كيف يكون بيتك سعيداً

أمير محمد محمد المدري
1438/05/17 - 2017/02/14 11:54AM
كيف يكون بيتك سعيدا

الحمد لله الكريم الحليم الحمد لله الغفور الرحيم سبحانه لا نحصي ثناءً عليه وله الحمد حتى يرضى وله الحمد إذا رضي، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له رب الأرض والسماء مالك الملك والملكوت ذي العزة والجبروت.
إلهي:
مهما كتبنا في عُلاك قصائداً بالدمع خُطّت أو دم الأجفان
فلَأنت أعظم من مديحي كله وأجّلُّ مما دار في الحسبان


وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خير بشر وطئت الثرى قدمه، ونطق بالحق فمه، وجرى في عرق دمه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).
عباد الله:
كلنا يبحث ويريد البيت المسلم السعيد البيت الذي فيه المأوى الكريم والراحة النفسية، البيت الذي ينشأ في جنَباته جيلٌ صالح فريد قال جل شأنه: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21].
البيت المسلم قائم بين الزوجين على عنصرين:
الأول: المودة، أما المودة: فهي شعور متبادل بالحب يجعل العلاقة قائمة على الرضاء والسعادة..
والثاني: الرحمة، فالله سبحانه يقول لنبيه: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران: 159].
وإذا لم يتوفر هذان العنصران في الحياة الزوجية تحولت إلى حياة بهيمية، يلتقي فيها الرجل والمرأة كما يلتقي البهيم بالبهيمة، ولا علاقة ولا مودة ولا رحمة ولا تقدير ولا احترام، وإنما مشاكل على مشاكل حتى تصبح حياة كل من الرجل والمرأة معقدة، ويترتب على ذلك كراهية الإنسان حتى لنفسه، وكل هذا نتيجة عدم علم كل من المرأة والرجل بالواجب والمسؤولية الملقاة على عاتقهما تجاه بعضهما البعض.
عباد الله:
البيت نعمة لا يعرف قيمته وفضله إلا من فقده وعاش في ظلمات سجن أو في غربة أوفي فلاة قال تعالى: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا) [النحل: 80]
البيت نعمة من نعم الله على عباده يجد المسلم راحته وهدوء باله وفيه السكن والراحة والمودة في خضم مشاكل الحياة.
بيتك فيه زوجتك، رفيقة دربك أم أولادك، من تأنس إليها، وتبثها آمالك وآلامك، وتشاركك أفراحك وأتراحك، وتطلعها على إعلانك وإسرارك.. شريكة دربك التي جعلها الله لك آيةً وسكناً، وجعل بينكما مودة ورحمة.
بيتك يضم فلذات أكبادك: أبناءك، وبناتك، الهبات الربانية، والعطايا الإلهية، وزينة الحياة الدنيا، (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [الكهف: 46].
بيتك الذي بذلت فيه ثمار جهد شبابك، كي تقيمه وتعمره، ولم تبخل عليه بمالك وجهدك وتفكيرك.. وهو مأواك الذي تأوي إليه بعد التعب والعناء والنصب واللغوب..
عباد الله:
إنّ طريق الفوز والنجاة في الدنيا والآخرة لا يبدأ إلا بِصلاح البيوت وتربيتها على الإيمان والقرآن والذكر.
أما الخسارة فستكون فادحة وعظيمة يوم يخسر الإنسان أهله ويُضّيع من يعول: (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) [الزمر: 15].
إن العلاقة الزوجية ليست علاقة دنيوية مادية ولا شهوانية بهيمية فهي أسمى وأعلى من ذلك إذ هي علاقة روحية كريمة إذا ترعرعت ونمت امتدت إلى الحياة الآخرة بعد الممات.
(جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ) [الرعد: 23]
البيت السعيد أمانةٌ يحملها الزوجان وبهما تنطلق مسيرة هذا البيت فإذا استقاما على منهج الله قولاً وعملاً وتزيناً بزينة النفوس ظاهراً وباطناً، وتجملا بحُسن الخلق والسيرة الطبية، أصبح هذا البيت مأوى النور وإشعاع الفضيلة وأصبح منطلقاً لبناء جيلٍ صالح وصناعة مجتمع كريم وأمه عظيمة وحضارة راقية يبدأ من صلاح الزوجين فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته.
إخواني
البيت السعيد هو البيت الذي جعل منهجه الإسلام قولاً وعملاً.
البيت السعيد هو الذي يقوم على التوحيد لله جل وعلا والتوكل عليه والاستعانة به فمنذ لحظة الولادة، فعقب تلك اللحظة نؤذن في أذن المولود اليمنى، ونقيم الصلاة في أُذنه اليسرى، والأذان والإقامة كلاهما توحيد، لذا كان من السنة المطهرة أن تكون كلمات التوحيد هي أول كلمات يسمعها المولود فور خروجه من رحم أمه وقدومه إلى الدنيا.
البيت السعيد هو حصانة للفطرة من الانحراف، كما قال صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ مَوْلود يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ وَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانَهُ أَوْ يُنَصِّرَانَهُ أَوْ يُمَجِّسَانَهُ، كَمَا تَنْتُجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ» [متفق عليه].
قال ابن القيم رحمه الله «وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترْك تعليمهم فرائض الدين وسننه فأضاعوهم صِغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كباراً».
عباد الله:
ما أجمل أن يجمع الأب أبناءه فيقرأ عليهم القرآن ويعلمهم، ويسرد عليهم من قصص الأنبياء والصحابة ويغرس فيهم الأخلاق العالية.
إنّ أهم رسالة للبيت المسلم هي تربية الأولاد التربية الصحيحة لا غبش فيها ولا تشوه ولا تربية إلا بتحقيق القدوة الحسنة في الوالدين.
القدوة في العبادات والأخلاق.
القدوة في الأقوال والأعمال.
القدوة في المخبر والمظهر فيأمر الأب أولاده بالصلاة وهو أول المصلين ويأمرهم بالأخلاق وهو أعلاهم خُلقاً ويحثهم على الصدق وهو أصدقهم. قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان: 74]، وتدبَّر دعوةَ إبراهيم ×: (رَبّ اجْعَلْنِى مُقِيمَ الصلاةِ وَمِن ذُرّيَتِى رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء) [إبراهيم: 40]، وقال تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) [طه: 132].
مشى الطاووس يوماً باختيال فقلّده بمشيته بنوه
فقال علام تختالون قالوا بدأت به ونحن مقلدوه
وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوّده أبوه


فالأولاد مفطورون على حب التقليد، وأول من يقلد الطفل أباه وأمه، لكن عندما انشغل الآباء عن تربية أبناءهم والقيام بالقوامة على نساءهم والحفاظ على أبناءهم من قرناء السوء والضياع والدمار عند ذلك تحطّمت الأسر والبيوت وضاع جيل بعد جيل: فليتق الله كل الآباء.
أعلموا عباد الله: أنّ البيت إذا امتلأ بالشحناء والبغضاء والمشاكل والمخاصمات والسب والشتم والقطيعة، انعكست كل هذه الأخلاق على النشء، ووجد جيلٌ خامل، جيلٌ فاشل، لأنه اكتسب هذه الأخلاق كلها من الأبوين الأم والأب.
إن البيت الذي لا يغرس الإيمان ولا يستقيم على نهج القرآن ولا يعيش في أُلفةٍ ووئام ينجب عناصرَ تعيش التمزُّقَ النفسي، والضياعَ الفكري، والفسادَ الأخلاق، هذا العقوق الذي نجده من بعض الأولاد والعلاقات الخاسرة بين الشباب والتخلي عن المسؤولية والإعراض عن الله والتمرُّد على القيم والمبادئ الذي يعصِف بفريق من أبناء أمتنا اليوم، ذلك نتيجة حتمية لبيت غفل عن التزكية، وأهمل التربية، وفقد القدوة، وتشتَّت شمله.
البيت السعيد من صفاته أنه يرُد الأمور عند الخلاف إلى الله ورسوله قال تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) [النساء: 59] وقال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا) [الأحزاب: 36].
البيت السعيد سعادته وأُنسه ولذته في ذكر الله ففي الحديث الصحيح عن أبي موسى ا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت». وفي الصحيح أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: «اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا».
وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة» [رواه مسلم في صحيحه ح 780، 1/ 539].
وقال صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» [رواه مسلم].
في هذه الأحاديث وغيرها دليل على مشروعية إحياء البيوت وتنويرها بالتسبيح والتهليل والتكبير وقراءة القرآن وصلاة النافلة، وإذا خلت البيوت من الصلاة ومن الذكر كانت قبوراً موحشة ولو كانت قصوراً.
فبدون الذكر تغدو البيوت مكاناً للشياطين سكانها موتى القلوب وإن كانوا أحياء.
قال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طه: 124] وقال q: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) [الزخرف: 36].
البيت السعيد هو البيت البعيد عن المشاجرات والمهاترات وضرب الوجه والإهانة والإذلال سئل النبي صلى الله عليه وسلم: «ما حق امرأة أحدنا عليه قال أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسبت ولا تقرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلى في الفراش» [سنن أبي داود ح «2142». وأخرجه أيضا أحمد «4/447» وابن ماجه ح «1850»].
قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [النساء: 19].
البيت السعيد ليس شرطاً أن يكون قصراً ليس شرطاً أن يمتلأ بالأموال والمأكولات والمشروبات.
ولكن يكفيه الكفاف والرضا بالمقسوم شعاره قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من بات أمناً في سربه معافى في بدنه معه قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها» [صحيح الجامع 5918].
جاء العباس: عمّ النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: علمني دعاء أدعو به، قالصلى الله عليه وسلم: « يا عم سل الله العافية في الدنيا والآخرة».
يرحم الله هارون الرشيد الذي ملك الدنيا وكان أميراً للمؤمنين جلس ذات يوم فعطش فطلب الماء فلما أحضر الكأس قال له قاضي القضاة يا أمير المؤمنين لو أنك مُنعت هذه الشربة ماذا ستفعل قال سأدفع نصف ملكي. فأعطاه فشرب ثم قال له يا أمير المؤمنين لو مُنعت هذه الشربة من الخروج ماذا ستفعل قال سأدفع نصف ملكي. قال قاضي القضاة تباً لملكٍ لا يساوي شرب ماء إدخالها وإخراجها.
وكان على رضي الله عنه بعد قضاء الحاجة يقول: يا لها من نعمة منسية قليلٌ شاكرها.
فيا عبد الله سل الله العافية في الدنيا والآخرة لك ولأهلك ولأحبابك.
البيت المسلم فيه يتغاضى كلٌ من الزوجين عن بعض ما لا يحب أن يراه في الآخر، ويضع كلاهما في حسبانه أنه إذا كره في الآخر صفة فلا بد أن تكون فيه صفة أخرى تشفع له. وهذا هو بعينه ما أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: «لا يفرك مؤمن مؤمنة؛ إن كره منها خلقًا رضي منها آخر» [أخرجه مسلم وغيره].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات، والذكر الحكيم، أقول هذا وأستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.
أما بعد::
البيت السعيد يتعاون أفراده على الطاعة والعبادة فضعف إيمان الزوج تقويه الزوجة، واعوجاج سلوك الزوجة يقوّيه الزوج تكامل وقوة ونصيحة وتناصح قال صلى الله عليه وسلم «رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته، فصلت، فإن أبت نضح في وجهها الماء «رش في وجهها الماء ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فصلى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء » [أخرجه أبو داود وابن ماجه].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا استيقظ الرجل من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين، كُتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات» [رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه واللفظ له]
البيت السعيد يؤسّس على علم وعمل، بيتٌ تُقام فيه حِلق الذكر والعلم فيتعلم الجميع آداب الطهارة وأحكام الصلاة وآداب الاستئذان والحلال والحرام.
البيت السعيد أساسه قائم على الحياء فهو يزرع في قلوب أبناءه وبناته الحياء والحشمة، فلا يليق بالبيت المسلم أن يخدش حياءه ويهتك سترة بالأفلام الخليعة والمسلسلات الخبيثة والمجلات الفاسدة.
قال تعالى: (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [التوبة: 109]
البيت السعيد أسراره محفوظة وخلافاته مستورة لا تُفشى من قبل الزوج ولا من قبل الزوجة.
فإنّ حُرُمات المجالس تُصان، ما لم يكن ما فيها محرمًا، حتى العلاقات الزوجية في نظر الإسلام مجالسها تُصان، فما يحوي البيت من شؤون العشرة بين الرجل وامرأته يجب أن يطوى في أستار مسبلة، لا يطّلع عليها أحد مهما قرب، روى أحمد في مسنده عن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجال والنساء قعود عنده فقال: «لعل رجلاً يقول ما فعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها»، فأرم القوم أي سكتوا وَجِلِيْن فقلت: إي والله يا رسول الله، إنهم ليفعلون، وإنهن ليفعلن، قال: «فلا تفعلوا، فإنما ذلك مثل شيطان لقي شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون» [مسند أحمد «6/456- 457» انظر إرواء الغليل للألباني رقم «2011»].
وقال صلى الله عليه وسلم: « إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها » [أخرجه أحمد. انظر آداب الزفاف للألباني ص «142»].
في ظل هذه المعاني يقوم البيت المسلم السعيد عامراً بالصلاة والقرآن تُظلله المحبة والوئام وتنشأ الذرية الصالحة فتكون قُرة عين للوالدين ومصدر خير لهما في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل: 97].
إخواني..
البيت السعيد شعاره الاعتدال والاقتصاد في المعيشة والإنفاق، قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) [الفرقان: 67].
وسمته الإيثار واجتناب البخل والشُّح، قال تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر: 9].
وعلامته الوَرَع وترْك الشبهات، قال صلى الله عليه وسلم: «إن الحلالَ بَيِّن وإن الحرام بَيِّن، وبينهما مُشْتَبِهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام» [متفق عليه].
البيت السعيد هو البيت المسلم الخالي من الصور التي حرمها الشارع على جدرانه وفي فنائه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب أو صورة» [أخرجه البخاري ح «3225»، ومسلم ح «2106»]
فما بال الكثيرين يغلقون أبوابهم في وجوه الملائكة ويستدعون أسباب الشقاء والقلق ثم هم ينشدون السعادة بعد ذلك؟!
البيت السعيد بسيط في كل جوانبه ما دية ومعنوية بعيد عن الإسراف في المأكل والمشرب.
قال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف: 31].
البيت السعيد هو البيت الطاهر النظيف ظاهراً وباطناً فيه أناسٌ يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين.
البيت السعيد يقوم على قواعد ثابتة من السكينة والهدوء والمودة والرحمة وهو بعيد عن الضوضاء ورفع الأصوات هذا البيت شعاره: (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) [لقمان: 19].
البيت السعيد هو الذي فيه يعلم الزوج أن للزوجة حقوق وعليها حقوق، ومن أول هذه الحقوق للزوجة معاشرتها بالمعروف امتثالاً لقوله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء: 19].
كيف تكون الراحة والطمأنينة في البيت إذا كان ربُّ البيت ثقيل الطبع سيء العشرة بطيءٌ في الرضا سريعٌ في الغضب، فلو تأخر عنه الغداء أو العشاء دقائق ملأ أجواء البيت سباً وشتماً، إذا دخل البيت فكثير المنّ وإذا خرج فمسيء الظن قليل المزاح والملاحظة مع زوجته يظن أن المزاح مع زوجته مُسقط للهيبة مذهب للمروءة.
يُطالبها بالتجمل والتزين له ويأتي إليها بثياب بالية ورائحته نتنة، يرى أن مساعدتها في البيت عمل مشيناً مع أن خير الخلق الرسول صلى الله عليه وسلم قد فعل ذلك وقال صلى الله عليه وسلم: «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خيارهم لنسائهم» [رواه الترمذي وقال حسن صحيح].
أيها الزوج:
أنت مسئول عن زوجتك وستُسأل عنها يوم القيامة، فهي أمانة في عنقك، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «فاتقوا الله في النساء، فإنهن عوان عندكم» أي أسيرات عندكم، مسكينة زوجتك أيها الرجل، سلّمها لك أبوها لتكون في حمايتك ورعايتك وإكرامك، ولا يدري أبوها ماذا تصنع بها؟ ولا تدري أمها ماذا تصنع بها؟ ولا يدري أخوها ولا أقاربها، تعذبها في البيت فلا تخبر أهلها حتى تعيش معك وحتى لا يضيع الأولاد، لكن الله يعلم ويرى ويطلع على حالك وحالها.
وكان يقول صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي» [صحيح، أخرجه الترمذي: كتاب النكاح - باب حسن المعاشرة «1977»]
أفضلكم عند الله منزلة من كان أفضلكم وأحسنكم عند أهله، فأهله يحبونه ويحترمونه لمعاملته الحسنة والله يحبه من أجل ذلك، إن الذي ليس فيه خير لأهله ليس فيه خير لنفسه أو للناس.
ومن حقوق الزوجة كف الأذى عنها وذلك مراعاة شعورها فلا يمدح امرأة أمامها ولا يرفع يده عليها خاصة أمام أهله وأهلها، كما عليه أن يستر ما بينه وبينها من مشاكل وأسرار ومن أبشع الأمور وأفظعها ضربها أمام أولادها.
ومن فعل ذلك تصغر الأم أولادها وتضعف شخصيتها فلا تقدر على تربية أبناءها
أخي الزوج
تذكر قبل أن ترفع يدك على زوجتك أن الله أقوى منك فإذا دعتك قدرتك عليها فتذكر قدرة الله عليه.
ومن حقوق الزوجة أمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر وتبصيرها بأمور دينها وذلك عن طريق الكلمة الطبية والموعظة الحسنة النافعة.
عباد الله:
الزوج المثالي هو الذي يعطي زوجته حقها من التلطف والمزاح.
الزوج المثالي هو الذي يحسن الحديث مع زوجته بالكلمة الطيبة.
اللهم أصلح بيوتنا ونورها بالإيمان والتقوى يا رب العالمين، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما.
هذا وصلوا - عباد الله: - على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56]
اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين

المرفقات

كيف يكون بيتك سعيدا.doc

كيف يكون بيتك سعيدا.doc

المشاهدات 1244 | التعليقات 0