كيف نستقبل رمضان ؟.. (1)

الأولى: كيف نستقبل رمضان ؟.. (1)
الحمد لله ربّ العالمين، نحمده سبحانه حمدًا يليق بجلال وجهه وواسع ملكه وعظيمِ سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك الله، إله الأولين والآخرين، لا ربّ غيرُهُ، ولا معبودَ بحقّ سواه، وأشهدُ أنَّ محمّدًا عبده ورسوله، أرسله الله إلى الإنس والجن بالكمالات، فبلّغ الرسالة وأكملها، وأدّى الأمانةَ وأتمّها، صلى الله عليه وعلى آله الطيّبين الطاهرين، وأصحابِهِ الغُرّ الميامين، ومن تبِعَهم من الإنس والجنّ أجمعين وسلّم، ثم أمّا بعد:
معاشر المؤمنين: أوصيكم ونفسي بتقوى الله عزّ وجلّ، فإنّ تقواه أفضل زاد، وأحسنُ عاقبةٍ في المعاد، وأهنئكم جميعا وأهنئ التّونسيّين و المسلمين بقدوم شهر رمضان المبارك الكريم أعاده الله علينا مرّات عديدة و كرّات مديدة.. قال الله تعالى :" يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون "، ( سورة آل عمران: 102 )، وقال سبحانه : " يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم ". ( سورة الأنفال الآية : 29 )، وقال سبحانه: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون ". ( سورة آل عمران الآية: 200 )..
سيطلّ علينا إن شاء الله بكل ما فيه من الخيرات والبركات وإنّ شهرا كرمضان نزل فيه كتابٌ ملأ العقولَ حكمةً، والقلوبَ طهارةً، لذو طلعة مباركة ومقدم كريم، كيف لا وهو شهرٌ أوّلُهُ رحمةً، وأوسطُهُ مغفِرَةً، وآخرُهُ عِتْقٌ مِنَ النَّارِ.. شهر رمضان، فيه ليلةُ العبادةِ، فيها خيرٌ من عبادةِ ألفِ شهرٍ، أليس فيه ليلةُ القدرِ، شهرُ رمضانَ مليءٌ بالبركات، مليءٌ بالتجليات، مليءٌ بالفتوحاتِ، ولكن كيف السبيل للنيل، كيف السبيل للربح ؟..
السّبيل أن تلتزم يا أخي المؤمن بقول الله تعالى: " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم "، هذا السّبيل في رمضان وغير رمضان للرّبحِ و الفوز، السّبيل للجنّة، السّبيل لحوض محمّد المورود، السّبيل إلى ذلك أن تتعلّموا وتُخْلِصوا لوجه الله الكريم..
فإلى متى يقصّر المقصّرون بأداء الصلوات الخمس ؟.. إلى متى يبخل البخيل بأداء ما فَرَضَ الله عليه من الزكاة ؟.. إلى متى يُهْمِل المهمل لعلوم الدين ؟.. إلى متى يغفل الواحد منّا عن أن يكون داعيا إلى الله يجاهد لإبادة الكفر والأباطيل ؟.. إلى متى ينام الواحد على فراشه ولا يحمل همّ هذه الأمّة ولا يحمل همّ نشر الدعوة إلى الله ؟.. إلى متى ينشغل الزوج بزوجته والأب بأولاده والرجل بأمواله وذهبه عن آخرته ؟.. إلى متى تغفلون عن يوم تشيب فيه الولدان يوم تبيضّ وجوه وتسودّ وجوه ؟.. إلى متى ينشغل الواحد منّا بدنياه عن أخراه، بدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة ؟.. إلى متى تقصّر في السّعي إلى الجنّة ؟.. إلى جنّةٍ، شجرةٌ فيها تساوي الدنيا وما عليها.. شجرةٌ في الجنّةِ ساقُها من ذهب.. شجرةٌ في الجنّةِ يسير الرّاكبُ في ظلّها مائة سنة ولا يقطعها.. إلى جنّة فيها نعيم مقيم، فيها ما تشتهي الأنفس.. إلى متى تشغلنا الدّنيا عن الآخرة ؟.. إلى متى تنشغل بهمومٍ لا تبعدنا عن نار جهنَّمَ ؟.. اتّقوا الله حقّ تقاته في رمضان وغير رمضان..
الله يرانا وسيحاسبنا وسيسألنا عن علمنا ماذا عملنا به ؟.. هل تعلمت دينك ؟.. هل عملتَ بما تعلّمْتَ ؟.. هل أخلصتَ ؟.. ماذا عملت بجسدك كيف أبليته ؟.. حضّروا الأجوبة ليس المهمّ طعام السّحور، وليس المهمّ طعام الفطور، المهمّ أن تكسبوا في رمضان و توجّهوا اهتمامكم لآخرتكم..
أحبّتي في الله: الجنّة شيء عظيم، فإيّاكم، إيّاكم والغفلة، إيّاكم والتقصير والكسل، الجنّة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.. إذا اشتهوا فاكهة تصل إليهم، إذا اشتهوا لحما يأتيهم مطبوخا و في ذلك يقول تبارك و تعالى: " و فاكِهَةٍ مِمَّا يتخيَّرونَ * و لحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يشْتَهُون ".. الجنّة نعيم عظيم ليس فيها غمّ ولا همّ ولا يأس، يقول ربّنا تبارك وتعالى: " يا أهل الجنّة أأنتم راضون ؟.. فيقولون: وكيف لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعطه أحدا من خلقك ؟.. فيقول سبحانه: " أعطيتكم ما هو أعظم من ذلك، أحلّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا "..
يا إخوة الإيمان طريق الجنّة صعب.. فيه مشقة، فيه مكاره، فيه ما لا تقبله أنفسنا، فيه ما يصعب علينا.. لكن طريق جهنّم سهلة، فمن أراد النّار فطريق النّار معروف، ومن أراد الجنّة وسعى لها سعيه هذا، هو الفائز ليس من السعي.. للجنّة أن تفطر على خمسين صنفا من الطعام، ليس من السعي.. للجنّة أن تأكل عند السّحور ما لذّ وطاب، ليس من السعي.. للجنّة أن تُمضي رمضان في الّلهو والمزح وسهرات الطرب والأنس بما لا يرضي الله، ليس هذا من السعي.. للجنّة السعي بالعلم والعمل والإخلاص..
فاتقوا الله نحن على مشارف شهر تفتح فيه أبواب الجنّة وتغلق أبواب النّيران وتصفّد الشياطين.. يقول عليه الصّلاة والسّلام عنه: " من تقرّب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدّى فريضة فيما سواه، من عمل في رمضان خصلة خير كان كمن أدّى فريضة فيما سواه، ومن أدّى فريضة فيه كان كمن أدّى سبعين فريضة فيما سواه "..
فاتقوا الله وواسوا الفقراء والمساكين بأموالكم، وأكثروا من دعوة الأقارب والأحباب إلى الإفطار، إذا فطّرت صائما عندك ولو على مرقة ماء أو لبن فثوابك عظيم، فكيف إذا أكرمته بأنواع الطعام وتذكّروا أنّنا في شهر رمضان مطالبون بكفّ ألسنتنا، بل من باب التأكيد نحن في رمضان وغيره منهيون عن الغيبة والنميمة، لكن في رمضان يتأكد في حقّ الصّائم أن يكفّ لسانه عمّا حرّم الله..
اللهمّ أخرجنا من ظلمات الجهل و الوهم، إلى نور العلم و الفهم.. و أكشف لنا عن كلّ سرٍّ مكتوم يا حيّ يا قيّوم، يا ذا الجلال و الإكرام يا ربّ العالمين..
أقول قولي هذا واستغفر الله العلي العظيم لي ولكم..

الثانية: رمضان و حال البلاد
الحمد للهِ على إحسانهِ ، والشّكرُ له على توفيقِه وامتنانه ، وأَشهدُ أَنْ لا إله اللهُ وحده لا شريك له تعظِيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعِي إلى رضوانه , صلى اللهُ عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسلِيما كثيرا.. أمّا بعد:
عباد الله: إنه ليَجدُر ببلدنا تونس التي تعيش اليوم مرحلة انتقالية مصيرية من أشدّ مراحل حياتها: أن تجعل من هذا الشهر نقطة تحوُّل، من حياة الفرقة والاختلاف، إلى الاجتماع على كلمة التوحيد والائتلاف، وأن يكون هذا الشهر مرحلة تغيّر في المناهج والأفكار والآراء، في حياة الجماعات والأفراد، لتكون موافقةً للمنهج الحقّ الذي جاء به الكتاب والسنّة، وسار عليه السّلف الصّالح - رحمهم الله تعالى - وبذلك تُعيد البلاد طبيعتها و تقاليدها، وماضيها المشرق المجيد، الذي سطّره تاريخ المسلمين الزاخرُ بالأمجاد والانتصارات في هذا الشهر المبارك، وما غزوة بدر الكبرى، وفتح مكة، ومعركة حطين، ووقعة عين جالوت، وغيرها إلا شواهدُ صدق على ذلك..
في رمضان: نسأل الله تعالى أن تتجسد ملامح التلاحم بين التونسيين حكّاما ومحكومين.. علماءَ وعامّة.. كبيرا وصغير، ذكورا و إناث ليكون الجميع يداً واحدةً، وبناءً متكاملاً، لدفع تيارات الفتن، وأمواج المحن، أن تخرق السفينة، وتقوّض البناء، ويحصل جرّاءها الخلل الفكريّ والاجتماعي..
في رمضان: نأمل أن تتكاثر دواعي الخير، وتقبل عليه النّفوس، فهو فرصة للدّعاة والمصلحين، وأهل الحسبة والتربويين: أن يصلوا إلى ما يريدون من خير لبلدنا الغالية على كلّ تونسيّ بأحسن أسلوب وأقوم منهاج، فالفرصة مواتية، والنّفوس مقبلة..
في رمضان: ننتظر من أولادنا و بناتنا تحقيق دورهم، ومعرفة رسالتهم، وقيامهم بحقّ ربّهم، ثمّ حقوق ولاّتهم ووالديهم ومجتمعهم و أمّتهم..
من يباح لهم الفطر ؟..
* المريض.. و المسافر..
* الشيخ الذي لا يقوى على الصيام..
* الحامل أو المرضع إذا خافت على نفسها أو ولدها..
* الحائض و النّفساء ( المرأة عقب الولادة )..
* حكم المفطرين في شهر رمضان
* من أفطر في رمضان بعذر شرعي كالمرض و السفر و الحمل و الرّضاعة، عليه أن يصوم بعد زوال عذره، عن كلّ يوم أفطره يوما آخر و هذا ما يسمّى " القضاء "..
* أمّا إذا كان لا يستطيع الصّوم عن الأيام التي أفطر فيها في رمضان، كالشيخ العجوز أو المريض مرضًا شديدًا لا يرجى شفاؤه، هؤلاء عليهم أن يطعموا عن كل يوم أفطروه مسكينًا، من الطعام المعتاد الذي يتناولونه ( من أوسط ما تطعموا أهاليكم )..
فاتقوا الله - عباد الله - وأدركوا حقيقة الصّوم وأسراره، وتعلّموا آدابه وأحكامه، وصونوا صومكم عن النواقض والنواقص، وجدّدوا التوبة وحقّقوا شروطها، لعلّ الله أن يتجاوز عن ذنوبكم، ويجعلكم من المرحومين المعتقين من النار بمنّه وكرمه..
إن الكيّس اللبيب من جعل من ذلك فرصة لمحاسبة النّفس، وتقويم اعوجاجها، وأطْرِهَا على طاعة ربّها قبل أن يفاجئها الأجل، فلا ينفعها حينذاك إلا صالح العمل، فعاهدوا ربّكم يا عباد الله في هذا الشهر المبارك على التوبة والندم، والإقلاع عن المعصية والمأثم، واجتهدوا في الدّعاء لأنفسكم وإخوانكم وأمتكم.. و أمّنوا فإنّني داع..
اللهم فصلّ و سلّم و بارك على سيدنا محمد النبيّ المصطفى المختار، و على آله الطاهرين الأخيار، و صحابته الميامين الأبرار، المهاجرين منهم و الأنصار.. اللهم إنّا نسألك أن تعزّ الإسلام و المسلمين، و أن تذلّ الشرك و المشركين، و أن تجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدّين.. اللهم ها نحن نرفع أكفّ الضراعة إليك نرجو رحمتك ونخشى عذابك.. اللهم فرّج همّ المهمومين، ونفّس كرب المكروبين، و اقض الدّيْن عن المدينين، و اشف مرضانا ومرضى المسلمين،، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كلّ مكان، و أمّنهم في أوطانهم و عاف مرضاهم و اشف صدورهم، و ارحم موتاهم و اشف غيظ قلوبهم و ألّف بينهم و وحّد صفوفهم.. اللهم بارك لنا في شهر رمضان و اختمه لنا برضوانك، و أجرنا فيه من عقوبتك و نيرانك، وجُدْ علينا بفضلك و رحمتك ومغفرتك و امتنانك، و هب لنا ما وهبته لأوليائك.. اللهمّ نبّهنا فيه عن نومة الغافلين، و قرّبنا فيه إلى مرضاتك، و جنّبنا فيه سخطك و نقمائك، و وفّقنا فيه لقراءة آياتك برحمتك يا أرحم الراحمين.. اللهمّ ارزقنا فيه الذّهن و التّنبيه، و باعدنا فيه عن السّفاهة و التمويه، و اجعل لنا نصيبا من كلّ خيرٍ تُنْزِلُ فيه، بجودك يا أجود الأجودين. اللهمّ ارزقنا فيه رحمة الأيتام، و إطعام الطّعام، و إفشاء السلام، و صحبة الكرام، بطولك يا ملجأ الآملين. اللهم أنزل علينا من سحائب جودك فيوض الأرزاق، و أقم لنا سعادة الدّارين على دعامة الأخلاق.. اللهم أسعد الفقراء و المساكين على أيدينا يا أرحم الراحمين .. اللهم ثبتنا على كلمة التوحيد عند النزع و السؤال، و امنحنا بها الأمن و الفوز و السلام.. اللهم أبرم لهذه الأرض الطيبة أمر رشد يؤمر فيه بالمعروف و ينهى فيه عن المنكر.. ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم و اغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم.. وصلّى الله وسلم على سيدنا محمّد وعلى آله الطيّبين الأخيار الأطهار وصحابته الميامين الكرام الأبرار الأنوار ومن تبعهم بإحسان إلى يوم البعث والقرار..

الشّيْخ محمّد الشاذلي شلبي
الإمام الخطيب
جامع التوبة برادس - تونس
المشاهدات 1025 | التعليقات 0