كيف نعرف أن الله تعالى يحبنا؟!

كيف نعرف أن الله تعالى يحبنا؟!
5 / 5 / 1440هـ 
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الْفَاتِحَةِ: 2 - 4]، نَحْمَدُهُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ، وَنَسْتَغْفِرُهُ اسْتِغْفَارَ التَّائِبِينَ، وَنَسْأَلُهُ مِنْ فَضْلِهِ الْعَظِيمِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ يُحِبُّ سُبْحَانَهُ مَنْ يُحِبُّهُ، وَيَتَّبِعُ رُسُلَهُ، وَيَلْتَزِمُ دِينَهُ، وَيَأْخُذُ بِكِتَابِهِ، وَيَعْتَصِمُ بِحَبْلِهِ، وَيَجْزِيهِمْ أَفْضَلَ الْجَزَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَمْقُتُ الْكُفْرَ وَأَهْلَهُ، وَالنِّفَاقَ وَأَرْبَابَهُ، وَيُمْلِي لَهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ، وَيَجْزِيهِمْ بِأَسْوَأِ مَا عَمِلُوا فِي أُخْرَاهُمْ، وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ لَا خَيْرَ إِلَّا دَلَّنَا عَلَيْهِ، وَلَا شَرَّ إِلَّا حَذَّرَنَا مِنْهُ، تَرَكَنَا عَلَى بَيْضَاءَ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَأَقِيمُوا لَهُ دِينَكُمْ، وَأَسْلِمُوا لَهُ وُجُوهَكُمْ، وَأَخْلِصُوا لَهُ فِي أَعْمَالِكُمْ، فَإِنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ الْقَبُولُ لَا كَثْرَةُ الْعَمَلِ، وَلَا قَبُولَ إِلَّا بِإِخْلَاصٍ ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [الْبَيِّنَةِ: 5].
أَيُّهَا النَّاسُ: مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَهُوَ يَسْعَى جُهْدَهُ لِنَيْلِ مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ عَلِمَ مُؤْمِنٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّهُ لَمَا وَسِعَتْهُ الدُّنْيَا مِنْ فَرَحِهِ وَحُبُورِهِ، وَلَهَانَ عَلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ هَذِهِ الْمَحَبَّةِ؛ لِأَنَّهَا مَحَبَّةٌ مِنْ مَلِكِ الْمُلُوكِ لِعَبْدٍ مَخْلُوقٍ، وَمِمَّنْ بِيَدِهِ سُبْحَانَهُ دُنْيَا الْعَبْدِ وَآخِرَتُهُ، وَيَمْلِكُ رِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَقَلْبَهُ، فَلَا عَجَبَ أَنْ يَسْعَى الْمُؤْمِنُونَ لِنَيْلِهَا سَعْيًا شَدِيدًا.
وَثَمَّةَ عَلَامَاتٌ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ، وَأَعْمَالٍ تَسْتَجْلِبُهَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَيْهَا:
فَأَصْلُ ذَلِكَ الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الْإِيمَانَ، وَيُحِبُّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْإِيمَانِ. وَكُلَّمَا كَانَ الْعَبْدُ أَقْوَى إِيمَانًا وَأَكْثَرَ عَمَلًا ازْدَادَ مَحَبَّةً عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. وَكُلُّ مَا يُذْكَرُ مِنْ أَسْبَابِ مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ وَعَلَامَاتِهَا فَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى هَذَا الْأَصْلِ الْعَظِيمِ. وَالنَّاسُ مُتَفَاوِتُونَ فِي إِيمَانِهِمْ:
فَمِنْهُمْ مَنْ يُحَقِّقُ أَصْلَ الْإِيمَانِ لَكِنْ لَا يَبْلُغُ كَمَالَهُ؛ بِسَبَبِ تَفْرِيطِهِ فِي بَعْضِ الْمَأْمُورَاتِ، وَارْتِكَابِهِ لِبَعْضِ الْمَنْهِيَّاتِ الَّتِي لَا تُزِيلُ أَصْلَ الْإِيمَانِ، وَلَكِنَّهَا تُنْقِصُهُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يُحَقِّقُ الْإِيمَانَ الْكَامِلَ بِفِعْلِ كُلِّ الْوَاجِبَاتِ، وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَقَدْ يَتَرَقَّى فِي إِيمَانِهِ إِلَى دَرَجَةِ الْإِحْسَانِ بِخَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْغَيْبِ، وَمُرَاقَبَتِهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ. كَمَا أَنَّهُمْ مُتَفَاوِتُونَ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ؛ فَمِنْهُمُ السَّابِقُونَ، وَمِنْهُمُ الْمُقْتَصِدُونَ، وَمِنْهُمُ الْبَاخِسُونَ الظَّالِمُونَ لِأَنْفُسِهِمْ. فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُحِبَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلْيَزْدَدْ إِيمَانًا إِلَى إِيمَانِهِ بِكَثْرَةِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَاجْتِنَابِ مَا نَهَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ.
وَمِنْ عَلَامَاتِ حُبِّ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ: اتِّبَاعُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَمَلُهُ بِسُنَّتِهِ، فَكُلَّمَا كَانَ الْعَبْدُ أَحْرَصَ عَلَى اتِّبَاعِ السُّنَّةِ وَالْعَمَلِ بِهَا؛ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمَ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 31]، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَدْ أَطْبَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَى مَحَبَّتِهِ مُنْذُ زَمَنِهِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا؛ لِنَصْرِهِ لِلسُّنَّةِ، وَدَحْضِهِ لِلْبِدْعَةِ، وَابْتِلَائِهِ فِي هَذَا السَّبِيلِ ابْتِلَاءً شَدِيدًا عَجَزَ عَنْ تَحَمُّلِهِ غَيْرُهُ، وَالْمُؤْمِنُونَ شُهَدَاءُ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَرْضِهِ، فَمَحَبَّتُهُمْ لَهُ عَلَامَةٌ عَلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ. وَقَدْ جَاءَ عَنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: «مَا كَتَبْتُ حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا وَقَدْ عَمِلْتُ بِهِ».
وَمِنْ عَلَامَاتِ حُبِّ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ: تَسْدِيدُهُ وَتَوْفِيقُهُ لِلطَّاعَاتِ، وَحَجْبُهُ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَحُجَّةُ ذَلِكَ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ... الْحَدِيثَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَمِنْ عَلَامَاتِ حُبِّ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ: أَنْ يَكُونَ مُتَجَرِّدًا فِي حُبِّهِ وَبُغْضِهِ وَوَلَائِهِ وَبَرَائِهِ لِلَّهِ تَعَالَى، لَا لِأَجْلِ دُنْيَا يُرِيدُهَا، أَوْ بَشَرٍ يُرْضِيهِمْ، فَيُوَالِي أَوْلِيَاءَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُعَادِي أَعْدَاءَهُ، وَحُجَّةُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [الْمَائِدَةِ: 54]. وَيَبْنِي عَلَاقَاتِهِ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى هَذِهِ الْمَحَبَّةِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ تَعَالَى؛ فَإِنْ جَالَسَهُمْ جَالَسَهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ زَارَهُمْ زَارَهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَا يُحِبُّهُمْ أَوْ يُجَالِسُهُمْ أَوْ يَزُورُهُمْ لِمَا يَرْجُوهُ مِنْ دُنْيَاهُمْ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ» رَوَاهُ مَالِكٌ.
وَمِنْ عَلَامَاتِ حُبِّ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ: حُبُّ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ، وَبَسْطُ الْقَبُولِ لَهُ فِي الْأَرْضِ، وَبُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ [مَرْيَمَ: 96]، أَيْ: «مَحَبَّةً فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ». وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: «كُنَّا بِعَرَفَةَ، فَمَرَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ عَلَى الْمَوْسِمِ، فَقَامَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ لِأَبِي: يَا أَبَتِ، إِنِّي أَرَى اللَّهَ يُحِبُّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قُلْتُ: لِمَا لَهُ مِنَ الْحُبِّ فِي قُلُوبِ النَّاسِ».
وَمِنْ عَلَامَاتِ حُبِّ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ: حُلُولُ الْبَلَاءِ بِهِ، وَصَبْرُهُ عَلَيْهِ. وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَتَمَنَّى الْبَلَاءَ، وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُ، وَلَا يَدْعُو بِهِ. بَلْ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَافِيَةَ كَمَا هُوَ تَوْجِيهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا وَقَعَ الْبَلَاءُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ مَالِهِ صَبَرَ وَاحْتَسَبَ، وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا مِنْ دِينِهِ لِيُرْفَعَ بَلَاؤُهُ؛ فَذَلِكَ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ فَفِي حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيَدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ صَبَرَ فَلَهُ الصَّبْرُ، وَمَنْ جَزِعَ فَلَهُ الْجَزَعُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. فَأَحْبَابُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ يُبْتَلَوْنَ بِالسَّرَّاءِ وَبِالضَّرَّاءِ؛ فَإِذَا ابْتُلُوا بِالسَّرَّاءِ صَبَرُوا عَنِ الدُّنْيَا وَفِتْنَتِهَا وَشَكَرُوا اللَّهَ تَعَالَى، وَإِنِ ابْتُلُوا بِالضَّرَّاءِ صَبَرُوا عَلَى ضَرَّائِهِمْ وَحَمِدُوا اللَّهَ تَعَالَى إِذِ ابْتَلَاهُمْ.
نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَنَا وَوَالِدِينَا مِنْ أَحْبَابِهِ وَأَوْلِيَائِهِ، وَأَنْ يُوَفِّقَنَا لِمَا يُرْضِيهِ، وَأَنْ يُجَنِّبَنَا مَا يُسْخِطُهُ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ، وَأَكْثِرُوا مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ فَإِنَّهَا مِنْ أَسْبَابِ مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ، وَمَنْ نَالَ مَحَبَّةَ اللَّهِ تَعَالَى صَارَ مِنْ أَوْلِيَائِهِ، وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [يُونُسَ: 62 - 64].
هَذَا؛ وَمِنْ عَلَامَاتِ حُبِّ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ: حِمَايَتُهُ مِنَ الْفِتْنَةِ بِالدُّنْيَا، وَحُجَّةُ ذَلِكَ: حَدِيثُ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا حَمَاهُ الدُّنْيَا كَمَا يَظَلُّ أَحَدُكُمْ يَحْمِي سَقِيمَهُ الْمَاءَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
وَحِمَايَةُ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ مِنَ الدُّنْيَا تَكُونُ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
فَإِمَّا أَنْ يُحْرَمَ مِنْهَا، فَيَعِيشَ بِمَا يُقِيمُ أَوَدَهُ، وَيَفِي بِضَرُورَاتِ عَيْشِهِ، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ فِي رِزْقِهِ؛ لِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ إِنْ وَسَّعَ عَلَيْهِ فِي دُنْيَاهُ؛ فُتِنَ بِهَا فَطَغَى وَبَغَى وَتَجَبَّرَ وَأَفْسَدَ، وَعَصَى اللَّهَ تَعَالَى، وَكَانَ كَمَنْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ [الْعَلَقِ: 6- 7].
وَإِمَّا أَنْ يُوَسِّعَ عَلَيْهِ فِي رِزْقِهِ، وَيُعْطِيَهُ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا، وَلَكِنْ يَحْمِي قَلْبَهُ مِنَ الْفِتْنَةِ وَالتَّعَلُّقِ بِهَا، فَيُطِيعُ اللَّهَ تَعَالَى فِيمَا أَعْطَاهُ، وَلَا يَعْصِيهِ بِسَبَبِ دُنْيَاهُ.
وَمِنْ عَلَامَاتِ حُبِّ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ: أَنْ يُحِبَّ لِقَاءَ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ مَوْتِهِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
فَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى إِتْيَانِ أَسْبَابِ مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ، وَأَنْ يَتَحَرَّى تَوَافُرَ عَلَامَاتِهَا فِيهِ، وَأَنْ يُكْثِرَ مِنَ الدُّعَاءِ لِنَيْلِ هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ الْعَظِيمَةِ؛ مَنْزِلَةِ وِلَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَحَبَّتِهِ لَهُ؛ فَإِنَّهُ -إِنْ نَالَهَا- سَعِدَ فِي الدُّنْيَا بِطِيبِ الْعَيْشِ وَرَاحَةِ الْقَلْبِ، وَفَازَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْزًا عَظِيمًا بِرِضْوَانِ اللَّهِ تَعَالَى وَجَنَّتِهِ. وَمِنَ الدُّعَاءِ النَّبَوِيِّ الْمَأْثُورِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَالْعَمَلَ الَّذِي يُبَلِّغُنِي حُبَّكَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ حُبَّكَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي وَأَهْلِي وَمِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
المرفقات

نعرف-أن-الله-تعالى-يحبنا؟-مشكولة

نعرف-أن-الله-تعالى-يحبنا؟-مشكولة

نعرف-أن-الله-تعالى-يحبنا؟

نعرف-أن-الله-تعالى-يحبنا؟

المشاهدات 2738 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا