لأئمة المساجد: خطبة صلاة الكسوف مختصرة
وليد بن محمد العباد
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة صلاة الكسوف
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصّلاةُ والسّلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلين، نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين أما بعد:
فإنَّ الشّمسَ والقمرَ آيتانِ من آياتِ اللهِ الكونيّةِ العظيمة، قالَ تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾[1] وهما يجريانِ في نظامٍ دقيقٍ، ذلك تقديرُ العزيزِ العليم ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾[2] وقد سخّرَهما اللهُ برحمتِه لمصالحِ العباد ﴿لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾[3] ومن آياتِ اللهِ الباهرةِ في الشّمسِ والقمرِ ما يُجريه اللهُ عليهما من الخسوفِ والكسوفِ، وهو ذهابُ ضوئِهما أو بعضِه بحكمتِه وتقديرِه، تذكيرًا للعبادِ بعظمتِه وربوبيّتِه ووحدانيّتِه، وتخويفًا لهم حتى يتوبوا من ذنوبِهم وينتبهوا من غفلتِهم ويراجعوا دينَهم، قالَ تعالى: ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا﴾[4] وقالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ آيَتَانِ مِن آيَاتِ اللَّهِ، لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ ولَا لِحَيَاتِهِ، ولَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُخَوِّفُ بهَا عِبَادَهُ»[5]. فالمؤمنُ إذا رأى تلك الآيةَ خافَ وفَزِعَ، قالَ أبو موسى الأشعريُّ رضيَ اللهُ عنه: «خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقامَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَزِعًا، يَخْشَى أنْ تَكُونَ السَّاعَةُ».[6] ولا ينتفعُ بتلك الآياتِ غيرُ القلوبِ المؤمنة ﴿وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ﴾[7] قالَ عليه الصّلاةُ والسّلام: «فإذا رَأَيْتُمْ ذلكَ، فادْعُوا اللَّهَ، وكَبِّرُوا وصَلُّوا وتَصَدَّقُوا. ثُمَّ قالَ: يا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ واللَّهِ ما مِن أحَدٍ أغْيَرُ مِنَ اللَّهِ أنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أوْ تَزْنِيَ أمَتُهُ، يا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ واللَّهِ لو تَعْلَمُونَ ما أعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا ولبَكَيْتُمْ كَثِيرًا»[8] وممّا يُشرعُ للمسلمِ عندَ رؤيةِ الخسوفِ أو الكسوفِ الصّلاةُ والدّعاءُ والتّوبةُ والصّدقةُ والعتقُ والتّعوّذُ من عذابِ القبرِ ومن عذابِ النّارِ وكثرةِ الاستغفار، حتى يَنجليَ ويعودَ لهما ضوؤُهما برحمةِ اللهِ سبحانَه وتعالى.
لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ ورَبُّ الأرْضِ، ورَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ، اللهمّ إنّا نسألُك الجنّةَ ونعوذُ بك من عذابِ القبرِ ومن النّارِ، اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ نرْجُو فَلَا تَكِلْنا إِلَى أنفسِنا طَرْفَةَ عَيْنٍ وأَصْلِحْ لنا شَأْنَنا كُلَّهُ، اللهمّ ادفعْ عنّا الغلا والوبا والرّبا والزّنا والزّلازلَ والمحنَ وسوءَ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطن، اللهمّ أصلحْ أحوالَنا ورُدّنا إليك ردًّا جميلًا، رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ. وصلّى اللهُ وسلّمَ على نبيِّنا محمّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين.
إعداد/ وليد بن محمد العباد -غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته والمسلمين- إمام وخطيب جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض
[1] سورة فصلت 37
[2] سورة يس 40
[3] سورة الإسراء 12
[4] سورة الإسراء 59
[5] البخاري 1048
[6] البخاري 1059، مسلم 912
[7] سورة يونس 101
[8] البخاري 1044