لاتتساهلوا في الاجراءات الاحترازية
أ.د عبدالله الطيار
:الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ خالقِ كلِّ شيءٍ وهاديه، ورازقِ كلِّ حيٍّ وكافيه، وجامعِ النَّاسِ ليومٍ لا ريبَ فيه، العالِم بكلِّ ما يُبديه العبدُ وما يُخفيه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ لا مولى لنا سواه، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، صلَّى اللهُ وسلَّم عليهِ وعلى آلِه وصحبِه إلى يومِ الدينِ. أما بعدُ: فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون}[الحشر:18].
أيُّها المؤمنونَ: الدُّنيَا دارُ ابتلاءٍ وامتحانٍ، ومتاعٌ قليلٌ وظلٌ زائلٌ، لابدَّ للإنسانِ أَنْ يَمرَّ فيها بالمرضِ والعافيةِ، والسَّراءِ والضَّراءِ، والحزنِ والسرورِ، قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}[الكهف:7]، والمسلمُ مأمورٌ بالصبرِ على قضاءِ اللهِ وقَدَرِه، وأن يُسلِّمَ زَمامَ أمرهِ لربِّهِ وخالقِه، قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (وتعلمَ أنَّ ما أصابَك لم يَكن ليخطئَكَ وأنَّ ما أخطأَك لم يَكُن ليصيبَك)(رواه أبو داود (4699) وابن ماجه (77) وصححه الألباني في سنن أبي داود (4699).
وقد أَمَرَ الشارعُ الحكيمُ العبادَ بالرِّضا بقضاءِ اللهِ وقَدَرِه، والأَخْذَ بالأسبابِ وعدمَ إهمالِها؛ فَمَنْ مَرِضَ فعليهِ بطلبِ التَّداوي وعدمِ التَّقصيرِ في ذلكَ، وربُّنا جلَّ وعلا لم ينزلْ داءً إلا وأنزلَ له دواءً.
قالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:(ما يُصيبُ المُؤمِنَ من وَصَبٍ ولا نَصَبٍ، ولا هَمٍّ ولا حَزَنٍ، ولا أذًى ولا غَمٍّ، حتّى الشَّوْكَةِ يُشاكُها، إلّا كفَّرَ اللهُ من خَطاياهُ)(البخاري (5641).
وقالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم:(لَا يَزالُ البَلاءُ بالمؤمنِ والمُؤمنَةِ فِي جَسدهِ وأَهلهِ ومَالهِ حَتى يَلقى اللهَ عَز وجَلَّ ومَا عَليه خَطيئَةٌ)(رواه البخاري في الأدب المفرد (494) ، وصححه الألباني في
صحيح الأدب المفرد (380).
عبادَ اللهِ: لَقَدْ تساهَلَ بعضُ النَّاسِ في الالتزامِ بالإجراءاتِ الاحترازيةِ التي وضَعتْهَا الدولةُ للحفاظِ على الأرواحِ، وظَهَرَ ذلكَ في الأسواقِ والمحلاتِ العامةِ، والمطاعمِ، وبعضِ المساجدِ، وكأنَّ هذا الوباءَ قد انتهى أمْرُهُ وعادَ الناسُ لحياتِهم الطبيعيةِ، وهذا واللهِ أمرٌ خطيرٌ، فهذَا الوباءُ كمَا تعلمونَ سريعُ الانتشارِ وعظيمُ الضَّررِ على الأرواحِ، فانتبهوا باركَ اللهُ فيكم، واحرصوا على الالتزامِ بما تمَّ وضعُه من إجراءاتٍ احترازيةٍ لسلامةِ الجميعِ.
وها هُم بعضُ أئمةِ المساجدِ يشتكونَ من التساهلِ الكبيرِ من بعضِ المصلينَ في عدمِ التزامِهم بتلكَ الإجراءاتِ على الرَّغمِ من أهميتِها وضرورتِها، وتأكيد الجهة المشرفة على المساجد عليها دائما، وهذا مما يُسبِّبُ الضررَ لهم ولغيرِهم، فوباءُ كورونَا سهلُ الانتقالِ عن طريقِ الهواءِ أو الَّلمسِ، فليتَّقِ اللهَ تعالى هؤلاءِ في أنفسهِم وإخوانِهم، وعليهم أن يتجنَّبوا كلذَ ما يضرُّهم ويَضرُّ غيرَهم.
وقد وضعتْ الدولةُ ـ حَرَسَها اللهُ ـ مجموعةً من الأنظمةِ تَتَعلَّقُ بالتدابيرِ الوقائيةِ، والإجراءاتِ الاحترازيةِ في شتَّى جوانبِ الحياةِ، من ضرورةِ ارتداءِ الكمَّامةِ، والالتزامِ بالتباعدِ المطلوبِ، واستعمالِ كلِّ مصلٍّ لسجادةٍ خاصةٍ به وأخذِها بعد الصلاةِ، وغَسْلِ الأيدي بالماءِ والصابونِ أو المعقماتِ، وكلُّ هذهِ الإجراءاتِ وغيرِها وُضعتْ لضمانِ سلامةِ المجتمعِ، ومنعِ هذا الوباءِ من التفشِّي والانتشارِ، وحفظِ الأنفسِ والأرواحِ، ويترتَّبُ على المخالفةِ مفاسدُ عظيمةٌ وأضرارٌ جسيمةٌ منها: مخالفةُ الأوامرِ، والتشويشُ على المصلينَ، وذهابُ روحِ السكينةِ والسكونِ داخلَ المسجدِ.
وتَتَسبَّبُ كذلكَ في تعريضِ الشَّخصِ نفسَه للهلاكِ وهو مأمورٌ بحفظِها، كمَا قالَ تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}[البقرة:195]، وتعريضِ أرواحِ الناسِ للخطرِ والهلاكِ بمخالفةِ هذه الأنظمةِ. وهذا إثمُه عظيمٌ وضررُه لا يخفى؛ قالَ تعالى:{ وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}[المائدة:32]، وإمامُ المسجدِ هو الموكَّلُ بضبطِ هذه الإجراءاتِ والقيامِ عليهَا، والواجبُ طاعتُه وعدمُ مخالفتِه، فعلى كلَِّ مسلمٍ أن يتّقيَ الله عزَّ وجلَّ ولا يكونُ سببًا في بثِّ الفرقةِ، ونشرِ الفوضى.
أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة:2]. باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذِّكرِ الحكيمِ، فاسْتَغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على الرسولِ الكريمِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ النبيِّ الأمينِ، صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين. أما بعدُ:
فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ واعلموا أنَّه على الرَّغمِ من أنَّ أرقامَ المصابينَ بوباءِ كورونَا في بلادِنا مبشرةٌ ومطمئنةٌ بقربِ زوالِ الوباءِ وعدمِ ثبوتِ أيِّ سلالاتٍ متحورةٍ فيها إلا أنَّ ولاةَ الأمرِ في بلادِنا ـ حَرَسَها اللهُ ـ آثروا السلامةَ وحمايةَ الإنسانِ مواطنًا ومقيمًا على أراضيها بسببِ ازديادِ أعدادِ المصابينَ بهذا الوباءِ في كثيرٍ من البلدانِ التي انتَشَر بها الوباءُ مرةً أخرى وبشدِّةٍ، ولذا تمَّ فرضُ بعضِ القيودِ على حدودِ بلادِنا، وتعليقِ حركةِ الملاحةِ الجويةِ الدوليةِ مرةً أُخرى حرصًا وتحرزًا استباقيًّا من أخطارٍ محتملةٍ، فصحةُ الإنسانِ أولى أولوياتِها.
أيُّها المؤمنونَ: وقد وجَّهتْ حكومتُنا ـ وفَّقها اللهُ ـ الأماناتِ والبلدياتِ بتشديدِ الرقابةِ على الأسواقِ والمطاعمِ وجميعِ المحلاتِ ذاتِ العلاقةِ بالصحةِ العامةِ، والإغلاقِ الفوريِّ للمنشآتِ غيرِ الملتزمةِ بالإجراءاتِ الاحترازيةِ وإيقاعِ أشدِّ العقوباتِ بحقِّها حمايةً للمجتمعِ ومنعًا لانتشارِ فيروسِ كورونَا.
وعلى كلِّ شخصٍ أَنْ يحرصَ على مصلحةِ نفسِه ومجتمعِه ووطنِه بالالتزامِ بما وَضَعتَهُ الدولةُ وفَّقها اللهُ، وعدمِ التساهلِ في الأخذِ بها، وكلُّ إنسانٍ مقيمٍ على ثرى هذهِ البلادِ مسؤولٌ مسؤوليةً عظيمةً أمامَ اللهِ، ثمَّ أمامَ الناسِ عن ذلكَ بالمحافظةِ على نفسِه وإخوانِه وهو مأجورٌ على ذلكَ.
وعلى الجميعِ أن يحذَروا مِنْ نشرِ الشائعاتِ التي تّضرُّ كثيرًا بالبلادِ والعبادِ، وأَنْ يأخُذوا المعلوماتِ من مصادرِها الرسميةِ المعتمدةِ.
أسألُ اللهَ تعالى أن يُعجِّلَ برفعِ هذا الوباءِ، وأَنْ يحفَظَ الجميعَ منه، وأن يُعجِّل بشفاءِ من ابتُلي به إنَّه وليُّ ذلكَ والقادرُ عليه.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفَى والقدوةِ المجتبى فَقَد أمَرَكُم اللهُ بذلكَ فقالَ جلَّ وعلا:[إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا].
الجمعة: 23 / 6 / 1442هـ