كيف نفقه الحج
فهد موفي الودعاني
1432/11/15 - 2011/10/13 07:51AM
الشيخ محمد بن مبارك الشرافي
الحمدُ للهِ الذي علَّمَ بالقلمِ علَّمَ الإنسانَ ما لم يَعْلَمْ !
الحَمْدُ للهِ الذي بَعَثَ فِينَا رسُولاً مِنَّا يُعَلِمُنَا الكتابَ والحكمةَ ويهدِيْنَا إلى صراطٍ مستقيمٍ , الحَمْدُ للهِ القائلِ (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)
أَشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وأَشْهَدُ أنَّ مٌحَمَّدَاً عَبْدُهُ ورسُولُهُ صلَّى اللهُ عليْهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تَسْلِيمَاً كثَِيراً .
أما بعدُ : فاتَّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ , وتَعَلَّمُوا مِنَ العِلْمِ ما تَعْرِفُونَ بِهِ الوَاجِبَ مِنْ أَعْمَالِكُم وَتَتَقَرَّبُونَ بِهِ إِلَى ربِّكُمْ , واعْلَمُوا أَنَّهُ فَرْضَ لازِمٌ على كِلِّ مُكَلَّفٍ أنْ يَتَعَلَّمَ من الدِّينِ ما يُقِيمُ بِهِ عبادتَهُ , وَيُصَحِّحُ بِهِ أَعْمَالَه , ولا عُذْرَ لَهُ في ذلِكَ معَ إِمْكِانِ تَعَلُّمِهِ بِوُجُودِهِ في بِلادِ العِلْمِ وَبِالقُرْبِ مِنَ العُلماء ِ!
وإِنَّنّا على مَقْرُبِةٍ مِنْ مَوْسِم ٍعَظيمٍ تَهْفُو قُلُوبُ الناسِ إليْهِ وتَتَطَلَّعُ نُفُوسُهَمْ نَحْوَهُ !!! مَوْسِمٌ : طَالمَا انْتَظَرَهُ المُسْلِمُونَ وطَالمَا فَرِحَ بِهِ الصَّالِحُونِ......إِنَّهُ مَوْسِمُ الحَجِّ !
أَيُّهَا الإِخْوَةُ : إِنَّ الحَجُّ قَدْ فُرِضَ في السَّنِةِ التاسِعِةِ من الهِجْرةِ على الصحيحِ مِنْ أَقْوالِ أَهْلِ العِلْمِ , وَمَعَ ذلكَ فَتَأَخَّرَ حَجُّ النبيِ r إلى السَّنِةِ العَاشِرَةِ , مَعَ أَنَّ الحَجَّ واجِبٌ على الفَوْرِ إِلا أَنَّهُ تَأَخَّرَ ! وكانَ مِنَ الحِكَمِ لهَذَا التَّأَخُّرِ : أَنْ يَعْلَمَ النَّاسُ بِحَجِّهِ فَيُرَافِقُوهُ لِيَتَعَلَّمُوا مِنْهُ ؛ قالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّه رضي الله عنهما : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r حَاجٌّ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ r وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ . رواهُ مسلم
أَيُّهَا المُسْلِمُون : اعْلَمُوا أَنَّ لِلْحَجِّ ثَلاثَ صِفَاتٍ , يُمْكِنُ أَنْ يُؤَدِّيَ الإنْسَانُ حَجَّهُ بِإِحْدَاَها , وهِيَ مَا تُسَمَّى : بِأَنْسَاكِ الحَجِّ , وهِيَ التَّمَتُعُ , والقِرَانُ , والإِفْرادُ , والإِنْسَانُ مُخَيَّرٌ مِنْ حَيْثُ العمومِ بَيْنَهَا , إِلا أَنَّ الأَفْضَلَ والأَكْمَلَ هُوَ التَّمَتُّع ُ.
وصِفَاتُهَا باختِصارٍ كما يَلِي : أَمَّا التَّمَتُعُ فهو أَنْ يَأْتِيَ الْإِنْسَانُ بِعُمْرَةٍ مُسْتَقِلِّةٍ من الِميقَاتِ , ويَحِلَّ مِنْهَا ثُمَّ يُحْرِمَ بِالحَجِّ بِشَرْطِ أَنْ لا يُسَافِرَ بَيْنَهُمَا إلى بَلَدِهِ !
وأَمَّا القِرَانُ فُهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ والحَجِّ مَعَاً مِنَ المِيقَاتِ , فَيَقُولَ : لَبَّيْكَ حَجَّاً وعُمْرَةً , أَوْ يُحْرِمَ بِالعُمْرَةِ أَوَّلاً ثُمَّ يُدْخِلَ عَلَيْهَا الحَجُّ , وقَدْ يَضْطَرُّ الإنسانُ إلى ذلِكَ , كَمَا لَوْ أَحْرَمَتْ امْرَأَةٌ بالعُمْرَةِ لِتَتَمَتَّعَ ثُمَّ نَزَلَ عَلَيْهَا الحَيْضُ وَعَلِمَتْ أَنَّهَا لَنْ تَطْهُرَ مِنْ حَيْضِهَا قَبْلَ فَوَاتِ الحَجِّ , فَهُنَا تُدْخِلُ الحَجَّ عَلَى العُمْرَةِ فَتَكُونَ قَارِنَةً !
أَمَّا الإِفْرَادُ : فَأَنْ يُحْرِمَ مِنَ الْمِيقَاتِ بِالحَجِّ مُفْرَدَاً .
ومِنَ الفُرُوقِ بَيْنَ هَذِهِ الأَنْسَاكِ : أَنَّ المُتَمَتِّعَ يَطُوفُ الطَّوَافَ الأّوَّلَ لِلعُمْرَةِ ويَسْعَى لِلعُمْرَةِ وهَذَانِ رُكْنَانِ لابُدَّ مِنْهُمَا , وأَمَّا القَارِنُ والْمُفْرِدُ فالطَّوَافُ الأَوَّلُ طَوَافُ قُدُومٍ , وهُوَ سُنَّةٌ ولَيْسَ وَاجِبَاً وَلا رُكْنَاً , وَأمَّا السَّعْيُ بَعدَهُ فَهُوَ سَعْيُ حَجٍّ !
والمَعْنَى : أَنَّ القَارِنَ والمُفْرِدَ إِذَا قَدِمَا مَكَّةَ فِإِنَّ الأَفْضَلَ في حَقِّهِمَا أَنْ يَطُوفَا بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ , وهَذَا يُسَمَّى طَوَافَ الْقُدُومِ , ثُمَّ إِذَا قَضَيَا الطَّوَافَ فَهُمَا بِالخِيَارِ : إِنْ أَرَادَا سَعْيَا بَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ , وهَذَا السَّعْيُ يٌجْزِئُهُمَا عنِ الحَجِّ والعُمْرَةِ , لِقَوْلِ اَلنَّبِيَّ r لِعَائِشَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا وقَدْ كَاَنِتْ قَاِرَنةً (طَوَافُكِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ اَلصَّفَا وَاَلْمَرْوَةِ يَكْفِيكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
َولَكِنْ يَجِبُ أَنْ نُنِبِّهَ : أَنَّ القَارِنَ أو المُفْرِدَ إِنْ لَمْ يَطُفْ طَوَافَ القُدُومِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ سَعْىَ الحَجِّ , لأَنَّ مِنْ شَرْطِ التَّقْدِيمِ أَنْ يَسْبِقَ الطوافُ السعيَ , فَيطُوفُ أولاً للْقُدُومِ ثمَّ يَسْعَى سَعْيَ الحَجِّ !
ومِنَ الفُرُوقِ بَيْنَ هَذِهِ الأَنْسَاكِ أَيْضاً : أَنَّ المُتَمَتِّعَ وَالقَارنَ عَلَيْهِمَا هَدْيٌ وَاجِبٌ , وَأَمَّا المُفْرِدَ فَلا يَجِبُ عَلَيْهِ .
أَيُّهَا الإخْوَةُ : إِنَّ لكِلٍّ مِنَ الحَجِّ والعُمْرَةِ أَرْكَانٌ وَوَاجِبَاتٌ , وكُلُّهَا لازِمَةٌ لابُدَّ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا الِإْنسَانُ , فَلا يُخَيَّرُ الإِنْسَانُ بَيْنَ الإتْيَانِ بِهَا أوْ تَرْكِهَا, خِلافَاً لِمَا يَعْتِقُدُهُ بَعْضُ النَّاسِ لا سِيَّمَا فِي الوَاجِبَاتِ !
فَأَمَّا أَرْكَانُ العُمْرَةِ فَثَلاثُةٌ , وَهِيَ : الإِحْرَامُ , والطَّوَافُ بالبيتِ , والسعْيُ بَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ !!! وَأَمَّا وَاجِبَاتُهَا فاثْنَانِ , هُمَا : الإِحْرَامُ مِنْ مِيقَاتِهَا , والحَلْقُ أَو التَّقْصيرُ مِنْ شَعْرِ الرَأْسِ .
وأَمَّا الحجُّ , فَإِنَّ أَرْكَانَهُ أَرْبَعَةٌ , وهيَ : الإحْرامُ , والوُقوفُ بِعَرَفِةٍ , والطوافُ بالبيتِ , والسعيُ بينَ الصفَا والمروةِ !!! وأمَّا واجِبَاتُهُ فَسَبْعَةٌ هيَ : الإِحْرامُ مِنَ المِيقَاتِ المُعْتَبَرِ لَهُ , والوقوفُ بِعَرَفَةَ إِلى الغروبِ والمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ , والمَبِيتُ بِمِنَى لَيَالِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ , وَرَمِيِ الجِمِارِ , وِالحَلْقِ أوْ التَّقْصِيرِ وطوافِ الوَداعِ .
والفَرْقُ بَيْنَ الأركَانِ والوَاجِبَاتِ : أَنَّ الرُّكْنَ لابُدَّ مِنْ الإِتْيَانِ بِهِ ولا يَتِمُّ النُّسُكُ إلا بِِهِ , ولا يُجْبَرُ بِدَمٍ , وأَمَّا الواجبٌ فإنّهُ إِنْ تَرَكَهُ الإِنسانُ يَجْبُرْهُ بِدَمٍ , قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا : مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئَاً أَوْ تَرَكَهُ فَلْيُهْرِقْ دَمَاً . قال الألباني : ثبت موقوفا أخرجه مالك
والدَّمُ : شَاةٌ أَوْ سُبُعُ بَدَنَةٍ أَوْ سُبُعُ بَقَرَةٍ !
أَيَّهَا الإِخْوَةُ : اعْلَمُواأَنَّ الإِحْرَامَ هُوَ عَقْدُ النِّيَّةِ لِلدُّخُولِ فِي النُّسُكِ , وَمَحَلُّ النِّيَّةِ القَلْبُ , ويَجِبُ أَنْ تَكُونَ فِي المِيْقَاتِ الذِّي يَمُرُ بِهِ الإِنسانُ , ولا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَدَّاهُ قَبْلَ أنْ يُحْرِمَ , فإِنْ نَسِيَ وتَعَدَّاهُ فالواجبُ أَنْ يَرْجِعَ لِيُحْرِمَ مِنْهُ , فإنْ لم يَرْجِعْ وأَحْرَمَ من مَكَانِهِ لَزِمَهُ دَمٌ لِتَرْكِ الواجبِ . وَأَمَّا مَنْ كَانَ مَسْكَنُهُ بَعْدَ المَوَاقيتِ , فإنَّهُ يُحْرِمُ للحَجِّ والعُمْرِةِ مِنْ مَكَانِهِ , وأَمَّا أَهْلُ مَكَةَ فِإِنَّهم يُحْرِمُونَ للحَجِّ مِنْ مَكَّةَ وأمَّا العُمْرةُ فيُحْرِمُونَ بِهَا مِنْ خَارجِ الحِلِّ كالتَّنْعِيمِ أو عَرَفَةَ أو غيرِها , وليسَ بلازمٍ أن يُحْرِمُوا منَ التَّنْعيمِ من مسجدِ عائشةَ رضيَ اللهُ عَنْهَا , بلْ هُمْ مُخَيَّرُونَ من أيِّ جِهَةٍ خَارِجِ الحِلِّ .
ثُمَّ اعلَمُوا : أَنَّ المَوَاقِيتَ قَدْ حَدَّدَهَا رسولُ اللهِ r , لكِلِّ جِهِةٍ منَ الجِهاتِ حَوْلَ الحَرَمِ فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ :
وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ r لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ فَهُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ لِمَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ وَكَذَاكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا . متفق عليه
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا أَنَّ اَلنَّبِيَّ r وَقَّتَ لأَهْلِ اَلْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ, وَالنَّسَائِيّ وصححه الألباني
فمنْ مرَّ بِهَذِهِ المَوَاقيتِ أو مرَّ بِمُحَاذَاتِهَا بَرَّاً أَوْ بَحْرَاً أَوْ جَوَّاً وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْقِدَ نِيَةَ الإِحْرَامِ بِمَا يُرِيدُ مِنْ حَجٍ أَوْ عُمْرةٍ .
وأَمَّا مَنْ مَرَّ بِهَا وهُوَ لا يُرِيدُ حَجَّاً ولا عُمْرةً لمْ يَلْزَمْهُ , ثُمَّ إِنْ تَجَدَّدَتْ لَهُ نِيَّةٌ أَحْرَمَ مِنْ مَكَانِ حَيْثُ عَقَدَ النِّيَّةَ , ولا يَلْزَمُهُ أَنْ يَعودَ لِلِمَوَاقِيتِ , كَمَا دلَّ على ذلكَ حديثُ ابنُ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهُما السابقُ , فمثلاً لو أنَّ رجلاً من أهلِ الرَّيَاضِ سافرَ إلى جِدَّةَ ومرَّ بِمِيقَاتِ السيْلِ ولمْ يُرِدْ حجَّاً ولا عُمْرَةً وَإِنَّمَا أَرَادَ عَمَلاً في جِدَّةَ , فَلا يَلْزَمْهُ الإِحْرَامُ . لَكِنَّهُ لَمَّا انتهَى عَمَلُهُ تَجَدَدَتْ لَهُ إِرَادَةُ العُمْرَةِ أَو الحَجِّ , فَهُنا يُحْرِمُ مِنْ جِدَّةَ وَلا يَلْزِمُهُ العَوْدَةُ إِلَى المِيْقَاتِ
أمَّا لوْ أَنَّهُ لمَّا مَرَّ بالميقاتِ قاصداً جِدَّةَ كان عازِمَاً على العمرةِ أو الحجِّ بعدَ أنْ يَنْقَضِيَ عَمَلُهُ , فهُنَا يَلْزَمُهُ العَوْدَةَ إلى الميقاتِ لِيُحْرِمَ مِنْهُ !!! هَذا أَيُّهَا الإِخْوةُ هُوَ التَّفْصِيل في المَسْأَلَةِ .
اللهمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمَاً نافِعَاً وعَمَلاً صالِحَاً , وفِقْهاً في دينِكَ .
أَقُولُ قَولِي هَذَا وأَسْتِغْفِرُ الله العَظِيمَ لي ولكُم فاستغْفِرُوهُ إِنَّهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ .
الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وصَحْبِهِ والتابعينَ
أمَّا بعدُ : فَإِنَّهُ مِنْ عِظَمِ شَأْنِ الإِحْرَامِ مَنَعُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ على المُحْرِمِ أُمُوراً مُعَيَّنَةً , تُسَمَّى مَحْظُورَاتِ الإِحْرَامِ , فلا يَجوزُ للإِنسان ِفِعْلُهَا حَالَ إِحْرَامِهِ , وهيَ كَمَا يَلِي :
أَوْلاً : حَلْقُ شَعرِ الرَأْسِ وأَلْحَقَ بِهِ بعضُ العُلَمَاءِ شَعْرَ بَقِيَّةِ البَدَنِ .
ثَانِياً : قَصُّ الأَظَافِرِ أوْ خَلْعُهَا منَ اليَدَيْنِ أوْ الرِّجْلَيْنِ .
ثَالِثاً : تَغْطِيَةُ الرَّجُلِ رَأْسَهُ بِمُلاصِقٍ كالعِمَامَةِ والغُتْرَةِ والطَّاقِيَّةِ .
رَابِعاً : لُبْسُ الرَّجُلِ لِلمَخِيْطِ ، والمَخِيْطُ هوَ : مَا كانَ مُفَصَّلاً علَى هَيْئَةِ البَدَنِ كالْقَمِيصِ والسَّرَاوِيلِ والقُفَّازَيْنِ , ولَيْسَ المَعْنَى هوَ كلُّ مَا فيهِ خِيَاطَةٌ فإِنَّ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ , وعَلَيْهِ فَيَجُوزُ للمُحْرِمِ لُبْسُ السَّاعَةِ التي سَيْرُهَا فيهِ خِيَاطَةٌ ولُبْسِ الْكَمَرِ وهُوَ الحِزَامُ وفيهِ خِيَاطَةٌ !
خَامِساً : لُبْسُ المَرْأَةِ للنِّقَابِ , والبُرْقُعِ والقُفَّازَيْنِ .
سَادِساً : اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ بَعْدَ الإِحْرَامِ في البَدَنِ أو الثِّيَابِ , وأمَّا قَبْلَ الإِحْرَامِ فَهُوَ سُنَّةٌ في البِدَنِ .
سَابِعاً : مُبَاشَرَةُ الزَّوْجَةِ بِشَهْوَةٍ , سَوَاءٌ بِتَقْبِيلٍ أو لمْسٍ أَو ضَمٍ .
تَنْبِيهٌ : إِذَا فَعَلَ المُحْرِمُ أَحَدَ هَذِهِ المَحْظُورَاتِ عالِمَاً , ذَاكِرَاً مُتَعَمِّدَاً , فَعَلَيْهِ الفِدْيَةُ , وَتُسَمَّى (فِدْيَةَ الأَذَى) , فَيُخَيَّرُ بَيْنَ : ذَبْحِ شَاةٍ , أوْ طَعَامِ سِتَّةِ مَسَاكِينَ ، أوَ صِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ .
ثَامِناً : الجِمَاعُ في الفَرْجِ , ولَهُ حَالانِ :
الأُولَى : إِذَا وَقَعَ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الأَوَّلِ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ خَمْسَةُ أُمُورٍ : الإِثْمُ , وفَسَادُ النُّسُكِ , وَوُجُوبُ الـمُضِيِّ فِيهِ , وَوُجُوبُ قَضَائِهِ فِي العَامِ القَادِمِ , وَفِديْةٌ وهِيَ : بَدَنَةٌ يَنْحَرُهَا ويُوَزِّعُهَا عَلَى فُقَرَاءِ الحَرَمِ !!!
الثَّانِيَةُ : إِذَا حَصَلَ الجِمَاعُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الأَوَّلِ ، أَوْ كَانَ الجِمَاعُ في العُمْرَةِ , فِإِنَّهُ لا يُبْطُلُ نُسُكَهُ لَكِنْ عَلَيْهِ : فِدْيَةُ الأَذَى , كَمَا سَبَقَ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ : ذَبْحِ شَاةٍ , أَوْ طَعَامِ سِتَّةِ مَسَاكِينَ ، أَوْ صِيَامِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ , والـمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ في الفِدْيَةِ إِذَا كَانَتْ مُطَاوِعَةً .
تَاسِعاً : عَقْدُ النِّكَاحِ : سَوَاءٌ كَانَ المُحْرِمُ الزَّوْجَ أو الزَّوْجَةَ أَو الوَلِيَّ فِإِنْ حَصَلَ فَإِنَّهُ القَعْدَ فَاسِدٌ لا تَحِلُّ بِهِ المَرْأَةُ ، ولَكِنْ لَيْسَ فِيهِ فِدْيَةٌ عَلَى هَذَا المَحْظُورِ .
عَاشِراً : قَتْلُ الصَّيْدِ : وهُوَ كُلُّ حَيَوَانٍ بَرِيٍّ حَلالٍ مُتَوَحِّشٍ أَصْلاً كَالظِّبَاءِ والأَرَانِبِ والحَمَامِ , فَيَحْرُمُ قَتْلُهُ أَو الدِّلالَةُ عَلَيْهِ أَو الإِعَانَةُ عَلَى قَتْلِهِ أَو إِفْسَادُ بَيْضِهِ !
فِإِنْ فَعَلَ شَيْئَاً مِنْ مَحْظُورَاتِ الإِحْرَامِ نَاسِيَاً أَو جَاهِلاً أَو مُكْرَهَاً فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ، لا إِثْمَ ولا فِدْيَةَ ، وَلا فَسَادَ نُسُكٍ , لِعُمُومِ قَولِ اللهِ تعالَى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)
وَعَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا , عَنْ اَلنَّبِيِّ r قَالَ (إِنَّ اَللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي اَلْخَطَأَ , وَالنِّسْيَانَ , وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)رَوَاهُ اِبْنُ مَاجَهْ , وصححه الألباني
هَذَا مَا تَيَسَّرَ أَيُّهَا الإِخْوَةُ في هَذِهِ الخُطْبَةِ مِنْ أَحْكَامِ الحَجِّ أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَنْفَعَ بِهَا السَّامِعَ والمُتَكَلِّمَ .
اَللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِيننا اَلَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا , وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانا اَلَّتِي فِيهَا مَعَاشُنا, وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنا اَلَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنا , وَاجْعَلْ اَلْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ, وَاجْعَلْ اَلْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ , اَللَّهُمَّ اِنْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا , وَعَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا, وَارْزُقْنَا عِلْمًا يَنْفَعُنَا , اَللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ حّجَّ بَيْتَكَ وَتَطَوَّفَ بِهِ واجْعَلْنَا مِنَ الـمَقَبُولِينَ يَارَبَّ العَالـَمِينَ
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُلاةَ أُمُورِنَا وَأَصْلِحْ بِطَانَتَهُم وأَعْوَانَهَم يَارَبَّ العَالـَمِينَ , اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَال َالـُمسْلِمِينَ في كُلِّ مَكَانٍ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَاحِمِينَ , اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ , وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ , كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ , وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ , وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ , كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي اَلْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ , وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
الحمدُ للهِ الذي علَّمَ بالقلمِ علَّمَ الإنسانَ ما لم يَعْلَمْ !
الحَمْدُ للهِ الذي بَعَثَ فِينَا رسُولاً مِنَّا يُعَلِمُنَا الكتابَ والحكمةَ ويهدِيْنَا إلى صراطٍ مستقيمٍ , الحَمْدُ للهِ القائلِ (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)
أَشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وأَشْهَدُ أنَّ مٌحَمَّدَاً عَبْدُهُ ورسُولُهُ صلَّى اللهُ عليْهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تَسْلِيمَاً كثَِيراً .
أما بعدُ : فاتَّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ , وتَعَلَّمُوا مِنَ العِلْمِ ما تَعْرِفُونَ بِهِ الوَاجِبَ مِنْ أَعْمَالِكُم وَتَتَقَرَّبُونَ بِهِ إِلَى ربِّكُمْ , واعْلَمُوا أَنَّهُ فَرْضَ لازِمٌ على كِلِّ مُكَلَّفٍ أنْ يَتَعَلَّمَ من الدِّينِ ما يُقِيمُ بِهِ عبادتَهُ , وَيُصَحِّحُ بِهِ أَعْمَالَه , ولا عُذْرَ لَهُ في ذلِكَ معَ إِمْكِانِ تَعَلُّمِهِ بِوُجُودِهِ في بِلادِ العِلْمِ وَبِالقُرْبِ مِنَ العُلماء ِ!
وإِنَّنّا على مَقْرُبِةٍ مِنْ مَوْسِم ٍعَظيمٍ تَهْفُو قُلُوبُ الناسِ إليْهِ وتَتَطَلَّعُ نُفُوسُهَمْ نَحْوَهُ !!! مَوْسِمٌ : طَالمَا انْتَظَرَهُ المُسْلِمُونَ وطَالمَا فَرِحَ بِهِ الصَّالِحُونِ......إِنَّهُ مَوْسِمُ الحَجِّ !
أَيُّهَا الإِخْوَةُ : إِنَّ الحَجُّ قَدْ فُرِضَ في السَّنِةِ التاسِعِةِ من الهِجْرةِ على الصحيحِ مِنْ أَقْوالِ أَهْلِ العِلْمِ , وَمَعَ ذلكَ فَتَأَخَّرَ حَجُّ النبيِ r إلى السَّنِةِ العَاشِرَةِ , مَعَ أَنَّ الحَجَّ واجِبٌ على الفَوْرِ إِلا أَنَّهُ تَأَخَّرَ ! وكانَ مِنَ الحِكَمِ لهَذَا التَّأَخُّرِ : أَنْ يَعْلَمَ النَّاسُ بِحَجِّهِ فَيُرَافِقُوهُ لِيَتَعَلَّمُوا مِنْهُ ؛ قالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّه رضي الله عنهما : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r حَاجٌّ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ r وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ . رواهُ مسلم
أَيُّهَا المُسْلِمُون : اعْلَمُوا أَنَّ لِلْحَجِّ ثَلاثَ صِفَاتٍ , يُمْكِنُ أَنْ يُؤَدِّيَ الإنْسَانُ حَجَّهُ بِإِحْدَاَها , وهِيَ مَا تُسَمَّى : بِأَنْسَاكِ الحَجِّ , وهِيَ التَّمَتُعُ , والقِرَانُ , والإِفْرادُ , والإِنْسَانُ مُخَيَّرٌ مِنْ حَيْثُ العمومِ بَيْنَهَا , إِلا أَنَّ الأَفْضَلَ والأَكْمَلَ هُوَ التَّمَتُّع ُ.
وصِفَاتُهَا باختِصارٍ كما يَلِي : أَمَّا التَّمَتُعُ فهو أَنْ يَأْتِيَ الْإِنْسَانُ بِعُمْرَةٍ مُسْتَقِلِّةٍ من الِميقَاتِ , ويَحِلَّ مِنْهَا ثُمَّ يُحْرِمَ بِالحَجِّ بِشَرْطِ أَنْ لا يُسَافِرَ بَيْنَهُمَا إلى بَلَدِهِ !
وأَمَّا القِرَانُ فُهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ والحَجِّ مَعَاً مِنَ المِيقَاتِ , فَيَقُولَ : لَبَّيْكَ حَجَّاً وعُمْرَةً , أَوْ يُحْرِمَ بِالعُمْرَةِ أَوَّلاً ثُمَّ يُدْخِلَ عَلَيْهَا الحَجُّ , وقَدْ يَضْطَرُّ الإنسانُ إلى ذلِكَ , كَمَا لَوْ أَحْرَمَتْ امْرَأَةٌ بالعُمْرَةِ لِتَتَمَتَّعَ ثُمَّ نَزَلَ عَلَيْهَا الحَيْضُ وَعَلِمَتْ أَنَّهَا لَنْ تَطْهُرَ مِنْ حَيْضِهَا قَبْلَ فَوَاتِ الحَجِّ , فَهُنَا تُدْخِلُ الحَجَّ عَلَى العُمْرَةِ فَتَكُونَ قَارِنَةً !
أَمَّا الإِفْرَادُ : فَأَنْ يُحْرِمَ مِنَ الْمِيقَاتِ بِالحَجِّ مُفْرَدَاً .
ومِنَ الفُرُوقِ بَيْنَ هَذِهِ الأَنْسَاكِ : أَنَّ المُتَمَتِّعَ يَطُوفُ الطَّوَافَ الأّوَّلَ لِلعُمْرَةِ ويَسْعَى لِلعُمْرَةِ وهَذَانِ رُكْنَانِ لابُدَّ مِنْهُمَا , وأَمَّا القَارِنُ والْمُفْرِدُ فالطَّوَافُ الأَوَّلُ طَوَافُ قُدُومٍ , وهُوَ سُنَّةٌ ولَيْسَ وَاجِبَاً وَلا رُكْنَاً , وَأمَّا السَّعْيُ بَعدَهُ فَهُوَ سَعْيُ حَجٍّ !
والمَعْنَى : أَنَّ القَارِنَ والمُفْرِدَ إِذَا قَدِمَا مَكَّةَ فِإِنَّ الأَفْضَلَ في حَقِّهِمَا أَنْ يَطُوفَا بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ , وهَذَا يُسَمَّى طَوَافَ الْقُدُومِ , ثُمَّ إِذَا قَضَيَا الطَّوَافَ فَهُمَا بِالخِيَارِ : إِنْ أَرَادَا سَعْيَا بَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ , وهَذَا السَّعْيُ يٌجْزِئُهُمَا عنِ الحَجِّ والعُمْرَةِ , لِقَوْلِ اَلنَّبِيَّ r لِعَائِشَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا وقَدْ كَاَنِتْ قَاِرَنةً (طَوَافُكِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ اَلصَّفَا وَاَلْمَرْوَةِ يَكْفِيكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
َولَكِنْ يَجِبُ أَنْ نُنِبِّهَ : أَنَّ القَارِنَ أو المُفْرِدَ إِنْ لَمْ يَطُفْ طَوَافَ القُدُومِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ سَعْىَ الحَجِّ , لأَنَّ مِنْ شَرْطِ التَّقْدِيمِ أَنْ يَسْبِقَ الطوافُ السعيَ , فَيطُوفُ أولاً للْقُدُومِ ثمَّ يَسْعَى سَعْيَ الحَجِّ !
ومِنَ الفُرُوقِ بَيْنَ هَذِهِ الأَنْسَاكِ أَيْضاً : أَنَّ المُتَمَتِّعَ وَالقَارنَ عَلَيْهِمَا هَدْيٌ وَاجِبٌ , وَأَمَّا المُفْرِدَ فَلا يَجِبُ عَلَيْهِ .
أَيُّهَا الإخْوَةُ : إِنَّ لكِلٍّ مِنَ الحَجِّ والعُمْرَةِ أَرْكَانٌ وَوَاجِبَاتٌ , وكُلُّهَا لازِمَةٌ لابُدَّ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا الِإْنسَانُ , فَلا يُخَيَّرُ الإِنْسَانُ بَيْنَ الإتْيَانِ بِهَا أوْ تَرْكِهَا, خِلافَاً لِمَا يَعْتِقُدُهُ بَعْضُ النَّاسِ لا سِيَّمَا فِي الوَاجِبَاتِ !
فَأَمَّا أَرْكَانُ العُمْرَةِ فَثَلاثُةٌ , وَهِيَ : الإِحْرَامُ , والطَّوَافُ بالبيتِ , والسعْيُ بَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ !!! وَأَمَّا وَاجِبَاتُهَا فاثْنَانِ , هُمَا : الإِحْرَامُ مِنْ مِيقَاتِهَا , والحَلْقُ أَو التَّقْصيرُ مِنْ شَعْرِ الرَأْسِ .
وأَمَّا الحجُّ , فَإِنَّ أَرْكَانَهُ أَرْبَعَةٌ , وهيَ : الإحْرامُ , والوُقوفُ بِعَرَفِةٍ , والطوافُ بالبيتِ , والسعيُ بينَ الصفَا والمروةِ !!! وأمَّا واجِبَاتُهُ فَسَبْعَةٌ هيَ : الإِحْرامُ مِنَ المِيقَاتِ المُعْتَبَرِ لَهُ , والوقوفُ بِعَرَفَةَ إِلى الغروبِ والمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ , والمَبِيتُ بِمِنَى لَيَالِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ , وَرَمِيِ الجِمِارِ , وِالحَلْقِ أوْ التَّقْصِيرِ وطوافِ الوَداعِ .
والفَرْقُ بَيْنَ الأركَانِ والوَاجِبَاتِ : أَنَّ الرُّكْنَ لابُدَّ مِنْ الإِتْيَانِ بِهِ ولا يَتِمُّ النُّسُكُ إلا بِِهِ , ولا يُجْبَرُ بِدَمٍ , وأَمَّا الواجبٌ فإنّهُ إِنْ تَرَكَهُ الإِنسانُ يَجْبُرْهُ بِدَمٍ , قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا : مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئَاً أَوْ تَرَكَهُ فَلْيُهْرِقْ دَمَاً . قال الألباني : ثبت موقوفا أخرجه مالك
والدَّمُ : شَاةٌ أَوْ سُبُعُ بَدَنَةٍ أَوْ سُبُعُ بَقَرَةٍ !
أَيَّهَا الإِخْوَةُ : اعْلَمُواأَنَّ الإِحْرَامَ هُوَ عَقْدُ النِّيَّةِ لِلدُّخُولِ فِي النُّسُكِ , وَمَحَلُّ النِّيَّةِ القَلْبُ , ويَجِبُ أَنْ تَكُونَ فِي المِيْقَاتِ الذِّي يَمُرُ بِهِ الإِنسانُ , ولا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَدَّاهُ قَبْلَ أنْ يُحْرِمَ , فإِنْ نَسِيَ وتَعَدَّاهُ فالواجبُ أَنْ يَرْجِعَ لِيُحْرِمَ مِنْهُ , فإنْ لم يَرْجِعْ وأَحْرَمَ من مَكَانِهِ لَزِمَهُ دَمٌ لِتَرْكِ الواجبِ . وَأَمَّا مَنْ كَانَ مَسْكَنُهُ بَعْدَ المَوَاقيتِ , فإنَّهُ يُحْرِمُ للحَجِّ والعُمْرِةِ مِنْ مَكَانِهِ , وأَمَّا أَهْلُ مَكَةَ فِإِنَّهم يُحْرِمُونَ للحَجِّ مِنْ مَكَّةَ وأمَّا العُمْرةُ فيُحْرِمُونَ بِهَا مِنْ خَارجِ الحِلِّ كالتَّنْعِيمِ أو عَرَفَةَ أو غيرِها , وليسَ بلازمٍ أن يُحْرِمُوا منَ التَّنْعيمِ من مسجدِ عائشةَ رضيَ اللهُ عَنْهَا , بلْ هُمْ مُخَيَّرُونَ من أيِّ جِهَةٍ خَارِجِ الحِلِّ .
ثُمَّ اعلَمُوا : أَنَّ المَوَاقِيتَ قَدْ حَدَّدَهَا رسولُ اللهِ r , لكِلِّ جِهِةٍ منَ الجِهاتِ حَوْلَ الحَرَمِ فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ :
وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ r لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ فَهُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ لِمَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ وَكَذَاكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا . متفق عليه
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا أَنَّ اَلنَّبِيَّ r وَقَّتَ لأَهْلِ اَلْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ, وَالنَّسَائِيّ وصححه الألباني
فمنْ مرَّ بِهَذِهِ المَوَاقيتِ أو مرَّ بِمُحَاذَاتِهَا بَرَّاً أَوْ بَحْرَاً أَوْ جَوَّاً وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْقِدَ نِيَةَ الإِحْرَامِ بِمَا يُرِيدُ مِنْ حَجٍ أَوْ عُمْرةٍ .
وأَمَّا مَنْ مَرَّ بِهَا وهُوَ لا يُرِيدُ حَجَّاً ولا عُمْرةً لمْ يَلْزَمْهُ , ثُمَّ إِنْ تَجَدَّدَتْ لَهُ نِيَّةٌ أَحْرَمَ مِنْ مَكَانِ حَيْثُ عَقَدَ النِّيَّةَ , ولا يَلْزَمُهُ أَنْ يَعودَ لِلِمَوَاقِيتِ , كَمَا دلَّ على ذلكَ حديثُ ابنُ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهُما السابقُ , فمثلاً لو أنَّ رجلاً من أهلِ الرَّيَاضِ سافرَ إلى جِدَّةَ ومرَّ بِمِيقَاتِ السيْلِ ولمْ يُرِدْ حجَّاً ولا عُمْرَةً وَإِنَّمَا أَرَادَ عَمَلاً في جِدَّةَ , فَلا يَلْزَمْهُ الإِحْرَامُ . لَكِنَّهُ لَمَّا انتهَى عَمَلُهُ تَجَدَدَتْ لَهُ إِرَادَةُ العُمْرَةِ أَو الحَجِّ , فَهُنا يُحْرِمُ مِنْ جِدَّةَ وَلا يَلْزِمُهُ العَوْدَةُ إِلَى المِيْقَاتِ
أمَّا لوْ أَنَّهُ لمَّا مَرَّ بالميقاتِ قاصداً جِدَّةَ كان عازِمَاً على العمرةِ أو الحجِّ بعدَ أنْ يَنْقَضِيَ عَمَلُهُ , فهُنَا يَلْزَمُهُ العَوْدَةَ إلى الميقاتِ لِيُحْرِمَ مِنْهُ !!! هَذا أَيُّهَا الإِخْوةُ هُوَ التَّفْصِيل في المَسْأَلَةِ .
اللهمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمَاً نافِعَاً وعَمَلاً صالِحَاً , وفِقْهاً في دينِكَ .
أَقُولُ قَولِي هَذَا وأَسْتِغْفِرُ الله العَظِيمَ لي ولكُم فاستغْفِرُوهُ إِنَّهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ .
الخطبةُ الثانيةُ
الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وصَحْبِهِ والتابعينَ
أمَّا بعدُ : فَإِنَّهُ مِنْ عِظَمِ شَأْنِ الإِحْرَامِ مَنَعُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ على المُحْرِمِ أُمُوراً مُعَيَّنَةً , تُسَمَّى مَحْظُورَاتِ الإِحْرَامِ , فلا يَجوزُ للإِنسان ِفِعْلُهَا حَالَ إِحْرَامِهِ , وهيَ كَمَا يَلِي :
أَوْلاً : حَلْقُ شَعرِ الرَأْسِ وأَلْحَقَ بِهِ بعضُ العُلَمَاءِ شَعْرَ بَقِيَّةِ البَدَنِ .
ثَانِياً : قَصُّ الأَظَافِرِ أوْ خَلْعُهَا منَ اليَدَيْنِ أوْ الرِّجْلَيْنِ .
ثَالِثاً : تَغْطِيَةُ الرَّجُلِ رَأْسَهُ بِمُلاصِقٍ كالعِمَامَةِ والغُتْرَةِ والطَّاقِيَّةِ .
رَابِعاً : لُبْسُ الرَّجُلِ لِلمَخِيْطِ ، والمَخِيْطُ هوَ : مَا كانَ مُفَصَّلاً علَى هَيْئَةِ البَدَنِ كالْقَمِيصِ والسَّرَاوِيلِ والقُفَّازَيْنِ , ولَيْسَ المَعْنَى هوَ كلُّ مَا فيهِ خِيَاطَةٌ فإِنَّ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ , وعَلَيْهِ فَيَجُوزُ للمُحْرِمِ لُبْسُ السَّاعَةِ التي سَيْرُهَا فيهِ خِيَاطَةٌ ولُبْسِ الْكَمَرِ وهُوَ الحِزَامُ وفيهِ خِيَاطَةٌ !
خَامِساً : لُبْسُ المَرْأَةِ للنِّقَابِ , والبُرْقُعِ والقُفَّازَيْنِ .
سَادِساً : اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ بَعْدَ الإِحْرَامِ في البَدَنِ أو الثِّيَابِ , وأمَّا قَبْلَ الإِحْرَامِ فَهُوَ سُنَّةٌ في البِدَنِ .
سَابِعاً : مُبَاشَرَةُ الزَّوْجَةِ بِشَهْوَةٍ , سَوَاءٌ بِتَقْبِيلٍ أو لمْسٍ أَو ضَمٍ .
تَنْبِيهٌ : إِذَا فَعَلَ المُحْرِمُ أَحَدَ هَذِهِ المَحْظُورَاتِ عالِمَاً , ذَاكِرَاً مُتَعَمِّدَاً , فَعَلَيْهِ الفِدْيَةُ , وَتُسَمَّى (فِدْيَةَ الأَذَى) , فَيُخَيَّرُ بَيْنَ : ذَبْحِ شَاةٍ , أوْ طَعَامِ سِتَّةِ مَسَاكِينَ ، أوَ صِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ .
ثَامِناً : الجِمَاعُ في الفَرْجِ , ولَهُ حَالانِ :
الأُولَى : إِذَا وَقَعَ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الأَوَّلِ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ خَمْسَةُ أُمُورٍ : الإِثْمُ , وفَسَادُ النُّسُكِ , وَوُجُوبُ الـمُضِيِّ فِيهِ , وَوُجُوبُ قَضَائِهِ فِي العَامِ القَادِمِ , وَفِديْةٌ وهِيَ : بَدَنَةٌ يَنْحَرُهَا ويُوَزِّعُهَا عَلَى فُقَرَاءِ الحَرَمِ !!!
الثَّانِيَةُ : إِذَا حَصَلَ الجِمَاعُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الأَوَّلِ ، أَوْ كَانَ الجِمَاعُ في العُمْرَةِ , فِإِنَّهُ لا يُبْطُلُ نُسُكَهُ لَكِنْ عَلَيْهِ : فِدْيَةُ الأَذَى , كَمَا سَبَقَ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ : ذَبْحِ شَاةٍ , أَوْ طَعَامِ سِتَّةِ مَسَاكِينَ ، أَوْ صِيَامِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ , والـمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ في الفِدْيَةِ إِذَا كَانَتْ مُطَاوِعَةً .
تَاسِعاً : عَقْدُ النِّكَاحِ : سَوَاءٌ كَانَ المُحْرِمُ الزَّوْجَ أو الزَّوْجَةَ أَو الوَلِيَّ فِإِنْ حَصَلَ فَإِنَّهُ القَعْدَ فَاسِدٌ لا تَحِلُّ بِهِ المَرْأَةُ ، ولَكِنْ لَيْسَ فِيهِ فِدْيَةٌ عَلَى هَذَا المَحْظُورِ .
عَاشِراً : قَتْلُ الصَّيْدِ : وهُوَ كُلُّ حَيَوَانٍ بَرِيٍّ حَلالٍ مُتَوَحِّشٍ أَصْلاً كَالظِّبَاءِ والأَرَانِبِ والحَمَامِ , فَيَحْرُمُ قَتْلُهُ أَو الدِّلالَةُ عَلَيْهِ أَو الإِعَانَةُ عَلَى قَتْلِهِ أَو إِفْسَادُ بَيْضِهِ !
فِإِنْ فَعَلَ شَيْئَاً مِنْ مَحْظُورَاتِ الإِحْرَامِ نَاسِيَاً أَو جَاهِلاً أَو مُكْرَهَاً فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ، لا إِثْمَ ولا فِدْيَةَ ، وَلا فَسَادَ نُسُكٍ , لِعُمُومِ قَولِ اللهِ تعالَى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)
وَعَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا , عَنْ اَلنَّبِيِّ r قَالَ (إِنَّ اَللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي اَلْخَطَأَ , وَالنِّسْيَانَ , وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)رَوَاهُ اِبْنُ مَاجَهْ , وصححه الألباني
هَذَا مَا تَيَسَّرَ أَيُّهَا الإِخْوَةُ في هَذِهِ الخُطْبَةِ مِنْ أَحْكَامِ الحَجِّ أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَنْفَعَ بِهَا السَّامِعَ والمُتَكَلِّمَ .
اَللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِيننا اَلَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا , وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانا اَلَّتِي فِيهَا مَعَاشُنا, وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنا اَلَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنا , وَاجْعَلْ اَلْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ, وَاجْعَلْ اَلْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ , اَللَّهُمَّ اِنْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا , وَعَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا, وَارْزُقْنَا عِلْمًا يَنْفَعُنَا , اَللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ حّجَّ بَيْتَكَ وَتَطَوَّفَ بِهِ واجْعَلْنَا مِنَ الـمَقَبُولِينَ يَارَبَّ العَالـَمِينَ
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُلاةَ أُمُورِنَا وَأَصْلِحْ بِطَانَتَهُم وأَعْوَانَهَم يَارَبَّ العَالـَمِينَ , اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَال َالـُمسْلِمِينَ في كُلِّ مَكَانٍ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَاحِمِينَ , اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ , وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ , كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ , وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ , وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ , كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي اَلْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ , وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
المشاهدات 2757 | التعليقات 2
جزاك الله خير
ابراهيم السعدي
خطبة قيمة وشرح ميسر
بارك الله فيك
تعديل التعليق