لا تبرحوا مكانكم

Not Rated
عبدالرحمن اللهيبي
1446/09/28 - 2025/03/28 07:14AM

الحَمْدُ للهِ الغَفُورِ الرَّحِيمِ، الجَوَادِ الكَرِيمِ، بَاسِطِ الخَيْرَاتِ، وَاسِعِ الرَّحَمَاتِ، مُقِيلِ العَثَرَاتِ، مُغِيثِ اللَّهَفَاتِ، مُفِيضِ العَبَرَاتِ نَحْمَدُهُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ، وَنَسْتَغْفِرُهُ اسْتِغْفَارَ المُذْنِبِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ رَفَعَ الله ذِكْرَهُ فِي المَلَأِ الأَعْلَى، وَعَرَجَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ المُنْتَهَى، وَأَرَاهُ مِنْ آيَاتِهِ الكُبْرَى، وأثنى عليه فِي كِتَابٍ يُتْلَى؛ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أما بعد: فعليكم بتقوى اللهِ أيها الناس؛ فإن لباسَ التقوى خيرُ لباس، وهي المُرتجَى حين الرَّحيل وعند الإياس، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ

أيها الصائمون، ما أسرعَ ما تنقضي الليالي والأيام، وما أعجلَ ما تتصرم الشهور والأعوام، وصدق الله: [كُلُّ شَىْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ] .

أيها الصائمون، شهرُ رمضان أوشك تمامُه ، وتصرَّمت لياليْه وأيامُه، قرُب رحيله، وأذِن تحويلُه، سار مسرعا، وسيرحل مودعاً، ولله الحمد على ما قضى وأبرَم، وله الشّكر على ما أعطى وأنعم. فاختموا يا صائمون شهركم بخير ختام ، فالعبرة بكمال النهايات لا بنقص البدايات واستغفروا ربكم من كل خلل وتقصير ومن كل إثم وخطأ وتفريط .. قال الحسن رحمه الله: أكثروا من الاستغفار فإنكم لا تدرون متى تنزل الرحمة .. نعم يا عبدالله إنك لا تعلم أيَّ ساعةٍ سوف تُظِلُّك فيها الرحمات، ولا تدري أي لحظة تدركك فيها النَّفَحات، ولا تعلم أيَّ ليلةٍ تُعتَقُ فيها من النار لتلحَقَ بركبِ الناجين الأبرار

أيها الصائمون : إنه لم تزَل أبوابُ الجنان مفتحة، وأبواب النيران مغلقة ، ولم تزَل الملائكةُ حاملةً أقلامَها لتكتُب الحسناتِ والأعمالَ الصالحات، ولن يمَلَّ مُوفَّقٌ من خيرٍ حتى يكون مُنتهاهُ الجنة.

وَالأَعمَالُ بِالخَوَاتِيمِ ، وَمَن أَحسَنَ فِيمَا بَقِيَ غُفِرَ لَهُ مَا مَضَى ، وَمَن أَسَاءَ فِيمَا بَقِيَ أُخِذَ بما مَضَى وَمَا بَقِيَ

فيا عَبدَ اللهِ ، يَا مَن قَصَّرتَ فِيمَا مَضَى من رمضان ، لا تَقُلْ فَاتَ الأَوَانُ ! نَعَم ، لا تَقُلْ فَاتَ الأَوَانُ، فَوَاللهِ مَا فَاتَ ، فإنك تَتَعَامَلُ مَعَ رَبٍّ رَحِيمٍ جَوَادٍ كَرِيمٍ ، وَلَو لم يَبقَ في هَذَا الشَّهرِ المُبَارَكِ إِلاَّ دَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ , فَمَا الَّذِي يَصرِفُكَ عَنِ اغتِنَامِهِا؟  كَيفَ وَقَد بَقِيَت فيه ليلة سيُعتق فيها رقاب من النار، ومن يدري أيضا فربما كانت ليلة القدر هذه الليلة ؟

فاجتهدوا يا صائمون في حسن الختام بالطاعة في رمضان قبل انقضائه، وأسرعوا بالمتاب قبل انتهائه، فلعل رقابَكم تعتقُ قبل زواله ، وعسى ذنوبُكم تغفرُ قبل رحيله ، فاغتمنوا فرصة تمرُّ مرَّ السحاب، ولِجوا قبل أن ينتهيَ الشهرُ ويُغلق الباب، ألا والله ما أحوجَ العبدَ لخلوة بربه في ختام شهره، يناجيه ويدعوه، مع التوبة والاستغفار، والأوبة والانكسار، والتضرع والافتقار، فلعل الله أن ينظر لحاله وصدق فعاله ، فيقيلُ منه العثار، ويحطُ عنه الذنوب والأوزار، فربنا غفور كريم لمن طرق بابه، نعم يا عبد الله، والله لو بلغت ذنوبك كثرةً عنان السماء، وما انتهى إليه البصر من الفضاء، فإن الله يغفر لك إذا استغفرته بصدق وإلحاح ، يقول رسول الله الهدى صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: ((قال الله تعالى: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة))

والله يقول: " وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ"

أقول قولي...

 

 

 

 

 

أما بعد: أيها المسلمون، ، ما أسرع ما يتقضّى الزمن، وما أعجل ما تمضي الأيام، كنا بالأمس نستقبل رمضان، واليوم على عتبات وداعه، ولم يكن بين استقبالنا ووداعنا إلا أيام قلائل مرّت مرور الطيف ولمعت لمعان البرق ، ثم غادرتنا مُقَرِّبة إلينا آجالَنا ، مُقَصِّرة من آمالنا ، وعما قريب ستنقضي أعمارنا ، وعندها يفارق المرء دنياه، غير حامل زادًا إلا زادَ العملِ الصالح، فأيّنا أعدّ لذلك اليوم عُدّته واتخذ له أهبته, والله يقول: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ

فيا عبد الله، جَدّ القوم وأنت قاعد، وقاموا لله وأنت غافل أو راقد، وأقبلوا على مولاهم وأنت عنه شارد

فيا لحسن الفائرين الذين اغتنموا شهر رمضان بأكمل وجه من صلاة وصيام ، وتلاوة وقيام ، وصدقة وإحسان  ويا لخسارة المفرطين الذين لم يعرفوا لرمضان قدره ، وأمضوه في الغفلة والآثام

فيا من أضعت ليالي رمضان الشريفة في اللهو والشهوات، يا لها والله من خسارة لا تشبهها خسارة، أن ترى أهلَ الإيمان واليقين، وقوافل القائمين العابدين ، قد حظَوا في ساعات هذا الشهر العظيم ، من الرب الكريم ، بالقرب والزلفى والرضوان، وعُتقت رقابهم من النيران ، وقد رُميتَ أنت بالطرد والإبعاد والحرمان ، أعاذني الله وإياك من ذلك

فاستدرك يا عبد الله من رمضان ما فات، وأدرك الركب والحق بالقافلة، واجعل خواتيم الشهر بطاعة ربك حافلة، اجعَلْ مِن هَذِهِ الليلة المتبقية مَطِيَّتَكَ إِلى الجِنَانِ ، وأعظم الرجاءَ في الرب الكريم المنان

فالله الله في ما بقي من الساعات ، لا تبرحوا مكانكم ولو انصرف الناس للاشتغال بشئون العيد ، أَبقوا أيديكم مرفوعة في الدعاء ، فلعل الله ينظر لصدق رجاءك في الساعات الأخيرة التي ينصرف فيها الناس فيجيب الله دعاءك ، ويمنحك أملك ورجاءك

أيها المسلمون، زكاة الفطر فرضها الله شكرا لله ، وطُهْرة للصائم من اللغو والرفث وطُعْمة للمساكين ، وتدفع زكاةُ الفطر إلى من تجوز عليه زكاة المال من الفقراء والمساكين، فيدفعها إلى المستحق ويتحرّى في ذلك ما استطاع...

أيها المسلمون: التكبير ليلة العيد سنة وشعيرة، قال الله تعالى: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ، فيُسنّ التكبيرُ ليلةَ العيد والجهرُ به في المساجد والبيوت والأسواق تعظيمًا لله وشكرًا له على تمام النعمة.

ويستحب الاغتسال والتطيب للرجال قبل الخروج للصلاة، وكذا التجمل بأحسن الملابس، وكان للنبي  جبةٌ يلبسها في العيد وفي يوم الجمعة ، فما أجمل أن يتزي الرجال بلبس البشوت يوم العيد استنانا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وإحياءً للفرح بالشعيرة ، ويستحب أكلُ تمرات وترا قبل الذهاب إلى صلاة العيد، فقد كان رسول الله  لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات وترا

ويستحب للنساء الخروجُ لصلاة العيد لشهود الخير ودعوة المسلمين، ويجب عليهن عدمُ إبداء الزينة أمام الرجال، ويحرم على من أرادت الخروج أن تمسّ طيبا وعطرا، فإنها ما خرجت إلا لعبادة الله وطاعته، فكيف تعصي الله بالتبرج والسفور والتطيب أمام الرجال؟! وعلى الآباء والأزواج متابعةُ نسائهم في ذلك بما كلفهم الله به من أمر القوامة..

واحرصوا يا مسلمون على إدراك صلاة العيد والتبكير لها وإننا سوف نقيمها في هذا الجامع بعد مضي وقت الإشراق بربع ساعة بإذن الله

هذا وصلوا وسلموا..

المرفقات

1743135254_وداعا رمضان.doc

المشاهدات 518 | التعليقات 0