجاءتِ الليالي الفاضلةُ، التي فيها ليلةُ القدرِ، التي هي خيرٌ من ألفِ شهرٍ-أفضلُ من ثلاثٍ وثمانينَ سنة-إذا جاءَ كلُّ ذلك هُجِرتِ المساجدُ، وطُويتِ المصاحفُ، وتُرِكَ إطعامُ الطعامِ، وقلَّ فعلُ الخيرِ، فلماذا كلُ هذا؟
إن الملالَ والفتورَ الذي يصيبُ الناسَ في رمضانِ سببُه-واللهُ أعلمُ-أن الإنسانَ إذا لم يكن مواظبًا على هذهِ الأعمالِ الفاضلةِ قبلَ رمضانَ فإنه لن يُوَفّقَ لها في هذا الشهرِ إلا أن يتوبَ إلى اللهِ-تعالى-توبةً صادقةً على ما فَرّطَ في أيامِه الخاليةِ، ويسألُه الإعانةَ على استغلالِ هذا الشهرِ بهذه العباداتِ.
إذا علمتَ أن اللهَ-تعالى-اختصَ الصيامَ له، قالَ رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليه وآلهِ وسلمَ-: "‏كُلُّ عَمَلِ ابْنِ‏‏ آدَمَ ‏ ‏يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ, قَالَ اللَّهُ-عَزَّ وَجَلَّ-: إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ, يَدَعُ-يتركُ-شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي"، فلم يُبَيّن-سبحانه-ما هو الجزاءُ والأجرُ على الصومِ، لأنها مفاجأةُ الرحمنِ-تعالى-لعبادِه الصائمينَ يومَ القيامةِ، نسألَ اللهَ العظيمَ من فضلِه.
وإذا علمتَ أن "لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ"، فأحسستَ بفرحةِ الدنيا عندَ الفطرِ، ما أعظمَها!، وما أجملَها!، فكيفَ بفرحةٍ في يومٍ يخافُ الناسُ فيه: [يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ]، في يومٍ [تَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَـكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ]، وأنت قد وُعدتَ بفرحةٍ عظيمةٍ عندَ لقاءِ الله-تعالى-ولن يُخلفَ اللهُ وعده لك.
إذا علمتَ أن: "خُلُوفَ-‏تَغَيُّرَ رائحةِ-فمِ الصائمِ ‏‏أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ"، هذه الرائحةُ المكروهةُ المنفرةُ، التي تخرجُ من فمِ الصائمِ، عندَ اللهِ-تعالى-أطيبُ من ريحِ المسكِ لأنها بسببِ عبادةٍ عظيمةٍ يحبها اللهُ-عزَ وجلَ-.
إذا علمتَ أنه: "إِذَا كَانَتْ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، فتّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهنّم، وصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وينادَى مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ"، فتُمحى أسماءٌ من قائمةِ النارِ في كلِ ليلةٍ من رمضانَ، فتحلُ عليهم مغفرةُ الرحمنِ، وتُفتحُ لهم أبوابُ الجِنانِ، فيُّوَفقونَ بعدَ ذلكَ إلى عملِ أهلِ التقوى والإحسانِ.
إذا علمتَ أن: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ, ومَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه"، صيامُ شهرٍ واحدٍ وقيامُه، يغفرُ اللهُ-تعالى-به الذنوبَ ولو عَظُمت، ويتجاوزُ عن السيئاتِ ولو كبُرت، وعن السنينِ ولو كثُرت.
إذا علمتَ أن: "الصِّيَامَ يَشْفَعُ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ الصِّيَامُ: رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ قَالَ فَيُشَفَّعُ، ففي يومِ القيامةِ [يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ*وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ*وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ]، يهربونَ منك فلا يشفعونَ لك، ويكونُ معكَ شفيعٌ قريبٌ من الرحمنِ، حبيبٌ إليه يشفعُ لكَ فتُقبلُ شفاعتُه وهو الصيامُ.
إذا علمتَ كلَ هذا الفضلِ والأجرِ، علمتَ أن سُنةَ اللهِ جَرَتْ أنه لا يُوَفقُ لمثلِ هذا إلا من صَدَقَ اللجوءَ والتضرعَ إلى اللهِ-تعالى-أن يعينَه على صيامِ هذا الشهرِ وقيامِه، وأن يسعى بالأسبابِ المعينةِ على ذلكَ من التوبةِ الصادقةِ والعزيمةِ الجادةِ على تركِ الذنوبِ، والاستقامةِ على سنةِ الحبيبِ-عليه وآلهِ الصلاةُ والسلامُ، فعندَ ذلكَ أبشر بالهدايةِ والسداد،ِ وذلك فضلُ اللهِ يؤتيه من يشاءُ واللهُ ذو الفضلِ العظيمِ.
أستغفرُ اللهَ العظيمَ...
الخطبة الثانية
أما بعد: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ-رضي اللهُ عنه-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ-رَقِيَ-صعَدَ-الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: آمِينَ، آمِينَ، آمِينَ، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كُنْتَ تَصْنَعُ هَذَا؟ فَقَالَ: قَالَ لِي جِبْرِيلُ: رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَقُلْتُ: آمِينَ".
قد أقبلَ رمضانُ، فأروا اللهَ-تعالى-من أنفسِكم خيرًا، وإياكُم والمفسدينَ، الذين استعدوا لإفسادِ رمضانَ على الصائمينَ، بالإعلامِ الفاسدِ والبرامجِ الهابطةِ في الليلِ والنهارِ، حتى ربما صَدُقَ على بعضِهم قولُ النبيِ-صلى اللهُ عليه وآلهِ وسلمَ-: "رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ".
رمضانُ أقبلَ يا أُولي الألبابِ*فاستَقْبلوه بعدَ طولِ غيابِ
عامٌ مضى من عمْرِنا في غفْلةٍ*فَتَنَبَّهوا فالعمرُ ظلُّ سَحابِ
وتَهيّؤوا لِتَصَبُّرٍ ومشقَّةٍ*فأجورُ من صَبَروا بغير حسابِ
لا يَدخلُ الريَّانَ إلا صائمٌ*أَكْرِمْ ببابِ الصْومِ في الأبوابِ
وَوَقاهم المَولى بحرِّ نَهارِهم*ريحَ السَّمومِ وشرَّ كلِّ عذابِ
وسُقوا رحيقَ السَّلْسبيلِ مِزاجُهُ*مِنْ زنجبيلٍ فاقَ كلَّ شَرابِ
هذا جزاءُ الصائمينَ لربِّهم*سُعِدوا بخيرِ كرامةٍ وجَنابِ
[/align]
المرفقات

لا تجعل رمضان هذا كغيره-27-8-1437ه-هلال الهاجري-الملتقى-بتصرف.docx

لا تجعل رمضان هذا كغيره-27-8-1437ه-هلال الهاجري-الملتقى-بتصرف.docx

لا تجعل رمضان هذا كغيره-27-8-1437ه-هلال الهاجري-الملتقى-بتصرف.pdf

لا تجعل رمضان هذا كغيره-27-8-1437ه-هلال الهاجري-الملتقى-بتصرف.pdf

المشاهدات 1450 | التعليقات 0