كيف نقرأ ونستمع لسورة المائدة ؟ عصام بن صالح العويد

بسم الله الرحمن الرحيم

كيف نقرأ ونستمع لسورة المائدة ؟
عصام بن صالح العويد



يقول العلامة عبدالرزاق عفيفي ـ رحمه الله ـ : السورة كلها في العقود والمواثيق .
وهو كما ذكر فأولها (أوفوا بالعقود) ، وآخرها (يوم ينفع الصادقين صدقهم) ، واسمها مأخوذ من ميثاق المائدة العظيم الذي قال الله في ناقضيه (فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين) ، والعهود فيها أربعة : مع الله أو رسوله صلى الله عليه وسلم أو المؤمنين أو الكافرين ، وكلها واجبة الوفاء .


و"المائدة" من أواخر ما نزل باتفاق السلف ، وأخرج أحمد في المسند عن جبير بن نفير قال : دخلت على عائشة رضي الله عنها فقالت : هل تقرأ سورة المائدة ؟ قلت : نعم . قالت : فإنها آخر سورة نزلت فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه وما وجدتم فيها من حرام فحرموه .


وعن أبي ميسرة قال : في المائدة ثمان عشرة فريضة ليس في سورة من القرآن غيرها ، وليس فيها منسوخ .


وهي أول وأكثر سورة جاء فيها النداء بـ يا أيها الذين آمنوا فقد تكرر فيها النداء (16) مرة من أصل (89) في جميع القرآن .


وهذه النداءات تلخص المواثيق بين الله وعباده المؤمنين الواردة في هذه السورة العظيمة ، وهي مواثيق تتعلق بما يلي :


ميثاق الذبائح والأنكحة ، ميثاق الدخول في النسك ، الطهارة للصلاة ، العدل ، الثبات وعدم الارتداد ، شكر النعمة ، ميثاق الولاء والبراء ، كفارة اليمين ، عدم كتم الشهادة ، تحريم الغلو ، الصبر عند الابتلاء ، السمع والطاعة .


وهذا مرور سريع على هذه الندءات في "المائدة" :


النداء الأول: في ميثاق الأكل مما أباحه الله دون غيره .
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1) وهذا الميثاق ظاهر من قوله (أَوْفُواْ) ثم (أُحِلَّتْ)


النداء الثاني : في أن الدخول في الإحرام ميثاق بين الله والمتنسك .
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)


النداء الثالث : في ميثاق عدم دخول الصلاة إلا بطهور
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ..) 6
بعدها مباشرة قال سبحانه (وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور) 7


النداء الرابع: ميثاق العدل مع جميع الخلق حبيبهم وبغيظهم
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) 8


النداء الخامس: ميثاق شكر النعم
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) 11
جاء بعده مباشرة نموذج لمن نقض العهود بكفر النعمة وعدم شكرها
(وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ* فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً .. ) 12 – 13
النداء السادس: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) 35


النداء السابع والثامن : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ*) ..(* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ).
وعلاقتها بمقصود السورة تلوح وضوحاً .
هذه ثمان نداءات ، وبقي ثمان أخرى أدعها لك راجياً أن تتأمل في سبب تقارب بعضها من بعض :
النداء التاسع : 54 ، النداء العاشر : 57
النداء الحادي عشر : 87 ، الثاني عشر : 90 ، الثالث عشر : 94
النداء الرابع عشر : 101 ، الخامس عشر : 105 ، السادس عشر: 106

وفي آخر "المائدة" ذكر الله أنموذجين :
(قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ 115
فهذا مثال لعاقبة من نقض عهد الله
(قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) 119
وهذا وعد من أوفى بعهد الله
ولو أعملنا ما يُسمى بـ "لغة القرآن" سنجد أن المواثيق الغليظة (مِيثَاقًا غَلِيظًا) في القرآن ثلاثة :
أولها : ميثاق الله على أولي العزم من الرسل .
وثانيها : ميثاق الله على اليهود حين رفع فوقهم الطور .
وثالثها : ميثاق الزوجة على زوجها .
وفي الأخيرة هذه ومشابهتها في الوصف لأختيها ؛ أقول عجيب شأن هذا القرآن ،،
المشاهدات 1384 | التعليقات 0