لايعلمون الغيب 3/3/ 1446

عبدالعزيز بن محمد
1446/03/02 - 2024/09/05 15:39PM

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
 

أيها المسلمون: جُبِلَتِ النُّفُوسُ عَلى اسْتِشْرافِ كُلِّ مُغَيَّب، وعلى العِلْمِ بِكُلِّ ما هُو آتٍ، وعلى مَعْرِفَةِ المُسْتَقْبَلِ في الغِيْبِ الخَفِي. فالنُّفُوسُ إِلى العِلْمِ بما سَيَكُونُ في قَادِمِ الزَّمَنِ مُتَطَلِّعَةٌ. وإِلى العِلْمِ بِما سَيَكُونُ في قابِل الأَيامِ تَوَّاقَةٌ.  يَدْفَعُها إِلى ذَلِكَ خَوفٌ على المُسْتَقْبَلِ أَو طَمَع، أَو رَغْبَةٌ في نَيْلِ ظَفَرٍ أَو رَهْبَة، أَو يَحْمِلُها على ذَلِكَ فَيْضٌ مِنْ فُضُول.

وعِلْمُ ما كَانَ في الغَيْبِ وما سَيَكُونُ فِيْهِ لا يَكُونُ إِلا لله.  فَما لأَحَدٍ مِنَ الخَلْقِ إِلى عِلْمِ الغَيْبِ سَبِيْل {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}

عِلْمُ الغَيْبِ عِلْمٌ اسْتأَثَرَ اللهُ بِه، تَقِفُ العُقُولُ دُونَهُ عاجِزَة. وتَقْصُرُ دَونَهُ حَائِرَة. لا تَعْلَمُ شَيئاً مِمَّا خَفِيَ عَنْها مِنَ الغَيْبِ ما لَمْ يُجَلِيْهِ اللهُ لَها.  فَما لِلْعُقُولِ سَبِيْلٌ إِلى تَسَوُّرِ حِجَابِ الغَيْبِ. وما للفُهُومِ قُدْرَةٌ على كَشْفِ أَسْتارِه.

والغَيْبُ: هُوَ كُلُّ ما غَابَ عَنْك. فَمِنَ الغَيْبِ ما لَا يَطَّلِعُ عَلِيهِ إِلا اللهُ ولا يَعْلَمُهُ إِلا هو. وذَاكَ (الغَيْبُ المُطْلَقُ) وهو ما اسْتأَثَرَ اللهُ بِعِلْمه. فلا يَعْلَمُهُ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ولا نَبِيٌّ مُرْسَل {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} وعَنْ عَبْدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ اللَّهُ: لاَ يَعْلَمُ مَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ إِلاَّ اللَّهُ، وَلاَ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلاَّ اللَّهُ، وَلاَ يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِي الْمَطَرُ أَحَدٌ إِلاَّ اللَّهُ، وَلاَ تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِلاَّ اللَّهُ، وَلاَ يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إِلاَّ اللَّهُ» رواه البخاري

ومِنَ الغَيْبِ مَا هُو دُونَ ذَلِك. فَهُو مَعْلُومٌ لِبَعْضِ الخَلْقِ قَدْ اطَّلَعُوا عَلِيْهِ، وغَائِبٌ عَنْ بَعْضِ الخَلْقِ لَمْ يَطَّلِعُوا عَلِيْه. كَما يَكُونُ في بَعْضِ الوَقائِعِ والمَشاهِدِ والأَحْداثْ. فَتَكُونُ لِمَنْ حَضَرَها عِلْمُ شَهادَةٍ، وتَكُونُ لِمَنْ لَمْ يَحْضُرْها مِنْ أَمْرِ الغَيْب.  

ومِنَ الغَيْبِ ما يُجَلِيْهِ اللهُ لِبَعْضِ خَلْقِه. كَما يُجَلِيْ شَيئاً مِن عِلْمِ الغَيْبِ لِبَعَضِ المُرْسَلِيْن، فَيُوحِيْ إِليهم مِنْهُ بِمَا شَاءَ، مَتَى شاءَ {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} {تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـٰذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}

ويَبْقَى عِلْمُ الغَيْبِ للهِ عَلَّامِ الغُيُوب {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} {..قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} {وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}

عِلْمُ الغَيْبِ لا يَكُونُ إِلا للهِ، فَمَا ادَّعَى عِلْمَ الغَيْبِ إِلا شَقِيٌّ، وَمَا زَعَمَ مَعْرِفَةَ شَيءٍ مِنَ الغَيْبِ إِلا أَفَّاكٌ قَصِيّ.   فالمَلائِكُةُ الكِرامُ المُقَرَّبُون، الصَّافُونَ المُسَبِّحُون، الذِيْنَ لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُم وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُون. سُكَّانُ السَّماواتِ وعُمَّارُ البَيْتِ المَعْمُور،  أَكْرَمُ خَلْقِ اللهِ وأَطْهَرُهُم. وأَقْرَبُهُم إِليهِ وأَشْرَفُهُم. مِنْهُم جِبْرِيل وهُوَ{ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ *مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} ومِنْهُم حَمَلَةُ عَرْشِ رَبِّ العَالَمِيْن.  أَولئِكَ المَلائِكَةُ الكِرامُ، أَقَرُّوا أَمامَ رَبِّ العَالِمِيْنَ إِقْراراً صادِقاً، وأَجابُوه في ذُلٍّ خَاشِعِيْن {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} فَمَا كَانَ لَهُم مِنْ عِلْمِ الغَيْبِ شَيءٌ. وما كَانَ لَهُم أَنْ يَدَّعُوا عِلْم ما لَمْ يَعْلَمُوه {قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}

والأَنْبِياءُ والمرْسَلَون، اصْطَفاهُم اللهُ على العَالِمِيْن، أَرْسَلَهُم بالهُدَى وبالحَقِّ المُبِيْن.  أَقَرُّوا بِأَنَ الغَيْبَ للهِ، وأَنَّهُم لا يَعْلَمُون مِنَ الغَيْبِ إِلا ما بِهِ اللهُ أَعْلَمَهُم {قُل لَّا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ..} {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا}

(أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ) فَما عَلِمَ بِهِم رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ حَضَرُوا، وما عَلِمَ بِهِم إِذْ أَحاطُوا بِهِ فَاسْتَمَعُوا، وما عَلِمَ بِما بِهِ انْصَرَفوا. فَذاكَ مِنْ عِلْمِ الغَيْبِ، كُشِفَ لَهُ بِوَحْيٍ مِمن أَحاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلْماً.

أَخْضَعَ اللهُ الشَّياطِيْنَ لِسُلِيْمانَ عَلِيْهِ السَّلام فَكَانُوا في جُمْلِةِ جُنُودِه. فَبأَمْرِهِ يَأَتَمِرُون، وتَحْتَ سُلْطَانِهِ يُقْهَرُونَ، يَعْمَلُونَ لَهُ كُلَّ عَمَلٍ شَاقٍّ، ويُنَفِّذُونَ لَهُ كُلَّ أَمْرٍ مُجْهِدٍ {وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ} ومَرَدَةُ الشَّياطِيْنِ قَدْ أَوْثَقَهُم سُلَيْمانُ عليهِ السلامُ بالأَغلالِ، فَهُم في الأَسْرِ مُوْثَقُون {وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ}

تَجَاسَرَ بَعْضُ الشَّياطِيْنِ فَتَجَرؤُوا على إِيْهامِ النَّاسِ بأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ الغَيْب. فأَبْطَلَ اللهُ دَعْواهُمُ، وكَشَفَ كَذِبَهُم، وَأَقَامَهُم مَقَامَ ذُلِّ وهَوان. فَكانَ سُلَيْمانُ عليهِ السلامُ يَوماً مُتَكِأً عَلى عَصاهُ إِذْ نَزَلَ بِهِ الأَجَل. فَحَفِظَهُ اللهُ وأَبْقَاهُ على الهَيْئَةِ التي ماتَ عليها. مُتَكِأً على عَصَاهُ لَمْ يَخِرَّ ولَمْ يَتَحَوَّل. والشَّياطِيْنُ لا يَعْلَمُونَ بِمَوتِه. فَهُم لا يَزَالُون على أَعْمالِهِم المُضْنِيَةِ لا يَتَحَوَّلُون.  بَقُوا عَلى تِلْكَ الحالِ زَمَناً طَوِيْلاً.  حَتَى أَكَلِتِ (دَابَّةُ الْأَرْضِ مِنسَأَتَهُ) أَكَلِتِ (الأَرْضَةُ) عَصاهُ الذي هُو مُتَّكِئٌ عليها. فاَنْكَسَرَتِ العًصا فَخَرَّ سُلَيْمانُ عليهِ السلامُ. فَعِلِمُت الجِنُّ أَنَّ سُلِيْمانَ قَدْ ماتُ مُنذُ زَمَن. وانْكَشَفَ أَمْرُ الجِنِّ وتَبِيَّنَ كَذِبُ دَعواهُم عِلْمَ الغَيْب {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} بارك الله لي ولكم..

الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، وأَشْهَدُ أَن لا إله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً رسول رب العالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً  أما بعد:  فاتقوا الله عباد الله لعلكم ترحمون

أَيُّهَا المُسْلِمُوْن: عِلْمُ الغَيْبِ للهِ، عَقِيْدَةٌ يُؤْمِنُ بِها كُلُّ مُوَحِدٍ، ومَنْ حَادَ عَنْ تِلْكَ العَقِيْدَةِ كَفَر {إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}

والخَائِضُونَ في عِلْمِ الغَيْبِ، الزَّاعِمُونَ القُدْرَةَ على كَشْفِ شَيءٍ مِن مَسْتُورِه. إِنَّما هُمْ أَفَّاكُونَ مُفْتَرون. كالكَهَنَةِ، والعَرَّافِيْنَ، والرَمَّالِيْنَ، والمُنَجِّمُينَ، وقُرَّاءِ الكَفِّ، والفِنْجانِ، والأَبراجِ، والطَّالعِ. وغَيْرِها مِنَ المُسَمَّياتِ المُتَعَدِّدَةِ المُتَجَدِّدَة والتِيْ تَتَعَدَّدُ طُرُقُ أَصْحابِها، وتَجْمَعُهُم فِرْيَةٌ واحِدَةٍ (زَعْمُ عِلْمِ شَيءٍ مِن المُغَيَّبات)

مِنْهُمْ مَنْ لَهُ اسْتِعانَةٌ بالشَّياطِيْنِ. وأُولئِكَ جَاءَ خَبَرُهُم في القُرْآنِ، وجاءَ وَصْفُهُم في سُنَّةِ رَسُولِ رَبِّ العَالِمين. قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَل {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ}  وعَنْ عائِشَةَ رضي الله عنهما قَالَتْ: سَأَلَ أُنَاسٌ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْكُهَّانِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسُوا بِشَيْءٍ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ أَحْيَانًا بِالشَّيْءِ يَكُونُ حَقًّا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ قَرَّ الدَّجَاجَةِ، فَيَخْلِطُونَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ» متفق عليه

وفي الحَدِيْثَ قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ المَلائِكَةَ تَنْزِلُ في العَنَانِ ــ أَيْ في السَّحابِ ـــ فَتَذْكُرُ الأَمْرَ قُضِيَ في السَّماءِ، ــ أَيْ يَتَحَدَّثُ بَعْضُ المَلائِكَةِ لِبَعْضٍ عن أَمْرٍ مِنْ الأَمًورِ التي أَخْبَرَ اللهُ بِها مَلائِكَتَهُ بِأَنَّها سَتَقَع ــ فَيَسْتَرِقُ الشَّيْطانُ السَّمْعَ، فَيَسْمَعُهُ، فِيُوحِيْهِ إِلى الكُهَّانِ فَيَكْذِبُونَ مَعَها مائِةَ كَذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِم» رَواهُ البُخاري

* وقَدْ حَرَّمَ الإِسْلامُ إِتْيانَ العَرَّافِيْنَ وسُؤَالَهُم. فَقَدْ رَوى الإِمامُ مُسْلِمٌ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: (مَن أتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أرْبَعِينَ لَيْلَةً)

ومَنْ صَدَّقَ العَرَّافِيْنَ، فذاكَ شأَنُهُ أَخْطَرُ وجُرْمُهُ أَعْظَم فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَتَى كَاهِنًا، أَوْ عَرَّافًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ) رَواهُ الإمامُ أَحمدُ وصححه الألباني

لَعَمْرُكَ مَا تَدْرِيْ الضَّوَارِبُ بِالحَصَى ** وَلا زَاجِرَاتُ الطَّيْرِ مَا اللّهُ صَانِعُ

سَلُوهُنَّ إنْ كَذَّبْتُمُوْنِي مَتَى الفَتَى **  يَذُوقُ المَنَايا أَوْ مَتَى الغَيثُ وَاقِعُ

ولا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَتَسَلَّى بِمُتَابَعَةِ الكَهَنَةِ والعَرَّافِيْن. فَمَتَى كَانَتِ المُخاطَرَةُ بالدِيْنِ نُزْهَةً لِلْمُتَنَزِّهِيْن. ولا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَشِيْعَ شَيئاً مِنْ أَخْبارِهِم وكِهَانَتِهِم. فَلَغُو القَولِ قَدْ أُمِرَ المُسْلِمُ بالإِعراضِ عَنْه {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} فَما الظَّنُّ بِما هُوَ افْتِراءٌ وكُفْرٌ وفِتْنةٌ وَضَلال.  {قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}

اللهمَّ ثَبت قلوبنا

 

 

المرفقات

1725539983_لا يَعْلَمُونَ الغَيْب 3 ـ 3 ـ 1446هـ.docx

المشاهدات 505 | التعليقات 0