( كيف نربي أولادنا على الصلاة )للشيخ صالح محمد الجبري
منصور الفرشوطي
1434/06/22 - 2013/05/02 20:06PM
بسم الله الرحمن الرحيم
كيف نربي أولادنا على الصلاة
نحن اليوم نحتاج إلى آباء يربون أكثر مما نحتاج إلى آباء يغذون، والعجيب أن الكثيرين اشتغلوا بالتغذية ونسوا التربية، وإذا كانت محاضن التربية التي يمكن أن يتربى فيها الأبناء هي:
1- المسجد
2- المجتمع
3- المدرسة
4- المنزل
والمنزل أهمها، أهم مكان يتربى فيه الابن هو المنزل، بعد ذلك المسجد، بعده المدرسة ثم المجتمع.
لذلك إذا لم نربي أبنائنا في المنازل فستدفع الثمن غالياً، وذلك لأن الابن يقضي مع أمه خلال سنواته السبع الأولى من حياته أكثر مما يقضي في المدرسة بسبعة أضعاف، لذلك تربية الوالدين للولد أهم بكثير من تربية المسجد والمدرسة والمجتمع.
وكما تعلمون هناك في القرآن الكريم سورة اسمها سورة لقمان، وفي هذه السورة حدثنا ربنا سبحانه وتعالى عن لقمان الرجل الصالح بالطبع لم يحدثنا عن سيرته الشخصية لكنه حدثنا عن سيرة لقمان الأب وهو ينصح ابنه.
(وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان: 13). (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (لقمان: 17). يا بني، يا بني، يا بني، وهنا نلاحظ أن الله سبحانه اختار من سيرة لقمان كلها سيرة الأب الذي يعلم ابنه.
لذا يجب عليك أيها الأب أن تتحدث مع أولادك في موضوع الدين، يجب أن تجلس معهم وتعلمهم أن الله عز وجل أحل لنا كذا وكذا وحرم علينا كذا وكذا، قل لهم يا أولادي أجمل الأوقات عندي عندما أراكم واقفون بين يدي الله تصلون، يا أولادي كل سعادتي أن تكونوا من الصالحين.
وأمر أهلك بالصلاة: وكن جاداً في ذلك ولا تتركهم يصلون أحياناً ويتركون أحيانا، بل أأمرهم دائماً وعلمهم أن أمور الآخرة مقدمة على أمور الدنيا في جميع الأحوال والظروف وأنه لا مجال للمنافسة بينهما، فأداء الصلاة في وقتها أهم من أداء الواجبات المدرسية، وإدراك ركعة أولى من إدراك لعبة كرة القدم، ومراعاة أوقات الصلاة أهم من مراعاة صديق أو مكالمة هاتفية أو برنامج في التلفاز قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يحدثنا ونحدثه، حتى إذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه)
ونرى أن أسلوب الترغيب والملاطفة بالكلام، هو الأسلوب الأمثل لأمر الأولاد بالصلاة، الكلمة الطيبة، فبدلاً أن تقول له يا قم إلى الصلاة يا زفت أو يا فاسق( كما يفعل بعض الآباء اليوم هداهم الله) قل له يا قم يا ولدي قم شرح الله صدرك، يسر الله أمرك، قم جعلك الله من أهل الجنة، أمنحه هدية مثلاً بعد تأديته الصلاة، ورب فيه مراقبة الله تعالى، ربه على قول الله تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى) (العلق: 14). حتى يصلي في حضورك وغيابك، أيقظ فيه الضمير الحي والمراقبة الذاتية حتى لا يصلي خوفا منك، بل حبا وتعظيما ورغبة وطاعة لله، فلا تكن ممن يعود أولاده على مراقبته هو ويعتقد أنه يغرس المراقبة الإلهية في نفوسهم فتراهم لا يصلون إلا في حضوره وهذا مزلق خطير في التربية فأربطهم دائما بالله وليس بك أنت.
(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) (طه: 132).
وأصطبر عليها ما الفرق بين (اصطبر) وبين (اصبر) فالله عز وجل قال واصطبر عليها كلمة الصبر أربعة أحرف، كلمة (اصطبر) خمسة أحرف، وفي اللغة العربية يقولون: زيادة المبنى دليل على زيادة المعنى، فهذه زائدة في البناء عن أربعة أحرف فزيادتها دليل على زيادة المعنى، أي اصبر صبراً شديداً عليها، فأنت ليس من أول مرة تقول لابنك: يا ولدي تعال معي إلى المسجد فيذهب معك من فوره لا، بل ستقول له مرتين و أربعة وسبعة وعشرين وسبعين ومائتين و...، طيب إلى متى؟ واصطبر عليها، هل تعلمون كم مرةٍ ؟ يقول أحد الدعاة: جمعت أحاديث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم التي أمر فيها أمته بالصلاة، أما بشكل مباشر أو غير مباشر نظرياً وعملياً وكانت النتيجة أن صلى الله عليه وسلم أمرنا بالصلاة ستين ألف وسبعمائة مرة وأكثر.
سبحان الله ألم يتعب صلى الله عليه وسلم، ألم يمل من كثرة الحديث في الصلاة بالطبع لا فهو أراد أن يذكرنا بأهمية الصلاة، وأراد أن يقول لنا لا تيأسوا من عدم الاستجابة السريعة لكم من أهليكم وأولادكم فالأمر يحتاج إلى اصطبار (واصطبر عليها) تريد من ابنك أن يصلي هكذا بكل بساطة، يجب أن تقول له مرة تلو المرة وستين ألف مرة، ويجب أن تدعو له بالليل والنهار، ويجب أن تجد الوسائل المرغبة له في الصلاة.
وبعض الآباء يأمرون أولادهم بالصلاة عدة مرات فإذا لم يستجيبوا لهم، أصابهم اليأس وتركوا الأمر أو انتقلوا فوراً للضرب مستدلين بقول النبي صلى الله عليه وسلم (علموا أولادكم الصلاة لسبع سنين واضربوهم عليها لعشر) وهذا فهم خاطئ لمعنى الحديث الشريف يقول الدكتور علي الزهراني استشاري الطب النفسي (على حد علمي فإن هذا الحديث الوحيد الذي ذكر موضوع الضرب وفي الصلاة، "لأن الوالدان يضربان على أتفه الأسباب وتحت مبررات واهية لا علاقة لها بالصلاة البتة، ولو أن بعض العلماء فسروا هذا الحديث بالقول أنّ هناك شروطاً أغفلها الكثير من المربين عند تطبيق هذا الحديث، حيث يرى الكثير من المفسرين لهذا الحديث أن الغالبية العظمى من الأطفال (نسبتهم قد تصل إلى 90%) سوف يستجيبون خلال المدة المحددة والتي هي ثلاث سنوات، لأنه لو قام الآباء بتوجيه الأبناء وأمرهم بالصلاة سيكون لدينا خمسة أوامر في اليوم أي بمعدل 150 أمر في الشهر و1800في العام و5400أمر خلال الثلاث سنوات، وهي كافية لجعل هذه الفئة تستجيب بدون ضرب فهل قام أحد من الآباء بهذه المهمة كما يجب حتى لا يلام بعد ذلك، لا اعتقد أن أحداً قام بها إلا من رحم الله وهم قليل لأن القضية تحتاج إلى جهد واصطبار من الذين يعرفون أهمية مسؤوليتهم عن تربية أهليهم وأولادهم على الصلاة لأن الله سبحانه وتعالى قال لهم :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم: 6).
(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) (طه: 132).
لا نسألك زرقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى. ما دخل الصلاة بالرزق؟ حتى لا يقول أحد أنا أعمل طوال النهار أو الليل حتى آتي بالرزق للأولاد وليس لدي وقت لأمرهم بالصلاة لا، لا نسألك رزقا نحن نرزقك.
أي فيه دفع لما يخطر ببال أحد من أنّ المداومة على الصلاة ربما تضر بأمر الرزق فقد يوسوس الشيطان لبعض الناس بهذه الفكرة، وأنّ الصلاة ستعطله عن طلب الرزق فكأنه قال: داوموا على الصلاة غير مشتغلين بأمر طلب الرزق عنها، إذا لا نكلفكم رزق أنفسكم فنحن نرزقكم، فلا تقلقوا على الرزق ولا تتركوا الصلاة انشغالاً بالرزق، ولا تظن أن الانشغال بالصلاة ينقص رزقك ورزق أولادك، لا، لأن الرزق ليس عليك أنت فالرازق هو الله سبحانه (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ*فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَاْلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ)، نحن من يرزقك ويرزق أولادك لذلك لا تنشغل بهذا عن تربية أولادك على الصلاة.
لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى، وهذا يدل على أن الصلاة سبب لإدرار الرزق وسبب لكشف الهم، جاء عن عبدالله بن سلام رضي الله عنه أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزلت بأهله شدة أو ضيق أمرهم بالصلاة وتلا (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ) وعن الإمام أحد عن ثابت وغيره قال (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصابت أهله خصاصة (أي حاجة أو شدة) نادى أهله بالصلاة قال ثابت وكان الأنبياء عليهم السلام إذا نزل بهم أمر فزعوا إلى الصلاة وأمروا أهليهم بذلك أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً). فهل يفهم الناس ذلك؟ أقول ماتسمعون واستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
فمن أراد لأبنائه الصلاح والتوفيق والفلاح فليربط أبناءه بالصلاة والمساجد وكما يهتم بأحوالهم الدراسية فلا يهمل أحوالهم العبادية وكما يوقظ أبناءه بحزم للذهاب للمدرسة فلا يتهاون في إيقاظهم لصلاة الفجر، وليكن لنا في عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أسوة وقدوة، إذ كان حريصاً على إيقاظ أبنائه للصلاة، فعن أم ياسين خادمة ابن عباس قالت: إنّ ابن عباس كان يقول (أيقظوا الصبي للصلاة ولو سجدة) يعني ولو سيلحق سجدة واحدة.
ثانيا: على الآباء أن يكونوا قدوة حسنة لأبنائهم في المحافظة على الصلاة لأنه لا يمكن للآباء أن يأمروا أبنائهم بالصلاة وهم ينامون عنها أو يؤخرونها عن وقتها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ) (الصف: 2).
ثالثا: على الأمهات دور كبير جداً في حث ومتابعة وتأدية الأبناء والبنات للصلاة وعلى كل فتعاون الآباء والأمهات أمر ضروري لإنجاح جهودهم على الصلاة، ودلالتهم على الخير كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) ولكم أن تتخيلوا كم من مرة سيصلي أبناؤكم في حياتهم من فرائض ونوافل، وكيف إذا كان لديكم عدد من الأبناء فكم من الحسنات ستأتيكم خمس مرات يومياً وكم يستمر هذا الأجر إلى ما شاء الله في ميزانكم وتلقونه يوم القيامة أمامكم؟.
خامسا: أربطوا بين حبكم وبغضكم لأولادكم وبين محافظتهم على الصلاة فالأحب والأقرب لقلوبكم هو المصلي، وتقل المحبة بقدر التهاون بالصلاة وإذا كنتم تفعلون ذلك في أمور الدنيا، فلماذا لا تكون الصلاة هي الأولى.
سادساً: لا مانع من استخدام أسلوب المكافأة والتحفيز أو أسلوب تنفيذ طلبات الأولاد المعقولة وربط ذلك بشترط تأدية الصلاة في وقتها. (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً) (النساء: 103).
سابعا: استخدام أسلوب الوعظ وربط الأولاد بحب الله وتعظيمه وبما أعده سبحانه للمحافظين على الصلاة عامة يوم القيامة وترغيب الأولاد بذلك كما قال تعالى: (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ. أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ).
ثامنا: الدعاء والإكثار منه للأولاد بالصلاح وإقامة الصلاة والإلحاح في ذلك على رب العباد سبحانه كما جاء في القرآن الكريم (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء) (إبراهيم: 40).
تاسعا: في تربية الأولاد على الصلاة تذكر أيها الأب مسؤوليتك أمام الله، وتذكر أنك لست معذوراً وأنّ عليك أن تأمرهم بالصلاة بدون كلل أو ملل، وبدون يأس أو قنوط وإذا كنت تعتقد أن بمقدورك أن تدخل الجنة وحدك فأنت مخطئ لأن أولادك سيتعلقون بك يوم القيامة ويشكونك لله فما أنت قائل له، هل ستقول أمرتهم مرة وعشر ومائة وألف ثم يئست، أم ستقول بذلت كل ما في وسعي وفي الحقيقة أنك لم تفعل ولم تبذل فيما وسعك ولم تبذل إلا القليل من جهدك ووقتك وانشغلت بأمور الدنيا فما أنت قائل لربك غدا وقد قال لك (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) (طه: 132) هل عملت بهذه الوصية كما طلب الله منك وكما أراد نسأل الله الهداية للجميع.
خطيب جامع أم الخير
صالح محمد الجبري
المشاهدات 3690 | التعليقات 3
@شبيب القحطاني 16065 wrote:
جزاك الله خيرا
وياك
الملف مرفق
المرفقات
https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/1/2/6/خطبة%20كيف%20نربي%20أولادنا%20على%20الصلاة.doc
https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/1/2/6/خطبة%20كيف%20نربي%20أولادنا%20على%20الصلاة.doc
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق