لا تتعجل بالطلاق

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. إِخْوَةُ الْإِيمَانِ وَالْعَقِيدَةِ .. الطَّلَاقُ ..كَلِمَةٌ تَهْتَزُّ لَهَا القُلُوبُ حُزْنَاً، وَتَرْتَجِفُ النُّفُوسُ لَهَا، بِوُقُوعِ الطَّلاقِ يَفْرَحُ بِهَا الشَّيْطَانُ، ويَكْرَهُهَا الرَّحْمَنُ، زَوْجَانِ وَأَبْنَاءٌ كَانُوا يَعِيشُونَ جَمِيعَاً تَحْتَ سَقْفٍ وَاحِدٍ، يُشَارِكُ بَعْضُهُمْ بَعْضَاً هَذِهِ الحَيَاةَ الدُّنْيَا بِمَا فِيهَا مِنْ أَفْرَاحٍ وَأَحْزَانٍ، وَآلَامٍ وَآمَالٍ، وَسَعَةٍ وَضِيقٍ، يَرْجِعُ الأَبُ مِنْ عَمَلِهِ يَجِدُ شَرِيكَةَ حَيَاتِهِ في اسْتِقْبَالِهِ، وَالأَوْلَادُ يَلْتَفُّونَ حَوْلَهُمَا، حَيَاةٌ تَدُبُّ في أَوْصَالِهَا الحَيَاةُ بِكُلِّ مَا تَحْمِلُهُ هَذِهِ الكَلِمَةُ مِنْ مَعَانٍ. وَلَكِنْ وَبِكُلِّ أَسَفٍ يَحْدُثُ خِلَافٌ، وَيَقَعُ شِقَاقٌ، وَيَلْعَبُ الشَّيْطَانُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، فَيَزِيدُ النَّارَ اشْتِعَالَاً، فَيَتَلَفَّظُ الرَّجُلُ بِكَلِمَةِ الطَّلَاقِ، التي تَعْنِي هَدْمَ بِنَاءِ أُسْرَةٍ كَامِلَةٍ. وَالعَجَبُ كُلُّ العَجَبِ في طَلَاقٍ يَقَعُ في عُمُرِ الزُّهُورِ، مِنْ شَبَابٍ وَشَابَّاتٍ، وَالأَعْجَبُ مِنْ هَذَا أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ بَعْدَ أَرْبَعِينَ أَو خَمْسِينَ عَامَاً. عِبَادُ اللهِ: لَا تَفْقِدُوا أَعْصَابَكُمْ أَثْنَاءَ الخِلَافَاتِ الزَّوْجِيَّةِ، كُونُوا حَريصِينَ عَلَى تَرَابُطِ الأُسْرَةِ عِنْدَ الغَضَبِ، وَتَذَكَّرُوا أَنَّ العَبْدَ في سَاعَةِ الغَضَبِ قَدْ تَعْمَى بَصِيرَتُهُ، وَيَفْقِدُ تَوَازُنَهُ، فَيَتَلَفَّظُ بِكَلِمَةِ الطَّلَاقِ، التي تُفْرِحُ الشَّيْطَانَ وَتُحْزِنُ الزَّوْجَانِ بَعْدَ سُكُونِ الغَضَبِ. في كِتَابِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ جَاءَتْ سُورَةُ الطَّلَاقِ، كَعَلَامَةٍ حَمْرَاءَ تُشِيرُ إلى خَطَرِهِ، وَتُحَذِّرُ مِنَ الاقْتِرَابِ مِنْهُ، لِأَنَّ الاقْتِرَابَ مِنْهُ يَعْنِي مَوْتَ الأُسْرَةِ وَتَلَاشِيَهَا، فَإِذَا كَانَ لَا بُدَّ للزَّوْجِ مِنَ الاقْتِرَابِ مِنْهَا فَلْيَقْتَرِبْ وَبَيْنَ يَدَيْهِ هَدْيُ القُرْآنِ الكَرِيمِ الذي حَمَلَتْهُ سُورَةُ الطَّلَاقِ، وَالسُّنَّةُ المُطَهَّرَةُ التي بَيَّنَتْ خُطُورَةَ الطَّلَاقِ، حَتَّى لَا يَقَعَ الزَّوْجُ في هَاوِيَةٍ سَحِيقَةٍ مِنْ غَضَبِ اللهِ تعالى. الطَّلَاقُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ شَرْعِ اللهِ تعالى، لَا يَجُوزُ التَّلَاعُبُ بِهِ، كَمَا لَا يَجُوزُ اسْتِخْدَامُهُ لِغَيْرِ هَدَفِهِ الشَّرْعِيِّ، الطَّلَاقُ جَعَلَهُ شَرْعُ اللهِ تعالى خُطْوَةً أَو حَلَّاً يَلْجَأُ إِلَيْهِ الزَّوْجَانِ المُتَخَاصِمَانِ عِنْدَمَا تُفْلِسُ كُلُّ الحُلُولِ، وَتَنْعَدِمُ كُلُّ الحِيَلِ في اسْتِمْرَارِ الحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ، وَحِينَ يَظَلُّ الشَّقَاءُ شِعَارَ البَيْتِ. لَقَدْ صَوَّرَ الإِسْلَامُ الطَّلَاقُ صُورَةً تُرْهِبُ كُلَّاً مِنَ الزَّوْجَيْنِ، حَتَّى يَبْتَعِدُوا عَنْهُ مَا اسْتَطَاعُوا إلى ذَلِكَ سَبِيلَاً، فَقَالَ ﷺ (أَبْغَضُ الْحَلَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ) وَقَالَ ﷺ (مَا أَحَلَّ اللهُ شَيْئَاً أَبْغَضَ إِلَيْهِ مِنَ الطَّلَاقِ). فَلَا يَصِحُّ اسْتِعْمَالُ كَلِمَةِ الطَّلَاقِ لِأَسْبَابٍ يُمْكِنُ عِلَاجُهَا عَنْ طَرِيقِ ﴿فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلَاً إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيَّاً كَبِيرَاً﴾. أَو عَنْ طَرِيقِ ﴿فَابْعَثُوا حَكَمَاً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمَاً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحَاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمَاً خَبِيرَاً﴾. أَو عَنْ طَرِيقِ ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئَاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرَاً كَثِيرَاً﴾. عِبَادُ اللهِ: عَوَاطِفُنَا مُتَقَلِّبَةٌ وَمُتَغَيِّرَةٌ، فَلَا نَجْعَلْ مِنْ عَوَاطِفِنَا سَبِيلَاً مُبَرِّرَاً للطَّلَاقِ، لَا يَجُوزُ أَنْ نَبْنِيَ عَلَيْهَا أُمُورَاً خَطِيرَةً تَتَعَلَّقُ بِكَيَانِ الأُسْرَةِ، لِأَنَّ بَغِيضَكَ اليَوْمَ قَدْ يَكُونُ حَبِيبَاً لَكَ في الغَدِ. الطَّلَاقُ خَطِيرٌ وَخَطِيرٌ جِدَّاً، فَلْيَحْذَرِ الرَّجُلُ مِنْهُ، وَلْتَحْذَرِ المَرْأَةُ مِنْ طَلَبِهِ. قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ t لِزَوْجَتِهِ: إِذَا رَأَيتِينِي غَضِبْتُ فَرَضِّينِي، وَإِذَا رَأَيْتُكِ غَضِبْتِ رَضَّيْتُكِ، وَإِلَّا لَمْ نَصْطَحِبْ. اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا أَحْسَنَ الأَخْلَاقِ وَالأَعْمَالِ. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ ...   الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ... مَعَاشِرُ الْمُؤْمِنِينَ ... إِنَّ الحَيَاةَ الزَّوْجِيَّةَ السَّعِيدَةَ هِيَ تِلْكَ التي لَا تَخْلُو مِنَ الخِلَافَاتِ الزَّوْجِيَّةِ، وَالتي هِيَ مَعَ الأَيَّامِ وَاللَّيَالِي تُذْكِي الحُبَّ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَتُقَوِّي الرَّابِطَةَ الزَّوْجِيَّةَ، فَالزَّوَاجُ رَابِطَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَمِنْ آيَاتِ اللهِ تعالى أَنَّهُ لَمْ يَخْلُقِ اثْنَيْنِ مُتَشَابِهَيْنِ تَمَامَاً في الصِّفَاتِ وَالأَخْلَاقِ، وَذَلِكَ اخْتِبَارَاً وَابْتِلَاءً ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرَاً﴾. اعْلَمْ أَيُّهَا الزَّوْجُ هَذَا الحَدِيثَ الشَّرِيفَ، عَنْ جَابِرٍ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ (إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئَاً، قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ، فَيَلْتَزِمُهُ) فَهَلْ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ تَتَعَجَّلَ بِكَلِمَةِ الطَّلَاقِ أَيُّهَا الزَّوْجُ في سَاعَةِ الغَضَبِ لِتُفْرِحَ الشَّيْطَانَ! وَهَلْ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ الْمَرْأَةَ تَطْلِبُ الطَّلَاقَ مِنْ زَوْجِهَا في سَاعَةِ الغَضَبِ لِتُفْرِحَ الشَّيْطَانَ! قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلاَقَ فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ، فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ). ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُن وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً﴾. اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِحْ أَئِمَتَنَا وَوُلَاةَ أَمُورَنَا. اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَاجْعَلْ عَمَلَهُ فِي رِضَاكَ، وَوَفِّقْهُ لِمَا فِيهِ صَلَاحُ الْعِبَادِ وَالْبِلَادِ، وَارْزُقْهُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ الَّتِي تَحُثُّهُ عَلَى الْخَيْرِ، وَتُحَذِّرُهُ مِنَ السُّوءِ وَالشَّرِّ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا ولوالدينا ذُنُوبَنَا جَمِيعًا، وَارْحَمْنَا بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ؛ إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. اللَّهُمَّ واجْعَلْ قُلُوبَنَا مُطْمَئِنَّةً بِحُبِّكَ، وَأَلْسِنَتَنَا رَطْبَةً بِذِكْرِكَ، وَجَوَارِحَنَا خَاضِعَةً لِجَلاَلِكَ. اللَّهُمَّ وأَحْسِنْ عَاقِبَتَنَا فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، وَأَجِرْنَا مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الآخِرَةِ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ أَعْمَارِنَا أَوَاخِرَهَا، وَخَيْرَ أَعْمَالِنَا خَوَاتِمَهَا، وَخَيْرَ أَيَّامِنَا يَوْمَ نَلْقَاكَ. اللَّهُمَّ وصَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الأَكْرَمِينَ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
المرفقات

1668754607_لا تتعجل بالطلاق.docx

1668754617_لا تتعجل بالطلاق.pdf

المشاهدات 395 | التعليقات 0