لا أمن إلا بعدل ( موافقة للتعميم )

عبدالرزاق بن محمد العنزي
1444/01/20 - 2022/08/18 09:00AM

الخطبة الأولى:(21/1/1444هـ)                                                                                     

أيها الناس: جَاءَ الإِسلامُ بِكُلِّيَّاتٍ خَمسٍ، أَوجَبَ حِفظَهَا وَحَمَى حِمَاهَا، وَحَدَّ الحُدُودَ وَشَرَعَ التَّعزِيرَاتِ لِلحَيلُولَةِ دُونَ النَّيلِ مِنهَا، إِنَّهَا الدِّينُ وَالنَّفسُ وَالمَالُ وَالعِرضُ وَالعَقلُ، بِكُلِّ هَذِهِ الحُقُوقِ جَاءَتِ الشَّرِيعَةُ، وَعَنهَا دَافَعَ الإِسلامُ، وَلأَجلِهَا أُوجِبَ فِعلُ الوَاجِبَاتِ وَحُتِّمَ الانتِهَاءُ عَنِ المَنهِيَّاتِ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّهُ لا مُسَوِّغَ بَل وَلا مَجَالَ لِلتَّفرِيقِ بَينَهَا في اهتِمَامِ المُكَلَّفِينَ، بَل لا بُدَّ مِن حِمَايَتِهَا كُلِّهَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، وَتَأثِيمِ كُلِّ مُعتَدٍ عَلَى أَيٍّ مِنهَا وَمُحَارَبَتِهِ وَمَنعِهِ وَالأَخذِ عَلَى يَدِهِ وَصَدِّهِ،وهذه الضرورات الخمس لا تحفظ إلا بالأمن:فإذا اختل الأمن لم يمكن للناس إظهار الشعائر، ولا تطبيق الشرائع، وإذا اختل الأمن أُزهقت النفوس بأبخس الأثمان، بل بالمجان، وعمت الفوضى، واستوحش الناس، فلا يدري القاتل لم قَتل، ولا المقتول لم قُتل، ولا أمن في الدنيا إلا بالعدل، وعلى الظالم تدور الدوائر.              

ولأنه لا أمن إلا بعدل كان العدل في الشرائع الربانية قيمة مطلقة مأموراً بها بلا استثناء﴿ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ﴾ وكان النهي عن الظلم قيمة مطلقة بلا استثناء، ولا شيء أعظم في الظلم من قول الله تعالى في الحديث القدسي "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا" رواه مسلم.                    

إن كون العدل في الإسلام قيمة مطلقة لا يجري عليها أي استثناء يعني تحريم ظلم أي أحد من الناس مؤمناً كان أم كافراً، برًّا كان أم فاجراً، ولا يجوز لعالم عابد قانت صالح أن يظلم مشركاً فاجراً داعراً؛ فلا يستبيح دمه أو ماله بلا حق. وهذا من معاني كون النبي صلى الله عليه وسلم رحمة للناس كلهم؛ كما في قوله تعالى ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ فإنه جاء بشريعة تأمر بالعدل مع كل أحد، وتنهى عن ظلم أي أحد. وهذا يحتم على المؤمن لزوم العدل، واجتناب الظلم، وتعظيم ما عظمه الله تعالى من الدماء فلا يسفكها إلا بحق، والأموال فلا يتلفها إلا بالحق.                                              

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنْ كَمَالِ الدِّينِ وَتَمَامِهِ وَعَدْلِهِ ، يَتَعامَلُ الْإِسْلَامُ مَعَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ مِن الْمُعَاهَدِينَ الَّذِينَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الدَّوْلَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ الْتِزَامٌ وَعَهْدٌ ، وَكَذَلِكَ مَعَ الْمُسْتَأْمَنِينَ الَّذِينَ تَمَّ إعْطَاؤُهُمْ الْأَمَانُ لِلدُّخُولِ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ لِلتِّجَارَةِ مَثَلًا أَوْ مَا يَرَاهُ وَلِيُّ الْأَمْرِ بِهَذَا الْخُصُوصِ بِالْوَفَاء بِالْعَهْدِ وَالْعَقْدِ ، وَعَدَمِ الظُّلْمِ بِأَيّ شَكْلٍ مِنْ الْأَشْكَالِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : « أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا ، أَوِ انْتَقَصَهُ ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » أَيْ : خَصْمُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .                          

فَلَا يَجُوزُ التَّعَدِّي عَلَيْهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِم ، بَلْ وَلَا يَجُوزُ تَرْوِيعُهُم وَإِخَافَتُهُم ، وَيُعَامَلُون بِالْعَدْلِ وَالْقِسْطِ ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا ‌يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾بارك الله لي ولكم،،،

الخطبة الثانية :                                                              

أيها المسلمون: حقٌّ على كلِّ مسلمٍ أن يتعلمَ من قُدوتِه وإمامِه التَّعاملَ مع غير المسلمينَ، حتى لا نقعَ في الأخطاءِ القادحةِ، والآثامِ الفادحةِ، وحتى لا يخلطَ الإنسانُ بينَ عقيدةِ الولاءِ والبراء، وبينَ الاعتداء على الأبرياءِ.                                             

قال الشيخ ابن باز رحمه الله:" وليسَ معنى بغضِهم وعداوتِهم أن تظلمَهم أو تتعدَّى عليهم إذا لم يكونوا محاربينَ، وإنما معناهُ أن تبغضَهم في قلبِكَ وتعاديهم بقلبِكَ، ولا يكونوا أصحاباً لك، لكن لا تؤذيهم ولا تضرُّهم ولا تظلمُهم، فإذا سلمَّوا تردَّ عليهم السَّلامَ وتنصحُهم وتوجهُهم إلى الخيرِ) ففرقٌ بينَ عقيدةِ البَراءِ وبين المعاملةِ الحسنةِ لغرضِ الدَّعوةِ إلى اللهِ.                               

وفي قصة الغلام اليهودي الذي كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ ولم يتركه حتى دخل في الإسلام أعظم ترجمةٍ فعليَّةٍ لقولِه تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ).                         

فيا ليت هذا الهمَّ الذي كانَ يحملُه قلبُ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ وهو هدايةُ النَّاسِ إلى الحقِّ، يا ليتنا نحمله ونشعر به.                       

 ....ثم صلوا ،،،

 

 

 

 

 

المشاهدات 1430 | التعليقات 0