لا تَبْخَلوا بالشُّكْرِ لأهلِ المعروف+الحثُّ على صيامِ عاشوراءَ

عبدالمحسن بن محمد العامر
1445/01/02 - 2023/07/20 17:30PM

الحمدُ للهِ الشّاكرِ العليمِ، يُحبَّ الشكرَ ويأمرُ به، وهو الشّكورُ الحليمُ، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له العليُّ العظيمُ، وأشهدُ أنَّ محمّداً عبدُه ورسولُه؛ جاءَ بالدِّينِ القويمِ، وبالشرعِ السليم، صلى اللهُ وسلَّمَ عليه وعلى آله أولي المَقامِ الكريمِ، وصحابتِه أهلِ اليقينِ والتّسليمِ، وعلى التابعينَ ومَنِ اتّبعهم بإحسانٍ إلى يومِ البعثِ للعزيزِ الرحيمِ.

أمّا بعدُ فيا عبادَ اللهِ: أوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ وشُكْرِه، والمُداومَةِ على ذِكْرِه.

"فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ"

معاشر المؤمنينَ: الشُّكْرُ خُلُقٌ نبيلٌ، وقيمَةٌ ساميَةٌ، محبوبٌ إلى اللهِ تعالىِ، فاللهُ شكورٌ شاكرٌ، يحبُّ الشُّكْرِ والشّاكرين، وأمرَ عبادَه به فقالَ سبحانَه: "فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" وقالَ تعالى:

"أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ "

وقالَ عليه الصّلاةُ والسَّلامُ: "ومَنْ صَنَع إليكم معروفًا فكافِئوه، فإنْ لم تَجِدوا ما تكافِئونَه فادْعُوا له حتى تَرَوا أنَّكم قد كافَأْتُموه" رواهُ أبو داودَ والنّسائيُّ، وصحّحه الألبانيُّ.

ويومَ أنْ أمرَ اللهُ عبادَه بالشُّكرِ؛ فإنَّ ذلك يعني أنَّ هذا الخُلُقَ موجودٌ في فِطْرةِ البشرِ التي فطرَهُم عليها، وِبمَقْدُوْرِ كلِّ واحدٍ أنْ يُنمّيَها ويُحيِيَها ويُظْهِرَها ويُمَارسَها قولاً وفِعْلاً، ولكنَّ بعضِ البشرِ يُمِيْتُ هذه الفطرَةَ ويَنْسَاها، ويَستَحوِذُ عليه الشَّيطانُ حتّى يَتْرُكَها ويأبَاهَا؛ قالّ تعالى عن تَوَعُّدِ إبليسَ لآدمَ وذُرِّيَتِه: "ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ"

ولِعَظِيمِ قَدْرِ الشُّكرِ عندَ اللهِ؛ جَعَلَ شُكْرَه مرتبطاً بِشُكْرِ عبادِه؛ قالَ صلى اللهُ عليه وسلّمَ: "مَن لا يشكرُ النَّاسَ لا يشكرُ اللهَ" رواه الترمذيُّ وقالَ حسنٌ صحيحٌ، وصحَّحَه الألبانيُّ.

عبادَ اللهِ: تَرْكُ الشُّكْرِ؛ جُحُودٌ، وعاقِبتُه وخيمَةٌ خطيرَةٌ، ومآلُ الجاحِدينَ الخسارَةُ النّكراءُ، والخاتِمَةُ الشَّنعاءُ.

جاءَ في السُّنَّةِ مِثَالانِ؛ أحدُهِما لِمَعْدُومي الشُّكرِ، الجاحدينَ النَّعمَةَ والْفَضلَ والمعروفَ، والآخرُ؛ للشَّاكرِ الَّنعْمَةَ؛ المُقابلِ للإحسانِ بإحسانٍ، وللفضلِ والمعروفِ بالوفاءِ والامتنانِ.

فأمّا معدومو الشُّكرِ الجاحِدونَ للنعمَةِ، فهم أولئكَ النّفرُ المعروفونَ بالعُرنِيّينَ؛ قالَ أنسُ بنُ مالكٍ رضيَ اللهُ عنه: إنَّ ناسًا مِن عُكْلٍ وعُرَيْنَةَ قَدِمُوا المَدِينَةَ علَى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وتَكَلَّمُوا بالإِسْلامِ، فقالوا: يا نَبِيَّ اللَّهِ، إنَّا كُنَّا أهْلَ ضَرْعٍ، ولَمْ نَكُنْ أهْلَ رِيفٍ. واسْتَوْخَمُوا المَدِينَةَ، فأمَرَ لهمْ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بذَوْدٍ وَراعٍ، وأَمَرَهُمْ أنْ يَخْرُجُوا فيه فَيَشْرَبُوا مِن ألْبانِها وأَبْوالِها، فانْطَلَقُوا، حتَّى إذا كانُوا ناحِيَةَ الحَرَّةِ، كَفَرُوا بَعْدَ إسْلامِهِمْ، وقَتَلُوا راعِيَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، واسْتاقُوا الذَّوْدَ، فَبَلَغَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَبَعَثَ الطَّلَبَ في آثارِهِمْ، فأمَرَ بهِمْ، فَسَمَرُوا أعْيُنَهُمْ، وقَطَعُوا أيْدِيَهُمْ، وتُرِكُوا في ناحِيَةِ الحَرَّةِ حتَّى ماتُوا علَى حالِهِمْ. قالَ قَتادَةُ: بَلَغَنا أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعْدَ ذلكَ كانَ يَحُثُّ علَى الصَّدَقَةِ ويَنْهَى عَنِ المُثْلَةِ." رواهُ البخاريُّ. فهؤلاء؛ جرّهم عدمُ الشُّكرِ إلى الكفرِ، والخيانَةِ، والإفسادِ في الأرضِ، فكانت عاقبتُهم الهلاكُ بتلك الصّورةِ التي استحقّوها جزاءً وفاقاً لعمَلهِمُ الشنيعِ، وكأنَّه تحقَّق فيهم قولُ اللهِ تعالى: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ"

وأمّا الشَّاكرُ الَّنعْمَةَ؛ المُقابلُ للإحسانِ بإحسانٍ، وللفضلِ والمعروفِ بالوفاءِ والامتنانِ؛ فذلكمُ الرجلُ الذي عادَى النَّبيَّ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهمَّ بقتْلِه، وقَتَلَ عدداً مِنْ أصحابِه رضيَ اللهُ عنهم أجمعينَ، وخرَجَ مِنْ ديارِ قومِه في أرضِ اليمامَةِ في نجدٍ يريدُ العُمْرةَ على دينِ الجاهليَّةِ، فظَفرَ به أصحابُ رسولِ اللهِ فأسَرُوهُ وجاءوا به إلى رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلّم، عن أبي هريرةَ رضيَ الله عنه قالَ: "بَعَثَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ برَجُلٍ مِن بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ له: ثُمَامَةُ بنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بسَارِيَةٍ مِن سَوَارِي المَسْجِدِ، فَخَرَجَ إلَيْهِ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقَالَ: ما عِنْدَكَ يا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ: عِندِي خَيْرٌ يا مُحَمَّدُ؛ إنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وإنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ علَى شَاكِرٍ، وإنْ كُنْتَ تُرِيدُ المَالَ فَسَلْ منه ما شِئْتَ، فَتُرِكَ حتَّى كانَ الغَدُ، ثُمَّ قَالَ له: ما عِنْدَكَ يا ثُمَامَةُ؟ قَالَ: ما قُلتُ لَكَ: إنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ علَى شَاكِرٍ، فَتَرَكَهُ حتَّى كانَ بَعْدَ الغَدِ، فَقَالَ: ما عِنْدَكَ يا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ: عِندِي ما قُلتُ لَكَ، فَقَالَ: أطْلِقُوا ثُمَامَةَ. فَانْطَلَقَ إلى نَجْلٍ ــ والنّجْلُ بالجيمِ مَنْبَعُ الماءِ ــ قَرِيبٍ مِنَ المَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ، فَقَالَ: أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، يا مُحَمَّدُ، واللَّهِ ما كانَ علَى الأرْضِ وجْهٌ أبْغَضَ إلَيَّ مِن وجْهِكَ، فقَدْ أصْبَحَ وجْهُكَ أحَبَّ الوُجُوهِ إلَيَّ، واللَّهِ ما كانَ مِن دِينٍ أبْغَضَ إلَيَّ مِن دِينِكَ، فأصْبَحَ دِينُكَ أحَبَّ الدِّينِ إلَيَّ، واللَّهِ ما كانَ مِن بَلَدٍ أبْغَضُ إلَيَّ مِن بَلَدِكَ، فأصْبَحَ بَلَدُكَ أحَبَّ البِلَادِ إلَيَّ، وإنَّ خَيْلَكَ أخَذَتْنِي وأَنَا أُرِيدُ العُمْرَةَ، فَمَاذَا تَرَى؟ فَبَشَّرَهُ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَمَرَهُ أنْ يَعْتَمِرَ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ له قَائِلٌ: صَبَوْتَ! قَالَ: لَا، ولَكِنْ أسْلَمْتُ مع مُحَمَّدٍ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولَا واللَّهِ، لا يَأْتِيكُمْ مِنَ اليَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ" رواه البخاريُّ. وظَلَّ ثُمامةُ بنُ أُثَالٍ وفيَّاً لدِينِه، حافظاً لعهدِ نبيِّه، حتى أبلى بلاءً حسناً في قتالِ المُرتدِّينَ وقِتَالِ مسيلمةَ الكذّابَ.

عبادَ اللهِ: قِلَّةُ الشُّكْرِ لأَهْلِ المعروفِ؛ جفاءٌ وعقوقٌ، وانعدامُه كفْرٌ وفسوقٌ، فالوالدانِ أحقُّ أهلِ المعروفِ بالشُّكرِ؛ إذْ لهما المَعْرُوْفُ الأوَّلُ والأعظمُ بعدَ اللهِ على أولادِهما، وقدْ قَرَنَ اللهُ شُكْرَهُما بِشُكْرِه؛ فقالَ: " وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ"

وشُكْرُهُما يكونُ بِبرِّهما والإحسانِ إليهما قولاً وعملاً.

والزّوجانِ لهُمَا على بعْضِهِمَا حَقُّ الشُّكرِ على مَعْرُوْفِ كلٍّ منهما على الآخرِ، قالَ عليه الصلاةُ والسَّلامُ عن حقِّ النساءِ على أزواجِهنَّ: "ألاَ واستَوصوا بالنِّساءِ خيرًا، فإنَّما هُنَّ عَوانٍ ــ أي: أَسيراتٌ ــ عندَكم، لَيسَ تَملِكونَ مِنهنَّ شيئًا غيرَ ذلِكَ" رواه الترمذيُّ وحسّنه الألبانيُّ. وقالَ أيضاً: " اتقوا اللهَ في النساءِ فإنَّكُم أَخذتُمُوهُنَّ بأمَانِ اللهِ واسْتَحْلَلَتُمْ فُروجَهُنَّ بكلمةِ اللهِ" رواهُ مسلِمٌ

وحقُّ الزّوجِ على زوجتِه أعظَمُ وأكبرُ، ولكِنْ يكثرُ تقصيرُ الزّوجاتِ في حقِّ أزواجهنَّ؛ جهلاً، وغفلةً، واستحواذاً للشيطانِ عَلَيْهِنَّ، قالَ صلى الله عليه وسلّمَ: " أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أكْثَرُ أهْلِهَا النِّسَاءُ، يَكْفُرْنَ قيلَ: أيَكْفُرْنَ باللَّهِ؟ قالَ: يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، ويَكْفُرْنَ الإحْسَانَ، لو أحْسَنْتَ إلى إحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شيئًا، قالَتْ: ما رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ" رواه البخاريُّ، والمرادُ بالكُفْرِ هنا: كُفْرُ النِّعمةِ؛ إيْ إنكارُها.

 أرأيتم كيف سمّى النَّبيُّ عليه الصلاة والسلامُ قِلّةَ الشُّكرِ، وجَحُودَ المَعروفِ ونُكْرانَ الإحسانِ كفراً!!

ومِنْ أهلِ المعْرُوفِ الذينَ يتأكّدُ لهُمُ الشّكرُ؛ المُسَلِّفُوْنَ للأموالِ؛ المُقْرِضونَ غَيْرَهُم لوجْهِ اللهِ؛ عن عبدِاللهِ بنِ أبي ربيعَةَ رضيَ اللهُ عنه قالَ: "اسْتَسْلَفَ منِّي نبيُّ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أربعينَ ألفاً فجاءَهُ مالٌ فَدَفَعَهُ إليَّ وقالَ: بارَك اللَّهُ لَكَ في أَهلِكَ ومالِكَ، إنَّما جزاءُ السَّلَفِ الحَمْدُ والأَداءُ" رواه النّسائيُّ وحسّنَه الألبانيُّ.

ولا يَنْفَكُّ الإنسانُ مِنْ معروفٍ أُسْدِيَ إليه، ومِنْ إحسانٍ صُنِعَ لَه، ومِنْ خيرٍ أُوْصِلَ إليه؛ إذْ الإنسانُ بطبعِه مَدَنِيٌّ يُخالطُ النَّاسَ، ويَحْتَاجُهُم، ولذا سَهَّلَ الشَّرْعُ مُهِمّةَ الشُّكْرِ، وجَعَلَها تَتِمُّ بكلِمَةٍ يَسِيْرَةٍ؛ قالَ صلى اللهُ عليه وسلّمَ: " من صُنعَ إليهِ معروفٌ فقالَ لفاعلهِ جزاكَ اللَّهُ خيرًا فقد أبلغَ في الثَّناءِ" رواهُ التِّرمذيُّ والنسائيُّ وحسَّنهُ ابنُ حجر.

وقالَ عليه الصلاةُ والسّلامُ: "مَنْ أُتِيَ إليهِ معروفٌ فلِيكافئَ بهِ، ومَنْ لمْ يستطعْ فلِيذكرْهُ، فإنَّ مَنْ ذكرَهُ فقد شكرَهُ" رواهُ الإمامُ أحمدُ وحسّنَه الألبانيُّ. 

باركَ اللهُ لي ولكمْ بالكتابِ والسُّنَّةِ، ونفعنا بما صرّفَ فيهما مِنَ العِبَرِ والحِكمَةِ.

أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم إنّه كانَ غفَّارا.

 

الخطبةُ الثانيةُ:

الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشّكْرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيماً لشأنِه، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه الدّاعي إلى رضوانِه؛ صلى اللهُ وسلّمَ عليه وعلى آله وأصحابِه وإخوانِه.

أمّا بعدُ: فيا عبادَ اللهِ اتقوا اللهَ "وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ"

معاشرَ المؤمنينَ: وأوَّل الشُّكرِ وأعظَمُه، وأحقُّه وأولاه؛ شُكرِ اللهِ الواحدِ الأحدِ، الفردِ الصّمَدِ، مُولِي النَّعمِ ودافعِ النِّقَم، مُتابِعِ الخيراتِ على الخَلْقِ، وكافلِ الرِّزْقِ، وشُكرُ اللهِ يكونُ بالقولِ؛ حَمْدَاً، وثناءً، وتمْجيداً، وتَعْظِيْمَاً، ويكونُ بالفعْلِ؛ عبادةً بالبَدَنِ والمالِ، كما قالَ تعالى: "اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا" ومِنْ شُكْرِ اللهِ في هذهِ الأيامِ؛ صيامُ يومِ عاشوراءَ الذي صامَه نبيُّ اللهِ موسى عليه السلامُ، وصامَه نبيُّنا محمَّدٌ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ عنِ ابنِ عبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما قالَ: " قدِمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فوجَدَ يهودَ يصومونَ يومَ عاشوراءَ فقالَ لهم: (ما هذا ؟) قالوا: يومٌ عظيمٌ نجَّى اللهُ فيه موسى وأغرَق آلَ فِرْعونَ فصامَه موسى شُكرًا للهِ؛ فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (أنا أَوْلى بموسى وأحقُّ بصيامِه منكم) فصامه وأمَرَ بصيامِه" رواهُ البخاريُّ واللفظُ له ومسلمٌ.

ويُستَحبُّ صيامُ يومٍ قبلَه؛ لقولِ ابنِ عبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما: "حِينَ صَامَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَومَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بصِيَامِهِ قالوا: يا رَسولَ اللهِ، إنَّه يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: فَإِذَا كانَ العَامُ المُقْبِلُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - صُمْنَا اليومَ التَّاسِعَ، قالَ: فَلَمْ يَأْتِ العَامُ المُقْبِلُ حتَّى تُوُفِّيَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ" رواهُ مسلمٌ.

ويوافقُ يومُ عاشوراءَ هذه السّنَةَ يومَ الجمعةِ القادِمِ بإذنِ اللهِ تعالى.

والصيامُ في شَهْرِ محرّمٍ كلِّه فاضلٌ، فيسنُّ للمسلمِ صيامُ ما استطاعَ منه؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ" رواه مسلمٌ. 

هذا وصلّوا وسلموا على رسولِ اللهِ كما أمركم بذلكَ اللهُ ..

 

 

 

 

المشاهدات 710 | التعليقات 0